هذه الأخبار من جريدة إيلاف الأليكترونية الصادرة من لندن
أثارت الطريقة التي أعدم فيها الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، ردود أفعال غاضبة امتدت إلى الموروث الديني الإسلامي الذي يرى البعض أنه السبب في كل تطرف وغلو في ممارسة الانتقام.
بغداد:أكد رجال دين وكتاب واعلاميين عراقيين ضرورة المباشرة باعادة قراءة كل الموروث بشجاعة وتطهيره من سرديات الانتقام والخرافة أو إعادة فهمه وتحييد هذا الموروث، وإبعاد آثاره السلبية عن عملية بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.
خلل في فهم الموروث الاسلامي
فقد أكد محمد راضي محمد، رجل دين، أن الخلل ليس في الموروث الاسلامي، بل في فهمه وتطبيقه الذي جاء وفق المصلحة الشخصية، وقال: "افهم هذا الموروث على انه القرآن الكريم والسنة النبوية والائمة المعصومين من آل بيت النبي محمد (ص) وأصحابه، ولا اعرف غير هذا لأنه الحق، وما جاء خلافهم هو اجتهادات شخصية مبنية على مصالح ذاتية او فئوية ولا يمكن الاعتماد عليها لانه فهم سيء لهذا الموروث".
واضاف: "قتل الطيار الاردني الكساسبة بهذه الطريقة البشعة لم يأت إلا من هذا التأويل المصلحي الضيق والاجتهاد غير الواعي، فالدواعش سنّوا سننا سيئة كثيرة منها الذبح، فأوهموا الناس أن الذبح (سنة نبوية)، وهؤلاء استندوا كما قالوا على حديث لرسول الله (ص) يقول (يا معشر قريش لقد جئتكم بالذبح)، ولا اعتقده صحيحا مطلقا، فليس في الإسلام مثل هذا القتل ولا مثل هذه السلوكيات والاخلاقيات التي تحملها (داعش)، لكن داعش اعتمدت على تفسيرات ضالة فخرجت على الناس بهذه الاساءات للاسلام التي يندى لها جبين الإسلام، لذلك لابد من اعادة للوعي والتأكيد ان الاسلام دين سلام بالدرجة الأولى ولا يمكن قبول الأذى لأي إنسان".
بذور تكفير المختلف
اما الشاعر المهندس ابراهيم البهرزي، فقد أشار إلى أن الفئة الضالة مضمرة في عموم الموروث، ولكن البيئة نحن من نصنعها، وقال: "كل إنسان تربى على الموروث الإسلامي الذي نعرفه يحمل في داخله بذور تطرف وتكفير للمختلف. ما أن تجد هذه البذور بيئة مناسبة حتى تستحيل بكل سهولة أداة قتل للمختلف وإذا تأملت في الأصول جيدا وجدت ان كل من لا يشبهك هو مختلف".
وأضاف: "المجاملات التي يطلقها البعض حول فئة ضالة بعينها لن تعالج المشكلة، الفئة الضالة مضمرة في عموم الموروث والبيئة المناسبة نحن من يصنعها من خلال هذه المجاملات".
وتابع: "الحل الوحيد هو اعادة قراءة كل الموروث بشجاعة وتطهيره من كل سرديات الانتقام والخرافة دون هيبة، وإلا فان أشكال التطرف والتكفير والقسوة ستعود مرارا في أشكال أخرى متجددة".
اعادة تقييم الافعال التاريخية
اما الباحث علي البدراوي فيؤكد ان حرق الكساسبة فتح على الكثيرين قول العديد من المحظورات، وقال: "قبل اعادة كتابة الموروث التاريخي ينبغي مواجهة التاريخ على حقيقته وبكل وقائعه دون النظر إلى شخوص قدمتها لنا الكتب ومناهج التعليم بأنها مقدسة لا ينبغي المساس بها، بل يجب من جديد اعادة تقييم افعالها التاريخية وتقديمها إلى الأجيال كما كانت دون اضافة اية هالة من القدسية عليها... ولنا بفتوى لابن تيمية بقي صداها خالدا لالف عام لتقضي على شاب مسلم حرقا بالقرن الحادي والعشرين".
استثمار القيم المشتركة
فيما أكد الكاتب مصطفى سعدون، أن الموروث الإسلامي مقدس لدى المسلمين ولا يمكن إعادة كتابته، وقال: "حتى نكون منصفين هذه التفاصيل موجودة في الجماعات المتطرفة بكل الديانات والقوميات والمذاهب، لكنها تتفاوت نسبيا، لذا وجدنا الأغلبية في الدين الاسلامي الذي ترى المجموعة المتطرفة المنتمية له أن الآخر الذي يختلف معها هو عدو أو ليس على حق، لانها ترعرعت ونشأت وتعلمت في بيئة تفتقد إلى احترام الآخر وفق إنسانيته، عندما جعلت الديانة والمذهب هما أساس العلاقة مع الآخرين الامر الذي شكل فجوة كبيرة مع باقي الانتماءات".
