رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
روحانيّة الحب الزوجيّ الحبُّ طريقُ الخلاصِ في هذه المسيرةِ، يُعرض الحبُّ الزَّوجيّ على الإنسانِ كطريقٍ للخلاصِ الذّي صنعه اللهُ مِن أجلِ كلِّ البشريّةِ بواسطةِ ذبيحةِ ابنه. فيتجه هذا الحبُّ نحو إعادةِ اعترافِ الواحدِ بالآخر، اعترافهما بأنفسهما، اعترافهما بأنَّهما حقاً محبوبان. إنَّها مسيرةٌ مُتبادلةٌ بين المحبوبين، تتجسّد فيها الخاصيّةُ المُميِّزةُ للحبِّ الزَّوجيّ، وهي: اعترافهما بأنَّهما محبوبان. وهنا تجد نعمةُ الحبِّ الزَّوجيّ مكانها في الديناميكيّةِ اللاهوتيّةِ، بالعبورِ مِن صورةِ الله إلى مثاله[26]. فيضرم الحبُّ الزَّوجيّ صورةَ الله في الشَّخصِ، حتى تتمكَّنَ هذه الصُّورةُ مِن أنْ تخترقَ وتنفذَ بداخلِ الوجودِ الإنسانيّ كاملةً؛ فيصبح هذا الوجودُ بدوره باستمرارٍ أكثرَ تشبهاً بالله في تعبيراته، تفكيره، شعوره وتصرّفه. يُعتبرُ الحبُّ مسيرةً يجد الشَّخصُ فيها نفسه مدفوعاً للخروجِ مِن قوقعة الأنانيّةِ، بحيث يُصبح قادراً على أنْ يعيش ويُظهرَ تعبيراً حقيقيّاً للحبِّ. حيث يبدأ الجسدَ الحسيّ، الذّي أصبح بعد الخطيئةِ مغلوباً مِن الأهواء والبُعدِ الكونيّ الحيوانيّ للعالمِ، في استقبال مبدأٌ فعَّالٌ حيّ حيويّ، أي المبدأُ الرُّوحيّ. ومِن هنا تبدأ عمليةُ النضوجِ والانتقالِ مِن حبٍّ جسديّ حسيّ إلى حبٍّ روحيّ؛ أي إلى حبٍّ يُذكِّرنا باستمرارٍ, من خلال تعبيره وتضحيته، بعالمٍ مُتحوِّلٍ ومُتجدِّدٍ. ولذلك فالطَّريقُ نحو الزواجِ هو أيضاً طريقٌ نحو الجسدِ الرُّوحيّ الرُّوحانيّ؛ إذ يبدأ الشَّخصُ، مِن خلالِ الحبِّ الزَّوجيّ، في الانتقالَ مِن إدراك الذاتِ بطريقةٍ جسديّةٍ حسيّةٍ إلى إدراك هذا الجسدَ الرّوحانيّ؛ وبالتَّالي يتم العبورُ مِن العزلةِ إلى الاتحادِ، ومِن الجسديّ الشَّهوانيّ إلى الرَّوحاني، ومِن الخطيئةِ الأصليّةِ إلى الفداءِ. وفي عمليةِ النضوجِ هذه يستطيع الجنسُ، عند حدٍّ معينٍ، أنْ يُنجزَ مهمته مِن خلالِ الطَّريقةِ التّي يُعاش بها في الحياةِ؛ فيُعرض الجنسُ على الإنسانِ السَّاقطِ المُحبطِ، مِن خلالِ العملِ الخلاصيّ للمسيح، كطريقٍ للخلاصِ. ففي الحقيقةِ، عندما يتمُّ تحطيمُ الوِحدةِ وتأسيسُ عَلاقةَ حبٍّ حقيقةٍ بدلاً منها، لن يُعاش الجنسُ بَعدُ بطريقةٍ عالميّةٍ شهوانيّةٍ، إنَّما يُصبح على العكسِ علامةً ورمزاً للعالمِ الآتي. |
20 - 09 - 2014, 04:48 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: روحانيّة الحب الزوجيّ
