نهاية العالم بلا نهاية
ليس شيء أحب إلى قلوب شهود يهوه من التحدث عن موضوع الساعة وقيامها، الموضوع الذي يتصدّر العناوين الهامة في خطبهم وكتاباتهم. فقد تحول هذا الموضوع بأيديهم إلى صنّارة يصطادون بها نفوس من جهلوا الحقائق الكتابية وأداة يستخدمونها للترهيب والترغيب ضمن عالم تحول إلى سوق للبدع ومسرح للأنبياء الكذبة.
متى يأتي المسيح؟
حين سأل التلاميذ الرب عن زمن مجيئه أجابهم بالقول: "اسهروا وصلّوا لأنكم لا تعلمون متى يكون الوقت" (مرقس13: 33). وبدلاً من أن يكلّف الرسول بولس نفسه عناء الكتابة عن الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه قال: "وأمّا الأزمنة والأوقات فلا حاجة لكم أيها الأخوة أن أكتب إليكم عنها لأنكم تعلمون بالتحقيق إن يوم الرب كلصٍّ في الليل هكذا يجيء" (1تسالونيكي 5: 1 و2).
لكن شهود يهوه لا يوافقون ربّنا ورسوله، بل يدّعون "أنهم يعرفون مقاصد يهوه وأزمنته وفصوله...فإنّ روح الله القدوس يكشف لهم أيضاً ما هو الفصل من وجهة نظره."[112] ومن هذا الفكر انطلقوا وتنبأوا عن زمن مجيء الرب. وفي محاولة لتبرير النبوّات الكاذبة قالوا: "يدّعي بعض المقاومين بأنّ شهود يهوه أنبياء كذبة. وهؤلاء الخصوم يقولون أن التواريخ حُدّدت، ولكن لم يحدث شيء...نعم، كان على شعب يهوه أن يعدّلوا توقّعاتهم من حين لآخر. وبسبب اشتياقنا رجونا أن يكون النظام الجديد أبكر مما اقتضاه جدول مواعيد يهوه...وعلاوة على ذلك فإنّ الحاجة إلى تعديل فهمنا بعض الشيء لا تجعلنا أنبياء كذبة".[113]
نقول: إنّ التنبؤات التي لا تصدق في توقّعاتها والتي يجري فيها تعديل لا يجوز أن تُنسب بأيّة حال من الأحوال إلى روح الله؛ "فما تكلّم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يصر فهو الكلام الذي لم يتكلّم به الرب بل بطغيان تكلّم به النبي فلا تخف منه" (تثنية 18: 22). ونحن إذ يأمرنا كتابنا العزيز: "أيها الأحباء لا تصدّقوا كلّ روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله لأنّ أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم" (1يوحنا 4: 1) سنستعرض نبوّاتهم التي خرجوا بها منذ تأسيس شيعتهم. فإن تبيّن لنا صدقهم في واحدة منها يكونون أهلاً لثقتنا، وإلاّ فإنّنا نستطيع أن نحكم بكذبهم ونفاقهم. وفي ما يلي أهم تنبؤاتهم:
- 1872: نهاية 6 آلاف سنة من تاريخ البشرية وابتداء حكم الله على العالم (نبوّة لرصل).
- 1874: مجيء المسيح غير المنظور إلى هيكله في السماء (نبوّة لرصل).
- 1878: خطف القديسين والقيامة الأولى (نبوّة لرصل).
- 1881: انتهاء عهد النعمة – السماء تغلق أبوابها في وجه الخطاة (نبوّة لرصل).
- 1914: مجيء المسيح المنظور وانبثاق ملكوت الله (نبوّة لرصل).
- 1918: القيامة الأولى (نبوّة لرذرفورد).
- 1925: قيامة أموات العهد القديم وعودة الآباء إبراهيم واسحق ويعقوب (نبوّة لرذرفورد).
- 1940:حدوث معركة هرمجدون (نبوّة لرذرفورد).
- 1975: مجيء المسيح إلى الأرض وابتداء ملكوت الله (نبوّة لفريدريك فرانس).
في قضية Douglas Walshالتي مر ذكرها، يجري الحديث التالي بين المدعي العام وفريدريك فرانس *:
"المدعي العام: ألم يشر رصل إلى 1874 كموعد هام ؟
فرانس: لقد توقع مجيء المسيح بالروح سنة 1874
المدعي العام: وكان هذا إعلاناً حقاً انبغى على جميع شهود يهوه القبول به؟
فرانس : نعم
المدعي العام: والآن لم يعد مقبولا؟
فرانس: لا...
