منتدى الفرح المسيحى  


merry christmas

ربنا باعتلك رسالة ليك أنت

الرسالة دى تحطها فى قلبك طول سنة 2025

يالا اختار رسالتك من الهدايا الموجودة وشوف ربنا هايقولك ايه



العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 23 - 07 - 2015, 05:36 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,278,300

شرح مُختصر للصلاة الربانية بحسب تعاليم اباء الكنيسة

شرح مُختصر للصلاة الربانية بحسب تعاليم اباء الكنيســــــة
يقول القديس اغسطينوس: لقد علّم ابن الله ذاته تلاميذه ومؤمنيه هذه الصلاة، لذلك لنا رجاء عظيم في الفوز في القضيَّة مادام لنا مثل هذا الشفيع الذي يلقِّننا ما نطلبه. إنَّه الديان الجالس عن يمين الآب كما تعرفون، هو شفيعنا وفي نفس الوقت هو الذي سيديننا، لذلك تعلَّموا هذه الصلاة[1].

ويقول القديس كبريانوس القرطاجني: هل هُناك صلاة أكثر روحانيَّة من تلك التي أعطانا إيَّاها المسيح الذي فيه أيضًا ً(أي المسيح) نلنا الروح القدس؟ هل هناك صلاة للآب صادقة أكثر من تلك التي أعطانا إيَّاها الابن - الذي هو الحق - من فمه؟ هكذا فالصلاة بخلاف ما علَّم لا تكون جهل فحسب بل تكون خطيَّة أيضًا إذ قد أسَّس المبدأ قائلاً: "رفضتم وصيَّة اللَّه لتحفظوا تقليدكم"[2] (مر7: 9).

لذلك أيُّها الإخوة الأحبَّاء فلنُصلِ كما علَّمنا اللَّه مُعلِّمنا. فالصلاة تكون أكثر قربًا ودالَّةً عند اللَّه عندما نتضرَّع إليه، بنفس كلماته الخاصة ونُصعِد إلى آذانه صلاة المسيح. وهكذا يقبل الآب كلمات ابنه عندما نصلِّي. ولنجعل الابن الذي يسكن في قلوبنا ينطق أيضًا في أفواهنا. وحيث أنَّه شفيع لنا أمام اللَّه من أجل خطايانا، فلنقدِّم كلمات شفيعنا عندما نطلب كخطاة من أجل خطايانا. لأنَّه قال أن "كل ما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم" (يو16: 23) فما أعظم الفاعليَّة التي بها ننال ما نطلب باسم المسيح إن كنَّا نطلب بصلاته الخاصة[3]؟!

ويكمل قائلاً: إنَّنا حقاً نتعجَّب من كثرة وعظم الأمور العميقة الموجودة في الصلاة الربانيَّة والمجتمعة باختصار في هذه كلمات، لكنها تفيض روحيًا بالفضيلة، حتى أنَّه لا يوجد شيء في صلواتنا وطلباتنا غير مُحوى في كلمات الصلاة الربانيَّة، كما لو كانت خلاصة وافية للعقيدة السماويَّة[4].

ويقول ايضاً: إن معلِّم السلام ورب الوحدانيَّة لا يريد أن تكون الصلاة فرديَّة أو بمعزل عن الآخرين، أي أن يصلِّي أحدٍ ما لأجل نفسه فقط. فنحن لا نقول "أبي الذي في السموات" أو "خبزي الذي يكفيني أعطيني اليوم" ولا يطلب كل شخص أن تُغفَر له ذنوبه الشخصيَّة فقط ولا يطلب لأجل نفسه وحده ألاَّ يُدْخَل في تجربة ويُنْجَى من الشرِّير، فصلاتنا عامة ومشتركة بين الجميع، وعندما نصلِّي لا نطلب لأجل واحد ولكن لأجل الكل، لأنَّنا نحن الكل واحد. فإله السلام ومعلِّم المصالحة، الذي علَّم بالوحدانيَّة، أراد أن يصلِّي الواحد هكذا لأجل الكل، كما حملنا هو كلّنا في واحد[5].

- وتنقسم الصلاة الربانية إلي سبعة توسلات، يمكن تقسيمها إلى قسمين:

( أ ) القسم الأول: ثلاثة توسلات بروح البنين تخص مجد الآب: اسمك، وملكوتك، ومشيئتك!