الحبُّ وَحدْةٌ مُحققةٌ يُوحي لنا الفصحُ بالمعنى الرُّوحيّ للجنسِ. وقد رأينا أنَّه يمكن للجنسَ أنْ يُصبحَ حافزاً أو دافعاً بالنسبةِ للإنسانِ يُخرجه مِن قوقعته ويتجِّه به بقوةٍ نحو الآخر، بحيث يبدأ الإنسانُ في هجرِ أحكامِ الأهواءِ والجسدِ، حتى يُكمِّل هذا البُعدَ الجنسَي في رؤيةٍ روحيّةٍ إلهيّةٍ. تأتي بالتّالي لحظةُ اختيارِ شريكِ الحياةِ بالنسبةِ للشخصين، مِن خلالِ مسيرةِ انجذابهما الواحدِ للآخر، ومِن خلالِ اكتشافهما الواحدِ للآخر. وفي هذه اللحظةِ بالذَّاتِ، يكون الحبُّ، قبل كلِّ شيءٍ، "عملاً عقلياً"؛ لأنَّه إمَّا أنْ تنتهي عَلاقةُ الحبِّ هذه، وإمَّا أنْ تستوجبَ بالعكسِ قراراً جذريّاً في التَّنازلِ عن الإرادةِ الشّخصيّةِ؛ فليس ثَمَّة وسيلةٌ أخرى. فللوصولِ إلى الاتحادِ الكاملِ الحاسمِ، لا مفرٌ مِن التَّضحيّةِ بالأنانيّةِ التّي تقود إلى الفرديّةِ وتأكيدِ الذَّاتِ الأنانيّ. ولكن الواقعِ يقول أن كل ما بداخل الإنسانِ يثور ضد التَّضحيّةَ؛ وحتى السَّيدَ المسيح عندما اقتربٍ من لحظة التَّضحيّةِ تحوَّل عرقه إلى دمٍ، وطلب مِن الآبِ أنْ يعبرَ عنه هذه الكأسَ؛ وذلك لأنَّ التَّضحيّةَ أمرٌ مُخيفٌ مُفزعٌ والإنسانُ لا يملك معها أيَّ يقينٍ في استعادة ما ضحى به، ولكنَّ الحبَّ يضمن مُسبقاً أنْ تعويضَ التَّضحيّةِ سوف يكون عظيماً؛ فضمانَ الحبِّ يعني أنه: عندما يُضحِّى الشَّخصَ بنفسه، فإن الحبُّ يقنعه باطنياً بأنَّه بَعد الموتِ هناك القيامةُ. |
||||
20 - 09 - 2014, 04:49 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: روحانيّة الحب الزوجيّ
يصل الحبَّ الجسديّ إلى ذروته في الفعلِ الجنسيّ، حيث يجد لذته وتنعّمه بشكلٍ حسيّ؛ إنَّها أقصى قدرةٍ للجسدِ البشريّ على الحسَ والتذوّقَ، ومِن المسلّم به أنَّه ليس هناك أيُّ إحساسٍ مفهومٌ أكثرَ مِن هذا. وحيث إنَّ البُعدَ الذّي يثور ضد الحبِّ أكثرَ مِن غيره هو الإرادةُ الخاصةُ التّي تمُارس عملها في الجسدِ، فهي المنطقة التّي تتنكَّر للحبِّ أكثرَ مِن أي منطقةٍ أخرى في الإنسانِ، لذلك وبواسطةِ الجسدِ بالتَّحديدِ يعمل الحبُّ الزَّوجيّ ليقنعَ الإرادة بالقيامةِ التي تنبع عن تضحيةِ. وإنْ لم يكنْ هناك الفعلُ الجنسيّ الذّي يعمل على إظهارِ القيامةِ مِن خلالِ التَّضحيّةِ بالشَّهواتِ والأهواءِ الخاصةِ، وبالإرادةِ الخاصةِ، وبالمزاعمِ الخاصةِ، فلن يتمكَّن الإنسانُ مِن الدِّخولِ في الفصحِ، بل يظل دائماً مُنغلقاً على أنانيته؛ وسوف يتوقَّف هذا الإنسانُ عند عتبةِ الجمعةِ العظيمةِ، لأنَّه لا يمتلك أيَّ يقينٍ بأنَّه بَعد ذلك توجد القيامةُ. يكشف لنا الحبِّ الزَّوجيّ، وهذه اللذةِ -المقدسةِ الطَّاهرةِ- التّي تكلم عنها آباءُ الكنيسةِ، عن لاهوتٍ حقيقيّ لسرّ الزواج؛ وهو بُعد لاهوتي مُتمركزٍ حول تضحيّةِ المسيحِ وموته وقيامته. ومِن وجهةِ نظرٍ أخرى، وهي