إن لم تعرفى أيتها الجميلة
أبونا بطرس سامى كاهن كنيسة مارمرقس المعادى
٢٠ مارس ٢٠١٥
سفر نشيد الأنشاد من الأسفار الشعرية فى العهد القديم كتبه سليمان الحكيم إبن داود لشخصية غير حقيقية اسمها شولميث، و كلمة شولميث باللغة العبرية – لغة كتابة السفر هى مؤنث كلمة سليمان. وكما نعلم جميعنا أن العهد القديم كله كان فترة إعداد الله للبشرية لقبول الخلاص والفداء الذي أكمله وأتمه رب المجد بنفسه بتجسد الكلمة والفداء. ولذلك فإنى استطيع أن أقول أننا نقدر أن نختزل العهد القديم كله فى مجموعة من النبوات والرموز التي محورها شخص المسيح – اقنوم الكلمة وتدبير الخلاص الذي أعده الله بواسطته لفدائنا وإعادة آدم مرة أخرى لأحضان أبيه الله الذي في السموات. ولذلك فسفر النشيد كله سفر رمزى، يرمز فيه الملك سليمان للملك الحقيقي ملك الملوك ورب الأرباب يسوع المسيح العريس السماوى، وترمز فيه عروس النشيد للكنيسة التي اقتناها مخلصها له بدمه للحياة الأبدية، الكنيسة التي هي أنت وأنا.. نعم، أنت وأنا كل منا عروس النشيد، كل منا موضوع محبة الله، أنت وأنا هو كل اهتمام الله منذ خلق الكون كله فى البداية واضعاً الأبدية فى قلوبنا كما قال الحكيم أيضاً “وايضا جعل الأبدية في قلبهم التي بلاها لا يدرك الانسان العمل الذي يعمله الله من البداية إلى النهاية “(جا ٣: ١١)
فى الإصحاح الأول تعترف عروس النشيد التي هي أنت وأنا فى حوار الحب مع مخلصها الفادى الحنون قائلة :” أنا سوداء وجميلة.. كخيام قيدار (ستائر قصر) كشقق سليمان” (نش ١: ٥) ، و سوداء هنا لا تعنى لون أسود و لكن إنها قد إِغمق لونها (dark) لأن الشمس (التجارب) قد لَوَّحتنى (tanned me) أى أغمقت لونى، وليس هذا إلا حال البشرية جميعها بسبب الخطية وسيادة الشر على هذا العالم بسبب سقوط الإنسان الأول آدم وسقوطى وسقوطك، نعم فخطية آدم وخطيتي وخطيتك هي التي سَوَّدتنا، ولذلك كان الإحتياج لأن نغتسل في دم الخروف كما قال سفر الرؤيا ” هؤلاء هم الذين أتوا من الضيقة العظيمة (الأرض) و قد غسَّلوا (أى أكثروا الغسل) و بَيَّضوا ثيابهم فى دم الخروف ” (رؤ 7: ١٤).
نعم هو دم المسيح الذى سُفك على الصليب هو ما غسل خطايانا والذي بواسطة تناوله في الإفخارستيا ننال التغسيل والتطهير من خطايانا ولكن يا أحبائي يجب أن يكون تناولنا منه بإيمان وثقة، فكما يقول الرسول بولس ” وأما المسيح فكإبن على بيته. وبيته نحن إن تمسكنا بثقة الرجاء” (عب ٣: ٦)، فلنتمسك بهذه الثقة و لنتقدم لكأس دم المخلص و نتناول منها بتوبة وندم على خطايانا وثقة أن دمه الذي بذله عنا يطهرنا من كل خطية “ودم يسوع المسيح يطهرنا من كل خطية” (١يو ١: ٧).
و لكن انظروا يا أحبائى إلى ما يجب أن تنفتح عيون قلوبنا لنراه، إن ما يريدنا الرب أن نرى هو كيف يرانا هو؟ انظروا إلى سفر النشيد فالرب يرد عليك و علىَّ قائلاً “إن لم تعرفى أيتها الجميلة بين النساء” ( نش1 ). نعم هكذا يراك و يرانى المسيح الجميل بين الآخرين أى أجمل إنسان فى هذه الدنيا، هكذا نحن فى عيون أبينا السماوى يرى كلاً منا ليس كما يحاول عدو الخير أن يصيبنا باليأس و الإحباط و عدم الرجاء.
إن سفر النشيد ليؤكد مراراً و تكراراً على هذه النظرة يريد أن نفهم أن الله يرى كلاً مناالأجمل و الأحلى كما هو رغم خطيته فالخطية عَرَّفها المسيح أنها مرض عندما قال “لا يحتاج الإصحاء إلى طبيب بل المرضى لم آت لأدعوأبراراً بل خطاة إلى التوبة” (لو2 ) بل دعونى أقول لكم أن المرض الحقيقى ليس فى الخطية و الضعف و الإعوجاج ، هذه كلها أعراض للمرض الحقيقى، المرض الحقيقى هو نقص الحب، صدقونى يا أحبائى فكل أشكال الإنحرافات الجسدية و النفسية و الأخلاقية إنما هى أعراض لنقص الحب، فالإنسان كائن لا يحيا و لا يتحرك بشكل سوى إلا فى مجال الحب الإلهى الذى لم يكن موجوداً إلا بتجسد الكلمة الذى كان من البدء و كان تجسده هو ما سكب الحب الإلهى على هذا العالم المملوء شراً “لأنه (بهذا المقدار العظيم) أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” ( يو 3 ).
فى سفر النشيد يقول العريس- المسيح لك و لى يا حبيبتى يا جميلتى يا حمامتى يا كاملتى ، هكذا يخاطبك و يخاطبنى حتى فى لحظات السقوط ، و فى آخر السفر المملوء حباً يقول أن المحبة قوية كالموت نعم محبة الله لا يستطيع أى كلام أن يصفها إنما فقط الموت ، موت المسيح لأجلنا كما يقول الرسول بولس أن الله بَيَّنَ محبته لنا إذ و نحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا”( رو5 ) لذلك يا أحبائى فوجود سفر النشيد فى قلب الكتاب المقدس هو لكى ما نتغذى على آياته ليس أن نقرأها بل أن نتناول آية آية منها كآية للصلاة طول اليوم كآية للحياة لكى ما يسرى فينا فيض حب مخلصنا فهذا السفر هو قلب الكتاب المقدس النابض بنبضات حب الله لنا.
لا يتحدث هذا السفر إلا فى إتجاهين محوريين يريدنا الرب أن ندركهما أولهما أنه يحبنا و الثانى هو أنه يرى كلاً منا الأجمل فى نظره و صدقونى لو انفتحت عيوننا و رأينا هذين الحقيقتين و صلينا و صمنا و تناولنا و نحن منفتحين عليهما سنتغير إلى تلك الصورة عينها لنكون مشابهين صورة إبنه لكى يكون هو بكراً بين إخوة كثيرين (أنت و أنا) (رو8)، و سوف نُشفى من أمراضنا النفسية و الروحية لأنه هو الطبيب الحقيقى الذى لنفوسنا و أجسادنا و أرواحنا و ليس شفاؤنا إلا بإتحادنابمحبته التى جُرح بها على الصليب لأجلنا ، فلنتقدم كما يقول بولس الرسول إلى سر النعمة أى صليبه لنتناول جسده فنتحد بآلامه لأننا سننال رحمة و نجد نعمة عوناً فى حينه (عب4).