14 - 02 - 2015, 09:09 AM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
تعريف المسيحية _ غريغوريوس النيسي
ما هو تعريف المسيحية؟
بقلم القديس غريغوريوس النيسي
يقولون أن أحد منظمي العروض في مدينة الإسكندرية قد درَّب قرداً على الرقص برشاقة، ألبسه قناع الراقصين وبدلة مناسبة للإستعراض، وأحاطه بجوقة، وكسب شهرة من خلال رقص وتلوي القردعلى أنغام الموسيقى، وكان القرد يُخفي طبيعته بكل طريقة من خلال ما يفعله ومن خلال الشكل الذي يظهر به. وبينما كان الجمهور مفتوناً بطرافة هذا المنظر، أظهر أحد الأذكياء الحاضرين للمشاهدين بواسطة خدعة أن الراقص قرداً. عندما كانت الجموع تصرخ وتُصفق على حركات وإيماءات القرد الذي كان يتحرك بشكل متناغم مع الموسيقى، يقولون أنه ألقى في مكان الرقص بعض من الحلويات التي تثير الرغبة عند مثل هذه الحيوانات. عند ذلك وبدون لحظة تأخير، عندما رأى القرد اللوز مبعثر أمام الجوقة، نسي الرقص والتصفيق والبدلة المُتقنة، وركض وراء الحلوى ملتقطاً كل ما وجده في راحة يديه. وحتى لا يقف القناع حائلاً أمام طريق فمه، خلع بهمة قناع تنكره بأظافره، وحالاً أثار ضحكة المشاهدين بدلاً من المديح والإعجاب، إذ ظهر بشكله القبيح والمضحك بعد تمزيقه للقناع.
هكذا أيضاً، كما أن الشكل المُنتحَّل لم يكن كافياً لهذا الحيوان لكي يُعتبَّر إنساناً، فأنكشفت طبيعته بحادثة اللوز، هكذا أيضاً أولئك الناس الذين لا يُشكّلون بصدق طبيعتهم الخاصة بالإيمان المسيحي، يمكن بسهولة كشفهم - من خلال شراك الشيطان - أنهم على حال آخر غير الحال الذي هم مدعوين إليه. وعوضاً عن التينة أو اللوزة أو أي شيء آخر، يضع الشيطان بحيّله الشريرة: الغرور، ومحبة الكرامة، ومحبة الربح، ومحبة اللذة، وأي شيء آخر أمام الشخص الشهواني بدلاً من الحلوة، وبسهولة يفضح النفوس الشبيهة بالقردة الذين من خلال التظاهر والرياء والتقليد يلعبون دور المسيحي التقي، وعند حلول أي أزمة شخصية يخلعون قناع الإعتدال والوداعة أو أي فضيلة أخرى.
من الضروري إذن أن نفهم ما معنى كلمة "مسيحي" حتى يمكننا أن نصبح على ما يقتضيه هذا الأسم ولا نُكشَّف بواسطة الرب الظاهر أمامه كل مخفي، أعني ما أخفيناه نحن بمجرد القبول والتظاهر بالأسم فقط كمسيحيين، مع أننا في الواقع على حال مناقض تماماً لما نظهر عليه.
إذن، إذا إتخذ أحد اسم المسيح لكنه لا يُظهر في حياته ما يتضمنه ويُشار إليه بهذا الاسم، مثل هذا الشخص يُناقض الاسم ويضع قناعاً بلا حياة يوافق النموذج المُسمَّى أمامنا شكلاً فقط. لأنه من المستحيل للمسيح أن لا يكون براً ونقاوة وحقاً ونفوراً من كل شر، وليس ممكناً أن تكون مسيحياً - أعني مسيحياً بالحقيقة - بدون الإشتراك في هذه الفضائل وإظهارها في حياتك.
إذا كان من الممكن إعطاء تعريفاً للمسيحية، سوف نُعرِّفها كالتالي:
المسيحية هي محاكاة الطبيعة الإلهية.
والآن، ليت لا يعترض أحد على هذا التعريف، كتعريف غير معتدل يتجاوز وضاعة طبيعتنا.
لا، هذا التعريف لا يتجاوز طبيعتنا.
في الحقيقة، إذا رجع أي أحد إلى حالة الإنسان الأولى، سوف يجد من خلال تعاليم الأسفار المقدسة أن هذا التعريف لا يتجاوز مقياس طبيعتنا. إذ أن الإنسان الأول قد تم تكوينه كمحاكاة لشَبَه الله. لذلك موسى بقوله الحكيم عن خلق الإنسان، قال "على صورة الله خلقه" (تك 2).
وبالتالي، كلمة "مسيحية" إذاً، تُعيد الإنسان مرة أخرى إلى نصيبه السعيد الأصلي.
إذا كان الإنسان في الأصل على شبه الله، لا نكون قد تجاوزنا الحدَّ بالإعلان أن المسيحية هي محاكاة الطبيعة الإلهية. في الحقيقة، عظيم جداً وعد هذا الاسم.
ربما من المناسب أن نتحرى أيضاً بشأن عدم توافق حياتنا مع التعريف وخطورة هذا الأمر بالنسبة للشخص الذي يستخدم هذا الاسم. ربما يتضح المعنى من خلال الأمثلة. إفترض أن رسام محترف تم تكليفه برسم صورة للملك لمن يعيشون بعيداً، إذا رسم شكل مضحك وقبيح على الخشب ودعى هذا الشكل الكريه صورة الملك، ألا يزعج هذا السلطات على أساس أن الأصل الوسيم قد أهين من خلال هذه الصورة السيئة بين أولئك الذين لم يروا الملك من قبل؟ فالناس سوف تعتقد بالضرورة أن الأصل يشابه الشكل الذي تُظهره الأيقونة.
إذا كان التعريف يقول أن المسيحية هي محاكاة الله، فالشخص الذي لم يسبق له أن يتفهم هذا السر سوف يظن أن الأصل الإلهي يشابه ما يراه في حياة كل واحد منّا، فيقبلها كمحاكاة صحيحة لله، فإن رأى نماذج للصلاح الكامل سوف يعتقد أن الإله الموقَّر بواسطتنا إله صالح، لكن إذا رأى أمامه شخص أنفعالي وقاسي يتأرجح بين الأهواء، ويعكس العديد من أشكال الحيوانات في شخصيته - إذ أنه من السهل ان نرى كيف تشبه التقلبات في طبيعتنا الحيوانات، عندما يدعو مثل هذا الشخص نفسه "مسيحياً"، وواضح للجميع أن وعد الاسم يُعلن محاكاة الله، يجعل هذا الشخص إذن الأصل الإلهي - الذي يُعتقد بأنه ينعكس في حياتنا الخاصة - هدفاً للملامة بين غير المؤمنين.
يدين الكتاب المقدس بنوع من التهديد المخيف هؤلاء الأشخاص قائلاً: "لأن اسم الله يجدف عليه بسببكم بين الأمم" (رو 2)، ويبدو لي أن الرب يوجه أفكارنا في هذا الإتجاه عندما يقول لمن يستطيع أن يسمع: "كونوا كاملين كما ان أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت 5). إذ أنه بتسميته الآب الحقيقي للمؤمنينفهو يُريد أن أولئك المولودين بواسطته يكونوا واحداً مع الآب في كمال الصلاح الذي يتأملونه في الآب.
|