أبوة الخادم – الخدمة روح أبوة وأمومة
[ لأنه وإن كان لكم ربوات من المُرشدين في المسيح لكن ليس آباء كثيرون ، لأني أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل ] (1كو4: 15)
[ يا أولادي الذين أتمخض بكم أيضاً إلى أن يتصور المسيح فيكم ] (غلا4: 19)
[ كنا مترفقين في وسطكم كما تُربي المرضعة أولادها ، هكذا إذ كنا حانَّين إليكم كنا نرضى أن نعطيكم لا إنجيل الله فقط بل أنفسنا أيضاً ، لأنكم صرتم محبوبين إلينا ] (1تس2: 7، 8)
الخادم (أو الخادمة) المؤتمن على الخدمة في الكنيسة وعلى الأخص لو كانت خدمة الأطفال لابد من أن يحمل روح الأبوة في داخله من الله، لأن حينما يعلن الخادم عن أبوة الله للمخدوم، فلابد من أن تنبع من داخله كقوة ممنوحة له من الله تحمل في داخلها قوة الله، لكي لا يكون كلامه لفظي بل فعل إلهي يشع منه، لأن الأبوة ليست كلام ولا ألفاظ، بل قوة تشع من الداخل، قوه تم استلامها من رب المجد يسوع المسيح شخصياً كهبة وعطية …
ومن هو الأب الحقيقي: الأب الحقيقي هو الذي يفتدي أولاده بحياته باذلاً نفسه من أجلهم حتى الموت، والأبوة الحقيقية بهذه الصورة نراها قوية ساطعة في أبوة الله لنا إذ بذل ذاته في ابنه حتى الموت موت الصليب وافتدانا من الموت لنحيا له !
والمسيح الرب نفسه سلمنا روح الأبوة في شخصه الحي، إذ بذل نفسه واحتمل الآلام وأطاع حتى الموت موت الصليب، لكي يفدينا من الموت ويحضرنا أمام أبيه أحياء وبلا لوم فيه، وبذلك أظهر نحونا روح الأبوة الحقيقية، ثم أعطانا جسده ودمه وروحه لكي نأخذ عيَّنة هذه الأبوة في هذا البذل وقوة الحب القادر أن يجعلنا آباء نحتمل الآلام حتى الموت من أجل الآخرين أيضاً كما صنع هو تماماً من أجلنا ….
وبهذا صار لنا في المسيح الرب إمكانية الأبوة، لا كأنها بقدراتنا الشخصية ولا بإرادتنا أو تقوانا ولكن بقوة من مات وقام من أجلنا ووهبنا روح البنوة التي بها نقول أبا أيها الآب بالروح، ولنصير بدورنا آباء لأبناء نخدمهم بنفس ذات الروح …
والخادم الحقيقي يُسلم روح البنوة لمن يخدمهم معلناً لهم أن الله أباً لهم، بإشراق روح الأبوة من خلاله، وبالطبع لن تظهر فيه روح الأبوة إلا لو حسب نفسه رخيصة عنده (أعمال20: 24)، غير محسوب عند ذاته، قادراً أن يبذل نفسه بفرح بقوة المسيح الرب الذي فيه لأجل خلاص الآخرين، لا عن شجاعة شخصية أو افتخار أو مجرد شعور أنه يؤدي خدمة عظيمة لأولاده الذين يخدمهم كأب، أو كخادم عظيم يفهم ويعرف كيف يخدم لأن عنده الخبرة والمعرفة والفهم والقدرة على الكلام أو الترتيب والنظام أو له المقدرة على ابتكار الدروس وتنوعها أو له القدرة على التفكير بمنطق وله كل المعرفة والدراسات الوافية … الخ …
الخادم له أن يعيش بما أخذ من الله مقدماً خدمة لمن ائتمنه الله على خدمتهم، بحنان الأبوة ناسياً ما هو لذاته، ذاكراً فقط ضرورة خلاصهم، فكل إنسان في المسيح يسوع دخل في السيرة الروحانية وتأصل في معرفة الله وحياة التوبة، يصير في المسيح أباً رحيماً لا بكبرياء الأبوة الكاذبة المصطنعة، بل برفق وحنان ورحمة ورأفة ربنا يسوع [ كنا مترفقين في وسطكم كما تُربي المرضعة أولادها، هكذا كنا حانَّين إليكم ] (1تس2: 7و 8)
يا إخوتي الخدام والخادمات لا تقدموا للأطفال ألفاظاً وكلمات مجردة من روحها فيكم، فأن أردتم أن تسلموا الأولاد أبوة الله، سلموها من خبرتكم الروحية الأصيلة بالروح والحق الذي فيكم، لأنكم أن لم تسمحوا لأبوة الله أن تشع منكم فستصير خدمتكم عبارة عن ألفاظ ليس فيها روح ولا حياة، وتصير نظرية تتغير وفق الأحوال التي نراها وربما نبحث عن ألفاظاً جديدة لكي نوصل للأولاد فكرة نريد أن تستحوذ عليهم، وهذا خطير، لأننا لا نبحث عن ألفاظ وكلمات لنقدم من خلالها تعاليم تخصنا حسب مفهومنا التربوي والنفسي، بل هؤلاء المخدومين أولاداً لله ائتمنا على خدمتهم لنقدم لهم الله وفق ما يراه الله فقط وليس حسب ما نراه نحن مما تعلمناه من أصول تربوية ونفسيه …