مشوقةٌ أيضاً، نجد أنَّ تحليلاتَ المُحللين النفسيين في ما يتعلَّق بالفعلِ الجنسيّ تُظهر أنَّ الفعلَ الجنسيّ في حدِّ ذاته لا يقول شيئاً، ولا يملك أيَّ محتوى أو مضمونٍ خاصٍ؛ فالتَّفكيرُ بأنَّ الفعلَ الجنسيّ قد يملك في حدِّ ذاته وبشكلٍ آلي مضمونَ الاتحادٍ، وأنَّه يحمل بالتَّالي بشكلٍ آليّ إلى الاتحادِ بين الشَّخصين، وأنَّه يُنتج اتحاداً، هو ببساطة خداعٌ ووهمٌ؛ بل بالأحرى قد يكون الفعلُ الجنسيّ هو الخدعةُ أو الكذبةُ العُظمى، أي أنْ يكونَ مجردَ شكلٍ خارجيّ لمضمونٍ ليس له وجودٌ في الواقعِ: فيقول الشَّخصان أحدهما للآخر بأنَّه يحبه، ولا يكون ذلك صحيحاً بالمرةِ. |
||||
20 - 09 - 2014, 04:49 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: روحانيّة الحب الزوجيّ
وبحسبِ بعضِ المحللين النفسيين الأكفاءِ، يمكن أنْ يكونَ الفعلُ الجنسيّ أمراً ذاتيّاً وشخصيّاً تماماً، بدون حتى أدنى مُشاركةٍ لأيِّ مضمونٍ أو محتوى للعَلاقة، وبالتَّالي لا حقيقةٌ له، أي أنَّه مجردُ شكلٍ خارجيّ لا يُعلنعن أيِّ بُعدٍ للعلاقة حقيقيّ. ويحدث أنَّه يمكن ممارسةُ الفعلِ الجنسيّ على مستوى الإشباعِ واللذةِ فقط وبدون أيِّ مضمونٍ للحبِّ، أي بدون أيِّ مضمونٍ للشخصِ. إنَّما الفعلَ الجنسيّ، على العكسِ مِن ذلك، هو فعلٌ أصيلٌ، يُعبِّر عن حقيقته عندما يكون رمزاً، أي عندما يصبح تلك الحقيقةَ الكونيّةَ الملموسةَ ذات الصلةٌ المُوضوعيّةٌ والسرمديّةٌ الغيرُ قابلةٍ للانحلال بالمضمون الذّي تحجبه وتخفيه. خلافاً لهذا التّصورِ، يصبح الفعلُ الجنسيّ مجردَ "علامةٍ"، أي مجردَ شيء يمكن أنْ نعطيه المعنى الذّي نريده؛ فالعلامةُ في الحقيقةِ، كما هو مُتعارفٌ عليه، مثلُ لافتةِ الطَّريقِ، لأنَّ معناها هو ثمرةٌ لاتفاق ما، ولذلك يمكننا تغييره. إنَّما الرَّمزُ، بالعكسِ، فهو يملك في حدِّ ذاته محتوىً موضوعيّاً لا يمكن تغييره على حسب الاختياراتِ. ويمكننا أنْ نُشبِّه الجنسَ بجبل الجليد، الذّي يمثل فيه الجزءَ المُنغمسَ المخفيّ القسم الأكبرَ بمراحلٍ مِن ذاك الجزءِ الذّي يُرى؛ كذلك أيضاً الفعلِ الجنسيّ: ينبغي أنْ يُظهرَ كلَّ حقيقةِ الواقعِ المُعاشِ كحياةٍ مُتشبِّعةٍ بالحبِّ، يتداخل فيها الكلُّ ويتوحَّد في الحبِّ، وفي الموتِ عن الذات مِن أجلِ الآخر. |
||||
20 - 09 - 2014, 04:49 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: روحانيّة الحب الزوجيّ