المدعي العام: للتوضيح، لقد توجب على الشهود القبول بالحسابات الخاطئة؟
فرانس: نعم
المدعي العام: وقد تعترف الجمعية بعد بضعة سنوات، بأن ما تقوله اليوم هو خطأ؟
فرانس: ننتظر لنرى
المدعي العام: وخلال هذه الفترة اتبع مجمل شهود يهوه الضلال؟
فرانس: هم اتبعوا مفهومنا الخاطئ للكتاب.
المدعي العام: بل ضلال؟
فرانس: ليكن ..."
أمام كلّ هذه التنبؤات الكاذبة نحكم بعدم أهليتهم للقب "أنبياء الله" وأن التسمية الحقيقية التي تليق بهم هي: "الأنبياء الذين يرون الباطل والذين يعرفون بالكذب" (حزقيال 13: 9)؟
شهود يهوه وسنة 1914
يلعب الرقم 1914 دوراً هاماً في تعاليم وحياة شهود يهوه، وأهميته تكمن في كونه الأساس الذي تبنى عليه مجمل
-------------------------------
*المرجع المذكور سابقا والفصل الثالث
تعاليمهم حول مجيء المسيح الثاني وما يتعلق به. والأهم من ذلك، أنّ سلطان الهيئة الحاكمة يرتبط بهذا الرقم وإلغائه قد يزعزع دعامة سلطتها. فالمسيح، بحسب ما يروّجون، عيّن الهيئة ممثلا له على الأرض في السنة 1914.
حدّد رصل تاريخين لمجيء المسيح، الأول عام 1874 وفيه يحدث الحضور غير المنظور، والثاني عام 1914 وفيه تكون نهاية العالم وحلول ملكوت الله. ورغم اعتراف رصل لأتباعه بخطأ نبوّاته، زعم رذرفورد أن نبوّة 1914 قد تمت حرفيا وكلّ ما عمله للاحتفاظ بالرقم، أنّه أضاف إلى الأرقام التي وضعها رصل أربعين سنة أخرى، فأصبح مجيء المسيح غير المنظور ليس 1874، بل 1914، وخطف القديسين والقيامة الأولى ليس 1878، بل 1918.
تعتمد نظرية 1914 الحالية على رقمين، الأول تاريخي والثاني كتابي، وهي باختصار شديد كالتالي:
تقول كلمة الله "يطردونك من بين الناس و تكون سكناك مع حيوان البر ويطعمونك العشب كالثيران ويبلونك بندى السماء فتمضي عليك سبعة أزمنة حتى تعلم أن العلي متسلط في مملكة الناس ويعطيها من يشاء" (دانيال 4 : 24 – 25). فقالوا هم، بأن السبعة أزمنة هي فترة تحكم فيها الأمم، وبانتهائها تحل مملكة يهوه بواسطة المسيا ابنه. ثم عرّفوا الزمان بسنة قمرية تتألف من 360 يوما، وهكذا يكون مجموع الأزمنة السبعة في سفر دانيال 2520 يوما. هذه الأيام حوّلوها إلى سنين استنادا على القول "إن يوما واحدا عند الرب كألف سنة" (بطرس 3 : 8). ولكي يصلوا إلى نهاية أزمنة الأمم يستلزم تحديد نقطة البدء، فاستنتجوا أن نقطة البدء تنصب في السنة التي دمرت فيها أورشليم على يد نبوخذ نصر البابلي مستندين على قول المسيح "وتكون أورشليم مدوسة من الأمم حتى تكمل أزمنة الأمم" (لوقا 21 : 24). والآن ينبغي الرجوع إلى تاريخ دمار أورشليم على يد البابليين، ومن ثم إضافة الـ 2520 سنة لتوصلهم إلى سنة مجيء المسيح كما توقعوا. فما هو هذا التاريخ؟
يجمع المؤرخين على العام 587 ق.م. كتاريخ لخراب أورشليم، وتؤكد كلمة الله هذا التاريخ، إذ تعطي تاريخ انتهاء السبي بالسنة الرابعة لداريوس ملك الفرس (زكريا 7 : 1 – 5). و يؤرخها المؤرخين 517 – 518 ق.م. إن عدنا من هذا التاريخ 70 سنة' وهي مدة السبي، إلى الوراء سوف نصب في 587 ق.م. وهذا تاريخ لا ينفع معشر الشهود، لأن 2520 ينقص منها 587 تصل بنا إلى سنة 1933 ميلادية. فاضطروا إلى ابتداع رقم آخر يصل بهم إلى 1914. فعينوا العام 607 ق. م. تاريخ لدمار أورشليم، رغم مخالفة الكتاب المقدس والمؤرخين والفلكيين وعلماء الآثار لهذا التاريخ. وصح القول "الحاجة أم الاختراع".
