تكلَّم النبيُّ داود، كثيراً عن حاجتِنا لمعرفةِ طريقِِ البر الذي أسَّسه الله. كتب داود يقول: ‘‘ الجميع زاغوا وفسدوا. ليس من يعملُ صلاحاً ليس ولا واحد’’ (مز 1:14،3 ؛ رو 10:3،12).
لذلك كتب داود هذه الصلاةَ في المزامير قائلاً: ‘‘طرقك يا رب عرِّفني ، سبلك علِّمني ، درِّبني في حقك وعلِّمني (أي خذ بيدي وقدني) ’’ (مز 4:25 ،5).
إن لم يقدْنا الربُّ إلهُنا في طريق الحق، فلن نستطيعَ أن نعرفَ طريق البر. إذ سنشبه عندئذٍ، طفلاً تاه في بلدٍ مزدحم، أو شاةً ضلَّت في الصحراء. ولكن كلمةَ الله تخبرُنا أن ‘‘الله لا يشاء أن يهلك إنسانٌ، بل يريد أن جميع الناس يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون.’’ (2بط 9:3 ؛ 1تي 4:2)
أصدقائي ..
ليس هناك ما هو أهم من أن تتأكدوا أنكم في طريق الحق الذي يقود إلى لله. وسوف ندرس معاً الكتب المقدسة بترتيبها الزمني، متتبعين قصصَ أنبياءِ الله واحداً فواحداً، من البداية إلى النهاية. فإن لكلمةِ الله بدايةً ونهاية. ومن ثمَّ، فإن خطتَنا هي تتبُّع قصص الكتب المقدسة، ابتداءً من حيث يبدأ الله نفسُه، أي من البدايةِ تماماً.
سنتعلم أشياءً عديدةً هامة عن الله والأنبياء. وسنرى أنه بالرغم من أن أنبياءً عديدةً قد كتبوا ، إلا أن مؤلفاً واحداً هو الذي ألهمهم ماذا يكتبون. فبالرغم من أن كتب الأنبياء تحتوي على قصصٍ كثيرة، إلا أنها لا تحتوي إلا على رسالةٍ واحدة، وهي الأخبارُ السارة المختصَّة بالطريقة التي يمكن للإنسان بها أن يصير باراً أمام الله.
ومن ثمَّ ، نسألكم ـ أصدقائي ـ أن تقرأوا وبإخلاصٍ لكل كلمة في ( طريق الله الواحد ). إذ يخبرنا الله في كلمته أنه ‘‘يجازي الذين يطلبونه’’ (عب 6:11). ولمن يطلب الله من كل قلبه، يعطيه الله هذا الوعد: ‘‘وتطلبونني فتجدونني إذ تطلبونني بكل قلبكم’’ (إر 13:29).
وفي ‘‘ طريق الله الواحد .. طريق البر’’ ـ سنستزيد من معرفتِنا بالله وبكلمتِه. هل تعرف ما هي صورة الله وطبيعته؟ أو من أين جاء الشيطان؟ هل تعرف لماذا خلق الله الإنسان؟ أو كيف دخلت الخطية إلى العالم الجميل الذي خلقه الله؟ هل قرأت عمرك القصة العجيبة التي تتكلَّم عن نبي الله نوح، والطوفان؟ هل تعرف حقيقةَ ما كتبه أنبياء الله؟ هل تعرف لماذا دُعيَ إبراهيم ‘‘خليل الله’’؟ وهل تستطيع أن تشرحَ رسالةِ الأنبياءِ بوضوح لأطفالك أو لأصدقائك؟
من آلاف السنين مضت ، سأل النبي أيوب سؤاله : ‘‘كيف يتبرر الإنسان عند الله؟’’ (أيوب 2:9) هل تعرف ماذا كانت إجابة الله على سؤال أيوب؟ وهل تعرف كيف يمكنك أن تكونَ باراً عند الله؟ إن كنت تريدُ أن تعرفَ إجابةَ الله على هذا السؤال وعلى أسئلة أخرى عديدة ، أدعوك لقراءة .. ‘‘ طريق الله الواحد طريق البر’’. حقاً، إن كلمةَ الله عميقةٌ وعجيبة، وحيةٌ وقوية.
