يقول البعض أنه لا توجد عقوبة في المسيحية ، علي اعتبار أنه عصر النعمة وأن وجدت عقوبة تكون في السماء وليس علي الأرض . فهل هذا صحيح ؟ وهل العقوبة تتنافي مع النعمة ومع محبة الله المعلنة علي الصليب ؟
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++ +++++++++++++++
النعمة لا يمكن أن تتعارض مع العدل الإلهي ، فنعمة الله لا تكون علي حساب عدله ، ولا تنقص منه !
ونحن لا نستطيع أن نصور الله محباً في العهد الجديد ومنتقماً في العهد القديم . فالله هو هو ، أمس و اليوم وإلي الأبد … في العهد القديم كان محباً ، وكان يعاقب علي الخطأ ، وفي العهد الجديد هو محب ، ويعاقب … الله الذي كان يعاقب في العهد القديم ، قال عنه داود النبي " لم يصنع معنا حسب خطايانا ، ولم يجازنا حسب آثامنا . لأنه مثل ارتفاع السماوات فوق الأرض قويت رحمته علي خائفيه . كبعد المغرب عن المشرق ، أبعد عنا معاصينا "( مز 103) .
وفي العهد الجديد كنت محبة الله المعلنة علي الصليب ، ممتزجة تماماً بعد له " الرحمة والحق تلاقيا "( مز 86) .
وظهر عدل الله ، وظهرت عقوبته في العهد الجديد في أمثلة كثيرة ، في الكتاب المقدس وفي التاريخ .
ولعل من أبرز الأمثلة علي العقوبة قصة حنانيا وسفيرا .
لقد نالا عقوبة من الله علي فم بطرس الرسول ، فسقط حنانيا ميتاً ، لنه كذب علي الروح القدس . ولما اشتركت زوجته سفيرا في الكذب ، قال لها القديس بطرس الرسول " هوذا أرجل الذين دفنوا رجلك علي الباب وسيحملونك خارجاً "( أع 5: 9) " فوقعت في الحال عند رجلية وماتت " وصار خوف عظيم علي جميع الذين سمعوا بذلك " …
عقوبة حنانيا وسفيرا كانت علي الأرض . ولم تقتصر علي عقوبة السماء .
وهكذا صارت عقوبة عليم الساحر . هذا قاوم برنابا وشاول فامتلأ شاول من الروح القدس وقال له :" يا عدو كل بر … هوذا يد الرب عليك ، فتكون أعمي لا تبصر الشمس إلي حين ففي ، الحال سقط عليه ضباب وظلمة ، فجعل يدور ملتمساً من يقوده بيده "( أع 13: 8: 11) .
ومن العقوبات التي اشتهرت في المسيحية ، عقوبة العزل .
ففي الحديث عن خاطئ مورنثوس ، وبخ الرسول الشعب علي عدم معاقبته وقال لهم " لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا "( 1كو 5:11) وقال لهم أيضاً " اعزلوا الخبيث من وسطكم " ( 1كو 15: 13) . وعقوبة العزل هذه ، تحدث عنها القديس يوحنا الرسول ، اكثر الرسل حديثاً عن المحبة فقال " إن كان احد يأتيكم ، ولا يجئ بهذا التعليم ، فلا تقبلوه في البيت ، ولا تقولوا سلام ، لأن من يسلم عليه يشترك في اعماله الشريرة "( 3يو 10: 11) .
ومن اصعب عقوبات العهد الجديد ، عقوبة خاطئ كورنثوس :
إذ قال القديس بولس الرسول " فإني أنا … قد حكمت … ان يسلم مثل هذ1 للشيطان ، لهلاك الجسد ، لكي تخلص الروح في يوم الرب "( 1كو 5:5) . فهنا عقوبة ، تتم علي الأرض …
ومن العقوبات المشهورة في المسيحية ، العقوبة التي عاقب الله بها هيرودس الملك علي كبريائه . فإنه لما قبل أن يقول له الشعب : هذا صوت إله صوت إنسان " في الحال ضربه ملاك الرب ، لأنه لم يعط المجد لله .فصار يأكله الدود ومات "( أع 12: 22، 23) .
وهناك عقوبات كثيرة شرحها سفر الرؤيا …
ومن امثلة ذلك العقوبات التي تصيب الأرض ، حينما يبوق الملائكة السبعة بأبواقهم . وقد قيل بعد بوق الملاك الرابع " ثم نظرت وسمعت ملاكاً في وسط السماء ، قائلاً بصوت عظيم " ويل ويل ويل للساكنين علي الأرض ، من أجل بقية أصوات الثلاثة ملائكة المزمعين أن يبقوا "( اع 8: 13) . وما أكثر العقوبات في هذا السفر …
والعقوبة ذكرها السيد المسيح من أول عظته علي الجبل :
فقال " واما أنا فأقول لكم إن كل من يغضب علي أخيه باطلاً ، يكون مستوجب الحكم . ومن قال لأخية رقاً ، يكون مستوجب المجمع "( متي 5: 22) . فهنا عقوبة وعقوبة علي الأرض ، غير عقوبة " ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم ".
ومن العقوبات أيضاً أناثيما ، أو الحرام .
وكما قتال برلس الرسول : لكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء يبشركم بشرناكم به ، فليكن أناثيما . كما سبقنا فقلنا أقول الآن أيضا : أن كان احد يبشركم بغير ما قبلتم اناثيما "( غل 1: 8،9 ) .
نحب أياً أن نقول ن العقوبة دليل علي المحبة .
فالكتاب يقول " الذي يحبه الرب يؤدبه " ( عب 12: 6) . فالعقوبة إذن لا تتعارض مع المحبة . ولا تتناقض مع عمل النعمة وكثيراً ما كانت العقوبة سبباً لاستيقاظ النفس وحفظ أبديتها . وهذه هي المحبة الحقيقية ، وربما إذا ترك الخاطئ علي الأرض بدون محبة ، يصل إلي الاستهتار واللامبالاة ، وبهذا تهلك نفسه ولا يتق هذا مع محبة الله للخطاة …
وقوانين الكنيسة حافلة بعقوبات للخطاة …
وهذه القوانين وضعها بروح الله : الآباء الرسل ، والمجامع المقدسة ، وكبار الآباء القديسين ، وتشمل الكثير من العقوبات ، وأي أرثوذكسي تدخل هذه القاعدة في عقيدته . وهي لا تختلف أبداً عن روح الكتاب كما ذكرنا .
ومن العقوبات المعروفة التوبيخ ، وهو أقل العقوبات .
وقد قال الرسول لتلميذه تيطس ( عظ ووبخ بكل سلطان "( تي 2: 15) بل قال أيضاً " وبخهم أمام الجميع ، لكي يكون عند الباقين خوف " ( 1 تي 5 : 20) . أما الذي يكره هذه العقوبة ، فيقول عنه الكتاب " وبخ حكيماً . وبخ جاهلاً يكرهك "( ام 9: 8) .
إن عمل النعمة ليس هو التدليل ، إنما هو التقديم و التهذيب ، وقيادة النفس إلي محبة الله …
وفي ذلك تنفع العقوبة ، بينما التدليل قد يفسد النفس . ومحبة الرب التي ظهرت علي الصليب ، تقودنا إلي الصليب أيضاً .