ﺍﻟﻤﻠﻌﻘﺔ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ
ﻛﺎﻥ ﺃﺣﺪ ﺍﻷﺛﺮﻳﺎﺀ ﻻ ﻳﺤﺴﻦ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﺃﺑﺪﺍً . ﻭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺛﺮﺍﺋﻪ ﺍﻟﻄﺎﺋﻞ ﻟﻢ ﻳﺤﺐ ﻓﻌﻞ ﺍﻟﺨﻴﺮ .
ﻭ ﺇﺭﺍﺩ ﺍﻟﺮﺏ ﺃﻥ ﻳﻌﻄﻴﻪ ﺩﺭﺳﺎً ﻓﻰ ﺣﺐ ﺍﻟﻌﻄﺎﺀ ﻭ ﺍﻹﻫﺘﻤﺎﻡ ﺑﺎﻟﻐﻴﺮ
ﻓﺤﺪﺙ ﺫﺍﺕ ﻟﻴﻠﺔ ﺇﻧﻪ ﺣﻠﻢ ﺇﺫ ﺑﻪ ﺃﻧﺘﻘﻞ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻭﺭﺍﺡ ﻳﺘﻨﻘﻞ ﻓﻲ ﺃﺭﺟﺎﺋﻬﺎ .
ﻭﺃﺛﻨﺎﺀ ﻃﻮﺍﻓﻪ ﻭﺟﺪ ﻗﺎﻋﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ ، ﻓﻠﻤﺎ ﺩﺧﻠﻬﺎ ﺭﺃﻯ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺪﺩﺍً ﻛﺒﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺠﻠﺴﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺪﺓ ﺣﻔﻠﺖ ﺑﺸﺘﻰ ﺃﺻﻨﺎﻑ ﺍﻷﻃﻌﻤﺔ .
ﻭﻟﻜﻨﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺤﺎﻭﻟﻮﻥ ﺍﻟﻤﺮﺓ ﺗﻠﻮ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﺇﻳﺼﺎﻝ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﻷﻓﻮﺍﻫﻬﻢ . ﻓﻴﺒﻮﺅﻭﻥ ﺑﺎﻟﻔﺸﻞ .
ﺫﻟﻚ ﻷﻥ ﺍﻟﺬﺭﺍﻉ ﺍﻷﻳﺴﺮ ﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻛﺎﻥ ﻣﺸﺪﻭﺩﺍً ﺇﻟﻰ ﺟﻨﺒﻪ .
ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺭﺑﻄﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﺭﺍﻉ ﺍﻻﻳﻤﻦ ﻣﻠﻌﻘﺔ ﺫﺍﺕ ﻳﺪٍ ﻃﻮﻳﻠﺔ . ﻳﺼﻞ ﻃﻮﻟﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺘﺮﻳﻦ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً. ﻓﻜﻠﻤﺎ ﺣﺎﻭﻝ ﺃﺣﺪ
ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﻳﻦ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻤﺎﺋﺪﺓ ﺃﻃﻌﺎﻡ ﻧﻔﺴﺔ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺗﻮﺻﻴﻞ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺋﺪﺓ ﺇﻟﻰ ﻓﻤﻪ ﺑﺴﺒﺐ ﻃﻮﻝ ﺍﻟﻤﻠﻌﻘﺔ .
ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻐﻀﺐ ﻳﻤﻼﺀ ﻭﺟﻮﻫﻬﻢ ﻭ ﺍﻟﺠﻮﻉ ﻳﻘﺮﺹ ﺑﻄﻮﻧﻬﻢ ﺭﻏﻢ ﻛﺜﺮﺓ ﻣﺎ ﺃﻣﺎﻣﻬﻢ ﻣﻦ ﻃﻌﺎﻡ .
ﻓﻠﻤﺎ ﺳﺄﻝ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﻗﻴﻞ ﻟﻪ :
ﺇﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﻴﻤﻮﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺔ ﻫﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻥ ﻟﻬﻢ ﻭ ﻟﻢ ﻳﻌﻄﻮﺍ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﻢ. ﺍﻷﻧﺎﻧﻴﻮﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﺤﺴﻨﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ. ﻭ ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻠﻮﺍ ﺧﻴﺮﺍً. ﻟﺬﻟﻚ ﻫﻢ ﻫﻜﺬﺍ ﺍﻷﻥ .
ﻓﺒﺮﻏﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻃﻌﻤﺔ ﺍﻟﺸﻬﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻨﻘﻄﻊ ﻋﻦ ﻣﺎﺋﺪﺗﻬﻢ ﺇﻻ ﺃﻧﻬﻢ ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺩﺭﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﺒﻊ ﻓﻜﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻔﻜﺮ ﻓﻰ ﻧﻔﺴﺔ ﻓﻘﻂ ﻟﻴﺲ ﻓﻰ ﻏﻴﺮﻩ ﻓﻠﻤﺎ ﺧﺮﺝ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺔ .
ﺇﺳﺘﺮﻋﻰ ﺇﻧﺘﺒﺎﻫﻪ ﺑﺎﺏ ﻏﺮﻓﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﺄﺳﺮﻉ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭ ﺩﺧﻠﻬﺎ .
ﻭﻟﺪﻫﺸﺘﻪ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪﺓ ﺭﺃﻯ ﺃُﻧﺎﺱ ﺃﺧﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﺣﺎﻝٍ ﻣﻄﺎﺑﻘﺔ ﻟﻠﺤﺎﻟﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ . ﻭ ﺍﻟﻤﺎﺋﺪﺓ ﻋﺎﻣﺮﺓ ﺑﺎﻟﻄﻌﺎﻡ . ﻭﺍﻷﺫﺭﻉ ﺍﻟﻴﺴﺮﻯ ﻟﻬﻢ ﻣﻤﺪﻭﺩﺓ ﻭﻣﺸﺪﺩﻭﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﺟﺴﺎﻣﻬﻢ . ﻭﺍﻟﻤﻼﻋﻖ ﺍﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﻣﺮﺑﻮﻃﺔ ﻓﻲ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ﺍﻟﻴﻤﻨﻰ .
ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺆﻻﺀ ﺑﻐﻴﺮ ﺍﻷﺧﺮﻳﻦ ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﻴﺾ ﻭﺟﻮﻫﻬﻢ ﺑﺎﻟﺴﺮﻭﺭ ﻭ ﺍﻟﻔﺮﺡ ﻭ ﺍﻟﻌﻄﺎﺀ.
ﻭﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺔ ﺃﺩﺭﻙ ﺳﺒﺐ ﺫﻟﻚ .
ﺇﺫ ﻭﺟﺪ ﺃﻥ ﻛﻼً ﻣﻨﻬﻢ ﻛﺎﻥ ﻳﻐﻤﺲ ﻣﻠﻌﻘﺘﻪ ﻓﻲ ﺻﺤﻨﻪ ﺍﻟﺬﻯ ﺃﻣﺎﻣﻪ ﺛﻢ ﻳﺮﻓﻌﻬﺎ ﻻ ﺇﻟﻰ ﻓﻤﻪ ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺇﻟﻰ ﻓﻢ ﺍﻟﺬﻯ
ﺃﻣﺎﻣﻪ .
ﻭﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻳﺄﻛﻠﻮﻥ .
ﻭﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﻐﺎﺩﺭ ﺍﻟﺜﺮﻱ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ ﻗﻴﻞ ﻟﻪ :
ﺃﻥ ﻫﺆﻻﺀ ﻫﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻥ ﻟﻬﻢ ﻭ ﺃﺣﺒﻮﺍ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻌﻄﺎﺀ ﻟﺬﻙ ﻫﻨﺎ ﺇﺳﺘﻄﺎﻋﻮﺍ ﺃﻥ ﻳﺄﻛﻠﻮﺍ ﻷﻥ ﻛﻼً ﻣﻨﻬﻢ ﺇﻫﺘﻢ ﺑﻐﻴﺮﺓ ﻭ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﺃﻧﺎﻧﻴﻮﻥ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﻴﻦ