منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 03 - 07 - 2015, 04:34 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,847

كيف أتأمّل نصوص العهد القديم؟
كيف أتأمّل نصوص العهد القديم؟
تطرح بعض نصوص العهد القديم مشكلاتٍ على مَن يتأمّلونها أو يقرأونها. فهي تنتمي إلى وسطٍ ثقافيٍّ وتفكيرٍ يختلفان عن وسطنا وتفكيرنا؛ فتبدو متناقضة مع القيم الإنجيليّة الّتي نؤمن بها. وإذ يصعب على القارئ أو المتأمّل تخطّي هذا التناقض، يتخلّى عنها، ويحرم نفسه الغنى الّذي فيها، ويكتفي بنصوص العهد الجديد، بل لنقل صراحةً، يكتفي بالأناجيل الأربعة، لدعم صلاته وتغذية حياته الروحيّة، لأنّ نصوصاً أخرى في رسائل القدّيس بولس أو سفر الرؤيا تطرح عليه أيضاً المشكلات نفسها.
سنورد هنا بعض الملاحظات الّتي قد تساعدنا على تأمّل نصوص العهد القديم بأقلّ ما يمكن من الصعوبة.
أوّلاً، علينا أن نعتبر المسيح مركزاً لجميع النصوص المقدّسة، ولكن علينا أن نوسّع مفهومنا للمسيح، ولا نحصره في يسوع الناصريّ، بل نضع نصب أعيننا رسالته الفادية: العهد القديم ينيرنا لنفهم معنى التجسّد الفادي، وهذا الفداء لا يتمّ لمجموعة معيّنة بل لجميع البشر. إنّه يريد أن يضمّهم إلى جسده السرّيّ، ويشركهم في الحياة الأبديّة، أي ملكوت المسيح الممجَّد. قد تبدو هذه الجمل الأخيرة غامضة أو صعبة الفهم. حسناً، فأوريجينوس يقول: «نحن ننتقل من ظلّ الشريعة إلى نور الإنجيل، وهذا النور هو ظلّ أيضاً إذا ما قارنّاه بوضوح الحياة الأبديّة حين نصل إليها».
كيف أتأمّل نصوص العهد القديم؟
ثانياً، إنّ العهد القديم يساهم في تكوين الإنسان الروحانيّ على ملء الحياة في المسيح. ويتمّ هذا التكوين في عدّة مجالات.
المجال الأوّل نجده عند القدّيس إيريناوس. إنّه يلحّ على تكوين الإنسان على العبادة الواجبة لله. وبما أنّ شعب العهد القديم كان جسديّاً، ربّى الله الإنسان باستعمال وسائط خارجيّة، ثمّ نقله من التقادم الخارجيّة المرئيّة إلى تقدمة القلب، وفي آخر الأمر قدّم المسيح نفسه بدافع الحبّ، ونحن مدعوّون إلى الاتّحاد بذبيحته النقيّة المرضيّة لدى الله:
«لم يتمّ إلغاء الذبيحة. فقد كانت هناك تقادم ولاتزال موجودة؛ كانت هناك ذبائح يقدّمها الشعب المختار، ولا تزال موجودة في الكنيسة. ولكنّ النوع تغيّر. فمَن يقدّمون الذبائح ليسوا عبيداً، بل أحراراً» (Adversus Haereses, IV, 18, 2 ).
إنطلاقاً من هذا المفهوم، ينال الوصف الطويل لطقوس الذبائح معنىً تربويّاً، وعلى مَن يتأمّل النصوص الّتي تتناول الموضوع أن يتعلّم منها كيف يمكنه أن يدخل في غنى العلاقة بالله: الذبيحة عبادة وسجود وشكر وتقدمة للذات. إنّها تقدمة لما أنا بحاجة إليه لا لما يفيض عنّي. بذلك أعبّر لله عمليّاً على أنّني أحبّه فوق كلّ شيء. إنّها مرحلة ينبغي لكلّ مؤمنٍ أن يمرّ منها كي يستطيع الانتقال إلى المرحلة التالية الأسمى. والسؤال المطروح: كيف أعيش هذه المرحلة؟ كثيرون يقدّمون من وقت فراغهم لا من وقت انشغالهم. وإذا طولبوا بتقدمةٍ ماليّة يتردّدون ويتهرّبون لأنّهم بحاجة إلى المال، بل ومنهم مَن ينكر صلاحيّة التبرّع بحجّة أنّ تقدمة الذات والقلب هي أجدى، وهي الّتي يريدها الله. أي يهربون من هذه المرحلة ليستقرّوا في المرحلة التاليّة الّتي يبنوها بحسب أهوائهم: تقدمة ما يفيض عنّي، أو التقدمة بالكلام لا بالفعل، أو التقدمة شريطة ألاّ أشعر بقسوة التخلّي.
كيف أتأمّل نصوص العهد القديم؟

وإذا انتقلنا من الحياة العباديّة إلى الحياة الأخلاقيّة في العهد القديم، فإنّ البعد التربويّ يظلّ فاعلاً. فالإنسان يتقدّم تدريجيّاً من الأنا إلى التخلّي عن الأنا ليصل إلى ملء الشريعة الإنجيليّة في المحبّة الشاملة والمجّانيّة. «علينا ألاّ نعتبر أوّلاً البعد الأخلاقيّ، بل العلاقة بإله العهد. فالتاريخ المقدّس ليس «عبرةً»، لأنّه يقدّم لنا أناساً ضعفاء وخطأة، ولكنّه يريد أن يكون شاهداً لوفاء الله المطلق، الّذي يريد أن يتمّم مخطّطه الخلاصيّ» (Suzanne de Dietrich, Dessein de Dieu, Delachaux et Niestlé, 1953).
فقد شاء الله بعنايته أن يقود البشر تدريجيّاً إلى حسٍّ أخلاقيٍّ أعمق وأرهف؛ فانتقل مثلاً من عقيدة المسؤوليّة الجماعيّة إلى المسؤوليّة الفرديّة، ومن محبّة القريب المثيلة لحبّ الذات إلى محبّة العدوّ المثيلة لمحبّة المسيح.
على تأمّل حياة رجال الله أن يعتبر إيمانهم بالله أكثر من سلوكهم الأخلاقيّ، كما فعل كاتب الرسالة إلى العبرانيّين في الفصل الحادي عشر، وكاتب يشوع بن سيراخ (الفصول 44 – 50). فتأمّل حياة هؤلاء يعلّمنا كيف نتشبّه بإيمانهم وتعلّقهم بالله على الرغم من ضعفهم وخطيئتهم.
خلاصة القول: إنّ نصوص العهد القديم غذاء روحيّ لمَن يقرأها ويتأمّلها بإيمانٍ وتواضعٍ ومثابرة. وعقبة لمَن يجعل نفسه حاكماً عليها، فيقرأها ويتأمّلها انطلاقاً من أفكارٍ مسبقة موجودة لديه، فلا يقبل الجديد الّذي قد ينكشف له، بل ويعتبر نفسه في حالةٍ روحيّةٍ أسمى من حالة الأجداد، فلا تنفعه خبرتهم بشيء.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
الصديق القديم هو الاعتزاز بالعهد القديم الذي أعلن عن العهد الجديد بالنبوات
دفاع عن وحي العهد القديم بخصوص الكنعانيين العنف في العهد القديم
العهد الجديد خير شاهد على التجديد الجذري مع التمسّك بجوهر العهد القديم
كيف أتأمّل نصوص العهد القديم؟
ما هو الفرق بين ظهورات الله في العهد القديم والتجسد الإلهي في العهد الجديد؟


الساعة الآن 12:54 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024