الفارس العالي الهمة
قارب فرنسيس العشرين من العمر، وهو عامر بالأحلام والآمال، ولا يجد السرور والحماس إلا بالتهالك على ما يتعب ويرهق، فبات يضطرم شوقاً إلى أن يحيا ويحارب في سبيل الوطن.
وإذا بالحرب تنشب بين أسيزي وبروجيا، فكان ذلك مناسبة جديرة بميول فرنسيس، دفعته إلى أن يكون في عداد الفرسان المتسلحين، وهو يطفح اعتزازاً وجرأة وشباباً.
اشتدّت محاصرة المتحاربين، وتأججت المعركة، وأثخنت الخيول وراكبوها جراحاً، فوقع فرنسيس أسيراً بعد أن كان في طليعة القوم، وأكره على أن يمر تحت قوس أغسطس اذلالاّ. لكنه ظل قرير العين بشوشاً في أسره، بالرغم من ضيقه، يحاول أن يشدد عزيمة رفاقه.
وإن اكفهر الجو، ازداد هو بأساً، وعكف على الغناء منشداً: "ينتظرني مستقبل باهر: فالعالم سوف يكرّمني عظيم التكريم". أما رفاقه فكانوا يجيبون: "حقاً ! إنك لمجنون!" كلا ! إنه لم يكن مجنوناً، وإنما كان الاطمئنان يسوده ويثير خياله.
ولما إن عاد من السجن، ابتلاه المرض، فكان ذلك أول آثار النعمة، التي جعلت تجرد قلبه مما ألفه من أفراح الدنيا.