ذات مرةٍ، قال لي أحدُ الأزواجِ، وهو متزوج مُنذ 17 عاماً، شيئاً في غايةِ الجمالِ: إنَّه لو كان طُلب منه تحديدُ ماذا يعنى بالنسبة له، كرجلٍ متزوجٍ، لذةُ الاتحادِ الجنسيّ مع زوجته؟ لا يمكنه أنْ يُجيبَ بقوله أنَّ المعنى هو الحياةُ المُمتدةُ على مدارِ 24 ساعة يوميّاً، فهو التَّعبيرُ عن الحبِّ على مدار اليوم كلِّه. وقد حكى لي أنَّه لم يحدثْ أبداً أنَّه اتحد مع زوجته ذات مرةٍ بدون أنَّ يكونا كلاهما مُدركاً تماماً أنَّ حياتهما معاً في هذه الفترةِ تُعبِّر عن موتِ كلٍّ منهما مِن أجلِ الآخر. ويبدو هذا التَّحديدَ تعبيراً فريداً ورائعاً؛ لقد اخترق الحبُّ ونفذ إلى حياةِ الزَّوجين كلها، فهناك الكثيرُ مِن التَّضحيّةِ الواحدٍ مِن أجلِ الآخر، لكنهما عندما يتحدان معاً جنسياً يشعران بلذةٍ وبتحقيقٍ لجسديهمِا، ويُصبح كلُّ هذا حقيقةً مُؤسسةً ومُشخَّصةً في الحبِّ؛ لأنَّ لحظاتَ الموتِ مِن أجل الآخر قد تمَّ تذوّقها في التَّضحيّةِ، فالرجل يُضحِّي مِن أجل المرأة وهي بالمثلِ تُضحِّي مِن أجله. فالاتحادُ إذن هو اتحادٌ مُشبعٌ ومُرضيّ، لأنَّه اتحادٌ في الحقيقةِ، فهو رمزٌ واقعيٌ يُعلن محتوىً حقيقيّاً، محتوى قد تجسَّد في الواقعِ المُعاشِ؛ وأي اتحاد حبي أو جسدي خلافٌ ذلك هو خداعٌ. |
||||
20 - 09 - 2014, 04:49 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: روحانيّة الحب الزوجيّ
في الواقعِ، عندما نعود إلى اللاهوتِ الأدبي[27]، نجد أنَّ الخطيئةَ في المجال الجنسيّ تتمثَّل في ممارسةِ الجنسِ خارج حقيقته الإنسانيّةِ، أي أنَّها تتمثَّل في السَّعي إلى قطف ثِّمارِ القيامة بدون العبورِ بالجمعةِ العظيمِة. وهذا ينطبق أيضاً على الموقف الذّي يبدو ظاهريّاً وكأنَّه خالٍ مِن الضَّررِ مِن الناحيّةِ الجنسيّةِ، أي الاستمناء أو العادة السرية[28]. فيدور الحديثُ هنا عن البحثِ عن إشباعٍ ولذةٍ بدون التَّضحيّةِ بالذَّاتِ مِن أجلِ أحدٍ، ويتمُّ الوصولُ إليهما بطرقٍ كثيرةٍ غيرِ أصيلةٍ. ومِن المُسلَّم به أنَّ اللذةَ الحقيقيّةَ والإشباع الحقيقيّ يأتيان فقط مِن خلالِ العَلاقةِ؛ فاللذَّةُ غيرِ الأصيلةِ هي حقاً إفسادٌ للحبِّ. وتتمثَّل الخطيئةُ المُتعلِّقةُ بالوصيّةِ السَّادسةِ[29] في تقديرِ الجنسِ خارج حقيقته الإنسانيّةِ، وبالتَّالي أيضاً خارج حقيقةِ الجنسِ نفسه؛ أي هي البحثُ عن ثمرِ الجنسِ، الذّي هدفه هو الاتحادُ، بدون العبورِ بواسطةِ طريقِ التَّضحيّةِ. إنَّ الموتَ والقيامةَ هما المسيرةُ التّي تحتجب وراء الحبِّ الزَّوجيّ، حيث يتمركز المعنى الأكثرُ جمالاً وسحراً للجنسِ. فإنْ لم يوجدْ هذا الجبلُ الجليديّ، أي هذا العمقُ الحياتيّ، حيث يلتقي الشَّخصان معاً في الواقعِ المُعاشِ، فعلاقتها هي إذن مجردُ كذبةٍ خادعةٍ للشخصين، بدلاً مِن أنْ تكونَ سراً مُقدَّساً. الحبُّ الجنسيّ إلى تجديدٍ لما هو يوميّ أو مألوفٌ، وهذا يقوم بدوره بإنشاءِ هذا التَّحويلِ، لأنَّه يُقنع الشَّخصَ بالمصيرِ الإيجابيّ للتخليّ.
