لماذا تختفي يارب في أزمنة الضيق؟
قال لي صديق عزيز علي نفسي وهو يمر بتجربةً صعبة ، لماذا يختفي الله في ازمنة الضيق؟ كما تسأل داود النبي قديما " يا رب لماذا تقف بعيدا لماذا تختفي في إزمنة الضيق" (مز 10 : 1) . وقد صرخ المرنم إلي الله طالباً الأنصاف " قم يا رب يا الله ارفع يدك لا تنس المساكين. لماذا اهان الشرير الله لماذا قال في قلبه لا تطالب. قد رايت لانك تبصر المشقة و الغم لتجازي بيدك، اليك يسلم المسكين امره انت صرت معين اليتيم"مز12:10-14.إن ما نمر به من تجارب صعبة سواء أمراض صعبة أو أضطهادات تتعرض لها الكنيسة ،او حتي أنقسامات داخل البيوت او الكنيسة او المجتمع .وما نتعرض له من أزمات نفسية أو اقتصادية أو اجتماعية ، وما يتعرض له البعض من ظلم او ضيقات أو أفتراء وتجريح كلها مدعاة للتسأول اين الله من كل هذا ؟ ولماذا يبدوا أنه حجب وجهه هنا وأختفي؟
حلول مختلفه لمشكلات قائمه...
تسألت النفس البشرية أو الكنيسة قديما فاجابها الرب سريعاً " و قالت صهيون قد تركني الرب و سيدي نسيني. هل تنسى المراة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها حتى هؤلاء ينسين و انا لا أنساك. هوذا على كفي نقشتك اسوارك امامي دائما"(أش 14"49-16).
كثيرين يقولون لماذا ولا يسمعون الأستجابة ؟ ويبقوا يصارعوا بمفردهم علْهم يجدون الحلول أو يلجاوا لحلول بشرية خاطئة وغير مدروسة ، البعض يهرب من مشاكله بالادمان أو يُعثر ويترك الإيمان ،والاخر يلجأ الي الهروب او التأجيل ، أخرون يقعوا في التذمر او الشكوى والبعض ينطوي علي ذاته او يقع في اليأس . البعض يعالج الضيقات بالصبر والعمل علي ايجاد أفضل الحلول ويبدأ بالعمل الأيجابي للوصل للحل والراحة . أن داود النبي تسأل هكذا لكنه وجد الاجابة داخله من الله ."لماذا انت منحنية يا نفسي و لماذا تئنين في ارتجي الله لاني بعد احمده لاجل خلاص وجهه" (مز 42 : 5)
أمثلة من الكتاب المقدس...
- لقد تأني الله علي أبو الاباء ابراهيم وهو يصلي من أجل ان يرزقه الله ولداً رغم وعد الله واستعجل ابونا ابراهيم وتزوج بهاجر ليرزق نسلاً لكن الله أعطاه النسل الموعود بعد تأخر الاستجابة لحوالي ربع قرن! ثم كبر الصبي وطلب الله منه ان يقدمه ذبيحة لله! أنه الاختبار الصعب لتخْتبر محبة أبراهيم لله ويكون مثالاً وأب المؤمنين في كل زمان.
- وايوب البار كان رجلا بارا كاملا في جيله وحسده الشيطان لبره وتقواه وهكذا سمح الله له بالتجارب الواحده تلو الاخري، فقد الممتلكات وموت الابناء والمرض الطويل والصعب ، وفوق كل هذا تقُول الاصدقاء وافترائهم عليه وحتي زوجته " فقالت له امراته الي متي أنت متمسك بعد بكمالك بارك الله و مت: (اي 2 : 9). وصبر إيوب الي ان رد الله له مافقده ازيد مما كان وعوضه بالنسل الصالح والعمر الطويل والابدية السعيدة ليكون مثالاً في الصبر والعمل الصالح والسيرة الحسنة.