(ب) القسم الثاني: أربعة توسلات تخص حياتنا أمامه: خبز الحياة في اليوم الزمني، غفران ذنوبنا، لا تدخلنا في التجربة، نجنا من الشرير.

ولكن في مضمون السبعة توسلات يعطينا المسيح القاعدة الراسخة التي تنطلق بها من الأرض إلى السماء كاستجابة ورد فعل لما عمله الآب في ابنه من أجلنا ونزل من السماء إلى الأرض.

وهنا لو دققنا الرؤية نجد أن الثلاثة توسلات الأُولى هي تطُّلع نحو السماء لاكتشاف قداسة الاسم ومجد الملكوت وصلاح المشيئة، ثم رجاء بعشم عظيم في يسوع المسيح الذي كان في الحضن الأبوي ونزل إلى أرضنا، أن يظل الاسم يتقدَّس في الأرض كما هو في السماء، ويتمجد الملكوت كما هو في السموات يكون على الأرض، وتتراءف المشيئة الصالحة لتكون كما في السماء كذلك على الأرض. فلأن المسيح وهو الله ظهر في الجسد ونزل إلينا، نطمع فيه أن تنزل معه وبسببه قداسة الاسم ومجد الملكوت وصلاح المشيئة على الأرض كما في السماء. وقد احترس المسيح جداً أن يتمِّم ذلك بالفعل[6].

+ ابانا الذي في السموات:

يقول القديس اغسطينوس: "فصلُّوا أنتم هكذا: أبانا الذي في السماوات"، ففي قوله هذا نرى أن الله صار أبًا لنا. إنَّه يكون أباكم متى وُلدتم (بالمعموديَّة) ولادة جديدة. فالآن (وأنتم على أهبَّة العماد) قبل ميلادكم الجديد، قد حُبل بكم بزرع الله. إنَّكم على وشك الوجود حيث تُجلبون إلى جرن المعموديَّة رحم الكنيسة.

تذكَّروا أن لكم أبًا في السماوات، تذكَّروا إنَّكم وُلدتم من أبيكم آدم للموت، وأنَّكم تولدون مرَّة أخرى من الله الآب للحياة – فما تصلُّون به قولوه بقلوبكم[7].

ويكمل قائلاً: لنا والدان قد ولدانا على الأرض للشقاء ثم نموت. لكنَّنا وجدنا والدين آخرين، فالله أبونا والكنيسة أمِّنا، ولدانا للحياة الأبديَّة.
لنتأمَّل أيها الأحبَّاء أبناء من قد صرنا. لنسلك بما يليق بأبٍ كهذا، انظروا كيف تنازل خالقنا ليكون أبًا لنا؟!
لقد وجدنا لنا أبًا في السماوات، لذلك وجب علينا الاهتمام بسلوكنا ونحن على الأرض، لأن من ينتسب لأبٍ كهذا ينبغي عليه السلوك بطريقة يستحق بها أن ينال ميراثه[8].

ويقول ايضاً: يا من وجدتم لكم أبًا في السماوات، امتنعوا عن الالتصاق بالأمور الأرضيَّة، إذ اقترب الوقت الذي فيه تقولون: "أبانا الذي في السماوات".

إن كان أبونا في السماء، فهناك أيضًا يُعدّ لنا الميراث. إنَّه يعطينا إمكانيَّة امتلاك ما قد وهبنا معه. فقد وهبنا ميراثًا لا نرثه بعد موته (كما هو الحال في العالم)، فأبونا حيّ لا يموت، وسيبقى إلى الأبد هناك حيث نذهب عنده[9].

ويقول القديس يوحنا فم الذهب: لكنه حين يقول "في السماوات" لا يقول ذلك وكأنه يغلق على الله هناك، بل ليرفع من يصلي من مستوى الأرض إلى فوق، ليثبته في الأعالي وفي المساكن الفوقانية[10].

ويقول القديس كيرلس الاورشليمي: والذين يحملون صورة السماوات، هم أيضًا سماوات حيث يسكن الله، ويمشي فيهم[11].