|
||||
20 - 09 - 2014, 04:50 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: روحانيّة الحب الزوجيّ
دورُ الجنسِ يبلغُ قمتَه في العذريّةِ ربما تُثيرَ فينا هذه العبارةَ الحيرةَ والقلقَ؛ ولكنَّها صحيحةٌ تماماً. فإنْ اخترق الحبُّ ونفذ خطوةً خطوةً إلى كلِّ لحظاتِ حياةِ الشَّريكين، عندئذٍ سيبدأ كلٌّ منهما في إدراكَ نفسَ الحقيقةِ المُعبَّرِ عنها بالفعلِ الجنسيّ في مواقف أخرى كثيرةٍ في الحياةِ. إنهَّا مسيرةٌ ، "كلاسيكيّةٌ" لحبِّ حقيقيّ. فإنْ كان معنى الفعلِ الجنسيّ يتمثَّل في اتحادِ الشخصين معاً، عندما يوثِّقان ويدعِّمان واقعيّاً حياتهما المُعاشة، فإنَّ الجنسَ، يبدأ في إنجازِ دوره. ولذلك يقول السيدُ المسيح أنَّه في الحياةِ الأخرى لن يُعاش الجنسُ بالشكلِ الذّي يُعاش به في هذا العالمِ؛ لأنَّه عندما يصل الشَّخصان إلى تحقيقِ وحدتهما، لن يُجدي الجنسُ نفعاً بعد: «فعندما يقوم الناسُ مِن بين الأمواتِ، فلا الرِّجالُ يتزوَّجون ولا النساءُ يُزوَّجن، بل يكونون مثلَ الملائكةِ في السَّمواتِ» (مر12/25) بهذا المعنى، يتكلَّم آباءُ الكنيسةِ عن عذريّةِ الزَّوجيّن، ولكنهم لا يقصدون المعنى المألوفَ والمعتاد أي عدمَ مُمارسةِ الجنسِ؛ إنَّما العذريّةِ تعني بالنسبةِ لهم نقطةَ الوصولِ، أي عندما يصبح الشَّخصان فعلاً مُتحدان تماماً؛ إنَّ المسيرةَ هي إذن العبورُ مِن الحبِّ الحسيّ "الإيروس" إلى الحبِّ المُضحِّيّ "الأغابي". إنَّ الرُّؤيةَ الإنسانيّةَ الرُّوحانيّةَ المسيحيّةَ ترى الإنسانَ في بُعده العذريّ؛ بحيث تبلغ مسيرةِ العهدِ القديمِ وصولاً إلى العهدِ الجديدِ قمتها في عذرية والدة الإله مريم[30]. ولذلك فإنَّ العذريّةَ تعني أنَّ الإنسانَ يجد كماله في الحبِّ الإلهيّ، هذا الحبِّ الذّي لا يجعله يشعر بالحاجةِ بَعدُ إلى أيِّ رمزٍ حسيّ إيروس مِن أجلِ اختبارِ الحبِّ والإيمانِ به. فالإنسانُ العذريّ يَعبر مِن الحاجةِ إلى أنْ يكون محبوباً إلى اليقينِ بأنَّه محبوبٌ فعلاً ؛ وبالتَّالي يحيا كمالَ هويته الخاصةَ كشخصٍ يُحب. وتتحقَّق العذريّةُ في ذلك الإنسانِ الذّي يغمس انفتاحه الأساسيّ وقدرته العلائقيّةِ الأساسيّةِ في خبرةِ حبِّ الله ذاته. لذلك فإنَّ العذريّةَ هي حالةٌ تتحقَّق واقعياً وبشكلٍ ملموسٍ إمّا بواسطةِ الحبِّ الزَّوجيّ، وإمَّا بواسطةِ الدعوةِ إلى التَّبتلِ. |
||||
20 - 09 - 2014, 04:50 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: روحانيّة الحب الزوجيّ
