رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الصورة الإلهية في الإنسان
الأب الشماس اسبيرو جبور سر الشكر السر الثاني العظيم هو سر الشكر. به يُبنى الإنسان في جسد المسيح ويأخذ بذار عدم الفساد والحياة الإلهية داخلياً. سر الشكر يفترض سر المعمودية. المعمودية تُعطَى للإنسان لتجدده وتؤهله إلى الشركة في جسد ودم المسيح. المعمودية تهب الإنسان نقاوة الصورة والمثال بالمسيح مبدئياً. أمَّا سر الشكر فيعمل على امتداد المثال والاتحاد الكامل بالمسيح. اتحاد الإنسان بالمسيح، الحاصل بواسطة هذا السر، يشكل ذروة التعبير وملخصه عن محبة الله لنا. يقول بالماس مرتكزاً على موعظة قديمة قيلت باللغة الدارجة: إن المحبة تفرض تشابه الأشخاص المحبوبين: (كل محبة حاصلة بالمحبة لها كَمالُها. أما المبدأ فهو التشابه). نجد مِثْلَ هذا المبدأ عند هوميروس وأفلاطون وأرسطو. حسب العهد القديم خُلِقَ الإنسانُ منذ البدء (على صورة الله ومثاله). وقد أعاد تجسدُ كلمةِ الله الصورةَ والرباط اللذين تشوّها، إلى ارتباطهما بالله، وإعادة الرباط بين الله والإنسان تركزت على القربى القائمة بينهما منذ البدء. كانت القربى شديدة بحيث أمكن توحيدها في أقنوم واحد، كما يقول بالماس. الارتباط الحاصل بالمسيح بين الإنسان والله ألَّف بصورة خارقة كل علاقة وقربى بشريتين. وباتخاذ كلمة الله جسداً ودماً صار أخاً للبشر، لا بل صار صديقاً لنا، لأنه اشترانا من العبودية وجعلنا شركاء ومالكين لأسراره. المسيح ذاته قال لتلامذته: (أنه لا يدعوهم عبيداً بعد لأن العبد لا يعرف ما يصنعه سيده، بل يدعوهم أصدقاء لأنه عرّفهم كل شيء سمعه من أبيه). المسيح هو أب أيضاً وأم للبشر لأنه يلدهم بالمعمودية ويغذيهم كأطفال رضّع لا بدمه بدلاً من الحليب فحسب، بل بجسده وروحه. بارتباطه بسر الشكر الإلهي مع المؤمنين بجسد واحد يصبح المسيح عريساً للبشر. إن تشبيه محبة الله للبشر بالمحبة الزوجية كان معروفاً ومنتشراً عند كتبة العهد القديم، وخصوصاً عند لاهوتيي الكنيسة المستيكيين {mystiques : صوفيون}. إن بالماس يعتبر المحبة الزوجية أسمى الشكر الإلهي. في الزواج التصاق جسدين بجسد واحد لا في روح واحد، أما في سر الشكر فالتصاق لا ينحصر في الجسد بل يتعدى إلى الروح لنصير معه روحاً واحداً. يا للشركة المتعددة الأشكال التي لاتحد! لقد صار المسيح أخاً لنا، فناولنا جسداً ودماً وجعلنا أصدقاء مقربين بإعطائه لنا هذه الأسرار وربطنا ونسقَّنا بالمناولة كما يرتبط العريس بالعروس، وصار معنا جسدا ًواحداً وكذلك صار لنا أباً بمعموديته الإلهية وأرضعنا من الأثداء الأليفة كما ترضع الأم الحنون أطفالها. الإتحاد في المسيح الحاصل بسر الشكر الإلهي ليس إتحاداً شبيهاً بوحدة كلمة الله مع الطبيعة البشرية. إنه ليس إتحاداً أخلاقياً فقط. مع أن المسيح يتحد حقيقياً مع كل إنسانٍ يتقدم بإيمان لهذا السر إتحاداً لا ينحصر في دائرة الأخلاق، إلاَّ أنه لا يشكل معه أقنوماً واحداً كما حدث في وحدة كلمة الله مع الجسد المتخذ. هذا الاتحاد السري هو اتحاد حقيقي مع النعمة المؤلهة ومع فعل المسيح، لهذا يبقى المسيح دائماً واحداً (كذي أقنوم دائم لا يتجزأ). بينما الذين هم على (شكل المسيح) كثيرون. إن أكندينوس بعكس بالماس يقول: (الإنسان بالمناولة الإلهية يشترك بالطبيعة الإلهية. من يعلّم أن الذين يتناولون الأسرار الإلهية لا يشتركون في الطبيعة الإلهية يقاوم رأي الرسول بطرس وكل الآباء). الموقف الذي يتخذه أكندينوس موقف خاطئ مبني على ارتكاز خاطئ وعلى فهم خاطئ للكتاب وللتعليم الآبائي، لهذا جاء يضادّ بجلاءٍ العلم المسيحي الأرثوذكسي. وهذا التضاد مرتبط بموضوع الشركة في الله وعدم الشركة برمته. باشتراك الإنسان في سر الشكر الإلهي يتحد مع جسد المسيح المؤله ويصير شريكاً في عدم الفساد والحياة الأزلية. وهكذا بالسر هذا يصبح الإنسان جسداً واحداً مع المسيح. إن هذه المعية الجسدية ليست نتاجاً لنتيجة آلية بل هدية تقدمها نعمة الله، فيتقبّلها الإنسان بالروح شخصياً وبحرية. وعلى أساس هذا الاعتبار الشكري علينا أن ندرك العبارات: (الجسد الواحد مع المسيح) في مؤلفات أثناسيوس الكبير