رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
دور المرأة الليتورجيّ في الكتـــاب المقدّس - (2) هل يمكننا التكلّم عن دور المرأة الليتورجيّ في الكتاب المقدّس؟ ما هي المهامّ التي يُمكن إسنادُها إلى المرأة والتي توافق شخصيّتها وطبيعتها ومواهبها ودورها الأنثوي؟ إنّنا إذ نعي وضوح الأدوار الليتورجيّة، لماذا يصبح الأمر ملتبسًا عندما ننسبه إلى المرأة؟ هل ما زالت أصداء التمييز بين الرجل والمرأة ترنّ في بالنا رغم الاهتمامات التي حظيَتْ بـها المرأة في الكنيسة؟ هل صحيح أنّ التباين الجنسيّ بينها وبين الرجل هو الذي يُثير مسألة كهذه؟ لماذا لا نعتبر أنّ التمايز يشكّل مصدرًا للمكانة الفردية لكلٍّ منهما ولخصائصه وميزاته؟ وأخيرًا، إذا كان الله حبا المرأة سهولة التواصل الإنسانيّ فما هي العوائق التي تحول دون إسدائها دورًا أساسيًا في الخِدَم الليتورجيّة؟ 1- بعض المعطيات الكتابيّة ... 2- بعض الأسباب التي تمنع المرأة من القيام بالدور الليتورجي الذي يقوم به الرجل إنطلاقًا من الكتاب المقدّس يُمكننا أن نجد أسبابًا تعليليّة تحدّد دور المرأة ببعض المهام الليتورجيّة دون سواها؛ منها ما يعود إلى نموذجيّة المسيح، أو إلى التقليد، أو إلى الخَلق والأنتروبولوجيا، أو غيره. 2-أ- نموذجية المسيح يشكِّل الجنس الذكوريّ عنصرًا ذا علامة أسراريّة يتأتّى مباشرة من إرادة المسيح ذاته. فالطريقة التي تصرّف بـها المسيح تبدو نموذجيّة. أضف إلى ذلك، فالأسرار التي أسّسها ابن الله ترتبط بالتاريخ بصورة دقيقة، لأنّ المسيحيّة وُلدت إثر حدث تاريخيّ: إنّه مجيء ابن الله في الزمن وفي بلدٍ معيّن. والأسرار تشكّل ذكرى لأحداثٍ خلاصيّة، ولهذا فإنّ علاماتها ترتبط بـهذه الأحداث عينها. إنّها تتعلّق بحضارة وثقافة معيّنة بالرغم من أنّها مهيّأة لأن تتكرّر في كلّ مكان وحتى نهاية الأزمنة. وعليه، فإنّ يسوع لم يدعُ أيّة امرأة لتنتمي إلى الرسل الاثني عشر، أو لتقوم بالمهام التي أوكلها إليهم، فلهؤلاء أعطى يسوع مفاتيح ملكوت السماوات بصورة حصريّة. وبالتالي، فكهنوت الخدمة الناجم عن فعل تكريس خاص، يجعل الرجل نظير المسيح الكاهن، لكي يتمكّن من القيام، وباسم المسيح، بعمله في العشاء الأخير وعلى الجلجلة. فتمثيل المسيح بشخص الكاهن ليس وظيفة بحتة، ولكنّ الكاهن ملتزم بكلّ كيانه، وبصورة خاصة بذكورته، بأن يكون أيقونة المسيح في وسط الجماعة المؤمنة[1]. فالمرأة غير قادرة بأن تنعم بالميزة التي حظي بـها الرجل بأن تمثِّل المسيح من خلال تماثل شخصيّتها وإيّاه. وإذا كان الله أراد أن يظهر على الأرض بشكل جسد رجل، فهو بالتالي يريد أن يستمرّ في الظهور في الجماعة المؤمنة بالشكل عينه محوّلاً الرجل إلى رمز أسراري، والرموز الأسراريّة عليها أن