ما لا تعرفه عن حِيَل النشالين
تحت عنوان «كيف يخدع النشالون عقولنا؟»، نشرت هيئة الإذاعة البريطانية تقريرًا ذكرت خلاله أن النشالين أو «لصوص الجيوب» يستخدمون ما هو أكثر بكثير من مجرد خفة اليد، مضيفة أنهم «يهاجمون مناطق الضعف الذي يعتري أذهاننا».
ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية حكاية شخص يقول: «أمي معروفة بحذرها الشديد، وطالما حذرتني أمي من الرجال الغرباء، خاصة أولئك الذين يقدمون لك الهدايا، ولكن لدهشتي الكبرى أن رجلًا لطيف المعشر يحمل باقة زهور تمكن من سرقة 20 يورو من محفظتها، بينما كانت تحمل الزهور بكلتا يديها وتنظر مباشرة إليها».
وواصل الشخص سرد قصته: «شرحت أمي ما وقع لها قائلة: (قال الرجل إنه يجمع تبرعات لجمعية خيرية تابعة لإحدى الكنائس، مما دفعني للتبرع بيورو، فقال: لا لا هذا مبلغ كبير، وعرض علي أن ينظر في محفظتي للبحث عن مبلغ أصغر، ويبدو أنه سرق العشرين يورو في تلك اللحظة، ولم أنتبه لما قام به إلا بعد ساعة كاملة، لقد شعرت بأنني غبية حقًا».
ووفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية أنه «لا يجدر أن يسيطر عليها ذلك الشعور، فحسب جراحي الأعصاب، فإن أدمغتنا في العادة محمية من الوقوع في الخديعة، بفضل أجهزة الانتباه والتصور، وفي الحقيقة المطلب الأساسي لنجاح عملية السرقة ليس خفة الأصابع، ولكن المعرفة العملية بالثغرات الموجودة في أدمغتنا».
وتضيف: «بعض الحواة ماهر في ذلك، لدرجة أن بعض الباحثين يجرون اختبارات معهم للتعرف عن كثب على الطريقة التي تعمل بها أدمغتنا، وعلى رأس هذه الثغرات حقيقة أن أدمغتنا ليست مهيأة للتركيز على أكثر من مهمة واحدة في وقت واحد، وفي كثير من الأحيان هذا في حد ذاته شيء جيد، حيث يساعدنا ذلك على انتقاء أهم ما يدور حولنا في هذا العالم».
لكن طبيبة الأعصاب، سوزان مارتينز كوندي، التي ألّفت كتاب «خداع العقل»، تقول إن «مخادعاً ماهراً يمكنه استخدام هذه المزية للدماغ ضدك».
وتعلق هيئة الإذاعة البريطانية على قول كوندي، كاتبة: «لا شك أنها لا تقول ما لا تعرف، فهي كباحثة في مختبر علوم الأعصاب البصرية في أريزونا، تعكف على دراسة كيف يقوم أبوللو روبنز، أحد الحواة في لاس فيجاس، بممارسة خدع النشل على المسرح».
وتقول كوندي: «عندما يطلب روبنز من بعض الناس من بين الجمهور الصعود إلى المسرح، يجعلهم ينظرون إلى شيء ما بينما هو يتكلم معهم، ويلمس أجسادهم، ويقترب منهم كثيراً، ويخلق جواً من التجاوب العاطفي في الوقت الذي يدخل إلى فضائهم الشخصي.. إنها مسألة تركيز شديد».
وترى هيئة الإذاعة البريطانية أنه «هكذا تكون خفة اليد عاملاً مساعداً، لكن الأهم هو إشغال انتباه وتركيز الشخص بالكامل عن طريق القيام بحركات أخرى»، مضيفة: «نشالو الشوارع أيضاً يستخدمون هذا الأسلوب باصطناع وضع يشتت نظام تركيزنا الدماغي».
