رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
غربةُ الإنسان في عصرنا تركوني أنا ينبوع المياه الحي واحتفروا لأنفسهم آباراً، آباراً مشقّقة لا تمسك الماء" (ارميا ٢:۱٣). يؤكد غير قليل من المعطيات السائدة في بيئاتنا الاجتماعية أننا نعيش في عصر لا يقيم وزناً لفضائل مثل التيقظ الروحي والسهر على حفظ الحواس وصون النفس من الزلل. مجتمعاتنا الجادة في طلب السعادة عبر وسائل اللذّة والاستهلاك والتكنولوجية لم تعد تتحسس الابعاد الروحية للقيم كالجمال والطبيعة والفن والجسد... البشر جملةً في حركة متسارعة الى اللهو. كلام كثير يذاع هنا وثمّة عن "حقوق الانسان"، ومعظمه لا غاية له سوى استغلال الانسان وانتهاك حرماته أو بكلام آخر جعله باسم الحرية عبداً. هذا، ويذهب غير قليل من المحلّلين الاجتماعيين الى أن فلسفات الأنسنة والتي هي وليدة عصور "التنوير الغربي"، لم تترك مكاناً للبعد الروحي في حياتنا. حضارة اليوم تدعو كلّ واحد منّا وتمهّد له السبيل للاستغناء همّا هو ديني روحي، ليكتفي بالغايات الآنية لوجوده، فيرتاح الى ما يحقّقه من انجازات بشرية صغيرة كانت أم كبيرة، ويبني أهراءات المال والسلطة واللذة التي تؤمّن مستقبل مجتمعه واستقراره. غير أن الحقيقة الأكثر صدقاً أن انساننا المعاصر، العابث، إنما يتذرّع بفلسفات الانسنة وسواها ليبرّر إخفاقه في اكتناه الحقائق الروحية وعيشها. إننا عوضاً عن أن نواجه ذواتنا برصانة وصدق نميل في معظم الأحيان الى خلق الأعذار المبنية على الظروف والمعطيات الخارجية المتعدّدة والشديدة التعقيد، لنقول من ثم إن التعاليم الروحية للكنيسة أضحت بعيدةً عن الواقع لا صلة لها بالانسان المعاصر وتطلّعاته وأشجانه. لكن المحاسبة النزيهة للضمير تظهر غير هذا. ما ينكشف، حين نتحقق عن كثب من واقع المشكلة، أن الانسان اليوم هو بأمسّ الحاجة الى القيم المسيحية الروحية التي هي السبيل الأنجح بل الأوحد الى حلحلة أزماته وتهدئة اضطرابه. غير أن البشر يفضلون الهروب من كل هذا. الانسان المعاصر يخاف الدين وما فيه من إلزام ووعيد، لأن الشعور بالذنب يُثقل كاهله. صورة الإله القاضي حامل الميزان في يمناه ليحاسب بصرامة كلاًّ عمّا فعل باتت منفّرة تكسر ظهر الانسان عوضاً عن أن تساعده. هذه الصورة الحقوقية لله والتي كرّسها لاهوت الغرب مع ترتوليان، مروراً بأوغسطين وأنسلمس ووصولاً الى سخولاستيكيّة الإقويني ومن حذا حذوه، جعلت الناس يجحدون الاله. ما لا شك فيه أن "اللاهوت المسيحي" في بعض اتجاهاته المدرسيّة قد أذنب إذ خسر كل إمكانية في محاورة الناس، بل جعل الانسان المعاصر يفقد غايته، يفقد الرؤيا السليمة في حياته التي كان علم اللاهوت وحده قادراً على تزويده بها. فحين ينزاح اللاهوت عن مساره الأصيل، يميل البشر الى إرواء عطشهم إما من روحانيات غريبة، وإما بالإقبال الأعمى على اللذة وأسبابها، أو بنوع من اللامبالاة وعدم الحسّ... "اللاهوت المسيحي" يذنب حين يفقد أصالته، يفقد رسالته الرعائية التبشيرية وإمكانية شفاء الانسان وبلسمة جراحه. لا يعود اللاهوت ذاك السامري الشفوق الذي ينحني ليرفع الانسان من وهدة جراحه. يُضحي صيغاً فكرية عقيمة لا تسلّي سوى المتحذلقين عوض أن يكون منهاجاً لشفاء الانسان "لتكون له حياة (بالاستنارة) وليكون له افضل (بالتمجيد)" (يوحنا ۱٠:۱٠). وحدها اسرار الكنيسة قادرة اليوم على انتشال الانسان من دوامة الظروف الحياتية التي تسيّره وتستعبده. ولكن مفتاح هذا كلّه يبقى ذلك الشعور الذي انتاب الابن الشاطر حين اشتهى أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله، ولم يستطع. ساعتئذٍ، يخبرنا الإنجيل، أنه "رجع الى نفسه... وقال أقوم أذهب الى أبي وأقول له أخطأت يا ابي الى السماء وأمامك..."(لوقا ۱٥:۱٧-۱٨). هذا الشعور بسوء حالنا، وحاجتنا الى المسارعة الى المسيح هو سرّ التوبة، الذي به وحده يمكن خلاص إنساننا اليوم. |
08 - 10 - 2014, 04:11 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | |||
..::| مشرفة |::..
|
رد: غربةُ الإنسان في عصرنا
روعه ربنا يباركك يا غاليه ماري
|
|||
08 - 10 - 2014, 10:22 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: غربةُ الإنسان في عصرنا
شكرا على المرور
|
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
لو المسيح في عصرنا |
أيقونة عصرنا |
القداسة: هل هي ممكنة في عصرنا؟ |
فى عصرنا هذا من يصلب المسيح ..... ؟؟ |
اخر نصيحة لذهبى فم عصرنا..! |