تمثّل ما تعنيه من خلال الشبه الطبيعيّ. من هنا، عندما نقوم أسراريًا بدور المسيح في الإفخارستيا، من غير الممكن أن نُسندَه إلى امرأة لأنّ المسيح تجسّد كرجل. 2-ب- التقليد لا يُمكن للمرأة أن تمارس الكهنوت وذلك بموجب إرادة إلهيّة. والتقليد الكنسيّ الذي يشكّل امتدادًا لموقف يسوع، حافظ على عدم إعطاء سرّ الكهنوت للمرأة أمانة من الرسل وخلفائهم لإرادة المؤسّس. فبعد الصعود، شغلت مريم مكانًا ذا امتياز (أع 1: 14)، ولكنّها ليست هي التي دُعيَتْ لأن تنضمّ إلى جماعة الرسل بل اختار هؤلاء رجلَين متيّا وبرسابا بغية وقع القرعة على أحدهما (أع 1: 21-26). لقد حاول بعضهم شرح موقف يسوع والرسل إنطلاقًا من تأثير البيئة والزمن. ولكنّنا نجد في الأناجيل أنّ يسوع اخترق انحيازات عصره وخالف التمييز الممارس إزاء النساء[2] . أمّا بالنسبة لبولس الرسول، إذا كنّا ندين له بالنص الذي ربّما يكون من نصوص العهد الجديد الأكثر بأسًا في المساواة بين الرجل والمرأة كونهم جميعًا أبناء الله في المسيح[3] ، هذا لا يعني أنّه علينا أن نستعمل مبدأ "ليس هناك ذكرٌ وأنثى" لأنّ هذا المبدأ إذا كان يُثبت المساواة المطلقة بين الجنسين على مستوى العماد والكهنوت الملكي، فلا يمكنه أن يُطبَّق على مؤسّسة كهنوت الخدمة التي تملك قواعدها الخاصة. 2-ج- الخلق والأنتروبولوجيا كثيرٌ من الناس يعتقدون أنّ النساء هنّ، معنويًا وروحيًا، أدنى درجة من الرجال، أمّا على الصعيد الجسدي فهنّ نجسات. من هنا، على المرأة أن تخضع للرجل تماشيًا ونظام الطبيعة، إذ إنّه في الخلق، سبق الرجل المرأة في الوجود، فهو بالتالي المؤهّل للتسلّط بلا منازع، وبما أنّ الكهنوت هو عملٌ إداري، يبقى أنّه على الرجال أن يزاولوه بصورة حصريّة[4] . لقد وُصفَت المرأة بأنّها مذنبة بالطبيعة، كونها وقعت في الخطيئة وجذبت الرجل إلى السقطة، فهي تحتفظ بضعفها الطبيعي وتبقى واهية وخاضعة للاندفاع اللاإرادي وتتأثّر بالإغراءات بسهولة. عندما يفرض بولس الصمت على النساء في الجماعات، فهو يقصد مهمّة التعليم الرسميّة في الجماعات المسيحيّة كما توحيه لنا الرسالة الأولى إلى طيموتاوس: "لا أجيز للمرأة أن تعلِّم ولا أن تتسلّط على الرجل، بل تحافظ على السكوت" (2: 12)[5] . فبولس الذي يقرّ علانية بدور العنصر النسائيّ الممثّل في الجماعات الليتورجية وبالتحديد في الصلاة والنبوءة (1كو 11: 5)، هو بذاته يرفض بتاتًا بأن تُعطى المرأة حقّ التعليم في الجماعة، إذ إنّ التعليم الموازي للوعظ في أيامنا يتّسم بطابع رئاسيّ لا يتطابق مع حالة المرأة التي خُلقت بعد الرجل وتبقى في حالة خضوع له. بالرغم من الإكرام للمكانة الرفيعة للعذراء مريم، ظلّت وصمة الخطيئة مرتبطة بالمرأة، فهي تشكّل خطرًا دائمًا كونـها تحرّض على الإثم، لذلك فهي غير مخوَّلة لأن تقوم بأدوار في الاحتفالات الليتورجية. بشكل عام، لا شك في أنّ الرؤية الأنتروبولوجية تتمحور حول طابع الذكورة، بحيث إنّ المرأة تُنسَب إلى الرجل دون أن يكون العكس صحيحًا لأنّ الرجل يشكِّل الجنس المثالي للبشرية. 