وتحدثت عن «الخدع التقليدية التي يستخدمها النشالون في كل أنحاء العالم، بأن يمر أحدهم من أمام الضحية وفجأة يتوقف ليصطدم به الضحية، وفي هذه الأثناء يقوم عضو آخر في عصابة النشالين يكون قريباً من المكان بالاصطدام بالاثنين معاً ويشرع في مشاجرة متعمدة مع النشال الأول، وفي خضم هذه الجلبة يقوم أحدهما بسرقة ما يستطيع ويعطيه لعضو ثالث في العصابة، والذي بدوره ينسل مبتعداً عن المكان بما تمت سرقته».
في السياق نفسه، يقول جيمز براون، الحاوي والمنوم المغناطيسي المقيم في بريطانيا: «يظن الناس أن المسألة هي تشتيت انتباه الشخص المراد سرقته بدفعه للنظر بعيداً، لكن الحقيقة هي توجيه الذهن نحو شيء ما».
ويضيف: «فإذا أردت أن أجعلك تتوقف عن النظر إلى شيء ما على الطاولة، فمن السهل أن أصطنع سبباً ما يدفعك للنظر إلى شيء آخر».
ويتابع براون: «إذا أعطيتك شيئين أو ثلاثة أشياء، وكان الشيء الذي أريد أن أصرف انتباهك عنه ليس من بينها، فإن ذلك أسلوب أكثر إحكامًا، لأنك في هذه الحالة ستكون واقعاً في خديعة الاختيار بين أكثر من شيء».
وتشير هيئة الإذاعة البريطانية إلى أن «النشالين يستخدمون أساليب نفسية أخرى. فهم يختارون الأماكن التي توجد فيها يافطات مكتوب عليها (احذر النشالين)، لأن أول شيء يفعله الناس بمجرد قراءتهم لهذه اليافطة هو تفقد ما يحملونه من أشياء ثمينة للتأكد من وجودها في أماكنها (كالجيب أو المحفظة)، وبهذا يعطون، دون أن يقصدوا، إشارة للنشال عن المكان الذي توجد فيه الأشياء القيمة».
ويعتقد براون بأن «الثقة تلعب دوراً مهماً أيضاً، وأكبر الحيل التي يستخدمها الحواة على المسرح ويمارسها النشالون في الشارع هي ببساطة استدراج عن طريق إبداء الثقة».
ومن الناحية النظرية، يقول براون: «الأثر الذي تتركه المبادءة بالكلام وحده كاف ليجعل أكثر الناس ذكاء يسلمون بممتلكاتهم الثمينة».
ولفتت إلى أنه «في عام 2009، أعطت موظفة أحد البنوك في روسيا مبلغ 80 ألف دولار نقداً لامرأة يبدو أنها نومت تلك الموظفة مغناطيسيًا»، ويقول براون في هذا الصدد: «إذا كان لك علاقة بشخص ما وهو يثق بك، فالأمر يصبح سهلاً عليك لو أردت سرقته».
وعرجت هيئة الإذاعة البريطانية بالحديث عما يدور على خشبة المسرح، قائلة: «يمكن لحركات معينة أن تخدعنا، فعندما بدأ روبنز في العمل مع مارتينيز كوندي قال لها إن لديه حدسًا بأن حركات معينة يقوم بها بيديه تؤثر فيما يبدو على قدرته في توجيه انتباه الضحية».
وتضيف: «تحريك يده في الهواء بخط مستقيم بين نقطتين، أقل أثراً في شد انتباه الأشخاص من تحريك يده على شكل أقواس، فالحركة على شكل قوس تجعل الناس يركزون انتباههم على الكف المنحنية وإبقاء العين مثبتتة عليها، بينما الحركة المستقيمة تجعل عيونهم تتحرك بين نقطتي البداية والنهاية».
وأثبتت تجارب أجريت على حركة العين ما ذهب إليه روبنز، ولكن هيئة الإذاعة البريطانية تساءلت: «لماذا يحدث ذلك؟».
وتجيب مارتينيز كوندي: «الأمر يرجع للطريقة التي تسترعي فيها حركات اليد المختلفة انتباه العينين»، ومتابعة العينين لحركة اليد التي تكون على شكل قوس تسمى (التتبع السلس)، بينما حركة الخط المستقيم تجعل العينين تتحركان بسرعة فائقة ذهاباً وإياباً بين نقطتين.
