بولس الرسول المبارك في وصفه لهذا الكنز السماوي أي نعمة الروح، يشرح أيضاً الضيقات الكثير، وفي نفس الوقت يُظهر ماذا ينبغي لكل واحد منا أن يسعى للحصول عليه في هذه الحياة: "إننا نعلم أنه إن نُقض بيت خيمتنا الأرضي فلنا في السموات بناء من الله، بيت غير مصنوع بيد، أبدي" (1 كو 5: 1).
لذلك، يجب علينا جميعاً أن نجتهد ونسعى بكل نوع من الفضيلة، وأن نؤمن أننا سنقتني ذلك البيت ونمتلكه حتى من الآن. لأنه إن كان بيت جسدنا يُنقض فليس لنا بيت آخر للنفس لكي تدخل فيه. يقول الرسول: "وإن كنا لابسين لا نوجد عراة" (2 كو 5). يعني عراة من شركة الروح القدس والإندماج فيه، هذا الروح الذي فيه وحده تستطيع النفس المؤمنة أن تجد راحة.
لهذا السبب، فإن المسيحيين الذين هم مسيحيون بالحق، يكون لهم ثقة ويفرحون عند خروجهم من الجسد، لأن لهم ذلك البيت غير المصنوع بالأيدي، ذلك البيت هو قوة الروح القدس الساكن فيهم. لذلك فحتى إن نقض بيت الجسد، فلا يخافون، لأن لهم البيت السماوي الذي للروح، والمجد الذي لا يفسد، ذلك المجد الذي سوف يبني بيت الجسد أيضاً، ويمجده في يوم القيامة، كما يخبرنا الرسول: "فالذي أقام المسيح من الأموات سيحي أجسادكم المائتة أيضاً بروحه الساكن فيكم" (رو 8)، وقال أيضاً: "لكي تظهر حياة يسوع أيضاً في جسدنا المائت" (2 كو 4)، وأيضاً "لكي يبتلع المائت من الحياة" (2 كو 5).
فلنسع إذن بالإيمان والحياة الفاضلة، أن نربح بعد هذه الحياة ذلك اللباس، حتى حينما نخلع الجسد لا نوجد عراة، لئلا لا يوجد هناك شيء في ذلك اليوم يمجد جسدنا. لأن كل واحد بقدر ما يُحسب أهلا - بواسطة الإيمان والجهاد - أن يصير شريكاً للروح القدس، بقدر ما يتمجد جسده في ذلك اليوم. لأن كل ما تخزنه النفس في داخلها في هذه الحياة الحاضرة، سوف يُستعلن حينئذ ككنز، ويظهر من الخارج في الجسد.
وكما الأشجار التي تجوز الشتاء، حينما تدفئها قوة الشمس والرياح غير المنظورة، تُنبت من باطنها وتخرج أوراقاً وورداً وثماراً، ككساء خارجي يغطيها. وكما تُزهر أيضاً زهور النباتات في الربيع من باطن الأرض فتتغطى الأرض هكذا وتتزين، ويكون العشب مثل تلك الزنابق التي قال عنها الرب: "إنها ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها" (مت 6) - لأن كل هذه أمثال ونماذج ورموز عن المسيحيين في القيامة - كذلك كل النفوس التي تحب الله، أعني المسيحيون الحقيقيون، فإنه يأتيهم أول الشهور الذي يُسمى إبريل (نيسان). هذا هو حقاً يوم القيامة، الذي فيه يخرج مجد الروح القدس من الداخل بقوة شمس البر، فيكسو ويغطي أجساد القديسين. هذا هو المجد الذي كان لهم سابقاً ولكنه كان مخفياً في داخل نفوسهم. لأنه ما يكون للإنسان الآن، هذا بعينه سوف ينسكب خارجياً على الجسد.
"هذا الشهر يكون لكم أول شهور السنة" (خر 12). هذا يجلب الفرح للخليقة كلها، فإنه يكسو الأشجار العارية، ويفتح الأرض. هذا يبهج جميع الكائنات الحية ويعطي المرح للكل. هذا بالنسبة للمسيحيين (نيسان) هو أول الشهور، وقت القيامة، الذي فيه ستتمجد أجسادهم بواسطة النور الفائق الوصف، الذي هو فيهم منذ الآن بشكل مخفي، هذا هو قوة الروح القدس، الذي سوف يصير لهم فيما بعد كساءاً وطعاماً وشراباً وتهليلاً وفرحاً وسلاماً وزينة وحياة أبدية. لأن كل جمال البهاء والبريق السماوي سوف يصير لهم من روح اللاهوت، ذلك الذي حُسبوا أهلاً لقبوله في هذه الحياة الحاضرة.
