رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الدرهم المفقود _ غريغوريوس النيسي الدرهم المفقود القديس غريغوريوس النيسي الإنسان مخلوق وهبه الله العقل والذكاء، وخُلق على مثال طبيعة الله النقية. إذ أنه كُتب عنه في قصة الخليقة: "فخلق الله الإنسان على صورته" (تك 1). هذا الإنسان المخلوق إذاً، لم يكن يملك في طبيعته أي ميل نحو الألم والفناء في البداية. إذ أن رسم الصورة لم يكن من الممكن الإحتفاظ به، إذا كان قد خالف بمحاكاته في أي من الأمور النموذج الأصلي. لكن عناصر الألم قد دخلت في وقت لاحق بعد الخلق. فالإنسان كان – كما قلنا – على صورة ومثال القدرة الإلهية التي تحكم كل الخليقة، وهذه المشابهة لله الحاكم كل الأشياء، أمتدت أيضاً إلى قدرة الإنسان على التصميم الذاتي، فالإنسان يستطيع إختيار أي شيء يريده، غير مستعبد لأي ضرورة خارجية. لكن الإنسان أنحرف بواسطة الخداع، وجلب على نفسه بتعمد تلك الكارثة التي شملت البشرية كلها. الإنسان ذاته هو الذي أخترع الشر، لم يجده في الله، ولا الله خلق الموت، بل الإنسان ذاته كان هو الخالق – إذا جاز التعبير – لكل ما هو شر. كل من له أعين يستطيع التمتع بنور الشمس، وإي إنسان يمكنه - إن أراد - أن يحرم نفسه من هذه المتعة بإغلاق عينيه. في هذه الحالة، ليست الشمس هي التي تنسحب، أو تنتج الظلام، بل الإنسان نفسه هو الذي يضع عائقاً بينه وبين الشمس بإغلاق عينيه. ومع ذلك، حتى والأعين مغلقة لا يمكنها التوقف عن العمل، وبالتالي نشاط العين هو الذي يؤدي إلى ظهور الظلام في الإنسان، لأنه بتعمد يحجز بصره. هذا الأمر يشبه رجلاً يبني بيتاً، ولا يعمل أي تدبير لدخول النور إليه. وبالتالي - كما هو واضح - يعيش في الظلام، بما أنه قد تعمَّد أن يعزل نفسه بعيداً عن الضوء. كذلك، الإنسان الأول الذي نشأ من الأرض – الذي تسبب في كل الشر الموجود في الإنسان – كان في قدرته إختيار كل الخير والأمور الجميلة الموجودة في الطبيعة من حوله. إلا أنه أسس بنفسه بملء إرادته أمور ضد الطبيعة، وفي رفضه للفضيلة بإختياره الحر صاغ الغواية نحو الشر. إذ أن الخطية لا توجد في الطبيعة منفصلة عن الإرادة الحرة، فهي ليست جوهراُ في ذاتها. إن جميع مخلوقات الله حسنة، لا شيء يحتقر مما خلقه، فكل ما عمله الله كان "حسن جداً" (تك 1). ولكن تسلسل الخطية بأكمله دخل إلى حياة الإنسان لخرابة بالطريقة التي ذكرتها، وإنهمر على البشرية من مصدر صغير جداً بحر غير متناه من الشرور. وجمال النفس الإلهي الذي كان يعتبر محاكاة للنموذج الأصلي صار مثل شفرة من صلب تعتمت بصدأ الخطية، ولم تعد بعد تحتفظ بجمال الصورة التي كانت تقتنيها قبلاً بالطبيعة، بل أنقلب جمالها إلى قباحة الخطية. هكذا الإنسان الذي كان "عظيماً جداً وغالي" كما يدعوه الكتاب، سقط من المنزلة القيمة التي كانت له بالطبيعة. كمثل هؤلاء الذين ينزلقون فيسقطون في الوحل، فتتلطخ ملامح وجوههم بدرجة كبيرة حتى لا يستطيع أقاربهم