ويقول القديس كبريانوس: فيجب إذن أيُّها الإخوة الأحبَّاء أن نتذكَّر ونعرف أنَّنا عندما ندعو اللَّه "أبانا" يجب أن نسلك كأبناء اللَّه، حتى كما أنَّنا نجد المسرة في اعتبار اللَّه أب، يجد هو أيضًا مسرَّته فينا. فلنسلك إذن كهياكل للَّه، حتى يظهر جليًا أن اللَّه ساكن فينا. فليت أفعالنا لا تحيد عن الطريق الروحي لأنَّنا نحن الذين صرنا روحيِّين ومنتمين للسماء، علينا ألاَّ نفكِّر ولا نفعل إلاَّ ما هو روحي وسماوي لأن الرب الإله نفسه قد قال: "فإنِّي أُكرم الذين يكرمونني والذين يحتقرونني يصغرون" (1صم2: 30). والرسول المبارك قد قال في رسالته "إنَّكم لستم لأنفسكم لأنَّكم قد اشتُريتم بثمن فمجِّدوا اللَّه في أجسادكم" (1كو6: 19-20)[12].

و يقول القديس كيرلس السكندري: إن تعليم المسيح لنا أن نصلى كأبناء هو جودٌ فائقٌ ولطفٌ لا يُبارى وأنه بذلك يمنحنا مجده الخاص، ويستشهد على نوال نعمة البنوة من (مز6:81س) " أنا قلت أنكم آلهة وبنو العلى كلكم " وأنه بذلك حررنا من العبودية وأدخلنا فى مرتبة البنين، ويستشهد أيضًا عن نوال البنوة بـ(يو11:1ـ13) " وكل الذين قبلوه أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله .. الذين وُلدوا من الله "، وأيضًا بـ(1بط23:1) " مولودين ثانية بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد "، وأيضًا بـ(يع18:1) " شاء فولدنا بكلمة الحق "، ويشير القديس كيرلس إلى الولادة الروحية التى يتحدث عنها المسيح فى (يو5:3) " إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله "، وهو بإشارته هذه يقصد أننا ننال البنوة بواسطة المعمودية[13].

وبعد ذلك ينتقل القديس كيرلس ليتكلم عن مسئولية الذين يدعون الله " أبًا "، وكأنه يقول إنه فى مقابل امتياز وكرامة البنوة لله، هناك مسئولية تنبع من هذا الامتياز وهى [ إنه ينبغى أن نسلك بسيرة مقدسة وبلا لوم وأن نحيا هكذا كما يرضى أبانا[14] ]. ويستشهد فى ذلك بقول الرسول بطرس " وإن كنتم تدعون أبًا الذى يحكم بغير محاباة .. فسيروا زمان غربتكم بخوفٍ " (1بط17:1). ويحذر من [ خطورة إحزان الله أبانا وإغضابه بالإنحراف وراء الأمور غير المستقيمة، وأن من لا يراعى نفسه ولا يبالى بسخاء النعمة التى أًعطيت له، فإنه يكون محبًا للذّة أكثر من حبه للآب السماوى، وأن الذين يتمردون على الآب يرتكبون جرمًا عظيمًا. وبالعكس فإن الذين يخضعون للآب ويطيعونه ويكرّمونه، فإن الآب يكرمهم ويجعلهم شركاء فى الميراث مع ابنه الوحيد بالطبيعة؛ وإذ نسلك بطريقة تليق بمن أكرمنا هكذا، فإنه سيقبل ابتهالاتنا التى نقدمها فى المسيح[15] ].

+ ليتقدس إسمك:

يقول القديس اغسطينوس: لماذا تسألون من أجل تقديس اسم الله؟! أنَّه قدُّوس، فلماذا تسألون القداسة لمن هو قدُّوس أصلاً؟! إنَّكم إذ تسألونه ذلك هل تطلبون لأجل الله وليس لأجل صالحكم؟! لا، افهموا هذا جيِّدًا، وهو إنَّكم تسألون هذا لأجل أنفسكم. إنَّكم تسألون من هو قدُّوس في ذاته دائمًا أن يكون مقدَّسًا فيكم.