وغريغوريوس النيسسي، أو العبارة: (الجسد الواحد والدم الواحد) في المسيح في تعليم كيرلس الأورشليمي. إن غريغوريوس أكندينوس يُرْجعنا إلى أثناسيوس ويستعمل: (الجسد الواحد)، عندما يتكلم عن المسيحيين الذين (كجسد واحد مع المسيح) سيدخلون إلى المجد السماوي. (إن الاشتراك في جسد ودم المسيح هو اشتراك في جسده المخلوق وطبيعته الغير المخلوقة) (أكندينوس). أما في نظر بالماس فإن الاشتراك في الأسرار المقدسة هو وحدة مع طبيعة كلمة الله البشرية التي باتحادها أقنومياً مع الأقنوم الثاني في الثالوث الأقدس تألهت وصارت نبعاً للتأله البشري. المؤمن باتحاده مع المسيح يتحول إلى هيكل الألوهة المثلثة. كما أن كمال الألوهة يقطن في جسد المسيح، كذلك الثالوث الأقدس يقطن في الذين صاروا معه جسداً واحداً. (يا للعجب الذي لا تَطَالُهُ مغالاة! حتى هذه الكيانات البشرية تتحد. كل واحدٍ من المؤمنين يدمج ذاته بمناولته الجسد المقدم ليصير معه جسداً واحداً وهيكلاً لكل الألوهية). إن نقولا كاباسيلاس نمَّى فيما بعد التعليم عن الحياة في المسيح بمناولة الإنسان للأسرار وبصيرورته مشتركاً مع المسيح بجسده. دمج الوجود البشري المجدد بالمعمودية بالجسد المؤلِّه والمؤلَّه للمسيح يحوي، كما سبق وقلنا، الأساس اللاهوتي لتعليم بالماس عن الرؤية المستيكية للنور الغير المخلوق، فكما أن جسد المسيح الإلهي عند تجلّيه أنار تلامذته خارجياً، إذ كان بعد لم يدخل إلى أجسام الشر، فإنه الآن باندماجه وبوجوده في داخلهم ينير أرواحهم داخلياً {راجع نهاية الملحق}. سرُّ الشكر يحوي، في نظر بالماس، معنى ورائياً عميقاً. بتناول الإنسان للأسرار الطاهرة ينال ختم شركة المسيح الغير المسبور غورها في الجيل الآتي. ملكوت الله يتحقق منذ الحياة الحاضرة. ملكوت الله هو ملك للمؤمن. المؤمن فيه يعيشه وهو في هذه الحياة الحاضرة. إنه مواطن في الحياة الجديدة والحياة المقبلة. ملكوت الله كشركة مع البشر يتحقق بواسطة سر الشكر. ملكوت الجيل المقبل هو الشكل الكامل للعلامة بين المؤمنين والمسيح روحياً. هذا الطابع الورائي لسر الشكر الإلهي المعروف في اللاهوت الآبائي له معناه في تعليم بالماس عن التأله الإنساني. تأليه الإنسان لا يشكل حدثاً استقبالياً فحسب بل هو حقيقة حية للحياة الحاضرة. نعمة المسيح الغير المخلوقة المؤلِّهة التي تجعل جسد الإنسان في حالة من الطوعية مع جسد مجده تنزرع منذ الحياة الحاضرة في الإنسان وتعمل على تألُّهه. بالشركة الإلهية يدخل المسيح إلى أعماق الوجود البشري ليقدم نعمته المؤلِّهة. وهذا يخلق في الإنسان المؤمن الضرورة لينقي ذاته كما يجب، ما دام يتأهب للشركة في السر العظيم. بالنقد الذاتي تتحقق التنقية، وبالتوبة والاعتراف يصل المؤمن إلى ما يبتغيه. استناداً إلى أقوال بولس، يقول بالماس: (على المؤمن أن يمتحن نفسه قبل أن يدخل إلى هذا السر وألاَّ يتناول بدون استحقاق. مهما تعب الإنسان لا يستطيع أن يجعل نفسه الغير المستحقة مستحقة موهبة المسيح العظيمة. بالتوبة لا يتحول الإنسان فعلاً بل يتقدم إلى الله الذي يجعل الغير المستحقين مستحقين). على المسيحي أن يتقدم إلى هذا السر بإيمان عميق ليستأهل نعمة الله. بما أن سر الشكر هو سر روحي، لذلك يجب أن ينظر إليه روحياً. خبز سر الشكر هو نوع من الحجاب يخفي الألوهية. لذلك على المؤمن أن يدخل إلى مضمون داخل السر بالإيمان وألاَّ ينحصر في رؤية شكله الخارجي. اهتمام المسيحي لا يجب أن ينحصر في استعداده للمناولة الإلهية. عليه أن يتجاوز المناولة ويوسع أفق مداها. يجب أن تجد النعمة المؤلهة تعبيرها في حياة المؤمن. بقبول الإنسان للمسيح في داخله يجعله سيد حياته وعلى هذا الأساس يجب أن ينسق أعماله وأقواله وأفكاره وفقاً لإرادة ذلك. يشدد آباء الكنيسة على واجبات المؤمن هذه. يصل الذهبي الفم إلى الدعوة إلى الصيام حتى بعد المناولة، أما بالماس فيحذِّر من التقلقل بعد مناولة جسد ودم المسيح |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الإنسان الذي له تظلُّم (أو تذمُّر) يثور في قلبه |
لبسنا الصورة الإلهية |
الصورة الإلهية في الإنسان |
فقدان الصورة الإلهية |
فقد الصورة الإلهية |