إن جارينا "الأنبياء" وأسلمنا جدلاً بحضور المسيح سنة 1914، يواجهنا السؤال: لماذا العالم باقٍ على حاله ولم يحدث تغيير نحو الأفضل؟ جواب برج المراقبة هو كالتالي [114]:
منذ مجيء المسيح وتسلم السلطة سنة 1914 إلى معركة هرمجدون الأخيرة ونهاية "نظام الأشياء" يمر جيلا واحدا بحسب لوقا 21: 31- 32 "هكذا أنتم أيضا متى رأيتم هذه الأشياء صائرة فاعلموا أن ملكوت الله قريب، الحق أقول لكم: إنه لا يمضي هذا الجيل حتى يكون الكل". والجيل المتعارف عليه هو من 70 إلى 80 سنة؛ وعليه يكون الجيل الذي حدده الشهود قد انتهى بنهاية 1984. ولمــّا ابتدأ القلق يتسرب إلى الشهود تداركت الجمعية الأمر فراحت تشجع أتباعها، أن "كلمة يهوه النبوية إلى يسوع هي، أن هذا الجيل سوف لن يمضي حتّى تحدث كلّ الأشياء (لوقا 21:32) و يهوه الذي هو مصدر الوحي والنبوّة الغير كاذبة، سوف يحقق هذا ".[115]لكن مر لليوم 96 سنة منذ "حضور المسيح" سنة 1914، ولازالت النهاية بلانهاية.
كيف يأتي المسيح؟
قالوا: "عند رجوعه لا يأتي المسيح على الأرض. ولكن الذين يحكمون معه يؤخذون ليحيوا معه في السماء...فرجوع المسيح لا يعني عودته ثانية إلى الأرض حرفياً. لكن يعني تسلّم سلطة الملكوت في هذه الأرض...ففي السنة 1914 حان الوقت عند الله ليرجع ويبتدئ الحكم". [116]
ونسأل: إن كان المسيح قد أتى ثانية وابتدأ حكمه فعلاً، لماذا قادتهم لازالوا على الأرض ولم يذهبوا إلى السماء للحكم معه؟ ألعلّ مسؤولياتهم الجسيمة على الأرض تحول دون ذلك؟
للرد، أكتفي باقتباس نص واحد من كلمة الله يغنينا عن كل شرح وتفسير، فيه يعلن لنا الوحي بكلّ وضوح كيفية عودة المسيح. "ولمـــّا قال (يسوع) هذا ارتفع عنهم وهم ينظرون. وأخذته سحابة عن أعينهم. وفيما كانوا يشخصون إلى السماء وهو منطلق إذا رجلان قد وقفا بهم بلباس أبيض وقالا: أيها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء" (أعمال 1: 9- 11). فكيف نشك في عودة منظورة للرب أمام هذا الإعلان الواضح؟
اعتراض:"لقد رأوه منطلقاً ولكنهم لم يروه راجعاً. إنّ كلمة الملاكين "هكذا" لا تقول في نفس الجسد...فقد أخذته سحابة عن أعينهم بحيث صار غير منظور.وهكذا سيكون رجوعه غير منظور – في جسمه الروحاني صعد المسيح إلى السماء. وهكذا يكون رجوعه أيضاً غير منظور في جسم روحاني".[117]
الرد: إن كلمة "هكذا" تُفهم بمعناها الحرفي التام وذلك للأسباب التالية:
1 – "هكذا" نسبة إلى الجسد. لقد قام الرب من الأموات بالجسد –كما تأكّد لنا في ما سلف- وهو لم يكن شبحاً أو روحاً؛ وعليه، يكون قد صعد إلى السماء في الجسد نفسه، كما أنه سيعود منها هكذا.
2 – "هكذا" نسبة إلى الجغرافية. يقول النص إنّه انطلق إلى السماء من على جبل الزيتون، ويؤكّد الوحي أنّه في عودته سينزل على الجبل عينه (زكريا 14: 4).