ماذا تعني كلمة "ليتقدَّس"؟ إنَّها تعني أن يتقدَّس اسم الله فيكم ولا يُحتقر فيكم. لذلك فإن ما تطلبونه هو لخيركم، لأنَّكم إن احتقرتم اسم الله تصيرون (وليس الله) أشرارًا.

يتقدَّس اسم الله فيكم بنوالكم سرّ المعموديَّة، ولكنَّكم لماذا تطلبون هذه الطلبة بعد العماد، إلاَّ لكي يبقى فيكم ما استلمتموه بالعماد إلى الأبد[16].

يشرح القديس كيرلس قول الأبناء للآب " ليتقدس اسمك " بأن [ الله ليس محتاجًا إلى مزيد من القداسة، منا إذ هو كُلىَّ القداسة وهو مانح القداسة للخليقة ]. بل إن ليتقدس اسمك معناها [ليت اسمك يُحفظ مقدسًا فينا، فى أذهاننا وإرادتنا]. [وإن من يصلى قائلاً ليتقدس اسمك، فهو يطلب أنه هو نفسه يقتنى ذهنًا مقدسًا وإيمانًا، لكى يشعر بأن اسم الله مكرم وقدوس، فالتقديس هو مصدر الحياة وسبب كل بركة ]. وإن [ من يصلون بجد معتمدين على محبته، فإنهم لا يطلبون التقديس لأنفسهم فقط، بل لأجل كل سكان الأرض سواء الذين آمنوا أو الذين لم يقبلوا الإيمان بعد ، لكى يشرق عليهم نور الحق ويعرفون الله أنه قدوس ]. ويقول إن عبارة [ الله يتقدس بواسطتنا هو اعتراف منا بأنه " قدوس الأقداس "] ويستشهد بقول إشعياء النبى " قدسوا الرب فيكون مخافتكم، ويصير قداسة لكم " (إش13:8س). ويقول إن ما يعلّمه لنا الرب فى الصلاة هو : آمنوا إنه قدوس .. وهكذا سيصير هو نفسه واسطة تقديسكم[17].

+ ليأت ملكوتك:

يقول القديس اغسطينوس: ينبغي علينا أن نَعَلم أنَّنا نصلِّي بهذه الطلبة لأجل أنفسنا وليس لأجل الله، لأنَّنا لا نقول "ليأتِ ملكوتك"، كما لو كنَّا نسأل من أجل أن يملك الله، بل لكي نكون نحن من ملكوته، وذلك إن آمنّا به وتقدَّمنا في إيماننا هذا. كل المؤمنين الذين يخلصون بدم ابنه الوحيد سيكونون ملكوته[18]. وهذا الملكوت آتٍ بعد القيامة، حيث يأتي الابن بنفسه ويقيم الأموات. ويقول للذين عن يمينه: "تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت" (مت ٢٥: ٣٤). هذا هو الملكوت الذي نرغبه ونطلبه بقولنا: "ليأت ملكوتك". إنَّنا نطلب أن يأتي بالنسبة لنا، لأنَّه وإن لم يأتِ بالنسبة لنا فسيأتي ولكنَّ للآخرين. أمَّا إذا اِنتمينا إلى أعضاء ابنه المولود الوحيد، فسيأتي ملكوته بالنسبة لنا ولا يتأخَّر[19].

ويقول القديس كيرلس السكندري: الذين يدعون الله أبًا يطلبون مجىء الملكوت ، بمعنى مجىء المسيح بملكه الكامل لأنهم ينتظرون الأكاليل عند مجيئه ، ويقتبس " تعالوا يا مباركى أبى رثوا الملكوت.. " (مت34:25)، لأنهم جاهدوا وصاروا أنقياء، واحتملوا الآلام والاضطهادات لأجل مجد المسيح، و(2تى12:2) " إن كنا نصبر فسنملك أيضًا معه " و(فى21:3) " سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده " . وإنهم آمنوا بما قاله عن نهاية العالم أنهم " سيضيئون كالشمس فى ملكوت أبيهم " (مت43:12)[20].

