رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أهمية التربية - Gravissimum educationis بيان في "التربية المسيحية" من الأسقف بولس، خادم خدّام الله، مع آباء المجمع المقدس، للذكرى الخالدة. مقدمة إن ما للتربية من أهمية خطيرة في حياة الإنسان، وتأثيرها المتزايد دوماً في تقدم المجتمع المعاصر، إنما هو موضوع ينظر المجمع المسكوني المقدس إليه بجدية وإهتمام (1). وفي الحقيقة، إن أوضاع الوجود اليوم تجعل من تثقيف الشباب، ومن تربية البالغين المستمرة مهمة أكثر سهولة، وأشد الحاحاً على السواء. فالبشر، وقد أصبحوا أشد وعياً لكرامتهم ومسؤوليتهم يتمنون أن يشتركوا بفاعلية أكثر، وكل يوم، في الحياة الإجتماعية، وخاصة في الحياة الإقتصادية والسياسية (2). وإذ يمكنهم تقدم التقنية والبحث العلمي العجيب، ووسائل الإعلام الإجتماعي الجديدة على التنعم بأساليب التسلية المتزايدة، تجعلهم بالوقت عينه يبلغون بسهولة زائدة الى إرث البشرية الثقافي والروحي، ويغنون بعضهم البعض بواسطة العلاقات الوثيقة التي تربط بين الجماعات وبين الشعوب بالذات. إن الجهود تبذل في العالم أجمع، لتشجيع التربية أكثر فأكثر. فالحقوق الأولية للإنسان في التربية، لا سيما تلك التي للأولاد والآباء، إنما هي حقوق معترف بها وتذكرها المستندات الرسمية (3). وتجاه تزايد عدد التلامذة السريع، تتزايد المدارس في كل الجهات، وتتقن في كل ناحية، وتنشأ مؤسسات تربوية أخرى، وتطور إختبارات جديدة أساليب التربية والتعليم. وإن جهوداً نفسية تبذل لتوفر هذه الخيور لكل الناس، مع أن عدداً كبيراً من الأولاد والشباب لا يتلقى بعد حتى ولا تعليماً أبتدائياً، مع أن غيرهم كثيرين لا يزالون محرومين من التربية الصحيحة التي تنمي الحقيقة والمحبة معاً. لهذا على أمنا الكنيسة المقدسة، كي تؤدي الرسالة التي أوكل الرب، مؤسسها، أمرها إليها، وهي أن تحمل الى كل الناس بشارة سر الخلاص، وأن تبني كل شيء في المسيح، أن تهتم بحياة الإنسان بكاملها حتى حياته الدنيوية، على قدر ما هي مرتبطة بدعوته الفائقة الطبيعة (4). إذاً على الكنيسة أن تلعب دوراً في تقدم التربية وتطورها. لهذا يعلن المجمع المقدس المبادىء الأساسية للتربية المسيحية، لا سيما تلك التي تتعلق بالحياة المدرسية. وستغنى لجنة خاصة بنشرها بالتفصيل بعد إنتهاء المجمع. وعلى المجامع الأسقفية أن تضعها موضع التطبيق آخذة بعين الإعتبار الظروف المحلية. حقّ كل إنسان في التربية 1- لجميع الناس، دون أي إعتبار للجنس، والعمر والحال، بما أنهم ينعمون بكرامة الإنسان الشخصية، حق لا ينقض في التربية (5) تتجاوب مع دعوتهم الخاصة (6)، وتوافق طبعهم، وإختلاف أجناسهم، وثقافتهم، وتقاليدهم العريقة، وتنفتح بالوقت نفسه على تبادل أخوي بينهم وبين سائر الشعوب لدعم الوحدة الحقة والسلام في العالم. فالغاية التي تتوخاها التربية الحقة، هي تربية الشخص الإنساني تربية تتجاوب وغايته الأخيرة وخير الجماعات التي هو عضو منها، ويبذل النشاط في سبيلها وقد غدا راشداً. ومن الواجب، أخذاً بعين الإعتبار تطور العلوم النفسية، والتربوية، والتعليمية، مساعدة الأولاد والشبان على أن يطوروا بتناغم مؤهلاتهم الجسدية والدبية والعلمية، وأن يكتسبوا تدريجياً، تحسساً أشد إرهافاً لمسؤولياتهم في إنماء