3- بعض الأسباب التي تُجيز للمرأة القيام بالدور الليتورجي الذي يقوم به الرجل 3-أ- الخلق والأنتروبولوجيا "فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكرًا وأنثى خلقهم" (تك 1: 27). في هذه الآية تبدو المساواة بيِّنة بين الرجل والمرأة. إنّهما متساويان ومتكاملان في الكرامة. أمّا خضوع المرأة للرجل "إلى رجلِك تنقاد أشواقك وهو يسودكِ" (تك 3: 16)، فلا يتعلّق بعمل الخلق بل هو نتيجة الخطيئة. ثمّ، أليس صحيحًا أنّ عاقبة خطيئة حواء قد التأمت وفُديت بالولادة الطاهرة والقبول المجاني والحرّ لوالدة الله؟ من جهة ثانية، إذا اعتقدنا أنّ المرأة تأتي في الدرجة الثانية بعد الرجل لأنّها أُخذت منه، إذًا عليها أن تخضع له، فهذا يعني تلقائيًا أنّ الابن الذي أُخذ من الآب يأتي في درجة ثانية وعليه أن يخضع له؛ والحال أنّه، في الله الثالوث لا يوجد أيّ بُعد للوقت الماضي أو المستقبلي لأنّ عنده الحاضر الأزلي، ثمّ إنّ ركيزة إيماننا تقوم على أنّ الابن مساوٍ للآب في الزمن والجوهر[6] . وعلى صعيد آخَر، إذا سلّمنا أنّه على المرأة أن تتبع الرجل كونه خُلق أولاً، أفلا نجد التبعيّة ذاتها من الرجل للمرأة؛ فها هي حواء تهتف بعد ولادتها قايين: "قد اقتنيتُ رجلاً من عند الرب" (تك 4: 1). فكما أنّ المرأة تنحدر من الرجل بفضل العمل الإلهي، هكذا على الرجل بدوره أن يدين بنشأته إلى المرأة، وذلك طبعًا بفضل الله. يؤكّد بولس هذا التبادل في التبعية: "فكما أنّ المرأة استُلّت من الرجل، فكذلك الرجل تلده المرأة، وكلُّ شيء يأتي من الله (1كو 11: 12). في تك 2: 23، يكتشف آدم باندهاش أنّ الشخص الذي يقف أمامه ليس بالحقيقة سوى هو بذاته، أّنه وجه آخَر لكائنه؛ فهو لم يتّخذ اسمًا له إلاّ بعد أن سمّى امرأته: "هذه تسمّى امرأة (hV'ai ) لأنّها من امرئ (vyai ) أُخذت". يشكّل الرجل والمرأة وحدة متكاملة، فهما يشتركان بالطبيعة ذاتها، والاسم الذي يعطيه الرجل للمرأة يبدو وكأنّه اسمه هو مع إضافة علامة التأنيث. وفي العهد الجديد، لا نجد أيّ مبدأ يمنع المرأة من الصلاة أو ممارسة النبوءة في الجماعات الليتورجيّة. ففي 1كو 11: 3-16 يحدّد بولس سلوك النساء المتزوِّجات في ممارسة هذه الخِدَم القائمة على تغطية الرأس أثناء الصلاة، ولكنّ هذا الحدّ بذاته لا تُمليه إلاّ عادات المجتمع آنذاك. والسبب في تشديد بولس على هذه الفكرة هو أنّه في كورنتس كانت تشاع فكرة غنوصية ثنائية تُنكر كلَّ تمييز بين