3 – "هكذا" نسبة إلى العيان. إنّ التلاميذ كانوا ينظرونه؛ ويقول الوحي بصريح العبارة إنّ الناس سينظرونه في عودته: "ويبصرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير" (متى 24: 30).
4 – "هكذا" نسبة إلى السحابة. وصعوده على السحابة ليس البتة دليلاً على عودة غير منظورة، لكنه يشير إلى عودته مع السحاب في مشهد الصعود ذاته: "هوذا يأتي مع السحاب وستنظره كلُّ عين" (رؤيا1: 7).
اعتراض: "وهنا يتحدّث الكتاب المقدس عن الرؤية، لا بالعيون الطبيعية، بل بمعنى التمييز والإدراك...ولذلك فإنّ عبارة "ستنظره كلّ عين" تعني أنّ كلّ فرد سيفهم أو يدرك أنّ المسيح حاضر – إن الكلمة اليونانية "مجيء" المترجمة هنا الواردة في متى 24: 3 "ما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر" هي "باروسيا" وتعني حضور".[118]
الرد: إن تفسيرهم المجازي للعبارة "ستنظره كلُّ عين"، وإن كان يغيّر في كيفية مجيء المسيح وكيفية رؤية الناس له لا يقدر على تغيير حقيقة رؤية جميع الناس له، سواء كانت الرؤية بالعين المجردة أم بالعين الذهنية. وبما أنهم اعترفوا في اعتراضهم، أنّ كلّ فرد سيُدرك حضور المسيح، نسألهم بالتالي: من هم الذين أدركوا حضور المسيح سنة 1914 غيرهم؟
وبتفسيرهم للكلمة اليونانية "باروسيا" يُظهرون، كعادتهم في التفسير، نصف الحقيقة ويخفون نصفها الآخر. فالكلمة تعني "مجيء" علاوة على معناها "حضور" *؛ لكنها في الحديث عن عودة المسيح تعني حرفيّاً مجيئه إلى العالم وليس حضوره غير المنظور. فالمسيح كان في كلّ عصر وزمان حاضراً في عالمنا وبشكل خاص، في كنيسته. وقد وعد المؤمنين به بالمكوث معهم إلى انقضاء الدهر (متى28: 20)، وأكّد أيضاً، حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمه يكون هو في وسطهم (متى 18: 20). لذا فإنّ رجاء المؤمنين الأعظم يعبّرون عنه بالقول: "ولكن نعلم أنّه متى أُظهر (المسيح) نكون مثله لأننا سنراه كما هو. وكلّ من عنده هذا الرجاء به، يطهّر نفسه كما هو طاهر" (1يوحنا3: 2 و3).
من يحكم العالم اليوم؟
قسّم باربور وشريكه رصل الزمن من بداية الخليقة إلى حلول ملكوت الله إلى ثلاثة عصور . يمتد العصر الأول من الخلق حتى الطوفان (4128- 2473 ق.م.) وقد حكمته الملائكة. ويمتد الثاني من الطوفان حتى 1914 وقد حكمه الشيطان. أما الثالث الذي يبدأ بسنة 1914 إلى ما لا نهاية، وهو العصر الذي تكاثر فيه الشر وتفاقم فيه الفساد، فقد أُسندا حكمه إلى الله.
لإبطال زعمهم أذكر بعض الفروق القائمة بين الملكوت الذي يدّعون أنّه انبثق سنة 1914 وبين ملكوت الله:
1- اختلاف في كيفية حلوله. إنّ حلول ملكوت الله تسبقه حوادث وعلامات عديدة منها:
أ- خطف القديسين الأحياء وقيامة القديسين الأموات لملاقاة الرب (1تسالونيكي4: 16 و17) ب- حلول ضيق عظيم على الأرض (متى24: 21) ج- ظهور المسيح (متى24: 30) د- دينونة الشعوب (متى25: 31 و32).
---------------------------------
* راجع الجزء الثاني من هذا الكتاب، فصل: عالم بلا نهاية
2- اختلاف في طبيعته. إنّ طبيعة ملكوت 1914 موسومة بالشر والوحشية عكس ملكوت الله الذي يتّسم بالبرّ والسلام، حيث لا حروب (أشعياء 2: 4)، ولا خطاة (أشعياء29: 20 و21)، ولا موت (أشعياء 25: 8)، وجميع الشعوب تعبد الرب (زكريا 8: 22). فلو كانت هذه العلامات ظاهرة اليوم لجاز لنا الاعتقاد بسيادة ملكوت المسيح سنة 1914 على الأرض.
