عين الحسود
الكراهية والغضب والغيرة والحسد جميعها تؤدي بالإنسان إلى فعل الشر وهذا نتيجة لتراكم مشاعر سيئة مشتعلة مثل البركان في داخله تكون نتيجتها الوقوع في الخطيئة. كانت أول جريمة قتل في تاريخ البشرية قد حدثت نتيجة الحسد حيث قتل قايين أخاه هابيل. جميعنا نعرف إحداث هذه القصة في سفر التكوين عندما أقدم الأخوين على تقديم الذبيحة للرب، حيث قدم كل منهما ذبيحة من ما يملك، قدم قايين من ثمار الأرض وكان فلاح، أما هابيل فقدم من أبكار غنمه وكان راعي غنم. نظر الله الى ذبيحة هابيل وأما إلى ذبيحة قايين فلم ينظر!! وهنا توقفت عن القرائه وبدأت أتأمل في كلمة "لم ينظر" أي لم يقبلها، رفضها والسؤال الذي خطر في ذهني عندها، لماذا الله رفض تقدمة قايين؟ لماذا ميّز بين الاخوة؟ هل الله يميز شخصًا عن آخر؟! كان الجواب سريعًا وبسيطًا جدا، الله لا يفرق بين احد ولكن "لأنه ليس كما ينظر الإنسان، لان الإنسان ينظر إلى العينين وأما الرب فانه ينظر الى القلب". قايين لم يختر ذبيحته بعناية واهتمام بل جمع محصول الأرض وقدمه للرب، أما هابيل فنقرأ انه اختار أبكار غنمه وأسمنها أي انه قام بانتقاء ذبيحته بعناية واهتمام ليرضي الله. الله لا يرضيه أن يكون مجرد تحصيل حاصل في حياتك وان تكون خلوتك معه والصلاة إليه مجرد روتين تقوم بفعله.
الله لا يمكن أن تستخف به لأنه يعلم ما تفكر به، ولأنه يحبك يقول لك " أعطني يا ابني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي". لهذا السبب رفض ذبيحة قايين لأنه لم يجئ إلى الرب بقلب متواضع بل جاء بقلب متكبر جاء معتمدا على أعمال يديه. قدم محصولاً من منتجات الأرض بالرغم من علمه بقصة والديه وكيف الله لعن الأرض بسبب السقوط في الخطيئة " ملعونة الأرض بسببك... وشوكا وحسكا تنبت لك"، أما هابيل فبالإيمان قدم ذبيحته.
بالرغم من ان الاثنين علما بقصة والديهما آدم وحواء " السقوط في الخطيئة" وكيف أن الله قام بتقديم أول ذبيحة بان أعطاهما أقمصة من جلد ليسترا عريهما إلا انه لم يؤمن بهذا العمل، واعتمد على نفسه لينال رضى الله فصُدم من رفض الله لذبيحته فانتابه شعور بالفشل والإحباط والحزن بالإضافة إلى شعور الغيرة والحسد والغيظ الذي تملكه تجاه أخاه بسبب قبول الله لذبيحته. أما هابيل فلقد فهم قصد الله فنقرأ.. "بالأيمان قدم هابيل ذبيحته فحسب له برًا". الله يريد أن نتكل عليه، أن نؤمن به، أن نأتي اليه بقلب متواضع، وهذا ما نقراه في العهد الجديد في رسالة افسس: "لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله ليس من أعمال كي لا يفتخر احد". الأعمال الصالحة ليست الطريق التي تقربك من الله وتمحو خطاياك بل ايمانك به وسلوكك بالايمان يقربك اليه، لأَنَّكَ لاَ تُسَرُّ بِذَبِيحَةٍ وَإِلاَّ فَكُنْتُ أُقَدِّمُهَا. بِمُحْرَقَةٍ لاَ تَرْضَى. ذَبَائِحُ اللهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ. الْقَلْبُ الْمُنْكَسِرُ وَالْمُنْسَحِقُ يَا اَللهُ لاَ تَحْتَقِرُهُ.
ولان الله اله محب ورحيم و يعلم ما في القلوب لم يترك قايين بل اخذ يتحاور معه كأب حنون يخاطب ابنه وينبهه من خطر يكمن له فيسأله عن سبب غيظه؟ وعبوسة وجهه؟ نحن نعلم أن لا شيء يخفى عن الله لكنه يريد أن يلفت انتباهه بأنه وقع في خطيئة الغيرة والحسد، ويرشده أن يحلل المشكله ويواجه نفسه ويستنتج أسباب رفض الله لذبيحته ويدرك انه هو المسؤول عن رفض الله لتقدماته. وان استمر في غيظه فانه يغذيها بفكره أكثر وأكثر لتصبح أعظم.