الرجل والمرأة، فالجنس يخصّ الشهوة والمادّة ولا يكترث بأمور الروح. يعترض بولس على عدم التمييز هذا، إذ إنّ المساواة بين الرجل والمرأة (غل 3: 28) لا ينفي تمايزهما ودورهما الخاص بطبيعة كلٍّ منهما على حدة. ثُمّ في ما يتعلّق بلباس المرأة في الجماعات، يريد بولس أن يشدّد على الحشمة والتواضع. ففي الأديان السرّيّة، كان شعر النساء مشعّثًا ورأسهنّ مكشوفًا، وبولس يعارض إدخال مثل هذه العادة إلى الجماعات المسيحية. أمّا في ما يخصّ 1كو 14: 34-35، لو كان بولس يعتقد أنّ إعطاء المجال للمرأة لأن تتكلّم في الجماعة يشكِّل تجاوزًا غير مسموح به، لكان أدلى برأيه منذ الفصل الحادي عشر، ما يحدو بنا إلى القول إنّه من المحتمل أن يكون هذا الملحق متأتّيًا من الوسط اليهو-مسيحي[7] . أمّا حتى ولو سلّمنا بأنّ المقطع أصيل، فالمقصود أنّ بولس يرغب تفادي التكلّم سويّة في الجماعات، فهو قد سبق وطلب من الرؤساء أن يتّفقوا على افساح المجال للآخرين بالتكلّم مداورةً: "لأنّه بوسعكم جميعًا أن تتنبّأوا، الواحد بعد الآخر، ليتعلّم جميع الحاضرين ويتشدّدوا" (1كو 14: 31)، وها هو الآن يتوجّه نحو الجماعة بذاتها، حيث يفرض الصمت على النساء ربّما لمقاومة إفراط "الثرثارات اللواتي يتشاغلن بما لا يعنيهنّ ويتكلّمن بما لا ينبغي" (1طيم 5: 13). إنّها قواعد اللياقة والآداب وحسن التصرّف المتأصِّلة بكل مجتمع. وبالتالي، فالأحاجيج التي يقدّمها بولس تتعلّق بسنن النظام والاجتماع وليس باللاهوت. في 1طيم 2: 11، يطلب بولس من المرأة أن تتلقّن التعليم وهي صامتة بكلّ خضوع؛ يبدو واضحًا أنّ بولس يقاوم بدعة كان العنصر النسائي يساهم في نشرها، كما جاء في 2طيم 3: 2-7، حيث إنّ بعض الناس "المحبّين لأنفسهم وللمال، المتعجرفين، المتكبّرين، الشتّامين (...)، كانوا يتسلّلون إلى البيوت ويفتنون نسيّات مثقلات بالخطايا، منقادات لمختلف الشهوات، واللواتي يتعلّمن دائمًا ولا يستطعن البلوغ إلى معرفة الحق". باختصار نذكر: -إن أسباب الاحتشام واللياقة التي يعرضها الرسول ليست جوهريّة، بل أخذها بعين الاعتبار ليُبيّن لنا أنّ الإيمان يدخل في العالم ليروحنه تدريجيًا لا ليخترقه ثورويًا. هذه الأسباب ليست إذًا إلهيّة بل قابلة للتغيير. -من جهة أخرى، تندرج الأسباب التي يقدّمها بولس في إطار الدفاع عن الإيمان المسيحيّ. هو يسعى إلى تحذير الجماعات المسيحيّة من البدع، وبنوع خاص من الاستخدام المفرط للمهام الأنثويّة بغية نشر الأفكار المبلبلة. -نجد في رسائل بولس صدًى للأحاجيج التقليديّة، لاسيّما تلك المأخوذة من تك 2-3 والمستوحاة من تعاليم الربّانيين حول عُطوبيّة المرأة وضعفها أمام الخطيئة. غير أنّ بولس يُظهر الفرق في تلطيف براهينه، وهذا ما يجعل الأمور تجري بطريقة