رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بطرس الغلاطي ووالدتي _ ثيودوريت القورشي القديس بطرس الغلاطي ووالدتي بقلم ثيودوريتوس القورشي (قرن 5) أننا نعرف بالسمع فقط الغاليين الأوربيين في الغرب. أما أحفادهم القاطنون في آسيا على شاطئ البنطس فنعرفهم معرفة تامّة. ومن هذا الفرع بالذات خرج بطرس المغبوط، بل المثلث الغبطة، بل الجزيل الغبطة. يُروى عنه أنه عاش السنوات السبع الأولى من حياته في بيت أهله. أمّا الباقي منها فقد قضاه كله في الجهاد النسكي. ويضيفون إلى ذلك أنه توفى في التاسعة والتسعين من حياته. وعليه فان هذا الرجل الذي أمضى اثنتين وتسعين سنة في الجهاد حيث سار في هذه المسيرة ليلاً ونهاراً منتقلاً من نصر إلى نصر، مَن هو الذي يستطيع أن يفيه حقه في المديح؟ أم أي لسان يمكنه أن يروي ما تكبّده من جهاد في طفولته وفتوّته وشبابه وكهولته وشيبته وشيخوخته وفي أقصى شيخوخته؟ ومن له أن يقدّر كميّة عرقه؟ ومن بوسعه أن يُعدّد الهجمات التي صدّها في كل هذه المدة؟ وأيُّ حديث يمكنه أن يُحصي البذار الذي ألقاه والأغمار التي حصدها؟ وأيُّ ذهن هو من السمو بحيث يمكنه أن يستوعب بدقة الغنى الذي جمعه في تجارته الجميلة هذه؟ انني ادرك مدى غور استحقاقاته. لذلك أخشى أن أغوص في تاريخ أريد أن أكتبه لئلا تغرق كلماتي فيه. وعليه فانني أكتفي بأن أتمشى على الشاطئ واصف من البحر ما أُشاهده عن قرب. وهذا يدهشني، تاركاً الأبعاد لفاحص الأعماق والعارف بالأشياء الخفية. وعليه فانه قد بدأ جهاده في غلاطية. ثم ذهب إلى فلسطين للاستطلاع فزار الأمكنة التي تمّت فيها الآلام الخلاصية وسجد للإله المخلص، لا اعتقاداً منه أنه محصور في مكانٍ، لأنه كان يؤمن بطبيعته غير المحصورة، بل ليغذّي عينيه بمشاهدة موضوع أشواقه، فلا يكون نظر النفس وحده دون النظر الحسي متمتعاً في الإيمان بالغذاء الروحي. لأن من الطبيعي أن المغرمين بشخصٍ ما لا يسعدون بالنظر إليه فحسب، بل يشعرون أيضاً بالسعادة لرؤيتهم بيته وألبسته وحتى حذاءه. وان الفتاة التي يتكلم عليها نشيد الأنشاد قد تملّك فيها هذا الحب نحو الحبيب فصارت تهتف صارخة بهذه التعابير "كالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبي بين البنين. تحت ظله اشتهيت أن أجلس وثمرته حلوة لحلقي" (نش 2). وعليه فان رجل الله هذا لم يأتِ شيئاً بعيداً عن الصواب لمّا شغف بحب عروسه فاستعمل تعابير العروس: "أني مريضة حباً" (نش 5). ولمّا كان يشتهي أن يُشاهد ولو خيال حبيبه، قصد الأمكنة المقدسة التي تتدفق منها ينابيع الخلاص لجميع البشر. وهكذا، بعد أن أشبع النفس من موضوع أشواقه، انتقل إلى انطاكية، فانه كان قد لاحظ أن حب الله منتشر في هذه المدينة، فآثر هذه المدينة الغريبة على وطنه، معتبراً أن مواطنيه ليسوا أبناء جنسه وعائلته، بل أولئك الذين يفكرون مثله والذين يشاركهم في الإيمان وهم على مثاله خاضعون لنير التقوى. ولمّا اعتنق هذه الطريقة في الحياة، لم ينصب حوله خيمة، ولم يقم له كوخاً ولم يبنِ صومعة، بل مكث