3- اختلاف في كيفية دخوله. تضع جمعية برج المراقبة شرطين أساسيين لدخول ملكوتها هما، المعرفة عن شرائع الملكوت والسلوك الحسن [119]. بينما يوضح الرب: "إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يوحنا 3: 3). هذه الولادة تتم بواسطة الإيمان القلبي العميق بذبيحة المسيح، وعندئذٍ يصبح الإنسان مِلكَ المسيح في العالم الحاضر وفي الآتي. فالمسيح لم يأتِ ليسود على عروش أرضية بل على عرش القلب. فبما أنّ ملكوت 1914 لا يحتاج إلى ولادة جديدة، لا يمكن بالتالي أن يكون هو نفسه ملكوت الله.
سكان السماء وسكان الأرض
تقسّم جمعية برج المراقبة رعاياها إلى فريقين: فريق رجاؤه العيش مع المسيح في السماء، ويسمّى "القطيع الصغير" (لوقا 12: 32) و"الأبكار" وعددهم 144 ألفاً (رؤيا 7: 4). وفريق آخر رجاؤه العيش في الفردوس على الأرض، ويسمّى "الجمع الكثير" (رؤيا 7: 9) و"الخراف الأخر" (يوحنا 10: 16).
اخترعوا هذا التعليم الغريب للتخلص من ورطة أوقعهم فيها زعيمهم رصل حين نادى، أن عدد المخلّصين من البشر هو 144 ألفاً لا غير. فلمّا ازداد عدد المشايعين بما يفوق هذا الرقم، وجب على خلفه رذرفورد ابتداع رجاءً آخر للأعضاء الجدد. فقسم المؤمنين إلى فريقين وأُعلن الرجاء الجديد سنة 1935 في مؤتمر واشنطن.[120]
قالوا عن الفريق السماوي: "يوضح الكتاب المقدس أنّ 144000 فقط من الأشخاص المجرّبين الأمناء سيذهبون إلى السماء ليحكموا مع المسيح؛ ولماذا هؤلاء فقط؟... لأنّ هؤلاء وحدهم مولودون من روح الله، ولأنّ يهوه قد برّرهم بالإيمان به.... فعلوا ما هو حسن في هذه الحياة، وبرهنوا على الأمانة، فهم أهلٌ للجلوس على عروش سماوية مع المسيح. هذا، ومعظم هؤلاء هم الآن في السموات، أما بقيّتهم التي ما تزال على الأرض، فتؤلف صف "العبد الأمين الحكيم".[121]ولهؤلاء وحدهم حق تذكر موت المسيح بكسر الخبز و تناول الكأس.
قالوا عن الفريق الأرضي: "وهذا الجمع الكثير الذي لا يُحصى، غير المختومين على جباههم بختم الله الحي، ليسوا في العهد الجديد الذي توسّطه يسوع المسيح...ليست لهم آمال سماوية...لم يولدوا ليكونوا أبناء الله الروحيين...لم يمسحهم الله كوارثين مقبولين مع المسيح في ملكوته السماوي ... كل الأنبياء قبل المسيح...لم يوضع أمامهم أي رجاء سماوي". [122]إذا،أنبياء كموسى وأيوب وإيليا سوف يخضعون لقادة شهود يهوه.
نرد على هذه المهاترات بالتالي:
1 - إنّ كلمة الله لا تُحدّد عدد الداخلين إلى السماء ولا عدد المولودين من روح الله، بل تقول: "كلُّ من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد وُلد من الله" (1يوحنا 5: 1)، "وأمّا كلُّ الذين قبلوه (أي المسيح) فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله" (يوحنا 1: 12). ثم لا ينص سفر الرؤيا على أنّ دخول الـ 144000 إلى السماء متوقّف على أمانتهم، بل لأنّ الخروف قد اشتراهم بدمه الكريم. فأيّ إنسان ابتغى الدخول إلى السماء، إن كان من قادة برج المراقبة أو غيرهم، عليه أولاً أن يغتسل بدم المسيح. ذلك، لأنّ السماء "لن يدخلها شيء دنس" (رؤيا 21: 27) و"الشعب الساكن فيها مغفور الإثم" (أشعياء 33: 24).
2 - إنّ الفريق الأرضي حسبما وصفوه محروم من كلِّ البركات التي يتمتّع بها المؤمنون بالمسيح، المذكور عنهم أنهم تبرّروا بالإيمان بكفّارة المسيح (رومية 3: 21- 28)، وأنهم اشتُروا لله بدم الحمل (رؤيا 5: 9)، مختومين بالروح القدس (أفسس 1: 13)، مولودين من روح الله (1بطرس 1: 3)، ووارثين مع المسيح (رومية 8: 17). وهكذا نتحقّق بأنّ الذين دعاهم رذرفورد ليعيشوا في الفردوس الأرضي ما زالوا خطاة غير تائبين في نظر الله ولا علاقة لهم لا من بعيد ولا من قريب بجماعة المؤمنين الحقيقيين.
3 - إنّ المسيح لم يبذل نفسه فدية فقط عن 144000 إنسان، بل عن البشرية جمعاء، فيكون من حق جميع الذين آمنوا بموته وقيامته أن يدخلوا السماء وأن يتناولوا عشاء الرب ليتذكّروا موته البديلي عنهم.
4 - إنّ اختلاف رعايا جمعية برج المراقبة في رجائهم لَهُو دليل قاطع على عدم انتمائهم إلى كنيسة المسيح، التي لها وصية تقول: "مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام. جسد واحد وروح واحد كما دُعيتم أيضاً في رجاء دعوتكم الواحد" (أفسس 4: 4). ورجاء الكنيسة وتعزيتها عبر العصور كانا في وعد سيّدها الأمين: "في بيت أبي منازلُ كثيرة... وإن مضيت وأعددت لكم مكاناً آتي أيضاً وآخذكم إليّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً" (يوحنا 14: 2 و3).
5 - وقولهم، إنّه لم يكن لأنبياء الله قديماً أيُّ رجاء سماوي، هو ادّعاء باطل، فالكتاب يقول عنهم: "في الإيمان مات هؤلاء أجمعون وهم لم ينالوا المواعيد بل من بعيد نظروها وصدّقوها وحيّوها وأقرّوا بأنّهم غرباء ونزلاء على الأرض. فإنّ الذين يقولون مثل هذا يُظهرون أنّهم يطلبون وطناً...يبتغون وطناً أفضل أي سماوياً" (عبرانيين 11: 13 و14 و16).
6- يعلّم الكتاب المقدس بأنّ الجمع الكثير سيكون مع الأبكار الـ144000 في الأبدية: "بعد هذا نظرت وإذا جمع كثير...واقفون أمام العرش وأمام الخروف" (رؤيا 7: 9). وعرش الله هو في السماء وليس على الأرض.
اعتراض: "وقوفهم أمام العرش (باليونانية"على مرأى من العرش") الذي لله لا يتطلّب أن يكونوا في السماء فموقعهم هو فقط على مرأى من العرش". [123]
نقول: اعتراضهم هو حجّة سخيفة لا يمكن أن يقنع بها قرّاء الكتاب المقدس. فعبارة "أمام العرش" لم ترد في الحديث عن الجمع الكثير فقط، بل في الحديث أيضاً عن الـ 144000 (رؤيا 14: 1-3). ولذا ليس من بد أن تكون حال أولئك كحال هؤلاء في الأبدية.
نعود مجددا إلى تصريحات فريدريك فرانس أمام القضاء البريطاني لتأكيد بطلان هذا المعتقد*:
"المدعي العام : بالنسبة لسكان الأرض الجديدة، هل سيكونون قطعا من شهود يهوه؟
فرانس: هذه الحال في البداية، لكن الذين ينتمون إلى صف البقية يأملون أيضا النجاة من معركة هرمجدون ، وكذلك الجمع الكثير من الخراف الأخر. لكن نجاة البقية من هرمجدون سيكون مؤقت فقط ، إذ ينبغي أن يظهروا الأمانة حتى الموت، بينما الخراف الأخر سيسمح لهم بالعيش إلى الأبد على الأرض في حالة تقديمهم الطاعة المستمرة لله.
المدعي العام: وينبغي أن يخضعوا لإجراءات تأديبية، حال تطلب الأمر ذلك؟
فرانس: نعم!"
أعطوا الإنسان خيارين، أولهم مرّ وثانيهم أمرّ، فإما الخضوع والاستعباد لجماعة شهود يهوه، أو الإبادة من الوجود.