مختلفة، بحيث إنّ الرجل بدوره عليه أن يخضع لزوجته: "ليخضع بعضكم لبعض بتقوى المسيح" (أف 5: 21). -للوهلة الأولى، يبدو لنا أنّ التفكير اللاهوتيّ البولسيّ يقوم على أنّ الزوج وحده قادرٌ أن يكون وسيط الخلاص: "لأنّ الرجل رأسُ المرأة كما أنّ المسيح رأسُ الكنيسة التي هي جسده وهو مخلِّصها" (أف 5: 23)، شرط أن يمارس وساطته "في الرب" ولكنّه لا يلبث أن يُقيم شوازات، عندما يجعل من الزوجة المسيحيّة أهلاً للوساطة الخلاصيّة في شأن زوجها غير المؤمن: "لأنّ الزوج غير المؤمن يتقدّس بامرأته" (1كو 7: 14). ختامًا، نستنتج أنّ المرأة هي كائن مخلوق على صورة الله، وبذات الفعل، هي قادرة على المشاركة في الحياة الإلهيّة بالاتّحاد مع المسيح، إذ ما من شيء يمنعها من أن تشارك الرجل الاحترام والكرامة والمسؤوليّة في النداء الإلهيّ. 3-ب- الطبيعة الإنسانية والكريستولوجيا خلق الله الرجل والمرأة في المساواة بالطبيعة، وأعطاهما كليهما الحقوق ذاتَها، كما دعاهما سواسية إلى الفرح الأبديّ. ففي حين أنّ الانتماء إلى الجنس المذكّر أو المؤنّث هو تفصيل ثانويّ ومؤقّت للوضع البشريّ لأنّه لا يدوم بعد القيامة، تبرز الطبيعة الإنسانيّة المشتركة كضرورة للخلاص ولوحدة الحياة المتجليّة كاملة: "لأنّكم جميعًا واحدٌ في المسيح يسوع" (غل 3: 28)، والمرأة المعمَّدة كما الرجل المعمَّد قد اتّحدا بالمسيح، لأنّهما بالعماد قد لبسا المسيح (غل 3: 27). يُعرب بولس عن المماثَلة الدقيقة إلى أبعد حدّ باستعماله فكرة الصورة-الأيقونة الموحية: "ونحن جميعًا نعكس صورة مجد الرب بوجوه مكشوفة كما في مرآة، فنتحوّل إلى تلك الصورة" (2كو 3: 18). لا لزوم ولا ضرورة لأيّ تمييز في الجنس، فصورة المسيح لا تكمن في الشبه الجنسيّ مع يسوع الرجل، بل في التشبّه بسيرة حياته الرحومة والمحرِّرة بقوة الروح[8] . وإذا كانت المرأة خلقت على صورة الله، فكيف تعجز أن تكون على صورة المسيح؟ وبالتالي، كيف يمكن تبرير التناقض بين الأنتروبولوجيا اللاهوتيّة والكريستولوجيا؟ بالتالي، أن نقول أنّ الكاهن عليه أن يكون رجلاً ليعبِّر عن الشبه بالمسيح، يبدو غير مقنع. زيادة على ذلك، فالكاهن لا يتماهى مع المسيح، وإلاّ لتحوّل هو بنفسه إلى إفخارستيا، والحال أنّه عندما يحتفل بالعشاء السرّي ويقول كلام التأسيس، يتكلّم بصيغة الغائب وليس بصيغة المتكلّم. ثمّ، ألا تقدّم لنا كريستولوجيا العهد الجديد الحكميّة يسوع المسيح بشكل شخص الحكمة الخالقة، الفادية والمجدّدة شعب الله؟ فيسوع، بأقواله وأفعاله، يظهر كأنّه ابن الحكمة، نبيّها وتجسيدها[9] . أخيرًا، إذا أخذنا بالقول المسيحي المأثور:"كلّ ما لم يأخذه المسيح بالطبيعة، لم ينل الخلاص"، هذا يعني أنّ النساء لم يزلن خارج دائرة الخلاص، لأنّ "الكلمة" عندما أخذ جسدًا، لم يأخذ الجسد الأنثوي[10] . 