الله محبه، بالرغم من الخطيئة إلا أن الله يعطي الشفاء ويرشدك إلى طريق السلام والفرح، فنجد الرب يرشد قايين إلى الطريق الذي يجب ان يسلكه فيقول له: "إن أحسنت أفلا رفع؟" أي إن أحسنت التعامل مع الخطيئه الأولى بمعرفة أسبابها، وبالتوبة والرجوع إلى الله، وإن أحسنت سلوكك وتصرفاتك بأن تطلب من الرب أن يغير حياتك، بدلاً من الشعور بالغيظ والحقد والكراهية نحو أخيك والتخطيط لقتله، "أفلا رفع" بمعنى انك ستجد الباب مفتوح لاستقبالك ولمحو خطاياك وطرحها في بحر النسيان. ويواصل الرب حديثه مع قايين قائلاً: "وإن لم تحسن فعند الباب خطية رابضة وإليك اشتياقها". فالخطية تجر في أذيالها خطايا أخرى أشد وأصعب. لذلك إن لم تندم وتطلب غفران الله ونعمته فعند خروجك من البيت "خطية رابضة وإليك اشتياقها". وهنا يشبه الخطية بالوحش المفترس المهيأ للانطلاق الذي سيفتك به، ويهدم حياته، وهذا ما يحذرنا منه بطرس الرسول "اصحوا واسـهروا لأن إبليـس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يـبتلعه هو".
"وإليك اشتياقها" أي أن هذه الخطية التي تنتظرك عند الباب تتشوق وتتلهف إليك لتنفيذ مخططك وبسرعة. ويكمل الرب قائلاً: "وأنت تسود عليها"، أي أن هذه الخطية التي تنتظرك، أو هذا الشر الكامن في صدرك، تستطيع الانتصار عليه، إن طلبت العون من الله، إن استندت على رحمته ونعمته. أراد الله أن يحُضره للتوبه لكنه للأسف لم يتجاوب مع الله واستسلم لغيظه وانجذب للخطيئة وقتل أخاه. والنتيجة كانت النفي بعيدًا عن مكان الحصول على بركات الله.
الله في محبته يُبكِّتنا على الخطيئة، لكي نتوب عنها، وطوبى لمن يسمع لصوته. وفي نعمته يقدم لنا طريق الشفاء من الخطية. إن الرب يعطينا كل مؤهلات الانتصار على الخطية، فقط علينا أن تتمسك به، وتجعل أعينا عليه على الدوام.
في الختام أود أن أذكر لكم مثلاً شعبيًا كثيرا ما كنت اسمعه واسخر منه بسبب جهلي لمعناه الحقيقي وكنت أظن انه دلاله على ضعف الشخص وعدم قدرته للدفاع عن نفسه ولكن مع الوقت ومسيرتي مع الرب فهمت المغزى من ورائه، والمثل يقول :" الأرض الواطية تشرب ميتها (مائها) ومية غيرها"، حتى لو أن الآخر يعاملك بطريقة مستفزة ليُخرج اسوأ ما عندك قابله أنت بالمحبة والحكمة، ربما لا تنجح في تغييره لكن من المؤكد انك ستترك أثرا في داخله وهذا يعني أنك لم تستجب لدافع الشر، جميعنا يحمل في داخله الخير والشر ولكن القرار لك لمن ستسمح أن يغلب على حياتك وسلوكك.
جميعنا نعيش في عالم يسوده الشر والحقد والغيرة ولكن دعونا نتمسك بصفات يسوع الرائعة، كالوداعة واللطف، لكي تظهر فينا ثمار الروح القدس ثمار المحبة لنكون "عدوى" للآخرين يتقبلوها بفرح ويسعدوا بها لنعيش عندها بسلام، كلام جميل، أعلم ذلك ولكنه ليس صعب، بقدراتك أنت لن تستطيع أن تحققه لكن بمعونة الرب وشوق قلبك سيتحقق. واجعل هذه الآيه امام عينيك دائما لتبعد عنك الغضب،"اغضبوا ولا تخطئوا. لا تغرب الشمس على غيظكم. ولا تُعطوا إبليس مكانًا" آمين.