واضاف : الموروث الاسلامي مقدس لدى المسلمين ولا يمكن إعادة كتابته، لكننا يجب ان نلعب دورا مهما في استثمار القيم المشتركة بيننا والتي تجمعنا وعدم التطرق لأي تفصيل يحاول ان يلغي التعاون الإنساني، وأهمية ان نبني كل شئ لأجل الانسان لا الديانات.
إعادة فهم المورث
اما الإعلامي عمر علي، فقد شدد على ضرورة اعادة فهم الموروث الديني لا إعادة كتابته، وقال: "يجب إعادة فهم الموروث الديني لا اعادة كتابة لانه ان صح -سنداً ومتناً- فلن يقبل اي تبديل او اعادة كتابة باعتباره وحيّا وهذا يوقع في اشكالية معروفة، لذلك فالاجدر اعادة القراءة في ضوء مستجدات العصر ونبذ النصوص المكذوبة او المأولة تأويلات سياسية او اجتماعية بعيدا عن جوهر الدين".
واضاف: "ومن اجل النظر إلى الجرائم التي يدعي اصحابها انها من موروث الاسلام علينا ان نبحث عن الموروث نفسه، فان لم يصح سندا ومتنا اهملناه، وان صح نبحث ظروف صدوره وأسبابه، ثم ننظر الى المناسبة بينها وبين العصر الحالي ومن له أحقية تطبيقه، من رئيس او قاض او جماعة الخ، عند ذاك سنصل الى فهم جديد ومنسجم مع روح التشريع التي تجعل الانسان اولا فوق اي اعتبار اخر".
تحييد هذا الموروث
من جهته تساءل الكاتب والباحث أحمد محمد أحمد قائلا: "أي موروث إسلامي هذا الذي يعرفه السائل؟ هل هو نفس الموروث الذي ورثه غيره من المسلمين؟ أم ان لكل مسلم موروثه الخاص؟".
وأضاف: "الحقيقة المطلوب الاعتراف بها هي ان المسلمين الاوائل اختلفوا منذ لحظة وفاة نبي الاسلام محمد (ص)، ولم يتفقوا الى اليوم! ولقد توارث المسلمون ذلك الخلاف الأولي، وأعادوا كتابته، بتعميق الخلاف، وتوسيع مدياته، على مساحة ألف وأربعمائة عام من الزمن، فأنتجوا لنا فقها مختلفا وعقائد مختلفة ومدارس فكرية مختلفة ومناهج عمل مختلفة، ودولا وإمارات وممالك متقاتلة، تكفر بعضها بعضا، وتلعن بعضها بعضا، وتدعوا للثأر إلى يوم الدين!".
وتابع: "لسنا بحاجة لإعادة كتابة الموروث الإسلامي، الذي بلغت مجلداته الأطنان من الكتب والموسوعات والتفسيرات والتأويلات والمتون والشروح والهوامش، بل اننا بحاجة ماسة الى تحييد هذا الموروث، وإبعاد آثاره السلبية عن عملية بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة!".
صرخة رجل دين
ومن جانبه اكد رجل الدين والنائب السابق في البرلمان العراقي اياد جمال الدين قائلا: اليوم وبعد جريمة داعش بحرق الطيار الأسير الأردني .. يجب ان تتغير موازين التعامل مع "الارهاب الاسلامي" ..
وقال في تغريدات على تويتر: "الإرهاب الإسلامي" هو كل صوت يدعو لتطبيق "الشريعة "، وكل دولة تطبق " الشريعة" أو تريد تطبيق " الشريعة" او تسعى لنشر ثقافة تطبيق الشريعة فهي دولة تنشر الارهاب من حيث تشعر أو لا تشعر".
وأضاف: "ما زال "العرب والمسلمون" حكومات وشعوب .. يكذبون على أنفسهم بأن "داعش" لا علاقة لها بـ "الإسلام" ، وهذا يكشف عن جهل القائل بالإسلام، داعش تطبق ما مورد في كتب الفقه الإسلامية .. ايها الناس لا تلوموا داعش ولوموا " فقهكم " و"فقهاءكم".
وتابع: "قتلت " داعش" الايزديين وباعت نساءهم في الاسواق ..، داعش لم تأت بجديد، وانما طبقت ما ورد في كتب الفقه الشيعية والسنية، داعش هي أصفى مرآة ..شاهدوا انفسكم ايها المسلمون بمرآة داعش ..لا تلعنواها، ولكن العنوا الفقه والفقهاء الذين أنتجوا داعش".
وأوضح: "لا يوجد " دين" على وجه الأرض يحكم بـ "قتل" مَنْ يتخلى عنه .. إلا "الإسلام" ثم يقول الجهلة من المسلمين لسنا ارهابيين وداعش لا تمثل الإسلام، كل " فقيه" سني أو شيعي أو غير ذلك يفتي بوجوب "قتل" المرتد فهو فقيه ارهابي وداعية من دعاة الإرهاب".
وختم بالقول: "إذا استمرت "الثقافة" الاسلامية دون تغيير .. فسيصبح ابو بكر البغدادي بمنزلة "الصحابة" بعد ألف سنة من الآن".