وهناك شيءٌ أخر عن كلمة الله، وهي أنها لا تخفي أي شيء. فهي تكشفُ لنا الإنسانَ على حقيقتِه فعلاً. وهكذا، نجد الكتاب يقول: ‘‘ليست خليقة غير ظاهرة قدامه، بل كل شيء عريانٌ ومكشوفٌ لعيني ذاك الذي معه أمرُنا .’’ (عب 13:4)
دعونا نفهم حقيقةً هامةً جداً، ينبغي علينا أن نستوعبها تماماً.
هذه الحقيقة هي أن الله قد تكلم! الله العليّ قد تكلم! لقد تكلم الله للإنسان، ولكل البشرية، وهو يريد أن يتكلم إليك! فإن تلقيت خطاباً من ملكٍ قويٍّ في أرضٍ بعيدة، ألا تقرأه؟ ألا تفكِّرُ فيما كتبه لك في هذا الخطاب؟ ألا تعطي انتباهاً لكلماتِ الملك؟ فكم بالأحرى ينبغي أن تعطي كل الانتباه، عندما يكون الله العلي هو الذي يتكلم إلينا !
ولكن ، كيف كلَّم الله الإنسان؟
يقول الكتاب: ‘‘الله كلَّم الآباءَ بالأنبياءِ قديماً بأنواعٍ وطرقٍ كثيرة ..’’ (عب 1:1)
نعم، أن واحدةً من الطرقِ العديدة التي تكلم بها الله للإنسان، كانت على فم الأنبياء. ففي القديم، عيَّنَ اللهُ أناساً محددين ليعلنوا كلمتَه، ويدوِّنوها في كتبٍ (أو لفائفٍ من البردي وقتئذٍ). تقولُ كلمةُ الله: ‘‘عالمين هذا أولاً أن كلَّ نبوةِ الكتاب ليست من تفسيرٍ خاص. لأنه لم تأتِ نبوةٌ قط بمشيئةِ إنسانٍ، بل تكلَّم أناسُ اللهِ القديسون مسوقين من الروحِ القدس’’ (2بط 20:1 ،21).
لقد كان في وسعِ الله أن يكتبَ الكتابَ المقدَّسَ بنفسِه، أو يستخدمُ ملائكتَه لكتابتِه. ولكن الله لم يفعل ذلك. لقد اختار الله أناساً عاديين لهذا الغرض، وهم ما نسميهم بـ‘‘الأنبياء’’.
لقد كان أنبياءُ الله أشبهَ بالسكرتارية. إذ وضع الله في أذهانِهم الأفكارَ التي عليهم أن يكتبوها، وقاموا هم بكتابتِها له. إلا أن اللهَ ترك كلَّ نبيٍّ يكتب كتابَه بأسلوبِه وتعبيرِه الشخصي. لقد ألهمهم الله كلَّ كلمةٍ، إلا أنه لم يهملْ الشخصيةَ الفردية لكلِ نبي.
إن كتابَ اللهِ لا يحتوي فقط على كلامِ اللهِ المباشر، بل يحتوي أيضاً على أفكار وصلوات ومشاكلَ أناسٍ مثلِك ومثلي. ومن خلالِ قصصِ تعاملاتِ اللهِ مع الناس، يريدَ اللهُ أن يرينا طبيعتَه وشخصيتَه، وكيف يمكنُنا أن نقتربَ منه. ولكن، لماذا ألهم اللهُ الأنبياءَ ليكتبوا الكتابَ المقدَّس؟ والإجابة هي أنه ألهمهم ذلك؛ كي ما يستطيع الناسُ في كل جيل أن يعرفوا ما يريدهم الله أن يعرفوه. لقد تكلم اللهُ إلى الأنبياءِ؛ لأنه يريدُ أن يتكلمَ إليك وإليَّ عن طريق ما كتبوه! إن كل ما تكلم به الله من خلالهم هو مفيدٌ لنا نحن، يا من نعيشُ اليوم. إن الله يتوقع أن يعرفَ كلَّ واحدٍ منَّا رسالةَ الأنبياء.