فكم ينبغي إذن لكل واحد منا أن يؤمن ويجتهد وأن يجدّ في كل سيرة فاضلة، وبرجاء كثير وصبر، نطلب أن نُحسب أهلاً ونحن في هذا العالم، لنوال تلك القوة من السماء ومجد الروح القدس في نفوسنا في الداخل، حتى حينما تنحل أجسادنا يكون عندنا حينئذ ما سوف يكسونا ويحيينا. كما يقول الرسول: "وإن كنا لابسين لا نوجد عراة" (2 كو 5)، وأيضاً إنه "سيحيي أجسادنا المائتة أيضاً بروحه الساكن فينا" (رو 8).
لأن موسى النبي المبارك أرانا بمثال بواسطة مجد الروح الذي سطع على وجهه، الذي لم يستطع أحد أن يتفرس فيه، كيف أنه في قيامة الأبرار ستتمجد أجساد أولئك المستحقين، بمجد تحصل عليه منذ الآن النفوس المقدسة الأمينة، إذ تُحسب أهلاً لإقتناء هذا المجد في داخلها في الإنسان الباطن. لأن الرسول يقول: "ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف (أي في الإنسان الباطن)، كما في مرآة، نتغير إلى تلك الصورة عينها، من مجد إلى مجد" (2 كو 3). وكذلك كُتب عن موسى أنه لمدة أربعين يوماً وأربعين ليلة "لم يأكل خبزاً ولم يشرب ماءً" (خر 24)، ولم يكن ممكناً بطبيعة جسده أن يعيش طول هذه المدة بدون طعام، إن لم يكن قد اشترك في نوع آخر من الطعام الروحاني، هذا الطعام هو الذي تشترك فيه نفوس القديسين منذ الآن بقوة الروح القدس بطريقة غير منظورة.
لذلك فإن موسى المبارك بيّن بطريقتين، ما هو مجد النور، وما هي أطعمة الروح اللذيذة غير المادية، التي سيحصل عليها المسيحيون الحقيقيون في القيامة، والتي تُمنح لهم منذ الآن بطريقة خفية. لذلك، عطايا الروح هذه سوف تغطي حينئذ أيضاً أجسادهم. لأن المجد الذي يحصل عليه القديسون الآن في نفوسهم، هو بعينه - كما قلنا سابقاً - سوف يغطي ويكسو أجسادهم العارية، ويختطفهم إلى السماء، فنستريح هناك مع الرب في ملكوته، جسداً ونفساً إلى الأبد.
حينما خلق الله آدم، لم يزوده بأجنحة جسدية مثل الطيور، ولكن قصد في الأصل أن تكون له أجنحة الروح القدس. تلك الأجنحة التي قصد أن يعطيها له في القيامة، لترفعه وتقوده إلى حيث يشاء الروح. والقديسين منذ الآن قد حُسبوا أهلاً لإقتناء هذه الأجنحة، لكي يطيروا بالذهن إلى المجال السماوي.
فالمسيحيين لهم عالم مختلف خاص بهم، ومائدة أخرى، وثوب آخر، ونوع آخر من التمتع والتنعم، وحديث مختلف، وطريقة أخرى للتفكير. ولهذا السبب، فإنهم أعلى من باقي البشر. إذ لهم الإمتياز أن يتمتعوا بهذه القوة في داخل نفوسهم منذ الآن بواسطة الروح القدس. لذلك فإن أجسادهم تُحسب أهلاً في القيامة للإشتراك في خيرات الروح الأبدية هذه، وسوف تختلط بذلك المجد الذي قد عرفته نفوسهم بالإختبار في هذه الحياة.
لذلك، يجب على كل واحد منا، أن يجتهد ويسعى ويجدّ في كل فضيلة، وأن يؤمن، ويطلب من الرب لكي يجعل الإنسان الباطن شريكاً في ذلك المجد هنا منذ الان، وأن تصير للنفس شركة في قداسة الروح، لكي ما نتطهر من أدناس الشر، وليكون لنا في القيامة ما نكسو به عري أجسادنا عند قيامتها، وما نغطي به عيوبها، وما يحييها وينعشها إلى الأبد في ملكوت السموات، لأن المسيح سوف ينزل من السماء، ويقيم نسل آدم كله الذين رقدوا من بدء العالم، حسب الكتب المقدسة وسيقسمهم جميعاً إلى قسمين، فاولئك الذين يحملون علامته أي ختم الروح، سيدعوهم إليه باعتبارهم خاصته، وسيقيمهم عن يمينه، كما يقول: "لأن خرافي تسمع صوتي .. وأنا أعرف خاصتي وخاصتي تعرفني" (يو 10). وحينئذ تلتحف أجساد هؤلاء بالمجد الإلهي بسبب أعمالهم الصالحة، ويمتلئون من مجد الروح، وهكذا نتمجد في النور الإلهي ونُختطف إلى السماء لنلاقي الرب في الهواء - حسب المكتوب (1 تس 4) - ونكون كل حين مع الرب، ونملك معه إلى أبد الآبدين آمين.