الحبُّ الزَّوجيّ يَظهرُ في خصوبةِ العائلةِ تبلغ مسيرةِ الانتقالِ مِن الحبِّ الإيروس إلى الحبِّ الأغابي قمتها في العائلة.. فماذا يعني هذا؟ إنه ما لم يكن لدى الشخصٌ اليقينٌ بأنَّه محبوبٌ، فهو وبلا شكٌ شخصٌ لا يمكن الاعتمادُ عليه، لأنَّه لا يزال في بحثٍ عمَن يمكنه هو الاستنادُ عليه، فهو في حاجةٍ إلى سندٍ. وعندما يُعاش الحبُّ الجنسيّ في حقيقته، فثمرته الأولى هي يقينُ الشَّريكين- المؤسسُ على منطقِ العَلاقة والثَّقةِ بالآخر- في أنَّ كلَّ منهما بالفعلِ محبوبٌ؛ وبالتَّالي يُصبح الشَّخصُ المحبوبُ قادراً على أنْ يُحبَّ؛ فإنْ لم يشعر الشخَّصُ بأنَّه محبوبٌ، سوف يذهب بعيداً باحثاً عن الحبِّ. أمَّا عندما يبلغ الشخصان إلى اليقينِ بأنَّهما محبوبان، فإنهما سيصبحان بفضلِ هذا اليقينِ قادرين على أنْ يُحبا؛ ويمكنهما عندئذٍ أنْ يُنجبا الأولادَ، الذّين هم ثمارٌ لحبِّهما. وخلافاً لذلك، يصبح هذان الشَّخصان بسهولةٍ موضوعاً للامتلاك، ومجردَ وسائلٍ لإشباعِ الاحتياجِ الخاصِ إلى الحنانِ. في المجالِ الرَّعويّ العائلي، لا يجدي نفعاً كثرة التَّأكيدُ على الحاجةِ إلى إنجاب أطفالِ؛ إنَّما يلزم أولاً وقبل كلِّ شيءٍ، مساعدةُ الشَّريكين على العودةِ إلى حقيقةِ سرِّ الزواج. |
||||
20 - 09 - 2014, 04:50 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: روحانيّة الحب الزوجيّ
الأساس إذن هو اليقين الثابت بأن كلاهما محبوب لنا وإنَّ إنجابَ الأولادِ ما هو إلا نتيجةٌ لهذا اليقينِ المُتواصلِ، وكذلك الأمر في تأسيسُ عائلةٍ مُنفتحةٍ وإقامةُ شركةٍ في الحبِّ تُصبح قادرةً على استقبال الأصدقاءِ والأقاربِ وحتى الغريبِ الذّي يمرِّ بها، كلُّ هذا نتيجةٌ لليقينِ المُتواصلِ بالحبِّ. فمِن الضَّروريّ إذن توجيهُ الشَّريكين، نحو طريقِ نزعِ جذورِ الأنانيّةِ؛ لأنَّ إنجابَ الأولادِ لن يكون نتيجةَ أو ثَّمرةَ شريكين لا زالا يحييان على مستوى الأنانيّةِ، والحديثُ هنا لا يختلف كثيراً عن وصيةِ الله لهما بأنْ يُخصبا ويُثمرا. فكلَّما عاش الزَّوجان الحبَّ الإيروس كحقيقةٍ يتحوَّلَ هذا الحبٍّ إلى أغابي، ويتضح استعدادُهما الكاملُ للانفتاحِ على الحياةِ ورفضِ الحساباتِ، وبذلك يقبلون أولادهم- إنْ أعطاهما الله إياهم- في إطار قصةٍ مُتجذِّرةٍ في الحبِّ الحقيقيّ. وعلى ضوءِ هذا الحديثِ، يتضح أنَّ خصوبةَ الشَّريكين لن تُحبطها استحالةٌ محتملةٌ في إنجابِ الأولاد؛ فمثلِ هذه المشكلةِ، حتى وإنْ كانت مؤلمةً جداً، ستُقرأ وتُفسَّر في إطارِ النضوجِ النابعِ مِن الحبِّ الأغابي الذّي ينمو فيه الشَّريكان، وينفتحان أكثر فأكثر على الآخرين ويعتنيان بهم. |