ربما يقولُ البعض:
‘‘إنني لا أحتاجُ أن أعرفَ ما كتبَه الأنبياءُ الأوائل. فما كتبوه ليس مهماً بالنسبة لي. فكل نبيٍّ كان له مهمتُه التي عليه أن ينجزَها. وهكذا ، جاء نبيٌّ وأنجز مهمتَه وذهب. وجاء آخر وأنجز مهمته وذهب .. وهلمَّ جرَّى. ونحن ، يا من نعيشُ اليوم ، لا نحتاج أن نعرف ما قاله الأنبياء الأوائل.’’
فهل هذه هي أفكارك أيضاً ؟ صديقي، اعلم إن أفكار الله لا تتفق مع هذه الأفكار! إقرأ ما يقوله الله:
‘‘ فإنِّي الحق أقول لكم، إلى أن تزول السماء والأرض، لا يزول حرفٌ واحدٌ أو نقطةٌ واحدةٌ من كلمةِ الله حتى يكونُ الكل. فمن نقضَ إحدى هذه الوصايا الصغرى، وعلَّمَ الناسَ هكذا، يُدعى أصغرَ في ملكوتِ السموات.’’ (متى 18:5ـ19)
وأيضاً، ‘‘كلُّ الكتابِ هو موحىً به من الله، ونافعٌ للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر.’’ (2تي 16:3)
حقاً، إن كل ما كتبه الأنبياء له قيمةٌ عظيمةٌ، لأنهم كتبوه حتى يعرفَ الناسُ في كلِّ جيلٍ ودهر، طريقَ الخلاصِ الذي أسسه وصنعه الله. أتعرف ما كتبه أنبياء الله ؟ إن الله يريدنا أن نعرف كلمته، ونؤمن بها ونطيعها ! يقول الكتاب:
‘‘عندنا الكلمةُ النبويةُ وهي أثبت، التي تفعلون حسناً إن انتبهتم إليها، كما إلى سراجٍ منيرٍ في موضعٍ مظلم.’’ (2بط 19:1)
نعم، إننا أحياناً نسمع هؤلاء الذين يحاربون كلمة الله قائلين: ‘‘لا أحد يمكنه أن يثقَ فيها، إنها مليئةٌ بالأخطاء .. لقد تحرَّفت!’’ إلا أن من يحارب كلمة الله، إنما يحارب الله نفسه. هناك حكمةٌ تقول: ‘‘إن البيضة ينبغي ألا تصارع مع الصخرة!’’ والصخرة هي كلمةُ الله، والبيضة هي الإنسان! فالإنسان لا يستطيع أن يغيِّر كلمةَ اللهِ الحقيقية، ولكن كلمة الله الحقيقية تستطيع أن تغيِّر الإنسان! إن اللهَ عظيمٌ، وهو يستطيعُ أن يحمي كلمتَه الأبدية. هذا هو ما قاله الله نفسه في الإنجيل، فقد قال:
‘‘ السماءُ والأرضُ تزولان ولكن كلامي لا يزول.’’ (متى 35:24)
إن الكثير من الناس يحاولون محاربةَ كلمةِ الله؛ وذلك لأنها تكشفُ حالةَ قلوبِهم الحقيقية.