ويقول القديس كبريانوس: نحن نصلِّي أن يأتي ملكوتنا الذي وعدنا به اللَّه، الذي نلناه بدم المسيح وآلامه، حتى أنَّنا نحن الذين كنَّا خاصَّته في العالم نملك معه في ملكوته، كما يعدنا هو نفسه ويقول: "تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم" (مت25: 34). أيُّها الإخوة الأحبَّاء، نستطيع أن نعتبر المسيح نفسه هو "ملكوت اللَّه" الذي نريده كل يوم أن يأتي، الذي نشتهي أن يُستعلَن لنا سريعًا. حيث أنَّه هو نفسه القيامة[21]، إذ فيه سنقوم من جديد، فهكذا أيضًا نستطيع أن نفهم أن ملكوت اللَّه هو المسيح نفسه حيث أنَّنا سنملك فيه[22].

+ لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك علي الارض:

يقول القديس اغسطينوس[23]: إذن ماذا يقصد بالطلبة "لتكن مشيئتك"؟ إنَّه يقصد بها أن تعمل مشيئته فيّ ولا أقاومها. وبذلك تطلبون من أجل أنفسكم لا من أجل الله لأن مشيئة الله عاملة فيكم ولو لم تكن بواسطتكم[24].

ويكمل قائلاً: إنَّنا نقبل وصايا الله، وهي مبهجة لنا... مبهجة لعقولنا، "فإنَّنا نُسر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن" (رو ٧: ٢٢). وهذه هي مشيئته النافذة في السماء، لأن أرواحنا تشبه السماء، وأما الأرض فهي أجسادنا. إذن ماذا يقصد بالطلبة: "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض"؟ يقصد بذلك كما تبتهج عقولنا بوصاياك، فلتُسر أيضًا بها أجسادنا. بهذا ينتهي الصراع الذي وصفه الرسول. فعندما تشتهي الروح ضدّ الجسد تكون مشئيته عاملة في السماء، وعندما لا يشتهي الجسد ضد الروح حينئذ تنفذ مشيئته على الأرض أيضًا. فإذ تتم مشيئة الله، يحدث وفاق تام بينهما ويتحوَّل الصراع الحالي إلى نصرة فيما بعد[25].

ويقول ايضاً: يوجد معنى روحي آخر... فقد طلب منَّا أن نصلِّي لأجل أعدائنا. فالكنيسة هي السماء، وأعداؤها هم الأرض، فماذا يعني "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض"؟ أي أن يؤمن بك الأعداء، كما نؤمن نحن بك. إنَّهم أرض لذلك هم يعادوننا، فليصيروا سماءً، يكونوا معنا.

السماء هي الكنيسة، لأنَّها عرش الله. والأرض هي غير المؤمنين، الذين قيل عنهم "لأنَّك تراب (أرض) earth وإلى التراب تعود" (تك ٣: ١٦LXX )... فيقصد بـ "كما في السماء كذلك على الأرض"، أي كما في مؤمنيك كذلك في الذين يجدِّفون عليك حتى يصيروا "سماءً"[26]... لقد وهبنا الله ميثاقًا وعهدًا وارتباطًا راسخًا فيه، فمن أراد القول "اغفر لنا ذنوبنا" بطريقة مجدية، عليه أن ينطق بحق قائلاً: "كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا". فإن لم ننطق بهذا القول الأخير، أو قلناه بخداعٍ يكون طلبنا الغفران باطلاً[27].

و يقول القديس كيرلس السكندري: الذين يصلون كأبناء، يطلبون أن تتم مشيئة الله على الأرض بمعنى أن يحيوا هم أنفسهم بلا لوم .. وكذلك سكان الأرض أن يهبهم [ الله القوة ليصنعوا مشيئته، ويتمثلوا بالملائكة فى السماء.. يصلون أن يروا توقف الخطية ولا يتبعوا مشيئتهم الخاصة. فالأبناء يبتهلون من أجل جميع الناس.. ليُحسبوا أهلاً للسلام الذى من فوق.. ويجدوا راحة القلب.. وهم مثابرون على التمثل بالجمال الروحانى للأرواح السماوية..[28]].