- لقد حسد يوسف الصديق أخوته وارادوا التخلص منه ، فالقوهُ في بئر ثم باعوه عبدا وظنوا انهم بذلك قد تخلصوا منه ولكن ظلت ضمائرهم تبكتهم حتي عندما وقعوا في الضيقة " و قالوا بعضهم لبعض حقا اننا مذنبون الى اخينا الذي راينا ضيقة نفسه لما استرحمنا و لم نسمع لذلك جاءت علينا هذه الضيقة" (تك 42 : 21).ولعل يوسف البار كان يتسأل لماذا تختفي يارب في أزمنة الضيق ولماذا يظلمني أخوتي وفي بيت فوطيفار لم يخطئ يوسف ودُفع به ظلماً إلي السجن، إلي أن فسر أحلام ساقي وخباز الملك ثم أحلام فرعون نفسه ورفعه فرعون وكان سبباً لنجاة مصر وذويه من المجاعة ولقد كان يوسف نبيلا في تعامله مع أخوته وفهم خطة الله له " و لما راى اخوة يوسف ان اباهم قد مات قالوا لعل يوسف يضطهدنا و يرد علينا جميع الشر الذي صنعنا به. فاوصوا الى يوسف قائلين ابوك اوصى قبل موته قائلا: هكذا تقولون ليوسف آه اصفح عن ذنب اخوتك و خطيتهم فانهم صنعوا بك شرا فالان اصفح عن ذنب عبيد اله ابيك فبكى يوسف حين كلموه. و اتى اخوته ايضا و وقعوا امامه و قالوا ها نحن عبيدك. فقال لهم يوسف لا تخافوا لانه هل انا مكان الله. انتم قصدتم لي شرا اما الله فقصد به خيرا لكي يفعل كما اليوم ليحيي شعبا كثيرا" تك( 15:50-20 ). هكذا ان راينا ظلم الأشرار والضيقات تحيط بالصديقين والمؤمنين فلنصبر ونصلي ونطلب تدخل الله في الوقت المناسب "ان رايت ظلم الفقير و نزع الحق و العدل في البلاد فلا ترتع من الامر لان فوق العالي عاليا يلاحظ و الاعلى فوقهما" (جا 5 : 8)
- وهذا ايضا حدث مع زكريا الكاهن واليصابات وتأخر الله في أعطاهم نسل الي ان شاخا ليعلما ان غير المستطاع لدي الناس مستطاع لدي الله وانه في الوقت المناسب رزقهم الله بأعظم مواليد النساء..
- القديس بولس الرسول وتجاربة وجهاده وقداسته لم تمنع عنه الآلم حتي قال ذات مرة " فاننا لا نريد ان تجهلوا ايها الاخوة من جهة ضيقتنا التي اصابتنا في اسيا اننا تثقلنا جدا فوق الطاقة حتى ايسنا من الحياة ايضا" (2كو 1 : 8) لكن في ضعفه ويأسه لم يكن متروك " و لكن لنا هذا الكنز في اوان خزفية ليكون فضل القوة لله لا منا.مكتئبين في كل شيء لكن غير متضايقين متحيرين لكن غير يائسين. مضطهدين لكن غير متروكين مطروحين لكن غير هالكين. حاملين في الجسد كل حين اماتة الرب يسوع لكي تظهر حياة يسوع ايضا في جسدنا"(2كو7:4-10). ورغم انه كان بصلواته يشفي الكثيرين من أمراضهم الا انه قد أعطي شوكة في الجسد " و لئلا ارتفع بفرط الاعلانات اعطيت شوكة في الجسد ملاك الشيطان ليلطمني لئلا ارتفع. من جهة هذا تضرعت الى الرب ثلاث مرات ان يفارقني. فقال لي تكفيك نعمتي لان قوتي في الضعف تكمل فبكل سرور افتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحل علي قوة المسيح. " 2كو7:12-9 .
الله يعمل من أجلنا...
