حراسة الضمير و فحصه
للقديس نيقوديم الأثوسي
استعمل يا أخي كل الوسائل كي تحفظ طهارة ضميرك في الأقوال والأفكار والأفعال. ليكن ضميرك على الدوام غير ملوم ، فلا تسمح له بتبكيتك أو تأنيبك على أي شيء ، وان عملت هكذا فان ضميرك سيترسخ في سائر الأمور الداخلية والخارجية ويصبح بذلك سيداً على حياتك يحميها ويدير شؤونها على نحو جيد. فالضمير الطاهر يجعل حياتك عديمة العيب لانه يتجه إلى الخير ويكره الشر.الضمير هو ناموس الله المغروس في قلوب الناس يساعدهم على إنارة سبيل حياتهم ويرشدهم إلى الصراط القويم كما علّم بولس الرسول: " عمل الناموس مكتوب في قلوبهم " (روميه2 :15). وعلى هذا القول يقدم القديس نيلوس النصيحة التالية : "في شؤونك اقتف إرشاد ضميرك لأنه سراج ينير.
ثمة أربعة أمور ينبغي أن تصون ضميرك فيها وهي :
علاقتك بالله :
واظب على ذكر الله وأسلك دائماً في حضرته. انتبه إلى نفسك فقوة الله هي التي تحملك وتحبك وتحميك. أسلك نحو هذا الهدف فمن أجله دعاك إلى الوجود. كرس نفسك وكل ما عندك لخدمة الله ومجد أسمه. عش فيه ثق به ، وسلم له كل أمورك الزمنية منها والأبدية.
علاقتك بنفسك :
كن منصفاً مع نفسك وأعطها حقها مما في وجودك. أجعل روحك الطامحة إلى الله تحكم على جسدك ونفسك فقد أناط الله بهما دوراً في الحياة الزمنية. درب نفسك على طاعة ما يمليه الروح ، وكن منصاعاً للحق المعلن من الله. بهذا تسلك في كل شيء ، فتحفظ مشيئة الله وتدبير وصاياه. لا تدع نفسك تشرد إلى ميولها ونزعاتها. واعلم أن قلبك لا يجد عزاءه إلا في الإلهيات ، وفي كل ما يحمل طابعاً إلهياً أو يعبر عنه. بهذه الروح دع نفسك تسوس شؤونها العامة والخاصة في الحياة. أعط جسدك حاجته جاعلاً للأمر مقياساً وكن حازماً حسب قول الرسول: "لا تصنعوا تدبيرا ً للجسد من أجل الشهوات" (رو8 :14).
علاقتك بأنسبائك وجيرانك :
إحترم الجميع ففيهم صورة الله. أطلب الخير لهم مبادلاً الجميع بالخير قدر المستطاع. إتضع أمام الجميع طالبا رضى الجميع في حدود الخير. افرح مع الفرحين واحزن مع الحزانى. لا تدن أحداً ولا تحتقر أحداً ، لا بالفكر ولا بالشعور. لا تحجب الحق إن كنت تعرفه عن الذين يسألونك النصح والإرشاد. لا تفرض نفسك على أحد كما لو كنت معلماً من تلقاء ذاتك. وفوق كل هذا احتفظ بالسلام والوفاق مع الجميع ، مستعداً لكل بذل وتضحية من أجل هذا الهدف. إنتبه كل الإنتباه في أن لا تضل أحدا ً.
