رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فابيولا _ جيروم فابـيولا الخادمة الباذلة (تنيحت عام 399م) بقلم القديس جيروم بعد أن جنحت بحديثي في ضحالة خطية فابيولا، أطلت الحديث عن توبتها، حتى ينفتح لنا مجال أوسع دون عوائق لوصف مدحها. بعد أن عادت للشركة والتناول من الأسرار المقدسة أمام أعين جميع أعضاء الكنيسة، ماذا فعلت؟ في يوم الخيرات لم تنسى البلايا (سي 25:11)، وبعد أن واجهت تحطم السفينة مرة صارت غير راغبة مرة أخرى في مواجهة أخطار البحار. لذا بدلاً من الإنغماس في حياتها القديمة، تخلت عن كل شيء وباعت كل الممتلكات التي كانت بحوزتها (كانت الممتلكات كثيرة وتتناسب مع طبقتها الإجتماعية)، وحولتها إلى نقود، وجعلتها في خدمة ومنفعة الفقراء. كانت هي أول شخصية تؤسس مستشفى (في روما)، جمعت فيها المرضى والمتألمين من الشوارع، حيث يمكن أن تمرّض ضحايا المرض البائسين والمحتاجين. فهل أعدد الآن المصائب المتنوعة للبشر؟ من أنوف مشوهة، وأعين مقلوعة، وأقدام نصف محروقة، وأيدي مقرحة؟ أو أطراف مضمورة أو أطراف تعاني من الإستسقاء؟ أو من لحم عليل ناشط بالدود؟ كثيراً ما كانت فابيولا تحمل على أكتافها أولئك المصابين باليرقان (مرض الصفراء) أو المملوئين بالقذارة. وكثيراً ما قامت فابيولا بتنظيف وغسل الجروح الدموية المتقيحة، التي لا يجرؤ إنسان آخر – حتى الرجال – على مجرد النظر إليها. كانت فابيولا تقدم الطعام بيديها للمرضى، وكانت تنعش أولئك المحتضرين الذين يتنفسون بصعوبة بقطرات السوائل. إني أعرف الكثيرين من الأغنياء والمتدينين الذين لصعوبة تغلبهم على إشمئزازهم الطبيعي من مثل هذه المناظر، يقومون بأعمال الرحمة التي من هذا القبيل بإستخدام آخرين، فيعطون الأموال بدلاً من مساعدتهم بشكل شخصي. بالطبع أنا لا أدينهم، ولا أفسر ضعف طبيعتهم على أنه نقص في الإيمان. ولكن بينما أعفو عن سرعة الغثيان هذه، أمتدح إلى عنان السماء الغيرة المتحمسة التي لهذه الشخصية الرفيعة. إن الإيمان القوي يستخف بتلك الأمور التافهة. لكنني أعرف نوع العقوبة الرهيبة التي وقعت على شخصية الرجل الغني، الذي كان يلبس الأرجوان، لكونه لم يقدم يد المساعدة للعازر المسكين (لو 16). الشخص البائس الذي نحتقرة، الذي لا نستطيع النظر إليه، ذلك الشخص الذي يصيبنا بالغثيان لمجرد رؤيته، هو إنسان مثلنا تماماً، مصنوع من نفس الطين الذي صنعنا منه، ومكوّن من نفس العناصر. كل ما هو يعانيه من الممكن أن نعانيه نحن أيضاً. لنعتبر جروحه كأنها جروحنا، وعندئذ سوف تتبدد كل قساوة ولا مبالاة تجاه معاناة الآخر، أمام إشفاقنا على أنفسنا. فحتى ولو كان عندي مائة لسان أو حنجرة من فولاذ، ما قدرت على أن أسرد أشكال كل الأمراض التي سكنتها فابيولا بشكل عجيب من أجساد المتألمين الفقراء، حتى أن كثيرين من الأصحاء صاروا يحسدون المرضى. إلا أنها مع ذلك أيضاً أظهرت نفس السماحة والمحبة تجاه رجال الدين والرهبان والعذارى. فهل هناك دير لم يحظى بدعم من ثروة فابيولا؟ وهل هناك شخص عريان أو مطروح في الفراش لم يلبس ملابس وفرتها له فابيولا؟ هل هناك أي شخص في إحتياج قصَّرت فابيولا في أن تعطيه تقدمة سريعة بلا تردد؟ لقد تجاوزت خدمتها وشفقتها حدود روما - سواء إن قامت بذلك بشكل شخصي أو عن طريق رجال موقرين وجديرين بالثقة – لذا سافرت من جزيرة إلى جزيرة، وحملت هباتها السخية ليس فقط حول بحر ستروكان، بل في كل مقاطعة الفولشيان، حيث الشواطئ المتعرجة المنعزلة التي يقيم فيها الرهبان. فجأة قررت فابيولا - ضد نصيحة كل أصدقائها - بأخذ السفينة والمجيء إلى أورشليم (عام 395م). هنا تم الترحيب بها من قبل حشد كبير من الناس، ولفترة قصيرة حلت في ضيافتي. في الحقيقة، عندما أتذكر لقائنا يبدو لي وكأني أراها الآن وليس في الماضي. أه يا يسوع المبارك! أي غيرة متقدة وأي جدية كانت تتحلى بها فابيولا تجاه الكتب المقدسة! في إشتياقها لإشباع ما هو تلهف حقيقي كانت تركض بين كتب الأنبياء والأناجيل والمزامير، كانت تقترح أسئلة، وتدخر أجوبة في مكتب أحشائها الخاصة. ورغم ذلك، كل هذا الإشتياق للإستماع، لم يجلب معه أي شعور بالشبع، وبزيادة معرفتها أزادت حزنها أيضاً (جا 1)، وبسكبها الزيت على اللهب قدمت وقوداً لإشعال غيرتها وحماسها المتقد أكثر فأكثر. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
في رسالة يتحدَّث فيها عن تاريخ خطية فابيولا Fabiola ثم عن توبتها |
القديس جيروم |
من روائع الأدب المسيحى-فابيولا |
فابيولا الراهبه |
القديسة فابيولا |