خذوا مسيحيتكم وأعطوني مسيحكم
كلمات صرخ بها الزعيم الهندي الشهير غاندي (1869م – 1948م) بعد أن رأى أوضاع المسيحيين وأفعالهم التي لا تعكس تعاليم المسيح وحياته، وإذا كان هذا الحال في فترة حياته فكم وكم نرى اليوم صوره مشوّهة للمسيح في حياة أولئك الذين دعي اسم المسيح عليهم، أو أولئك الذين ولدوا لأب وأم مسيحيين. ملح الارض من تعاليم المسيح الأساسية التي علمنا إياها في الموعظة على الجبل هي أننا ملح الأرض، "ولكن إن فسد الملح فبماذا يملح، لا يصلح بعد لشيء إلا لان يطرح خارجا ويداس من الناس" (متى 5 : 13 – 14)، فدورنا كمسيحيين هو إتمام رسالة سيدنا أن نكون ملحا للأرض لمنعها من الفساد، فكما يحفظ الملح الطعام كذلك نحن للعالم، وهذا يتم فقط بالمسيحي الحقيقي. من المؤسف بل والمحزن بل والداعي للبكاء والعويل أننا نرى في أيامنا صورة مشوّهة للمسيح في كثير من البلدان التي تدّعي المسيحية فقط لأنهم "اكتسبوها بالوراثة"، وهذا الأمر طبعا غير وارد في الحياة المسيحية الحقيقية، بل إن المسيحي الحقيقي هو ذاك الذي اتخذ المسيح مخلصا لحياته ويعيش بعلاقة شخصيّه مع الله، وبالتالي يطيع وصايا الرب كما علّمنا إياها في كلمته المقدسة.
إذا أجرينا بحثا صغيرا بالنسبة لوضع المسيحيين عامة والكنيسة خاصة في دول أوروبا مثلا، فسرعان ما سنكتشف حقيقة مرّة تقشعر لها الأبدان وتشرئب لها الأعناق ... سنكتشف كنيسة ضعيفة تكاد تخلو من النفوس، وحتى أولئك الذين يرتادونها يكادون لا يعرفون كلمة الله وغير مختبرينه بشكل شخصي، وحضورهم ما هو إلا تديّن وطقسية ... ليس ذلك فقط، بل سنكتشف حقيقة مرّة أخرى، أن هناك العديد من الكنائس أغلقت أو في مراحل الإغلاق، وهي تعرض وتباع كبيوت للسكن أو حتى كمقاه ... هذا بالإضافة إلى النجاسات التي أصبحت أمرا عاديا مباحة في الشوارع والمخامر والمقامر (الكازينوهات) وبيوت الدعارة، كذا تعاليم بل وقوانين مناقضة لكلمة الله كزواج المثليين وغيرها.
