مُعضلة الألم (2) أبعاد الألم على الإنسان ؟
قبل أن نجيب على الأسئلة: ما هو موقف الله من الألم؟ وماذا عمل الله لحل مُعضلة الألم؟ يجب أن نعرف بالتحديد ما هو الألم، كما يصفه الوحي الإلهي المقدس. وسنبدأ في استعراض أبعاد الألم الذي دخل على حياة الإنسان، كنتيجة لقراره للخروج عن سيادة الله على حياته وعلى العالم. مما أدى إلى انفصال آدم عن الله من جهة روحه، نفسه وجسده. فالكتاب المقدس يعلمنا أن الإنسان هو روح ونفس وجسد (1 تسالونيكي 5: 23). إن سقوط آدم أدخل الآلام على روحه، نفسه وجسده؛ وستكون دراستنا بمعظمها عن هذا، من سفر التكوين والأصحاح الثالث؛ وهي كما يلي:
آلام الروح:
إن روح آدم وحواء بدأت تتألم من جراء قرارهما بالانفصال عن الله، ورأينا هذا في شعورهما بالعُري: " 7 فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ. فَخَاطَا أَوْرَاقَ تِينٍ وَصَنَعَا لأَنْفُسِهِمَا مَآزِرَ." إن العُري يرمز لخروج آدم وحواء من الغطاء الإلهي الذي يعطيهما الأمان؛ لأن آدم وحواء لم يكونا قد اختبرا بعد خروجهما من أحضان الله. فكانت نفسهما لا تعرف ماذا يعني عُري روحي؛ لأن الله كان ردائهما وغطائهما؛ وبدون الله عَرفا أنهما عريانان ومليئا بالشعور بالنقص وعدم الاكتفاء. كما قال المسيح لكنيسة اللاودكيين " 18 أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ... َثِيَاباً بِيضاً لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ" رؤيا 3. فالإنسان لو عمل كل ما باستطاعته ليشبع رغباته في هذا العالم كسليمان الملك، سوف لا يقدر أن يشعر بالفرح والشبع ويخرج من الألم والإحباط؛ لأن روحه مليئة بالشعور بالعُري والفراغ. وهذا الفراغ بالروح، لا يقدر أي شيء من العالم المادي أن يملأه، فاحتياج الروح هو الرجوع للراحة الإلهية التي في ذات الله.
آلام النفس:
الهرب والاختباء من الله: لأن آدم بعدما قرر أن يخرج الله من حياته، تعرى من الغطاء الإلهي. وهذا أهم مصدر للألم في حياة البشر، الذي يؤدي إلى الهروب من مواجهة الله (العدد 10)؛ فأصبح الله مصدر للانزعاج والخوف وعدم الراحة؛ بعدما كان مصدر الراحة والأمان لآدم وحواء.
الخوف: دخل على حياة البشر منذ تلك اللحظة، بكافة أنواعه؛ والخوف هو من أهم أساسات الألم في أنفس البشر. وأساس الخوف هو الخوف من الله؛ بقوله: " فَخَشِيتُ (أي خفت) لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ"؛ فعندما يكون الإنسان منفصل عن الله، يكون الله بالنسبة له كائن مرعب؛ مما يجعل كثيرين، إمَّا أن يبذلوا ما بوسعهم لكي يرضوه، كنتيجة لخوفهم ورعبهم منه؛ أو أن يقنعوا أنفسهم بأن الله غير موجود، لكي ينجوا من ذلك الرعب؛ وهذا يجعلهم في الحالتين بائسين وأشقياء. والأساس الآخر للخوف هو الخوف من الموت نفسه، الذي ساد على البشر (عبرانيين 2: 15).
قيود الخطية: بعد السقوط، أصبح البشر مقيدين من الخطية، ولا يقدروا أن يتحرروا منها، فيهربون من مواجهتها؛ مما يجعلهم ينكرونها أو يبررونها؛ هذا أيضًا من أشد العناصر ألمًا في حياة البشر. نرى هذا عندما واجه الله آدم بخطيَّته، قائلا: "11 .. «مَنْ أَعْلَمَكَ أَنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ لاَ تَأْكُلَ مِنْهَا؟" فحتى لم يستطع آدم أن يعترف بخطيته لله؛ وهذا رأيناه في قايين أيضًا، مما وضع البشر تحت عذاب الشعور بالذنب؛ كما صرخ قايين من الخطية متألمًا، وقال: "13 ... ذَنْبِي أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُحْتَمَلَ" تكوين 4.
تبرير الذات: وفيه وضع آدم نفسه تحت الضغط المستمر بأنه مُتَّهم (بسبب شعوره بذنب الخطية)، وأنه محتاج لأن يبرر نفسه باستمرار؛ كنوع من أنواع محاولاته الفاشلة لإيجاد حل للخطية. فلام آدم الله وحواء على خطيته؛ ولامت حواء الحية على خطيتها (تكوين 3: 12-13). ونرى أن وضع الملومة على الآخر، لم يساعدهما في أي شيء، وبالطبع لم يبررهما أمام الله.