كل أيامه في قبر لا يملكه. وكان لهذا القبر شبه عليّة وفسحة يصعد إليها بواسطة سلم لكي يستقبل فيها مَن كانوا يرغبون في زيارته. وكان يقضي معظم أوقاته محبوساً هناك حيث كان شرابه الماء البارد وطعامه الخبز لا غير. ولم يكن هذا في كل يوم، بل كان ينقطع يوماً عن الطعام ثم يتناوله في اليوم التالي. وإن قوماً قد أتوه يوماً بكاهن وثني غائب عن حواسه تماماً بفعل شيطان خبيث، فصلّى عليه وأنقذه من جنونه الشيطاني. ولمّا لم يرد أن ينصرف من عنده، بل صار يتوسل إليه أن يبقيه في خدمته لقاء شفائه إياه، اتخذه رفيقاً له. وقد عرفت أنا نفي هذا الرجل واذكر أيضاً كيف كان شفاؤه العجيب وكنت أراه كيف كان يقوم بوفائه عمّا ناله من الشفاء. وانني قد سمعت حديثاً جرى بينهما بشأني. ذلك أن دانيال - وهذا كان اسمه - قال مرة لرجل الله انني سأكون أنا أيضاً شريكاً له في خدمته الصالحة. لكن الرجل الملهم لم يوافق على كلامه بل أجابه ان ذلك لن يكون، بحجة أن أهلي كانوا متعلقين بي كثيراً. وهو مراتٍ كثيرة كان يجلسني على ركبتيه ويطعمني عنباً وخبزاً، لن والدتي التي كانت قد فازت ببركته الروحية كانت ترسلني إليه مرة في الأسبوع لأنال بركته. أمّا السبب في تعرّف والدتي عليه فهو هذا. كان قد أصاب إحدى عينيها وجع عجزت خبرة الأطباء عن إزالته. وبعد أن عملت على معالجة الداء بكل الوسائل القديمة منها والحديثة وبعد هذا الفشل السريع الذي يدّل على عدم فائدة أيّ علاجٍ، ذهبت لزيارة إحدى صديقاتها فدلّتها على رجل الله وعلى أعجوبة جرت على يده فقالت: ان امراة حاكم الشرق - الذي كان وقتئذ برغاموس - كانت قد أُصيبت بهذا الداء نفسه فشفاها هو بصلاته وبرسمه إشارة الصليب. وما أن سمعت والدتي هذا الكلام حتى أسرعت في الحال إلى رجل الله. وكانت تتحلّى بأقراط وعقود وحليّ أخرى من ذهب وبثوب من الحرير المزركش، وقد زينت وجهها بشتى المساحيق، لأنها لم تكن بعد قد ذاقت طعم فضيلة الكمال، بل كانت في زهوة عمرها تتحلّى كما تفعل الصبايا. فلمّا رآها هذا الرجل العجيب على حالتها المذكورة، بدأ أولاً بشفائها من انحرافها نحو الزينة فوجّه إليها الخطاب الاتي قائلاً: - وأنا هنا أنقل تعابيره نفسها دون أن أُغيّر شيئاً مما تلفظ به ذلك الفم المقدس - "قولي لي يا ابنتي، لو أن مصوّراً بارعاً جداً في التصوير رسم صورة ما كما تقتضيه شريعة هذا الفن وعَرضها على من يرغبون في رؤيتها، وأتاه رجل ليس على شيء من الدقة في هذا الفن وصار يغيّر على ذوقه، وبخفة في هذه الرسم، مدعياً أن في تلك اللوحة الرائعة عيباً، فيطوّل الحاجبين وأهداب العينين، ويزيد من البياض في الوجه ويكثر من الحمرة على الوجنتين. أفلا تعتقدين أن الفنان الأول يكون على حق في أن يغضب لرؤيته عمله مشوّهاً بتلك الإضافات الباطلة وبيَدٍ لا خبرة لها؟" ثم أضاف قائلاً: "وعليه، أفلا تعتقدين أن صانع الأشياء كلها وجابلها ومزيّنها من حقه أن يغضب عندما تحسبين فعل حكمته الخارقة ناقصاً؟ وإلا لما كنتِ قد استعملتِ هذه الألوان من أحمر وأبيض وأسود، لو لم تحسبي إضافتها تنقصك. وفي اعتبارك أنها تنقص لجسدك تنسبين العجز للخالق. مع أنه يتحتّم عليكِ أن تعرفي أن قدرته تُقاس بمشيئته، فان داود يقول: "كل ما شاء (إلهنا) صنع" (مز 113: 3). وهو المعطي الخير للجميع فلا يمنح شيئاً مضراً بأحد. وعليه فلا تُشوهي صورة الله ولا تحاولي أن تُضيفي إليها ما لم يشأ بحكمته أن يمنحك، لذلك باستعمالك هذا الجمال الباطل الذي من شأنه أن يَنصب الأشراك لناظريه حتى للنساء العفيفات" لقد أصغت هذه المرأة الفاضلة إلى كل هذا الكلام ثم ارتمت فوراً في شبكة بطرس، لأنه، على مثال سميّه، كان هو أيضاً صياداً. فأمسكت بقدميه وصارت تستنجد به وتسأله أن يُبرئ عينيها. أمّا هو فكان يقول لها انه إنسان من طبيعتها نفسها وأنه مثقَّل بالكثير من أنواع الخطايا مما يجعله عديم الدالة لدى الله. لكن والدتي كانت تواصل البكاء والتوسّل والإصرار على أنها لا تنصرف قبل أن تنال الشفاء. حينذاك قال لها: ليس من يشفي من هذه الأمراض إلاَّ الله وحده وهو يستجيبُلمن يلتمس ذلك منه بإيمان. وهو الآن مزمعُ أن يمنحك ما تسألينه، ليس ذلك اكراماً لي، بل مكافأة لايمانك وعليه فإذا كنت مخلصة في ايمانك وثابتة فيه دون تردّدن تخلي عن الأطباء وأدويتهم وتناولي هذا الدواي المعطي لكِ من الله". قال هذا ثم وضع يده على عينيها راسماً علامة الصليب الخلاصية فزال المرض. ولما عادت إلى بيتها غسلت ما كان عالقاً عليها من دهونات وخلعت عنها كل زينة غريبة وصارت تعيش بموجب ما فرضه عليها طبيبها الجديد. فلم تعد تلبس الثياب المزركشة ولا تتحلى بالذهب، رغم أنها كانت في زهوة صباها، في الثانية والعشرين من عمرها، ولم تكن حينئذ قد صارت أُمَّا، لأنها قد تمخضت بي بعد سبع سنوات، أنا ابنها البكر والوحيد. كان هذا ما استفادته من إرشادات بطرس العظيم. كانت قد توقّعت شفاء الجسد فنالت فضلاً عن ذلك شفاء النفس أيضاً. كان يقول فيفعل، يصلي فيقتدر وينجز. ومرة أخرى أتته والدتي برجل مهنته العمل على تهيئة الطعام، كان قد اعتراه مسُّ من شيطان خبيث، وصارت تتوسّل إليه أن ينقذه ممّا حلّ به. فما كان من رجل الله إلاَّ أن أخذ يصلي ثم طلب من الشيطان أن يقول لماذا قد استعمل نفوذه ضد خليقة الله هذه. وهو - وكأنه قاتل أو سارق ماثلُ لدى منبر العدالة وهو مضطرُّ أن يقرَّ بما فعل ويوضح كل شيء، مدفوعاً بعامل الخوف على أن يقول الحقيقة على غير عادته، فقال: "لقد جرى ذلك في هليوبوليس حيث كان سيّد هذا الخادم مريضاً - وكانت امرأته جالسة بالقرب منه تقوم بمعالجته. وكانت وصيفات سيدة المنزل الذي كنت أنا فيه يتحدثن عن سيرة رهبان انطاكية وعمّا كان لهم مقدرة على الشياطين. وكان من طبيعة تلك الفتيات أن ينتقل بهنَّ الحال إلى المزاح، فصرنَ يتظاهرن بمن قد أصابهن مسّ من الشيطان أو الجنون، فارتدى حينئذ هذا الخادم توب النساك وأخذ في التعزيم كما يفعل الرهبان المتوحدّون" ثم تابع الشيطان حديثه قائلاً: "وفي أثناء تلك الحفلة، كنت أنا واقفاً بالقرب من الباب، فلم أطق أن أسمع تلك المزايدات في