3-ج- التقليد إذا كان صحيحًا أنّ التقليد البيبلي يسلّم بأنّ التاريخ هو صنع الرجال، وبالتالي فالتعبير الليتورجيّ في العبادة يعود بالطبع إليهم، بالمقابل، فالباب ليس مقفلاً تمامًا على العنصر النسائي، ذلك أنّ التقليد البيبلي بذاته يعترف أنّ التاريخ هو أيضًا صنع النساء، فهؤلاء يشاركن الله في عمله الخلاصي[11] . يقولون إنّ موقف يسوع معياريّ بالنسبة للمسيحيّين، ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه: هل إنّ كلّ المؤسَّسات الكنسيّة المعاصِرة وردت في الإنجيل؟ ألم تستجدّ تغييرات عدّة في التاريخ؟ على سبيل المثال نذكر إستبدال التوبة العلنيّة، غير القابلة للإعادة، بالتوبة على حدة والتي يُمكن تكرارها. كذلك الأمر بالنسبة إلى العبور من الاحتفال بقدّاس يوم الأحد العلنيّ إلى القدّاس اليوميّ والفردي. أمّا موضوع بتوليّة الكهنة الإلزاميّة في الطقس اللاتيني، ألا تتنافى وإرادة يسوع الذي لم يشكّل عنده الزواج أيّ عائق في الخدمة الكهنوتيّة[12] ؟ في شرحه مشهد ترائي يسوع لمريم المجدلية بعد قيامته (يو 20: 11-18)، لا يتردّد أحد مفسّري الكتاب المقدّس من أن يكتب: تقدّم دعوة مريم المجدليّة إلى الرسالة الميزات الجوهريّة ذاتها التي تتميّز بـها دعوة بولس الطرسوسي؛ فلقد رأت يسوع القائم وسمعته وأرسلها هو نفسه بمثابة شاهدة. وعليه فلقد أعلن بولس بالصواب أنّه مساوٍ للرسل، ومريم بدورها تحيّيها الليتورجيا الشرقية بـ "المساوية للرسل"[13]. 4- الدور الليتورجي الأكثر تناسبًا وطبيعة المرأة بعد عرض كلّ البيّنات التي تتحفّظ عن دور المرأة الليتورجيّ المماثل للرجل والأخرى التي تُجيز لها أن تقوم به، يمكننا أن نستخلص ما يلي: 4-أ- للمرأة دور ليتورجي على ضوء ميزات المرأة الأنثويّة يمكننا أن نستنتج الدور الموافق لشخصيّتها. وبالفعل، فإنّنا نلاحظ تطابقًا عميقًا بين مهام الشمّاسيّة والمواهب الأنثويّة. هنا سؤالان يطرحان ذاتهما: أليست المرأة في معظم الحضارات هي التي تعطي الغذاء؟ ثمّ، إنّ إصرار التقاليد الإنجيليّة على رواية الخِدَم التي تؤدّيها النساء، أليست صدىً لمطالبة النساء بممارسة بعض المهام الكنسيّة؟ بناءً على مسؤولياتها، يمكن للمرأة الشمّاسة أن تتدخّل في مختلف الأجهزة والمجالس التي تُهيّئ المشاريع الرعائية والتي تتّخذ القرارات التي تُلزِم مستقبل الكنيسة. أمّا في ما يخصّ التبشير، فليس من باب الإدّعاء أن نقول أنّ الله الذي أراد تعاون مريم مع المخلّص في عمل الفداء، هو ذاته يبغي تعاون المرأة مع الكاهن في عمل التبشير الكنسيّ. وبالفعل، فإنّ حضور مريم وبعض النساء يوم العنصرة يشير إلى أنّ مواهب الروح القدس حلّت عليهنّ كما على سائر