عذاب الاختيار: بعدما سقط آدم في الخطية، وأسقط معه العالم الكامل الذي خلقه الله: "22 قَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: هُوَذَا الإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا عَارِفًا الْخَيْرَ وَالشَّرَّ. وَالآنَ لَعَلَّهُ يَمُدُّ يَدَهُ وَيَأْخُذُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ أَيْضًا وَيَأْكُلُ وَيَحْيَا إِلَى الأَبَدِ." وأيضًا قال إبليس للمرأة قبل إسقاطها: "5 بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ." تكوين 3. ونرى أيضًا أن الشجرة نفسها، سماها الله "شجرة معرفة الخير والشر" (تكوين 2: 9 و17).
إن شجرة معرفة الخير الشر، تمثل دخول آدم للحياة التي فيها وضع نفسه تحت ضغط وعذاب، يتمثل بضرورة الاختيار المستمر بين الخير والشر. فانفتح آدم لعالم لم يعرفه من قبل، وهو عالم الخطية. بعدما كان مستريحًا في عالم ليس فيه شر؛ عالم جميع خياراته، ما عدى الأخذ من شجرة معرفة الخير والشر، هي خير. وفي هذه النقطة، اصبح آدم كألله عارف عالم الخير والشر، لكن بخلاف الصورة المشوهه التي قدمها إبليس لحواء (وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ )؛ اصبح ليس عارفًا عالم الشر كألله الطاهر القدوس؛ بل أصبح منغمس فيه، مقيَّد منه، وواقع تحت حكم موته بسبب تلك الخطية.
عذاب إرضاء الله: فبعدما كان الله راض عن آدم وحواء تمامًا دون أن يفعلا أي شيء؛ أصبح الإنسان تحت ضغط نفسي مستمر، يجعله يحاول كل الوقت جاهدًا لكي يرضي الله. فعندما انفصل آدم عن الله، أصبح عنده إدراك مُعَمَّق أنه يحتاح أن يحل تلك المشكلة؛ فحاولا آدم وحواء أن يصنعا غطاء آخر عوضًا عن الغطاء الإلهي، لكي يرضوا الله؛ عندما خاطا من ورق التين ملابس ليغطيا عوراتهما: " 7 فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ. فَخَاطَا أَوْرَاقَ تِينٍ وَصَنَعَا لأَنْفُسِهِمَا مَآزِرَ." تكوين 3. طبعًا الله رفض حلَّهما، وقدم لهما حلاً منه يرضيه، وهو أنه ألبسهما أقمصة من جلد (تكون 3: 21). والكتاب يقول أن الله "صنع" لهما أقمصة من جلد وليس "خلق"؛ مما يفترض أن الله ذبح حيوانات، لكي يصنع لهما أقمصة من جلد. وهنا نرى أول ذبيحة، التي من خلالها يقدم الله بنفسه حلا لمشكلة خطية الإنسان. وهذا يُظهر لنا أن إرضاء الله يأتي فقط من خلال ذبيحة هو يقدمها لنا بنفسه؛ وهي إشارة إلى ذبيحة المسيح التي أعدها الله لخلاص البشر، من قبل تأسيس العالم (بطرس 1: 19-20).
آلام الجسد:
موت الجسد: على رأس ذلك الألم هو الموت الجسدي، وفقدان آدم لخلوده في الجنة؛ كما حكم عليه الله: "19 ... حتى تعود إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا (أي تموت جسديًا)" تكوين 3. وألم موت الجسد هو كبير، لذلك يشبهه الكتاب بعدو الموت (1 كورنثوس 15: 26).
المرض والضعف: إن الموت الجسدي الذي دخل على حياة آدم وحواء والذي جعلهما يسقطا من خلودهما؛ أدى إلى تقصير الله لعمر الإنسان بسبب الخطية (تكوين 6: 3). فجعل الجسد يهرم ويكبر، وأيضًا يمرض؛ مما أصبح من أبرز مصادر الآلام الجسدية بكافة أنواعها؛ والتي ممكن أن تأتي بالألم لنفس الإنسان أيضًا.
التعب لكي يعيش: كما أيضًا قال له الله: " 17 ... مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ... 19 بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزاً ..." تكوين 3. فأصبح آدم مضطر ليعمل ويتعب لكي يعيش؛ ولم تعد الأرض هي ذلك المكان المريح المليء بالنعيم؛ بل أصبحت مكان مليء بالأتعاب، كما قال الوحي عن حياة الأنسان: "10 ... وَأَفْخَرُهَا تَعَبٌ وَبَلِيَّةٌ، لأَنَّهَا تُقْرَضُ سَرِيعًا فَنَطِيرُ (أي نموت)" مزمور 90.