حياتهم الشخصية بالجهد المتواصل المستقيم، وفي السعي وراء حرية صحيحة بتذليلهم بشجاعة متواصلة كل الصعوبات، وأن ينعموا بتربية جنسية إيجابية، فطنة تساير تقدمهم في السن. علاوة على ذلك، ليتنشأوا على المساهمة في حياة المجتمع كي يتداخلوا كما يليق، بعد أن يكونوا قد تدربوا على تقنيات راهنة وضرورية، فيصبحون جديرين أن يندمجوا إندماجاً نشطاً في الجماعات التي تؤلف المجتمع الإنساني، وينفتحون على الحوار مع الغير، ويسهمون من كل قلبهم في تحقيق الخير العام. ويعلن المجمع المقدس أيضاً، أن من حق الأولاد والشبان، أن يحثوا على أن يصدروا باستقامة الضمير حكماً يقدرون فيه القيم حق قدرها، وأن يدينوا بها في سلوكهم الشخصي؛ لا سيما عليهم أن يتعمقوا تعمقاً مضطرداً في معرفة الله ومحبته. ولهذا يلح المجمع أيضاً على جميع الحكام أو الذين يشرفون على شؤون التربية، أن يحذروا ألا يحرموا الشبيبة أبدأ هذا الحق المقدس، ويخص أبناء الكنيسة أن يعملوا بكل سخاء في حقل التربية الشامل، وذلك بغية أن تعم، بسرعة محاسن تربية وثقافة لائقة، جميع الناس في العالم أجمع (7). التربية المسيحية 2- للمسيحيين حق تربية مسيحية وقد غدوا خلائق جديدة بعد أن ولدوا من الماء والروح القدس (8)، فدعوا بالتالي أبناء الله، وأنهم لكذلك في الحقيقة. ولا ترمي هذه التربية أن تؤمن للشخص الإنساني النضوج الذي وصفنا فيما سبق وحسب، بل ترمي خاصة كي يغدو المعمدون في بادىء الأمر وفي كل يوم، وقد دخلوا خطوةً خطوةً الى معرفة سر الخلاص، أشد وعياً لهبة الإيمان التي أقتبلوها. وليتعلموا أن يعبدوا الله الآب بالروح والحق، في العمل الطقسي أولاً فيتحولون بنوع أنهم يقودون حياتهم الشخصية وفقاً للإنسان الجديد في البر والقداسة الحقيقية، وينتهوا هكذا الى حالة الإنسان البالغ، الى ملء إكتمال المسيح مساهمين في نمو الجسد السري. علاوة على ذلك، فليتعود المسيحيون، وقد أصبحوا واعين لدعوتهم، أن يشهدوا للرجاء الذي فيهم، ويساعدوا على تحويل مسيحي للعالم، به تسهم القيم الطبيعية في خير المجتمع (9) بكامله، وقد أخذت وأدمجت في نظرة شاملة للإنسان الذي إفتداه المسيح. لهذا يذكر المجمع المقدس رعاة النفوس بواجبهم الخطير وهو ألا يألوا جهداً في العمل، كي يفيد كل المؤمنين من هذه التربية المسيحية، وخاصة الشبان الذين هم أمل الكنيسة (10). المسؤولون عن التربية 3- يعتبر الوالدون المربين الأولين لأبنائهم وأهمهم، وعليهم يقع الألزام الخطير في تربيتهم لأنهم هم الذين أعطوهم الحياة (11). وهذا الدور التربوي هو من الأهمية بمكان، حتى إذا ما ضلوا فيه، صعب جداً أن يعوض. وعلى الوالدين أن يخلقوا جواً عائلياً تُحييه المحبة والإحترام لله وللبشر، جواً يساعد على تربية أبنائهم الكاملة، الشخصية والإجتماعية. فالعيلة اذاً هي المدرسة الأولى للفضائل الاجتماعية التي لا غنى عنها لأي مجتمع. وبنوع اخص في العائلة المسيحية الغنية بنعمة سر الزواج ومتطلباته، يجب أن يتلقن الأولاد منذ نعومة أظفارهم، تمشياً مع الايمان الذي اقتبلوه بالعماد، على أن يمجدوا الله ويكرموه وأن يحبوا القريب. هناك يختبرون لأول مرة الكنيسة والمجتمع الانساني الصحيح. وأخيراً يدخلون رويداً رويداً بواسطة العائلة في الجماعة البشرية وفي شعب الله (12). ليقدّر الأهلون