وتوضح كوندي: «عندما تنتقل العين من نقطة إلى نقطة وبسرعة، فإنها تكون أثناء الانتقال في حالة عمى، أي أنها لا تبصر الأشياء خلال الزمن القصير الذي تستغرقه عملية الانتقال بين النقطتين».
وتضيف: «أما في وضع التتبع السلس فلا توجد فترة عمى، حيث تقوم العين بتتبع حركة اليد باستمرار من البداية حتى النهاية».
وهناك تفسير لما يجعلنا نتابع حركة اليد، وهو أنه في حالة الخط المستقيم تعود العين إلى النقطة التي بدأت منها حركة اليد لمحاولة ملء الزمن الذي كان خلاله الدماغ في حالة عدم إبصار أثناء الحركة.
وأياً كان التفسير، فهذه الحركة يمكن أن تكون أداة مهمة في عملية النشل، وتواصل مارتينيز شرحها بالقول: «يستخدم النشال الحركة التي تناسب ما يريد سرقته، سواء بتركيز أو تشتيت انتباه الضحية».
وجاء في التقرير أنه «من الطبيعي أن أفضل وقت تتلاعب فيه بتركيز شخص ما هو ساعات المساء المتأخرة خصوصاً إذا كان ثملاً»، ويقول براون إنه قضى ليلة رائعة يراقب النشالين قرب النوادي الليلية وسط لندن.
جرائم النشل
ويضيف براون: «إنهم يبرعون في استخدام عدة أساليب، وأحد هذه الأساليب يتمثل في أن تقترب منك صبيّة على باب النادي الليلي وتشرع في محادثتك، وبينما تقوم بذلك تبدأ في التمايل راقصة، فتبدأ أنت بدورك في مجاملتها والتفاعل معها إلى أن تسقط على الأرض، فتتظاهر هي بالتهذيب وتمد يدها إليك لمساعدتك على النهوض، وربما يساعدك أيضاً صديق لها، وفي الصباح تكتشف أن ساعة يدك، وربما محفظة نقودك قد اختفيا».
وبعد كل ما قيل، يحرص براون على الإشارة إلى أن معظم السرقات تتم بطريقة انتهازية، ويضيف: «بعد أن قضيت بعض الوقت مع عصابات النشل الرومانية في منطقة لندن بريدج، كان من الرائع أن ترى أن مستوى المهارة أقل بكثير مما تتوقع، ومن الخطر إظهار هؤلاء الناس على أنهم أذكياء وبارعون، فالحقيقة أن معظم هؤلاء الناس لا يتمتعون بأي مهارات كما نظن، فمعظمهم مجرد لصوص انتهازيين».
لكنهم انتهازيون لدرجة استخدام التكنولوجيا الحديثة، ففي المستقبل القريب سيتبين لهؤلاء اللصوص أن جدوى قرصنة بطاقات الائتمان التي تعمل بطريقة مغناطيسية دون الحاجة إلى إدخالها في ماكينة الدفع ستكون بنفس أهمية قرصنة أدمغتنا وانتباهنا.
ويقول براون: «بدلاً من سرقة محفظة من أجل 20 أو 50 جنيهاً، وبالتالي المجازفة بأن يُقبض عليه، يمكن للنشال فقط السير في مكان مكتظ بالمارة ولمس جيوبهم، وسيحصل بالتالي على 20 جنيهاً من صاحب كل بطاقة وهو الحد الأقصى المسموح بدفعه بهذه الطريقة، وسيكون ذلك يوماً مربحاً للنشال».
إن إحاطتك بهذه الحيل من شأنه أن يجعلك أكثر حرصاً على ألا تكون ضحية للسرقة، وعلى الأقل، كما يقول براون، من الأفضل أن تكون متيقظاً في الأماكن العامة.
ويضيف: «اللص يتجنب الأشخاص الذين يبدون وعيًا بما يدور حولهم، فالرجل المتنبه جيداً الذي ينظر حوله في قطار الأنفاق، لن يقترب منه اللصوص».