يرتفع صوتٌ ويُعلن: "هوذا إلهُكم... هو يأتي ويُخلِّصُكم".هوذا إلهُكُم... ماذا سنرى؟ إلى ماذا يدعونا النبي أشعيا من خلال كلمة "هوذا"؟ هل هو يدعونا للتأمل في كشف الله لذاته على طريقة الكشف أو الوحي في سيناء: برق ورعد وسحاب؟ كلا. إن ما يشير إليه أشعيا اليوم، هو ليس عالمًا يهتز ويتخلخل أمام عَظَمَة الله الذي يأتي بنفسه. نحن في الحقيقة لا نرى أي شخص يتقدم إلينا، لكن الصحراء المُقفِرة ستُزهِر.. وبلاد العطش ستنفجر فيها المياه، والسراب ينقلب غديراً... الأماكن المتروكة والمهملة تُصبح طُرقًا.. طُرُقاً آمنة للذهاب من خلالها إلى المدن المجاورة. لكن ليس اللهمن يَعبُر في هذا الطريق المقدس. بل الإنسان هو مَن يسير فيه: المأسورون "الذين افتداهم الرب" .. أي نحن، فكل واحد منا هو مأسور.
هوذا إلهنا... تأملوا في طريقة الله الرصينة والخفية التي يأتي من خلالها إلينا؟ فنحن لا نلاحظة في أي مكان بوضوح، لكننا نلاحظ ثمار عمله .. فهو يُجَدِّد كل شيء .. يخلق كل شيء جديداً. هكذا اختار الله أن يكشف نفسه: فهو لا يكشف نفسه من خلال حَجْبِ وإخفاء كل ما نعرفه حولنا بعَظَمَةِ نوره ومجده، لكن من خلال إظهار الحياة وجعل المياه تتدفق فيها، وتُخصِب كل شيء جاف ويَبِس حولها.
ويجرؤ النبي أشعيا ويقول بأن هذا المجيء هو أيضاً "انتقام"، "أخذ بالثأر"! هذا لا يعني بالطبع بأن الله يحمل داخله هذه المشاعر الإنسانية السلبية، لكن هذه الكلمات الإنسانية تُبين وبقوة بأن الله هو في جانبنا. فأمام هذا العالم، الذي يجعلنا، في الكثير من الأحيان، نعاني ونتألم ونمر بالموت، أمام هذا العالم الذي هو في الكثير من الأحيان جاف وقاحل ومليء بالأشواك، أمام هذا العالم إذن، الله لا يستسلم بل يلتزم بجانب الإنسان.. يقف بجانبنا. فهو يريد الحياة، ويريدها حَيّةً. وإنْ كان سيأتي، فذلك لكي يُحوِّل هذا العالم ويُغَيِّره... إنْ كان سيأتي، فذلك لكي يزرع فينا الأمل والرجاء والرغبة في تَغيُّر وتَحوّل عالمنا هذا... يأتي كي يجعلنا نجرؤ ونؤمن بأن الجديد هو ممكن، وأن الله يرغب أكثر منا في أن يَتجَدَّدَ كل شيء."تقووا إذن ولا تخافوا، فهوذا إلهُنا .. هو يأتي ويُخَلِّصُنا".
أشعيا 35: 1 - 10
ستفرح البرية والقفر وتبتهج البادية وتزهر كالورد. تزهر إزهارا وتبتهج ابتهاجا مع ترنيم. قد أوتِيَتْ مجدَ لبنان، وبهاءَ الكرملِ والشارون، فهم يرون مجد الرب وبهاء إلهنا.
قووا الأيدي المسترخية وشددوا الركب الواهنة. قولوا لفزعي القلوب: " تقووا ولا تخافوا، هوذا إلهُكُم، النِقمةُ آتية، مكافأةُ اللهِ حاضرة: هو يأتي ويُخَلِّصُنا".
حينئذ تتفتح عيون العُمِي، وآذان الصم تتفتح، وحينئذ يقفز الأعرج كالأيل، ويترنم لسانُ الأبكم؛إذ قد انفجرت المياه في البرية، والأنهار في البادية. فالسراب ينقلب غديراً، والمَعطَشَةُ ينابيعَ مياه. وفي مأوى بنات آوى الذي يربضن فيه، تظهرُ خُضرةُ القصَبِ والبَرْدِيّ.
ويكون هناك مسلك وطريق، يقال له الطريق المقدس، لا يَعْبُرُ فيه نجس، بل إنما هو لهم. من سَلَكَ هذا الطريق، حتى الجُهُّالُ لا يَضِلّ. لا يكون هناك في الأرض أسد، ولا يصعد إليه وحش مفترس، ولا يوجد هناك، بل يسير فيه المُخَلَّصُون. والذين فداهم الربُّ يرجعون، ويأتون إلى القُدْسِ بترنيم، ويكون على رؤوسهم فرحٌ أبدي، ويرافقهم السرور والفرح، وتنهزم عنهم الحسرةُ والتَّأَوُّه.
يا رب، مع النبي أشعيا، نطلب منك أن تجعلنا نجرؤ ونقدِّم أنفسنا في الحق أمامك.
أنت تأتي بنَفْسِك وتريد أن تخلصنا:
ها هي أرض قلوبنا الجافة .. بلاد العطش، والكثير من أشواك الغاب. هوذا العالم الذي فيه لا نستطيع أن نجد طريقنا بسهولة. إننا نؤمن بأننا سنرى مجدَك في هذه الأماكن الصحراوية التي نعيش فيها... نود أن نمتلك هذه الثقة ونعترف بأننا ننتظر شيئاً جديد. نُقدّم لك حقيقة رغبتنا لكي تزرع فيها الحياة. نود أن نترك كلمات أشعيا النبي ترن في أذهاننا: "ستنفجر المياه"، لقد وعدتنا بذلك يا رب. "ليفرح وليزهر.." من الآن، بلد العطش:
تعال يارب .. تعال وخلصنا!