رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الصلاة مُصلياً ولما مضوا به إلى الموضع الذي يُدعى جمجمة صلبوه هناك مع المذنبين ... فقال يسوع يا أبتاه، اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون (لو23: 33،34)الشيء اللافت أن أولى عبارات المسيح من فوق الصليب كانت صلاة لله. فيا له من شخص عجيب ليس له نظير! فها إن يديه لم تعودا تعملان الخير كما عملتا كثيراً، إذ سمرهما البشر على الصليب، ورجليه لم تعودا تحملانه إلى البؤساء والمساكين ليخدمهم، لأنهما مسمرتان كذلك على الصليب. وشفتيه لم تعودا تنطقان بكلمات الوعظ والتعليم لتلاميذه كعادتهما، لأن تلاميذه كلهم تركوه وهربوا. فبأي شيء ينشغل ذلك الشخص العجيب، في ذلك الوقت العصيب؟ إنه ينشغل بالصلاة لأبيه! كان آخر عمل عمله ـ تبارك اسمه ـ قبل القبض عليه في بستان جثسيماني هو الصلاة لأبيه. وبعدها أُقتيد للمحاكمة، حيث حُكم عليه جوراً، وعُذِّب ظلماً، لكنه في كل مراحل المحاكمة ظل صامتاً، لم يدافع عنه نفسه قط. ولم ينطق بشيء إلا لكي يشهد للحق. وعندما عُذِّب تحمَّل غُصص الألم صامتاً دون أن يتأوه، إذ كان « كشاة تُساق إلى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه » (إش53: 7). لكن ذاك الذي ظل أمام البشر صامتاً لا يفتح فاه، ها هو يتجه إلى أبيه في صلاة. فما أروعه! لقد كانت عادة الصلاة بالنسبة لربنا يسوع المسيح أقوى من أن توقفها جُرعات الألم مهما اشتدت؛ فهو الإنسان الفريد الكامل، رجل الصلاة. لكن توقيت صلاته هذه المرة يُضفي على صلاته جمالاً خاصاً، وعلى شخصه مجداً فريداً. فهو الآن في آخر لحظاته، وتتم فيه كلمات إشعياء النبي في الأصحاح53 « لأن حياته تُنتزع من الأرض » (أع8: 33)، ومع ذلك نراه مُصلياً! في مزمور109 تَرِد عنه هذه الكلمات « انفتح عليَّ فم الشرير ... بكلام بُغضٍ أحاطوا بي، وقاتلوني بلا سبب. بدل محبتي يخاصمونني. أما أنا فصلاة » (مز109: 2-4). إنه لا يقول: أما أنا فأصلي، بل « أما أنا فصلاة ». هذا هو القدوس الفريد الذي غُمر بعادة الصلاة، عاش فيها وعاشت فيه، فأصبحت من مكونات حياته الإنسانية الفريدة، حتى إنه حالما فرغ الجُند القساة القلب من عملية الصليب، فبدلاً من أن يتأوه ويئن ويصرخ، تحوّل إلى الله بالصلاة قائلاً: يا أبتاه. |
|