فالخادم الصادق هو الذي تلقى من الله مباشرة لوح المعرفة الروحية المنقوش بإصبع الله أي بفعل الاستنارة في أعماق قلبه من الداخل، ومن المستحيل أن يكون هناك خادم يحمل روح الأبوة نقلاً عن الآخرين، بل يتكلم مما رأى وأحس به في نفسه بنور الله وليس من فكره الخاص:
والخادم إن أراد أن يكون أداة مُصالحة مع الآخرين، فلابد أن يكون هو أولاً قد تصالح مع الله
والخادم إن أراد أن يعلم الآخرين أنهم أبناء الله بروح الأبوة، فلابد أن يكون هو أولاً يعيش بنوته لله والأبوة تُشع منه
والخادم أن أراد أن يُعلم الآخرين روح التقوى والوقار ومهابة الله، فلابد أن يكون هو أولاً يعيش بروح التقوى ويهاب الله ويحترمه جداً
والخادم إن أراد أن يُعلم طريق التوبة للآخرين، فلابد أن يكون هو أولاً تذوقها ويعيشها ومن خبراته يقدم للآخرين
يا أحبائي الخدمة ليست كلمات ولا دروس مقدمة كمجرد دروس واجب أن نقدمها بحسب ما تعلمناه في إعداد الخدام ولا فقط حسب ما يوجهنا له أمين الخدمة، بل هي ولادة وتسليم وتصوير للمسيح [ يا أولادي الذين أتمخض بكم أيضاً إلى أن يتصور المسيح فيكم ] (غلا4: 19)، [ لأنني تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضاً ] (1كو 11: 23) (طبعاً هنا القديس بولس يتكلم عن الإفخارستيا، ولكن بروح التسليم لأنه لم يُسلم إلا ما هو وفق مشيئة الله وإرادته فقط وبدون زيادة ولا نُقصان بل حسب مشيئة الله وإعلانه كما هو بكل دقة)، وفي الكنيسة نقول [ من جيل إلى جيل وإلى دهر الدهور كلها آمين ]، فالخدم يحمل روح الأبوة والأمومة معاً وفق الآيات التي ذكرناها، ويُسلم ما استلمه بروح الإلهام وما ناله من نعمه وفق عطية الله كما هي بكل دقة بدون أن يضيف او يحذف حسب ما يراه هو …
فالأبوة ليس اسماً أو وظيفة ولا حتى صناعة، إنما الأبوة آلام ودموع وسهر وتعب وكدّ واحتمال المشقات، في رأفة، في تعليم، في وعظ، في وداعة، في لطف، في تحنن، في إشفاق، في قدوة فاضلة (2كو6: 4 – 10)
واليوم كيف يُدعى خادم أو كاهن أو أياً من كان [ أب ] مهما ما كانت درجته واسمه أو خبرته ومعرفته وهو غير مستعد أن يبذل حياته عن الآخرين ؟
وكيف يُدعى أحد [ أباً ] وهو لا يترفق ويحنو ويشفق ويحيا بالوداعة والمحبة للآخرين ؟
وكيف يُدعى أحد بلقب [ خادم ] ( والخادم المفروض يحمل روح الأبوة ) وهو لا يستطيع أن يصفح عن الآخرين ويهين البعض ويطرد البعض ويحكم بلا شفقة على البعض، ولا يحب الخاطي أو يُصلي من أجل المخدومين بنشاط وبذل ذاته ووقته ؟
وكيف يخدم الإنسان أن لم يحمل في قلبه التعليم الإلهي محفوراً فيه وفي ذهنه ؟
وكيف يخدم وهو لا يزال لا يعرف ما الذي يقدمه وفق مشيئة الله وإرادته ؟
وإذ كان لي الكثير لأكتبه وأكتب كل ما كتبه الآباء [ والذين استوحيت معظم الألفاظ والكلمات منهم ] وحسب خبرتي الصغيرة جداً، وفضلت أن أكتب هذه الكلمات القليلة في الموضوع وليس حسب نظرة الناس التي لا تُريد أن تتعلم أصول الخدمة كما سلمها لنا الآباء على مر العصور، ولمن يُريد أن يهتم فلا يقف عند هذه الكلمات بل ليُصلي ويطلب إرشاد الله وتعليمه ليحيا وفق إرادة الله وليس وفق إرادته هو لكي تكون الخدمة من الله ولله ….
والحكيم الذي له روح إفراز ليُصغي بقلبه ليسمع ما يقوله الروح لا الناس، ومكتوب [ أعطي الحكيم فرصة ليزداد ]، وليهبنا الله سر مشيئته وتعليمه الإلهي ومعرفته كما يُعلنها هو وليس وفق أفكار الناس وأحاسيسهم الخاصة، ولنُصلي بعضنا من اجل بعض؛ النعمة معكم آمين