الحديث عن النساك، فأردت أن أختبر بنفسي ما كنّ ينسبن إلى الرهبان من قدرة، لذلك تركتهن وشأنهن وسكنت في هذا الرجل لأرى كيف يُخرجني منه أولئك النساك". ثم أردف قائلاً: "أمّا الآن وقد عرفتُ ذلك فلست بحاجة إلى تجربة أخرى. وها أناذا أخرج منه للحال بأمرك". قال هذا وانصرف واسترد الخادم حريته. .... وفي الماضي وعلى أثر الأوجاع التي حلّت بوالدتي في أثناء ولادتها إياي، قد بلغت حتى أبواب الموت. وهو استجابة منه للجاجة مرضعتي أقبل إليها وانتشلها من أيدي المنون. ذلك أنها كانت، على ما يُروى، منطرحة وقد تخلّى عنها الأطباء. وكان الحاضرون ينوحون متوقعين وفاتها. وكانت عيناها مغمضتين، متأثرة بحمى قوية لا تستطيع معها أن تعرف المحيطين بها. فلمّا أقبل الرجل الذي استحق أن يَحظى باسم الرسول بطرس ونعمته وقال لها: "السلام لكِ يا ابنتي". يقال أنها فتحت عينيها للحال وحدَّقت فيه والتمست ثمرة بركته. فحينئذ ارتفع النحيب في جوقة النساء اللواتي كان يحدوهنَّ اليأس والرجاء معاً وأخذ صراخهن في الازدياد. عندئذ دعاهنَّ رجل الله كلهنّ إلى ضمّ صلاتهن إلى صلاته وقال: "هكذا نالت طابيثا خلاصها، فيما كانت الأرامل يبكين ويرفع بطرس دموعهن إلى الله" (أع 9). وعليه فقد صلَّين كما أوعز إليهن أن يفعلن واستجيبت صلاتهن. وهكذا ما انتهين من الصلاة حتى بلغ المرض نهايته. فصارت والدتي تعرقُ وصار العرق يسيل من جسمها كله وزالت الحمى وبدت عليها بشائر الشفاء. تلك هي العجائب التي لا يزال يُجريها الرب بصلوات خدامه. وان ثياب هذا الرجل القديس التي لامست جسمهكان لها من القوة ما كان لثياب القديس بولس (أع 9). وأنا لا أبالغ البتة في قولي هذا. ولديَّ البرهان على صدقه: كان لرجل الله زنار منسوج من كتان، طويل وعريض. فقَسمه إلى قسمين أحاط حقويه بالقسم الواحد منه وزنَّرني أنا بالنصف الثاني. فصرت كل مرة أُصاب بمرض ما تضعه والدتي وتفعل كذلك بالنسبة لوالدين فيزول المرض. وقد استعملته والدتي لشفائها هي أيضاً. وكان كذلك الكثيرون من أصدقائنا العارفون بالأمر قد تعوّدوا أن يأخذوا الزنار لشفاء أمراضهم. وهكذا كانت تظهر في كل مكان قوة النعمة التي كانت لهذا الرجل. وحصل أن واحداً ممن كانت والدتي أعارتهم إياه احتفظ به فكان بذلك ناكراً لجميل من أحسنت إليه. وهكذا قد فقدنا الهدية. وهكذا بعد أن سطع نوره وأضاء أنطاكية بأشعته، غادر المعركة لينال الإكليل المُعدّ للظافرين. وأمّا أنا وقد حظيت ببركته في حياته، فأطلب التنعم بها الان أيضاً. وبذلك أُنهي الحديث. |
06 - 01 - 2015, 12:30 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: بطرس الغلاطي ووالدتي _ ثيودوريت القورشي
مشاركة جميلة جدا ربنا يبارك حياتك |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
إيقونة مرقياوس القورشي |
القديس رومانوس الغلاطي |
صورة القديس يعقوب القورشي |
باسم يوسف والدى ووالدتى توفاهما الله دون أن تمتهن كرامتهم |
منى عبد الناصر: جدى لم يكن شيعياً ووالدتى كانت تتبع المذهب الحنفى |