أن الله يعمل دائما من أجل خلاصنا وأبديتنا والاشجار المعمرة عندما تتعرض للرياح تذداد جذورها أمتدادا في التربة فتثبت وتتأصل ، والنخيل العالي الثمر يتعرض للقذف بالأحجار فيلقي بأطيب الثمر . اننا ان كنا خطأة فبالتجارب نتنقي وان كنا ضعفاء فبالتجارب نتقوي وان كنا صديقين فبالتجارب تذداد أكليلنا ومكأفاتنا لدي الله " ها نحن نطوب الصابرين قد سمعتم بصبر ايوب و رايتم عاقبة الرب لان الرب كثير الرحمة و رؤوف" (يع 5 : 11). لقد أنهارت الشيوعية والألحاد في الدول الشرقية بعد سبعين عاما من الأضطهاد ورجع الملايين للأيمان المسيحي والله الطويل الأناة يقول لنا صلوا واسهروا وأصبروا علي الضيقات " و ليس ذلك فقط بل نفتخر ايضا في الضيقات عالمين ان الضيق ينشئ صبرا. و الصبر تزكية و التزكية رجاء" (رو3:5-4).
لم ولن يختفي الله يا صديقي في أزمنة الضيق أنه موجود ويعمل وان اراد الناس بنا شراً فهو ضابط الكل قادر ان يحوله الي خيرنا لكن علينا ان نري يد الله الحنونة في الأحداث ولا نلجا الا اليه بالركب المنحنية والايدي المرفوعة والكتاب المقدس المفتوح والتوبة الدائمة .
نقول دائما ان الشمس قد غابت وان كانت الشمس لا تغيب لكن الأرض هي التي تعطي ظهرها للشمس ..نحن كثيراً ما نعطي الله القفا لا الوجه ونقول اين أنت يالله؟ ولماذا تتركني وحيداً أصارع الامواج وتيارات الأثم ؟ لماذا تترك الظالم والمفسد والخائن يرتع في الأرض ؟
يراقب الله جهادنا..
من القصص المؤثرة التي جاءت عن القديس الأنبا أنطونيوس انه ذات مرة تعرض لحرب قوية من أبليس ولما أشتدت الحرب ولم يستطع أن يحتمل صرخ إالي الله فجاء اليه ونصره وعندما تسأل القديس أين كنت يارب ؟ أجابه نعم كنت حاضر أراقب جهادك ولما طالبتني وصرخت نحوى وجدتني! فهل نطلب الله بثقة في محبته " أطلبوا الرب ما دام يوجد ادعوه و هو قريب" (اش 55 : 6).وهل نحتمل التأديب ونقول ان كل ما يقع علينا هو بسماح منه ولفائدتنا وخلاصنا أم نتذمر ونشتكي "أن كنتم تحتملون التاديب يعاملكم الله كالبنين فاي ابن لا يؤدبه ابوه" (عب 12 : 7).
إن صبرنا له أجر تام وان أحتمالنا وشكرنا في الضيق ينشئ لنا ثقل مجد أبدي وان مطالبتنا بحقوقنا وقيامنا بواجباتا لهو من صميم أيماننا .ان ايماننا بعداله قضايانا وبعدالة السماء يجعلنا نعمل بلا كلل ونصلي باستمرار ونطلب تدخل السماء "فاجبتهم و قلت لهم ان اله السماء يعطينا النجاح و نحن عبيده نقوم ونبنى" (نح 2 : 20)" ، أن حياتنا ستنتهي ولكن يا ليتها تنتهي من أجل عمل صالح وعندها سنقوم في قيامة الأبرار .
يستجيب لك الرب ...
يستجيب لك الرب في يوم شدتك ، ينصرك أسم إله يعقوب، يرسل لك عونا من قدسه، أقوياء قاموا علينا ، هم عثروا وسقطوا ونحن قمنا وانتصبنا، لان الرب لنا راعي فلا يعوزنا شئ ، في الضيق وجد شديدا . حقاً لولا انك يارب كنت معنا عندما قام الأشرار علينا لأبتلعونا ونحن أحياء . نجت أنفسنا من فخ الصياد، الفخ أنكسر ونحن نجونا، انتظر الرب و اصبر له و لا تغر من الذي ينجح في طريقه من الرجل المجري مكايد، أتقي الرب وأحفظ وصاياه واصبر علي التأديب فان الذهب يصفى بالنار والمختارين من الله في أتون التجارب . واعلم يا أخي اننا غرباء علي الأرض وحياتنا أشبار او كبخار يظهر قليلا ثم يضمحل ، فلتتطلع عيوننا نحو الله والسماء ومنها نستلهم الصبر والايمان والرجاء.