||||
20 - 09 - 2014, 04:51 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: روحانيّة الحب الزوجيّ
الجنسُ رمزٌ للموتِ مِن أجلِ الآخرَ فَقَدَ الإنسانُ بعد الخطيئةِ الأصليّةِ، القدرةَ على الاتصالِ والعَلاقة بالله وبالآخرين وبنفسه وبالكلِّ؛ ومِن ثَمَّ أصبح وحيداً ومُنغلقاً على ذاته. ويمكننا الآن أنْ نضعَ في عبارةٍ واحدةٍ تعريفاً، لا وبل تحديداً كلِّيّاً للإنسانِ، "إنَّه الوجودُ الذّي يبحث عن عَلاقةٍ"، أي الذّي يبحث عن أنْ يكونَ مِن جديدٍ محبوباً، يبحث عمَّا فقده. فما هو يا تُرى البرهانُ الذّي يقنعه بأنَّه محبوب؟ إنَّ البرهانَ يكمن في شخص يُظهر له أنَّه اختاره هو بدلاً مِن ذاته نفسها، وبدلاً مِن الأشخاصِ الآخرين الذّين كان بإمكانه أنْ يختارهم. فبرهانُ العَلاقةِ المُستعادةِ هو اليقينُ بالعَلاقة الذّي يُماثل ويوازي اليقينَ بوجودِ الإنسان ذاته. فيمكن للشخصِ أنْ يتأكَّدَ مِن أنَّه فعلاً في عَلاقةٍ، عندما يصل مِن خلالِ هذه العَلاقةِ إلى خبرةٍ راسخةٍ ومتواصلةٍ أي عندما يحصل على ثقةٍ أكيدةٍ تُعادل اليقينَ بوجودِ الفعلِ نفسه. يصل الشَّخصُ إذن إلى اليقينِ بوجوده ذاته، عبر الثقة الكاملة بأنَّ هناك آخرُ قد اختاره هو، وبأنَّ هذا الآخر متحدٌ به؛ فبالتَّالي هو واثقٌ مِن وجوده، وواثقٌ بأنَّه لن يهلك ولن يضيع في اللامعنى. إنَّ البرهانَ "الأنثروبولوجي"، يعني أنَّ يتمسَّك الشَّخصَ بالآخر أكثر مِن تمسّكه بنفسه، وأنَّه ينشغل بالآخر أكثر مِن انشغاله بنفسه، وأنَّه يختار الآخرَ بدلاً مِن نفسه؛ وأنه يبقى ثابتاً في هذا الاختيارِ في كلِّ ظروفِ الحياةِ المُحتملةِ، حتى أمام الموتِ؛ فإنَّ البرهانَ الأخيرَ الحاسمَ والقاطعَ هو الموتُ مِن أجلِ الآخر، بُعدُ التَّضحيّةِ مِن أجلِ الآخر، الذي نجده في قلبِ كلِّ الأديانِ، وهو موجودٌ بالأخصّ في المسيحيّةِ. |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
روحانيّة الحياة الرهبانيّة: |
روحانيّة الحب الزوجيّ 2 |
قراءة في الحبّ.. قبس من وحي روحانيّة القديسة تريزيا |
روحانيّة الرسول |
الإنسان قبـل الحب شيء... وعنـد الحب كل شيء... وبعـد الحب لا شيء |