رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
علاقة الآباء بالأبناء وبالعكس
واقع العلاقة. كيف هي هذه العلاقة؟ هل هي متأزمة أم صحية؟ ما أسباب المشكلة أو التأزم؟ كيف يمكن التعامل وعلاج ومواجهة هذه المشكلة أو التأزّم؟ معظم البيوت تشكو وتتبادل الاتهامات وكلا الطرفين َُمتّهم أو مظلوم، وكلا الطرفين يضع الآخر بقفص الاتهام. أمثلة: ابني عنيد, ومشاغب, وصاحب مشاكل مع الرفاق والجيران والمدرسة، وأما ابنتي فإنها تلبس لباساً قصيراً وتتأخّر في عودتها إلى المنزل, وعند محاسبتها يكون الجواب وكأنه أعِدّ مسبقاً: أنتَ رجعيّ قديم، تعاملنا كأطفال ولا يسأل عنا ويحبنا بل فقط يعاقبنا, يعطي أوامر وكأننا في سجن, لا يُسمح بالتلفاز ولا المسبح, ولا حتى ملعب ولا رفقة، كلّه ممنوع. هذا التأزم خاص بمرحلة المراهقة، في الحاضر كما في القديم, لكنّ العلاج وأسلوب التعامل يختلف. أما أسباب هذا التأزم فكثيرة ومتشعّبة منها: شخصية مرتبطة بالأهل والأولاد، وموضوعية مُفرَزة من ظروف فكرية, واقتصادية, واجتماعية، وبيئية. أحياناً يتخذ الأهل مواقف خاطئة تجاه أولادهم مثل التّملّك: "أولادي لي ملكي أنا" كامتلاك الأثاث أو ما شابه, لكنّ الأولاد تلقائياً يشعرون ويمارسون الاستقلالية كحقّ لهم, ويشعر الأهل هنا وكأنّ هذه الملكية تُفلت منهم ويخسرونها، ويُسيطر الخوف من الأهل تجاه الأولاد والنتيجة الحماية المفرطة والتضييق، مما يولّد النفور كارتداد لهذا الموقف, ويطالَب بالحرية والاستقلال، وهنا يبدأ الصَّدام والرفض ويتلاشى الحوار. فقط: نحن كبار ونعرف أكثر وأنتم صغار وهذا يغيظهم كثيراً، إنهما جيلان بينهما هوّة، وهنا صراع الأجيال وارد لكنّ الحكمة في فهم هؤلاء هي سيّدة الموقف. نحن الكبار مشدودون للماضي, نحن نتاج عقلية وتربية سابقة مضت وأكل الدهر عليها وشرب - هكذا يفكّرون - لكن نسوا أنّ القيم والفضائل غير محدودة بالزمان أو المكان. لكنّ الأولاد يعيشون في الحاضر ومشدودون للمستقبل, على عكس الأهل الذين يعيشون الحاضر لكنهم مشدودون للماضي. لذا تختلف مقاييسنا ومفاهيمنا عنهم إذ ينتمون لعالم المستقبل، وهذان اتجاهان متضاربان. فأسلوب القمع لا يُجدي وينبغي أن يُعطَى سبب وتفسير لكلمة "لا" التي تُقال بوعي أو بدون وعي فقط لمجرد فرض النفوذ والسيطرة.، وبالمقابل فإنّ التساهل والاستهتار خاطئان أيضاً. ضدّان أحلاهما مُرّ، ويولّدان ردود فعل عند الطرفين. نلاحظ في الربع الأخير من القرن العشرين أنّ حجم التغيير كبير، فالتغيير الذي حصل يساوي ما حصل خلال ثلاثين سنة سابقة، هذه السرعة في التغيير أوجدت هوّة عميقة بين جيلَين يعيشان في هذا القرن: الفرق بين عقلي وعقل ابني, يعادل ثلاث مرات أكثر من الفرق بين عقلي وعقل أبي عندما كنتُ في سن ابني. صحيح أنّ تنامي التطور هائل، ولكننا نعيش بنفس العصر لكن ليس بنفس العمر والعقلية والذهنية.لذا يجب أن نعي هذا ونتعامل مع هذه المشكلة الأبوية الحسّاسة كيلا تُخدَش العلاقة، وهذا يعوزه حكمة وقبول الآخر والحبّ، فيُصبح التفاهم أكثر والصدام أقلّ. كيف نصحّح موقفنا من أولادنا فهم ليسوا ملكاً لنا؟ يقول جبران خليل جبران: أولادكم ليسوا لكم أولادكم أولاد الحياة, صحيح أنهم بكم أتوا إلى العالم, لكن لا يمكن أن تغرسوا بهم أفكاركم الماضية وإلا سيصرخون: [لن أعيش في جلباب أبي] أي لا يجب أن أصنع من ابني صورة عني, فليكن هو صورة نفسه صورته التي خُلق لها وعالمه عالم المستقبل أدفعه وأكون رافعة له ليتسلق الأعالي، ولا أشدّه للوراء ليُحقق لي ما أنا فشلتُ بتحقيقه، فدوري ينحصر في توفير مستلزمات النمو الطبيعي حتى يُصبح الصورة التي خُلق لها وتُرضي الرب وتُرضيه. نحن لسنا كاملين لكن نسعى لنكون كذلك, والرب أعطانا الأسرة لننمّيها لا لنمارس التسلّط عليها كيلا نُقابَل بالرفض والنفور. إنها علاقة إنسانية أبويّة شخص لشخص وليست علاقة شخص بشيء أو مُقتنَى, صحيح أريد ابني أن يرفع رأسي وأكون فخورة به بما يُحقّقه وما يُنجزه لأنّ الرب أعطى لكل واحد كنزاً وعلينا اكتشافه، فلنكتشف إذاً الذهب بأولادنا، ونظهره ليلمع بوجوههم هم وبعدها نحن، ولنُدرك أنّ الحبّ الشخصانيّ يُفني الآخر، والحب الامتلاكي يُفقر ويُفسد الآخر. بعض النصائح: علينا أن نعمل على خلق قنوات اتصال وحوار بيننا وبين أولادنا, فقِيم وأخلاقيات عالمنا تختلف عنهم، وأنا أعبر لعالم أولادي بالحوار الذي هو الخطّ الساخن الذي لا ينقطع, نناقش عبره الإيجابيات والسلبيات والمتاعب لكلا الطرفين بثقة وحُب وشوق واحتياج في مناخ من الحرية والحوار في ضوء كلمة الرب وبحضور يسوع. فلنربَّ أولادنا من أجلهم لا من أجلنا نحن. كما لا يجوز أن نطلب من أبنائنا ما لا نقوم به نحن مثلاً: أنا فوضويّ وأطالب ابني بالترتيب، أنا أقاطع الآخر بينما أطالب ابني بعدم المقاطَعَة، فلنتعهّد هذه النبتة بأمانة، ولنجعل الربّ فرداً مهمّاً في العائلة وحاضراً دوماً يراقب وعيناه تجولان. فهل يحتلّ المسيح المكان الأول في حياتنا؟ لأنه وحده القادر على جمع المتناقضات وتذليل الصعاب وإزالة الحواجز الفكرية والزمنية لنصبح كلّنا بحاجة إلى التغيير للأفضل، لأنّ كلّ منهج يخدم عصره ولكلّ موقف معطياته، فلنبنِ جسوراً وننثر الورود ليسير أولادنا فوقها وننزع الأشواك وننثر الحُبّ والفرح للجميع |
|