الرسل. والحال، أنّه بين هذه المواهب، توجد موهبة التبشير؛ ممّا يؤهّل المرأة، التي قامت بدروس مناسبة وبتنشئة مخصّصة لها أن تكرز بالإنجيل مثل الشمامسة الرجال. إنّ الامتياز الذي حظيت به النساء خلال الظهورات الأولى بعد القيامة، يؤكّد أنّ يسوع لم يكن لديه أيّة نيّة لإبعادهنّ إلى مستوى ثانويّ، بل بالعكس، فهو يقدِّر أمانتهنّ المتجذِّرة في الارتباط. من هنا، يمكن للنساء أن تحظين بمهمّة حقيقيّة في سبيل خدمة كلمة الله. 4-ب- للمرأة دور رسوليّ للمرأة دور رسوليّ يرتبط مباشرة بالعذراء مريم، العروس والأم. فالطريق التي سلكتها أمّ المسيح تعلّمنا وجود إرادة إلهيّة بأن يكون للمرأة رسالة خاصة توافق شخصها كامرأة. هذه الرسالة ليست غريبة عن الكهنوت بل تتعاون وإيّاه. فمريم كانت تعيش ملء متطلِّبات الكهنوت الملكي بصورة أفضل من أيّ شخص آخر، بقبولها بالطفل الإلهيّ في داخلها وبتقديمها إيّاه للآب[14]. يرمز العالم الأنثوي إلى أمومة الكنيسة وطواعيّتها وقبولها المملوء حبًا تلبيةً لمبادرة المسيح، الذي يريد أن يُغدق نعمه على عروسه وأن يجعلها منـزّهة عن كلّ عيب ومتألّقة بالجمال، والمرأة تتفوّق على الرجل في تجسيد الحب؛ ففي خضمّ الآلام، يشهد الانجيليّون الأربعة أنّ النساء كنّ أكثر أمانة ليسوع من الرسل أنفسهم. على مثال العذراء مريم، تقوم النساء بدورٍ سامٍ ولكنّه خفيّ، تمامًا كدور الروح القدس. أليس الروح القدس الذي ترأّس سرّ التجسّد بصورة لامنظورة، يستمرّ في ترؤّس ولادة أبناء الله الفوق-طبيعيّة؟ إمتدادًا لعمل الروح هذا، يعود للمرأة المسيحيّة أمر إيلاد البنين الروحيّين بالألم. فالمرأة لا تحقِّق طبيعتها إلاّ بالعطاء، وبفعل إعطائها ذاتها تنقل الحياة، وتوطّد قيم الألفة والمودّة مع المسيح، إنّها القيم الجوهريّة للكنيسة العروس. لا يجوز أن تُستَبعد المرأة عن كهنوت الكنيسة فهي تشارك بكهنوت المسيح مثل سائر المؤمنين، وبالتكرّس العماديّ تتحوّل إلى هيكل الروح القدس فتصبح قادرة لأن تتمّم أفعال العبادة المسيحيّة، وبنوع خاص، لأن تتّحد في تقدمة المسيح في الجماعة الإفخارستية. في فعل التكريس، تحوِّل المرأة وجودها إلى تسبيح لله، إلى تقريب شخصها "ذبيحة حيّة مقدّسة مرضيّة عند الله" (رو 12: 1). تمثّل فضائل الطاعة والانقياد والارتباط لدى المرأة موقف الكائن الإنسانيّ تجاه الله، إنّه موقف المخلوق تجاه الخالق. أضف إلى ذلك، فهي ترمز بأمانة إلى تصرّف المسيح الجوهري في طاعته المثلى لتقديم ذاته، وفي البشارة، أظهرت مريم خضوعها لله، فاستَبَقت استسلام المسيح لإرادة أبيه[15]. إذًا، للمرأة دور ثنائي في رسالتها كعروس، ممّا يفترض المودّة والاتّحاد بالمسيح في عطاء كامل للذات، ثمّ بصفتها أم تلد أبناء الله بالتبنّي. أن تلد المرأة أبناء روحيين وتجعلهم ينمون بالمسيح، أليست هذه أمومة روحية باهرة[16]؟ 