+ خبزنا كفافنا إعطنا اليوم:

والذين يُصَلُّون للآب كأبناء، يمكن أن يطلبوا منه الخبز الضرورى للحياة اليومية. ويقول القديس كيرلس إن هذا الخبز الذى يطلبه القديسون، هو الخبز الروحى النازل من السماء، هذا أولاً، ولكن من جهة أخرى، يقول إنه لا لوم عليهم البتة أن يطلبوا مجرد الخبز العادى اللازم لاحتياجات الجسد يوم بيوم، ويقول إن هذا يليق بتقوى حياتهم على أساس أن القديسين الذين يطلبون خبز يوم واحد، فهذا برهان واضح على أن الرب لا يسمح لهم بامتلاك أى شئ، ولا يريدهم أن يبتغوا الغنى الأرضى كما قال فى مناسبة أخرى " لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون ولا لأجسادكم بما تلبسون … لأن أباكم يعلم أنكم تحتاجونها " (مت25:6،32). ويشرح الكلمة اليونانية " إيبى أوسيوس epiousios" ويقول إن معناها ما هو ضرورى وكافى، ويقول إن طلب الخبز الضرورى لليوم الواحد مرتبط بالتجرد من الهموم الدنيوية والشهوات الجسدانية ومن الغنى، لتكون حياتهم نقية من محبة المال ويثقون أن الآب سيعطيهم ما وعد به ويسد احتياجهم روحيًا وجسديًا عندما يسألونه ما يكفى لحياتهم من طعام وكساء[29].

يقول القديس اغسطينوس: إعطنا أشياء زمنيَّة. التي لقد وعدت بالملكوت، فلا تمسك عنَّا الوسيلة نعيش بها. ستهبنا مجدًا أبديًا بإعطائنا ذاتك فيما بعد. أعطنا في هذه الأرض المئونة الزمنيَّة التي نقتات بها. لذلك فهو خبز يومي، وليعطنا إيَّاه "اليوم" أي في هذه الحياة. لأنَّكم هل تطلبون خبزًا يوميًا بعد عبوركم هذه الحياة؟! هناك لا تقال كلمة "يوميًا" بل "اليوم"[30]. الآن يقال يوميًا، أمَّا هناك فهل سيُدعى "يوميًا" حيث يكون يومًا واحدًا أبديًا[31]؟!

و يقول ايضاً: يوجد خبز آخر. ويُدعى خبزًا يوميًا، لأنَّه ضروري كالخبز العادي، بدونه لا نستطيع أن نحيا... ألا وهو كلمة الله التي توزَّع يوميًا!

خبزنا خبز يومي، تحيا به أرواحنا لا أجسادنا، ضروري لنا نحن الذين لا نزال نعمل في الكرمة. هو غذاؤنا وليس أجرتنا، فمن يستأجر عاملاً يحق عليه الغذاء الذي بدونه يخور العامل. كما تحق عليه الأجرة التي بها يُسر العامل. غذاؤنا اليومي في هذه الحياة هو كلمة الله التي توزع على الدوام في الكنائس، أمَّا الأجرة (المكافأة) التي ننالها بعد العمل فهي ما تدعى بالحياة الأبديَّة.

أما ما عالجته الآن أمامكم (أي شرح الصلاة الربانيَّة نفسه) هو خبز يومي، كذلك فصول الكتاب المقدَّس اليوميَّة التي تسمعونها في الكنيسة هي خبز يومي. كذلك التسابيح التي تسمعونها وتمجِّدون بها الله هي خبز يومي. لأن هذه جميعها لازمة لنا أثناء رحلتنا[32].

+ أغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن للمسيئين إلينا :

المسيح يعلّم تلاميذه بعدما يطلبون الخبز الضرورى من الآب أن يطلبوا كأبناء " اغفر لنا خطايانا " . ويقول القديس كيرلس إنهم بعدما يسألونه غفران خطاياهم بعد ذلك يعترفون أنهم يغفرون للذين يسيئون إليهم، فنوال الغفران يستلزم الاعتراف أولاً بالخطايا أمام الله ، ويقتبس قول إشعياء " اعترف أولاً بتعدياتك لكى تتبرر " (إش26:43س) ومزمور(5:32) " قلت اعترف للرب بذنبى وأنت غفرت آثام خطيتى ". فطريق الخلاص هو الإقرار بالذنوب وأن نطلب من الذى يبرر الأثيم قائلين " اغفر لنا خطايانا ". ويقول القديس كيرلس إن الرب اهتم بأن يضيف بعد " اغفر لنا خطايانا " قوله [ إننا نحن أيضًا قد غفرنا لكل من أساء إلينا] لأن الذين يصلون هكذا يتحلُون بطول الأناة ويغفرون للمسيئين[33].