التعرف عليهم. هكذا سقط الإنسان في وحل الخطية، وفقد تشابهه مع الله الأبدي. وعوضاً عن ذلك، أتخذ لنفسه بخطيته لباساً على صورة من الطين والفناء، هذه هي الصورة التي ننصحه بكل جدية أن يزيلها، ويغتسل في المياة المُطهرة التي للحياة المسيحية. ما أن يتم إزالة هذا الغطاء الأرضي حتى تتألق جمال النفس من جديد. فإزالة ما هو غريب هو عودة لما هو طبيعي ومناسب، وهذا لا يمكننا تحقيقة إلا بتحولنا إلى ما كنا عليه قبلاً في البداية عندما خُلقنا. إلا أن تحقيق هذه المشابهه لله ليس في قوتنا ولا في حدود قدرتنا البشرية. أنها عطية فضل الله، إذ أنه وهب هذا التشابه الإلهي بشكل مباشر لطبيعتنا البشرية عند خلقتها. وبجهدنا البشري، نستطيع فقط إزالة وسخ الخطية المتراكم، وبالتالي نسمح فقط لجمال النفس المدفون لكي يتلألأ من جديد. ولكن إذا كان يتعين علينا تأكيد هذا التعليم بطرق أخرى، يمكننا تعلم نفس الدرس من الرب في مثل الدرهم المفقود (لو 15). كل سائر المزايا – التي يدعوها النص دراهم – تعتبر عديمة القيمة إذا كانت الأرملة - أي النفس - تفقد واحدة، حتى ولو كانت جميع المزايا الأخرى موجودة. لذلك فنحن أول الأمر نوصى بإضائة شمعة، التي تشير بلا شك إلى العقل الذي يلقي الضوء على كل ما هو خفي. بعد ذلك علينا أن نبحث عن الدرهم المفقود في بيوتنا أي في نفوسنا. والمعنى الخفي للدرهم بلا شك هو صورة ملكنا، الصورة التي لم تُفقد بعد كلية، لكنها مخبأة فقط تحت التراب. وبالتراب نستنتج قذارة الجسد، فعندما ننقي ونكنس هذه القذارة بواسطة الحياة المتقدة، ما كنا نبحث عنه سوف يصير جلياً. وعندما تجد النفس الدرهم تبتهج بحق وتدعو جيرانها لكي يشتركوا معها في فرحها. ورفقاء النفس هم بالطبع "ملكات النفس المتنوعة"، التي يدعوها هنا النص الجيران. إذ أنه عندما تُكتشف صورة الملك وتضيء بلمعانها مرة أخرى، تنطبع الصورة على قلوب كل واحد كما أنطبعت على درهمنا في البداية بواسطة الخالق ، آنذاك تتحد كل ملكات النفس معاً في هذا السرور والفرح الإلهي، عند التحديق في الجمال الفائق الوصف الذي تم العثور عليه. إذ أنها تقول: "افرحن معي لأني وجدت الدرهم الذي أضعته" (لو 15). الجيران أي ملكات النفس الطبيعية التي تبتهج عند إكتشاف الدرهم الألهي هي التعقل، الشهية، الميل نحو الحزن والغضب ... وكل الملكات الأخرى التي نعتقد بوجودها في النفس. وبحق تدعى أصدقاء، وبحق تبتهج آنذاك في الرب، إذ أن جميعها تتحول لتتطلع الآن نحو الجمال والصلاح، فيعملن كل شيء لمجد الله، ولا يعودوا بعد آلات للخطية. هذا هو إذاً الدرس الذي نتعلمه من الدرهم المفقود: علينا أن نُعيد صورة الله -المخبأة الآن تحت وسخ الخطية - إلى حالتها الأصلية. وبالتالي نصير على ما كان عليه الإنسان الأول عند فجر الوجود البشري. |
14 - 02 - 2015, 03:01 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الدرهم المفقود _ غريغوريوس النيسي
ربنا يبارك حياتك
|
||||
|