لا حاجة أن نسهب عن وضع الكنيسة في الأمريكتين عامة والولايات المتحدة خاصة، الذي لا يختلف كثيرا عما ذكر بالنسبة لأوروبا، تلك البلاد التي طبعت على عملتها In God we trust بينما فعليا نرى صورة معاكسة لهذه المقولة، فهم الذين منعوا تعليم الكتاب المقدس في المدارس وهم الذين حللوا ما حرّمه الكتاب المقدس بشكل قاطع لا يحتمل الشك: زواج المثليين، هذا بالإضافة إلى النجاسات المنتشرة في الشوارع كالمذكورة أعلاه، ناهيك عن النجاسات التي تبث سمومها من خلال أفلام هوليوود ومطبوعاتها المرئية والمسموعة. كل ذلك ناهيك عن البدع والهرطقات التي تنبع غالبا من أناس لهم دراية بكلمة الله، من كهنة ورجال دين على كافة الطوائف المسيحية، بشرقها وغربها، مثلا أولئك الذين يطعنون في صدق كلمة الله وأنها ليست كلها حقيقية بل يدعون أن هناك قصصا خرافية أو أسطورية أو خيالية، وبالتالي يطعنون في حقيقة الوحي الكامل لكلمة الله كما علمنا الكتاب (2 تي 3 : 16). ليس الهدف من هذي المعلومات هو الإدانة أو بث الإحباط واليأس في قلوبنا، بل هو الوقوف على حقيقة المأساة التي تشهدها مسيحيتنا في العالم، ثم الصلاة لأجل النفوس الهالكة كي ترجع إلى الله وكذلك للكنيسة العامة كي يحييها ويبنيها الله من جديد، فالمسيح هو الذي يبني كنيسته، وإذا ما أعطيناه المجال أن يبنيها فعندها "أبواب الجحيم لن تقوى عليها" (متى 16 : 18). قد يكون السبب في اضطهاد المسيحيين ليس بالضرورة إيمانهم وتمسكهم بالمسيح، بالذات إذا كانوا بعيدين كل البعد عنه، بل قد يكون السبب في ذلك هو بعدهم عن الله من جهة وضعف الكنيسة في المكان الذي يعيشونه من جهة أخرى، وبالتالي هم "محرومون" من الحماية الإلهية المدوّنة في عشرات الآيات عبر صفحات الكتاب المقدس، مثلا: "ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم" (مز 34 : 7)، أو الآية: "معه أنا في الضيق، أنقذه وأمجده" (مز 91 : 15)، كذلك: "ادعني في يوم الضيق، أنقذك فتمجدني" (مز 50 : 15) وغيرهم. طبعا ليس المقصود أنه لا اضطهاد لأولاد الرب الحقيقيين، فالرب يسوع نفسه خبرنا أنه "إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم" (يو 15 : 20)، ولكن نقول أن ليس كل اضطهاد هو بسبب الإيمان الحقيقي بالمسيح وقد يكون السبب عكس ذلك تماما. من المهم أن ننتبه أيضا أن الاضطهاد للمسيحيين الحقيقيين لا بد أن يأتي بالمجد للرب، فنقرأ في سفر الأعمال كيف أن "الذين تشتتوا جالوا مبشرين بالكلمة" (أع 8 : 4، 11 : 19)، والمثال الأكبر لذلك هو اضطهاد رب المجد ذاته والبركة التي حلت على التلاميذ بحلول الروح القدس وانتشار كلمة الرب بقوة، بينما كل اضطهاد من نوع آخر سيأتي بالإحباط والفشل والدمار لكلمة الله.
من هنا فلا يجوز أن يصبح موضوع اضطهاد "المسيحيين" هو العناوين الرئيسية في تبشيرنا ونشرنا لكلمة الله، وإلا فسيصبح الموضوع هو الدفاع عن المسيحيين الذين دعوا كذلك، بغض النظر عن إيمانهم، إنما أن يكون شغلنا الشاغل هو خلاص النفوس الهالكة وإحياء كنيسة الله كي تكون كنيسة عفيفة طاهرة وجاهزة لملاقاة عريسها المسيح. كذلك لا يجوز أن تعاملنا مع موضوع اضطهاد المسيحيين أن يتحول إلى أمر أشبه بالتحيز والتعاطف تجاه فئة معينة وبالتالي نبذ وتهميش "الفئات الأخرى" من غير المسيحيين، وقد نفعل ذلك دون قصد، لأننا بذلك سوف نبني حواجز تعترض طريقنا في التبشير وتعرقل نشر كلمة الإنجيل لأولئك الذين مات المسيح أيضا لأجلهم، لأنه أتى لخلاص كل البشر.
يا ليتنا في هذي الأيام الصعبة نركز قوانا في نشر كلمة الإنجيل لكل العالم، لأن هذه هي مأموريتنا التي أوصانا بها رب المجد يسوع، وعندها سنكون مسيحيين حقيقيين ولن نسمع ما قاله غاندي بعد اليوم.