يقول القديس اغسطينوس: اغفروا من القلب، أي انزعوا الغضب من قلوبكم. لنقل في كل يوم: "اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا"، وليكن هذا القول من القلب، عالمين بما نقوله. أنَّه عهد وميثاق، إنَّه ارتباط بيننا وبين الله. فالرب إلهنا يقول لنا: "اغفروا يغفر لكم"، فإن لم نغفر للآخرين تبقى خطايانا علينا وليس عليهم[34].

ويقول القديس كيرلس الاورشليمي: إذ لنا ذنوب كثيرة لأننا نسيء بالقول والفكر وأشياء كثيرة جدًا نعملها نستحق عليها القصاص. "فإن قلنا ليس لنا خطية، نضل أنفسنا، وليس الحق فينا" كما قال المطوّب يوحنا (1 يو 1: 8). فنصنع مع الله عهدًا نستعطفه، ليغفر لنا خطايانا كما نغفر نحن لإخواننا ذنوبهم، مترجين ذلك فيما نتقبله، مستبدلين به غفراننا للآخرين، فلا نهمل أو نتأخر في تسامح بعضنا بعضًا. فالإساءات التي تُرتكب ضدنا خفيفة وزهيدة وتنتهي بسرعة. لكن التي تُرتكب ضد الله عظيمة وتحتاج إلى رحمة كرحمته فقط. لذلك انتبه لئلا من أجل الذنوب الزهيدة الطفيفة، تمنع عن نفسك غفرانًا من الله لخطاياك المحزنة[35].

+ لا تدخلنا فى تجربة :

الأبناء الذين يصلون للآب السماوى يعلّمهم الرب أن يختموا صلاتهم قائلين : " ولا تدخلنا فى تجربة". ويقول القديس كيرلس إن طلب عدم الدخول فى التجربة لا يعنى الجبن أو التكاسل، بل يعنى اعترافًا بخطورة التجارب التى يسوقها الشيطان، فيقول [ إن عنف التجربة قد يهز أحيانًا عقل أشد الناس شجاعة ]، ويحذر من الثقة فى النفس بزيادة بل [ يجب أن نعرف ضعف ذهننا ]، ويقول [ فلنصل أن لا نُجَرَّبْ .. ولكن إذا ما دعت الضرورة وأُلقينا فيها رغمًا عنان فلابد أن نبذل أقصى جهدنا ونصارع من أجل نفوسنا .. طالبين معونة الرب لنا ]. ويذكر نوعين من التجارب :

1 ـ تجارب تأتى من الهراطقة .

2 ـ تجارب الخطية .

ويقتبس (1بط19:4) " الذين يتألمون بحسب مشيئة الله فليستودعون أنفسهم لخالق أمين "، (1بط15:4) [ إن كان يتألم كمسيحى فلا يخجل بل يمجد الله ]، وأن الذين يحتملون هذه الآلام ينالون الأكاليل. " جاهدت الجهاد الحسن .. وأخيرًا وُضع لى إكليل البر " (2تى7:4). وعن تجارب الخطية يقتبس (يع13:1ـ15) " كل واحد يُجرب إذا انجذب ينخدع من شهوته..". وهناك أيضًا تجارب " حب الربح المادى " و" حب الاكتناز الخسيس ". [ لذلك يليق بنا حسنًا نحن المُعَرَّضين لمثل هذه الشرور الخطيرة حتى إن لم نكن قد سقطنا فيها بعد، أن نصلى قائلين " لا تدخلنا فى تجربة لكن نجنا من الشرير"]. والله الذى نحبه أكثر من أى شئ سوف يعيننا ويهبنا النصرة فهو مخلص الكل[36].

ويتسائل اغسطينوس: لماذا نصلي: "لا تدخلنا في تجربة"؟
غالبًا أنت لا تعرف حتى نفسك؛ لا تعرف ما يمكنك أن تحتمله وما لا يمكنك. أحيانًا تظن أنك تثبت فيما هو فوق طاقتك، وأحيانًا تيأس من كونك قادر أن cope ما تقدر أن تحتمله حسنًا. تأتي التجربة، كما لو كانت سؤالاً، فتجد نفسك خاردًا لأنك لا تعرف حتى نفسك[37].