بالنسبة للأشياء :
احترم كل الأشياء على أنها خليقة الله. استعملها وصنها لمجد الله. أرض بما لك ، وأشكر الله على ذلك. لا تلتصق بأي شيء ، ولا يعلق قلبك بشيء يعيقه عن الحياة مع الله. إعتبر أشياء العالم أموراً خارجية ومجرد أدوات وذلك كي تنعتق لدى تعاطيك بها فلا تكبلك وأنت في الدرب الصحيح. لا تسمح لذاتك بالاتكال على هذه الركائز الضعيفة القابلة للكسر. لا تتباهى بما تملك. لا تحسد الآخرين على ما يملكون. تحاشى تكديس الأموال وروح الامتلاك. لا تضل في الأمور غير الصالحة. على كل إنسان أن ينتبه لهذه كل يوم بشكل أو بآخر حتى وان كنت تعيش في استقامة ، فهذا يجعل ضميرك صالحاً فتتشبه بالرسول بولس (عبرانيين13 :18). إن الذين يرغبون أن يحيوا باستقامة وهم غيارى على الخلاص يسلكون مجاهدين كي لا يخطئوا في أي من هذه الأمور ، فيبقى ضميرهم غير ملطخ. لكن رغم جهاداتهم ، تنسل أفكار ومشاعر خاطئة واعمال خاطئة فلا يلاحظونها ، واحياناً يرونها فيتغطى بالتراب وجه الضمير النقي. حتى انه في نهاية اليوم قلما ينجو أحد من نتائج ذلك ، وعلى مثال المسافر الذي يجتاز طريقاً يعج بالغبار فيمتلئ أنفه وعيناه وفمه وشعره ووجهه بالتراب ، فالذي يحن إلى الخلاص لا بد له من فحص الضمير عند المساء ليرى الأمور الخاطئة التي أقرت بها أفكاره مع كل الكلمات والأفعال الأخرى ، فيغسلها كلها بالتوبة. فهو يحذو حذو المسافر الذي علق به التراب. المسافر يغسل وجهه بالماء ، أما الأول فيغتسل بالندامة والانسحاق والدموع.
وفحص الذات لا بد أن يشمل على التدقيق من كل الأمور الصالحة منها والرديئة ، الجيدة والخبيثة ، وان عثرت على أمر معوج سبق أن قمت به ، دقق في سبب اقترافه عندما تكون راغباً في القيام بعمل سليم. فكر كيف ينبغي أن تسلك في ما بعد كي تتجنب الوقوع في الخطيئة في كل الظروف. أجعل لنفسك قانوناً ونفذ ما عزمت عليه بدون شفقة أو تساهل. وبعد كل هذا ارفع الشكر لله من اجل الأمور التي رأيتها سليمة وصائبة دون أن تنسب أياً منها لنفسك ، وتذكر كلام الرسول "لان الله هو العامل فيكم.." (فيليبي2 :13) " وبدون الله لا تقدرون أن تعملوا شيئا ً "(يوحنا15 :5). لذا بادر إلى رفع الشكر لله و " امتد إلى ما هو قدام " (فيليبي3 :13). أما من جهة الأمور غير الحسنة فتب عنها أمام الله ، وبادر إلى ملامة نفسك ، فالقربان الذي قدمته لله لم يكن نقيا ً، بل امتزجت به الشوائب. صمم على مراقبة نفسك في اليوم التالي ، ولا تسمح لأي خطأ بالدخول إليك في القول والفعل والفكر. فاليقظون هم الذين يفحصون ذواتهم يومياً ، وفي المساء يكون فحص الضمير مجرد استرجاع لنشاطات اليوم المنصرم ، وذلك بقصد التحسين والتقويم. فأنت بذلك تجعل الضمير عارفاً بكل شيء وعندها سيضطرب الضمير إذا لمح خطأ ما ، وهكذا سيهدأ بفعل ملامة النفس ، فالرغبة بالسيرة الحسنة خير من تأجيل الأمور حتى المساء.
بادر إلى فحص أعمالك والانتهاء منها بصلاة حارة ، طالباً من الرب أن يهبك عينين تبصران أعماق القلب " فالقلب خداع.." (ارميا17 :9). الله وحده فقط هو الأعظم من قلوبنا(1يوحنا3 :2) ،فهو وحده فقط عرف قلوب الجميع(1ملوك8 :39). هناك مشاعر خاطئة متجدرة في القلب وكثيراً ما تنسل إلى أعمالنا دون أن نلاحظها فتفسد كل شيء بدنس الخطيئة. لذا صل مع داوود قائلاً " من الخطيئة الدفينة أشفني " (مزمور19 :12) .