4-ج- التكامل بين الرجل والمرأة لا يوجد أيّ التباس بين مصير المرأة والرجل إذ إنّ كُلاًّ منهما مدعو للقداسة. كلاهما مدعوّان للمشاركة في تحمّل مسؤولية الرسالة المشتركة، لا الخاصة بكل شخص على حدة. فالفرق بين الرجل والمرأة عليه أن يُعاش كموهبة تتكيّف مع الواحد والآخر، على أن تعود بالخير على الجميع. والمساواة لا تفترض التماثل، لأنّ الكنيسة هي جسد مميَّز، ولكلّ واحد دوره المغاير وليس المتمازج مع الآخر. في 1كو 11: 11، يقول بولس: "إلاّ أنّه لا تكون المرأة بلا رجل عند الرب ولا الرجل بلا المرأة"، وبـهذا، يؤكِّد الرسول قناعته أنّه ليس هناك طبيعة إنسانيّة سيّئة بل كيفية عيش مختلفة. على الإنسان، أكان رجلاً أم امرأة، أن يكتشف دوره في مخطّط الله على البشريّة. فما هو جوهريّ في الله-الثالوث، إنّما هو وحدة الأشخاص في الاتّحاد، كذلك الأمر في ما يخصّ خلق الإنسان، رجلاً وامرأة، فما هو أوّلي، إنّما هو التناغم الأساسيّ، كنتيجة حتميّة للحبّ الذي يؤدّي إلى ارتفاع الخليقة كلّها صوب الله. في النهاية، يؤدّي التكامل بين المرأة والرجل إلى جمع غناهما وديناميّتهما الخاصة فيعملا على بناء عالم ليس متساوٍ ومتماثل بل متناغم وموحّد. الخاتمة لم يزل الله يتكلّم بأشكالٍ شتّى، ولم يزل يُملي إرادته من خلال أحداثٍ يُمكنها أن تكون، في بعض الأحيان، ذات وقعٍ بالغٍ. أمّا لقراءتها وسبر أغوارها، فالروح القدس وحده يمكنه أن يأتي لنجدة المؤمنين ليقوموا بقراءة صحيحة. قد ترسم الكنيسة الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة يومًا ما نساءً كاهنات، وقد لا تفعلان، ولكن المهم أنّه يجب الاّ تقومان بعملٍ كهذا في سبيل إرضاء رغبات متطفِّلة لدى البعض بل تلبيةً لحاجات الخدمة. فالمقصود ليس المنافسة الأنثويّة-الذكوريّة أو محو الفروقات بين الرجل والمرأة، لأنّ النتيجة ستكون خسارة لكليهما على السواء. المستقبل ليس مُلكًا لأحد؛ إنّه مُلك الله، لنترك المسألة مفتوحة على آفاقٍ مستقبليّة. المهمّ أنّ عدم تمكّن المرأة من اكتساب سائر الخدم والمسؤوليّات المعطاة للرجل، ليس عليه أن يشكّل عائقًا، أو يكوِّن مشكلة لا حلّ لها، أو يخلق شعورًا بالدونيّة لديها، بل بعكس ذلك، فالمرأة منعَمٌ عليها بكلّ المواهب الإنسانيّة. بالإضافة إلى ذلك، إذا كان الكاهن يتشرّف بتمثيل المسيح في احتفاله بالأسرار، فهي أيضًا تمثِّل الروح القدس بعمله الصامت وإحيائه المثمر كلَّ أسرار الكنيسة. في النهاية على المرأة ألاّ تنسى أنّها مدعوّة للاتّحاد بالمسيح قبل أن تمثّله. دعوتها هي بالحري الانضمام والالتحام في ذبيحة الابن، لكيما بعد ذلك تُنجب له البنين الروحيين. |
|