يقسم القديس أغسطينوس التجارب إلى نوعين: الأول يخدع الإنسان، والثاني يمتحنه ليعلن للإنسان عن ضعفه أو قوته الروحية.

يستخدم الله النوع الثاني لا ليتعلم شيئًا لم يعرفه قبلاً، وإنما لكي بامتحانك، بسحبك خارجًا يعلن لك ما هو خفي فيك. إذ توجد فيك أشياء خفية حتى عن نفسك التي تسكن هي فيها. تُكتشف هذه الأشياء، وتُخرج خارجًا عل المكشوف و exposed وذلك بالتجارب وحدها. فإن توقف الله عن السماحح للتجربة، إنما يتوقف السيد عن أن يعلم[38].

ليس حسنًا لك أن تكون بلا تجربة لا تسأل الله الا تجرب بل الا تدخل في تجربة[39].

إننا ندخل في تجارب متى كانت هكذا اننا لا نقدر ان نتحملها[40].

لا يدخل في تجربة من يغلب رغبته الشريرة بانحناء إرادته يعمل الصلاح. ومع ذلك فإنه الإرادة البشرية غير كافية ان ترفض الدخول في تجربة ما لم يمنحها الرب نصرة كاستجابة للصلاة[41].

ويقول القديس كيرلس الاورشليمي: هل هذا ما يعلمنا الرب أن نصلي لكي لا نُجرّب أبدًا؟ فكيف إذن يُقال في موضع آخر: "الرجل غير المُجرب، يعلم قليلاً" (سي 34: 10، رو 5: 3-4)، وأيضًا يقول يعقوب: "احسبوا كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة" (يع 1: 2).

لكن هل يعني الوقوع في التجربة ألا يدع التجربة تغمرنا وتجرفنا؟ لأن التجربة كسيل الشتاء يصعب عبوره. لذا فهؤلاء الذين لا يغرقون فيها يمرّون مظهرين أنفسهم سبّاحين ممتازين، ولم يُجرفوا في تيارها أبدًا. بينما الآخرون يدخلون فيها ويغرقون. مثلاً دخل يهوذا الإسخريوطي في تجربة حب المال، فلم يَسبح فيها بل غَرق، وشُنق نفسه بالجسد والروح (مت 27: 5). وبطرس دخل في تجربة الإنكار، لكنه دخل ولم يُسحق بها. لكن كرجل سبح فيها ونجا منها. أنصت ثانية في موضع آخر إلى جماعة من القديسين لم يُصابوا بضررٍ يقدمون الشكر لنجاتهم من التجربة. جربتنا يا الله - جربتنا بالنار كتجربة الفضة - وضعتنا في الشبكة، وضعت عذابات على ظهورنا. جعلت الناس يركبون على رؤوسنا. "جزنا في النار والماء لكن أخرجتنا إلى موضع راحة" (مز 65: 10-12). فخروجهم إلى موضع راحة يعني نجاتهم من التجربة[42].

رد مع اقتباس
قديم 25 - 01 - 2016, 05:18 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
magy Female
..::| العضوية الذهبية |::..

الصورة الرمزية magy

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 122887
تـاريخ التسجيـل : Jan 2016
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 6,797

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

magy غير متواجد حالياً

افتراضي رد: شرح مُختصر للصلاة الربانية بحسب تعاليم اباء الكنيســــــة

ربنا يبارك خدمتك ماري

شرح مُختصر للصلاة الربانية بحسب تعاليم اباء الكنيســــــة
  رد مع اقتباس
قديم 26 - 01 - 2016, 02:23 PM   رقم المشاركة : ( 3 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,278,300

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: شرح مُختصر للصلاة الربانية بحسب تعاليم اباء الكنيســــــة

شكرا على المرور
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
فى شرحه للصلاة الربانية يخبرنا القديس أغريغوريوس
تحليل شخصي للصلاة الربانية
من روائع تعاليم اباء البرية الايمانية العقائدية
مُختصر الراحة
من تعاليم اباء البريه عن العمل


الساعة الآن 12:45 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024