اذاً اهمية العائلة المسيحية الحقّة في حياة شعب الله وتقدمه بالذات. واجب التربية العائد بالدرجة الأولى للعيلة، يتطلب مساعدة المجتمع كلّه. فعلاوة على حقوق الأهلين وسائر المربين الذين اليهم يوكل الأهلون جزءاً من دورهم التربوي، على المجتمع المدني مسؤوليات وحقوق معيّنة في تنظيم ما هو ضروري للخير العام الزمني. من واجباته أن يحث على تربية الشبيبة بأساليب عديدة، فيضمن واجبات الأهلين وحقوق سائر الاشخاص الذين يمثلون دوراً في التربية، ويوفر لهم مساعدته في هذا الصدد. ويعود للمجتمع المدني، وفقاً لمبدأ الاستطراد، ان يكمّل عمل التربية حيث يقصّر الأهلون، وحيث تنقص مبادرات المؤسسات الاخرى مراعياً في ذلك رغبات الأهلين. علاوة على ذلك، على المجتمع المدني أن يؤسس المدارس والمعاهد التربوية الخاصة على قدر ما يقتضيه الخير العام (13). وأخيراً تتعلق المهمات التربوية بالكنيسة بصفة خاصة. يجب الاعتراف لها بأهليتها في حقل التربية، لا من حيث انها مجتمع بشري فحسب، بل بنوع خاص لأن عليها تقع مهمة تبشير الناس طريق الخلاص، واعطاء المؤمنين حياة المسيح، ومساعدتهم بعناية متواصلة الى بلوغ الانفتاح الكلي على حياة المسيح هذه (14). فالكنيسة ملزمة اذاً بأن تؤمن، كأم لأولادها، التربية التي تنفح حياتهم كلها بروح المسيح. وفي الوقت عينه، تقدّم نفسها للعمل مع كلّ الناس، لتدفع الشخص البشري نحو ملء كماله، وتؤمن خير المجتمع الدنيوي وبنيان عالم دوماً اكثر انسانية (15). الوسائل المتنوعة في خدمة التربية المسيحي 4- ان ما يشغل الكنيسة، كي تكمل رسالتها التربوية، هو ان تستخدم كل الوسائل الصالحة ولا سيما تلك التي تلائمها. واولادها التنشئة الدينية (16) التي تنير الايمان وتقوّيه، وتغذي الحياة حسب روح المسيح، وتقود الى الاشتراك الفعّال والواعي في الأسرار الطقسية (17)، وتحث على العمل الرسولي. انما تعير الكنيسة أهمية قصوى للوسائل التربوية الأخرى، التي تنتمي الى تراث الانسانية المشترك، ولها الشأن العالي في تهذيب النفوس وتثقيف الناس؛ وانها تجهد ذاتها كي تروحنها بروحها وترفعها الى مستوى أعلى، لا سيما وسائل الاعلام الاجتماعية (18). والمنظمات العديدة التي تصبو أن تنمي الجسد والروح، وحركات الشبيبة وخاصة المدارس. أهمية المدرسة 5- تتقلّد المدرسة أهمية خاصة (19) بين كل وسائل التربية. وبقوة رسالتها، انها تنمي القوى العقلية نمواً مضطرداً، وتمكّن من اعطاء الحكم الصائب، وتدخل الى التراث الثقافي الموروث عن الأجيال الماضية، وتشجّع معنى القيم، وتعدّ للحياة المهنية، فتخلق بين الطلاب، وقد اختلفت أخلاقهم وتباين اصلهم الاجتماعي، روحاً من الصداقة تساعد على التفاهم المتبادل. زد على ذلك، انها تؤلّف مركزاً فيه يلتقي العائلات، والمعلمون، والجماعات المختلفة الانواع التي خلقت لتطوّر الحياة الثقافية، والمدنية، والدينية وأخيراً المجتمع المدني بل المجتمع الانساني بكامله، لتتقاسم مسؤوليات سيرها وتقدّمها. انه لعبء ثقيل وجميل معاً، عبء الدعوة التي دعي اليها اولئك الذين تحمّلوا مسؤولية التربية في المدارس كي يساعدوا الأهلين في اتمام واجبهم ويمثلوا المجتمع البشري. انها لدعوة تتطلب مواهب عقلية وقلبية خاصة، واستعداداً بعيد المدى وهمة دائمة للتطور والتكيّف. |
|