استمع لما يقوله الرب عن كلمته:
‘‘لأن كلمةَ اللهِ حيَّةٌ وفعَّالةٌ، وأمضى من كل سيفٍ ذي حدَّين، وخارقةٌ إلى مفرقِ النفسِ والروحِ والمفاصلِ والمخاخ، ومميزةٌ أفكارَ القلبِ ونيَّاتِه’’ (عب 12:4).
نعم، إن كلمةَ الله حيَّة وفعَّالة .. إنها تتحدَّث إلى القلب. إن الكتاب المقدس هو أقدمُ مجموعةٍ من الكتابات في العالم، ومع ذلك، فهو ما زال مناسباً لكل إنسانٍ اليوم. فلا شيء أهم من كلمة الله. إن كلمةَ الله مثل وجبةٍ شهيةٍ. كلنا نتفقُ أنها لذيذةُ الطعم، ونافعةُ للجسم. ولكن إن لم نأكلها، فما هو نفعُها؟ ومن ثمَّ، ينبغي أن نأكل كلمة الله التي تغذِّي القلب؛ إن كنا نريد أن ننتفع منها. لذلك يقول الله:
‘‘ليس بالخبزِ وحدَه يحيا الإنسان، بل بكلِ كلمةٍ تخرجُ من فمِ الله.’’ (مت 4:4)
فإن ‘‘الجياع والعطاش إلى البر’’ وحسب، هم الذين ‘سيُشبَعون’ (مت 6:5). فهل تشعر بالجوع إلى كلمةِ الله ؟ إنها غذاءٌ .. بل غذاءٌ لذيذ. ليس غذاءٌ يغذِّي جسدَك، بل غذاءٌ يغذِّي قلبَك ونفسَك.
نسألك صديقي ..
وقبل أن نتركك اليوم ، نريد أن نوضحَ لك شيئاً آخر. وهو أنه في هذه السلسلة ( طريق الله والواحد ) ، لن نعتمدَ على أيِّ شيءٍ، أو على أيِّ إنسانٍ، بل فقط على ما هو مكتوب في كلمة الله. فنحن لا نعرف أي شيء عن الحق الإلهي، إلا من خلال ما أعلنه الله بنفسه في الكتاب المقدس.
فما أعلنه النبي يوحنا ابن زكريا في الإنجيل هو حقيقي، إذ قال:
‘‘لا يقدرُ إنسانٌ أن يأخذَ شيئاً ، إن لم يكن قد أُعطِيَ من السماء’’ (يوحنا 27:3).
فنحن لا نجرؤ أن نعتمد على معرفتنا الشخصية ، بل نعتمد فقط على كلمة الله. ورغبتُنا هي أن نعرِّفك ما أعلنه اللهُ في كلمتِه من خلال الأنبياء.
فهل تعرف ما قاله الله ؟ هل أنت ضمنُ هؤلاءِ الجياعِ والعطاشِ لكلمةِ الله، وللبر الحقيقي؟ لقد أعلن الله نفسَه في كلمتِه المقدسة، كما أعلن عن طريقه البار للخلاص.
إننا ندعوك أن تبحثَ معنا هنا في الكتابِ المقدس عن طريقِِ البر؛ كي ما تفهم ما قاله الله. إن كلمة الله تخبرنا أن ‘‘ كل ما سبق فكُتِبَ، كُتِبَ لأجل تعليمنا، حتى بالصبر والتعزية بما في الكتب، يكون لنا رجاء.’’ (رو 4:15)
لعلنا جميعاً نكون متأكدين من هذه الحقيقة:
.. ‘‘أن الله قد تكلم، وهو يريد من كلِّ واحدٍٍ أن يسمعَ ويحيا ! كباراً وصغار .. رجالا ونساء .. أغنياءً وفقراء.’’
إن الله يقول لكل واحدٍ منكم اليوم:
‘‘استمعوا لي استماعاً .. أميلوا آذانكم وهلموا إليَّ .. اسمعوا فتحيا نفوسكم ! ’’ (اشعياء 3:55).