ظلام الظروف ولمعان الإيمان .... من طعام وتعزية
ظلام الظروف ولمعان الإيمان
أما دانيآل فجعل في قلبه أنه لا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه، فطلب من رئيس الخصيان أن لا يتنجس
(دا 8:1)
لو وُجد زمن يصح أن يُعذَر فيه الإنسان على انحطاط مستواه، يكون هو زمن الأسرْ البابلي، إذ فيه قد انهدم النظام اليهودي، وزال سلطان الملك من يد وارث عرش داود منتقلاً إلى نبوخذنصر، وزال المجد عن إسرائيل، وبالجملة ذهب كل شيء مُبهج ومشجع، ولم يبق لبني يهوذا المسبيين إلا أن يعلِّقوا أعوادهم على الصفصاف، ويجلسوا ليبكوا مجدهم الزائل ونورهم المنطفئ وعظمتهم المنهدمة.
تلك هي لغة عدم الإيمان، ولكن تبارك اسم الله، فإنه عندما يظهر كل شيء منحطًا إلى أسفل الدركات، حينئذٍ يبرز الإيمان ظافرًا منتصرًا. ونحن نعلم أن الإيمان هو الأساس الصحيح الوحيد لاتباع الرب، وهو لا يطلب دعامة من الناس، ولكنه يجد كل ينابيعه في الله، لذلك كلما اشتد ظلام الظروف المُحيطة، كلما ظهر لمعان الإيمان بأكثر بهاء. وكلما تغطى أُفق الطبيعة بالسُحب القاتمة، كلما وجد الإيمان فرصة للتمتع بشمس الله المُشرقة.
على هذا المبدأ تمكن دانيال ورفقاؤه أن يتغلبوا على الصعاب التي وُجدت في زمانهم، فقد حكموا أنه يمكنهم التمتع بمركز ”الانتذار للرب“ ـ بكامل معناه ـ في بابل كما في أورشليم بالتمام، وقد حكموا بالصواب، وكان حكمهم حكم الإيمان النقي، وهو نفس الحكم الذي عاش بمقتضاه باراق وجدعون ويفتاح وشمشون قديمًا. هو نفس الحكم الذي حكمه دانيال نفسه في دور مستقبل من أدوار حياته عندما فتح كواه وصلى نحو أورشليم كعادته (دا 6). هو نفس الحكم الذي حكمه بولس الرسول الذي مع رؤيته تيار الارتداد والفساد قادمًا، يحرِّض ابنه تيموثاوس أن «يتمسَّك بصورة التعليم الصحيح» ( 2تي 1: 13 ). هو نفس الحكم الذي حكمه الرسول بطرس عندما حرَّض المؤمنين تجاه منظر انحلال جميع العناصر أن «يجتهدوا ليُوجدوا عنده بلا دنسٍ ولا عيبٍ، في سلامٍ» ( 2بط 3: 14 ). هو نفس حكم الرسول يوحنا عندما حرَّض حبيبه غايس، وسط التشويش والسيادة البشرية، أن «لا يتمثل بالشر، بل بالخير» (3يو11). وهو نفس حكم يهوذا الذي مع تبيانه أنواع الشرور الكثيرة السائدة، يشجع البقية المحبوبة أن «يبنوا أنفسهم على إيمانهم الأقدس، مُصلين في الروح القدس» (يه20، 21). وبالإجمال هذا هو حكم الروح القدس، لذلك هو حكم الإيمان