مَن أنت؟
مِن أين جئتَ؟ إلى أين أنت ذاهب؟ لماذا؟
في المجموعة الثانية من الأسئلة الأساسية إقرارٌ بأننا نعيش في المجتمع. فإلى جانب أنا هناك أنت. ويقيناً أنّه من الواضح أن فهمي لهويتك من شأنه أن يحدِّد كيفية تعاملي معك. فقد كان في وسع ستالين أن يتخلَّص من معارضيه لأن الماركسية ترى أن أنت غير مهمّ. وقد كتب كولاكوسكي (kolakowski ) في "تياراتُ الماركسية الرئيسيَّةُ": "تمّ اعتقال الملايين وإعدام مئات الأُلوف".
تحدِّد البوذية الحياة بأنّها غير دائمة وغير مُرضية وغير شخصيَّة. فلا وجود فيها لشيءٍ اسمه "أنت" ذلك أن الفرد ما هو إلَّا مظهر أو وهم يُدعى مايا (maya). "فأنتَ" مجموعةٌ عارضة من المقوّمات المتغيرة أبداً، وليس ثمة "أنت" تجعل تلك المقومات تتماسك.
إذاً "أنت" هو أمرٌ غير موجود.
غير أنَّ المسيحية تقدِّم جواباً مختلفاً:
أنت أيضاً فردٌ فريد، وليس قصد الله أن تُفقَد تلك الفرديَّة أو تُدمَّر
فأنت ما كُنت "لتذوب" في الأبدية. إنّ ذلك الجسم الذي لكَ يتغيَّر دائماً أبداً: فهو ينمو ويتقوّى ويتقهقر ويضعف، وأخيراً ينحلّ. ولكنّك أنت فردٌ مخلوقٌ فريداً: إنك حصيلة لا تتكرّر لِما ورثتَه من طريق الجينات (المورِّثات) التي جاءتك من أبويك، وما تعلّمته واختبرته في الحياة، وما فعله الله لأجلك وفيك. ولكَ مجموعة فريدة من المواهب والقدرات لا بدَّ من وجودها في تلك الحصيلة المعيّنة، أي فيك دون سواك. إنّك غير قابل للاستبدال. إنك ذو قيمة في نظر الله.
على أن المسيحية، فضلاً عن هذا، تؤكِّد أنّ لدى الله قصداً فريداً لحياتك، قصداً صالحاً كاملاً مرضياً (راجع رومية 12:2). فأنت لم تأتِ إلى الوجود بالصدفة، وكأنك مجرَّد نتيجة آلية لمعاشرة معيَّنة قام بها أبواك؛ إذ إنَّ مثل هذه المعاشرة وقعت فعلاً ملايين المرَّات في التاريخ دون أن ينتج منها أيُّ وعندما ينتج من المعاشرة حمل يعتبر المسيحيُّون ذلك عملاً قام به الله واهباً الحياة بسرور. فهو تعالى من أتى بك عمداً إلى الوجود.
هذه فكرة رائعة لأولئك الذين يبدو أنهم نَكِرات في هذا العالم. فأنا لست شخصاً غير مرغوب فيه. ربمَّا لم يكن أبواي يرغبان فيَّ. أمَّا الله، فيرغب.