المحبة العملية لا بالكلام و لا باللسان
,بل بالعمل و الحق(1يو3:18)
لقداسة البابا شنوده الثالث
كثيرون يدعون أنهم يحبون الناس.
وتكون عبارة الحب مجرد لفظة من ألسنتهم,وليست مشاعر في قلوبهم,كما لا يظهر هذا الحب أيضا في معاملاتهم!!
وقد يقولون أيضا إنهم
يحبون الله بينما يكسرون وصاياه كل يوم!!
لذلك كله قال القديس يوحنا الحبيب:
يا أولادي,لا نحب بالكلام ولا باللسان
بل بالعمل والحق(1يو3:18).
هذه المحبة العملية هي التي يريدها الله منا في تعاملنا معه
ومع الناس.وليس في كلامنا...
لقد اختبر بطرس الرسول في هذا الأمر في ليلة الخميس الكبير.
قال للسيد الربوإن شك فيك الجميع,فأنا لا أشك أبدا...
وأن إضطررت أن أموت معك,لا أنكركمت26:33-35
إني مستعد أن أمضي معك حتي إلي السجن وإلي الموتلو22:33...
أما ما حدث عمليا,فهو أن بطرس أنكر سيده ومعلمه ثلاث مرات
وأمام جارية لذلك قال له الرب بعد القيامةيا سمعان بن يونا
أتحبني أكثر من هؤلاء؟!يو21:15-16..
وكان يقصد المحبة العملية,
وليست محبة الكلام واللسان...
ولكن بطرس الذي أنكر
أثبت محبته العملية فيما بعد..
حينما احتمل السجن والجلد من أجل إيمانه وكرازته
هو وباقي الرسل
وكانوا فرحين لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمهأع5:41
وبرهن بطرس أيضا علي محبته العملية للرب ,
حينما رفض تهديد رئيس كهنة اليهود
وقال في جرأةينبغي أن يطاع الله أكثر من الناسأع5:19
.بل برهن علي محبته العملية للرب
حينما ختم كرازته بقبوله أن يموت من أجله مصلوبا ومنكس الرأس...
أبونا إبراهيم أبو الآباء والأنبياء,برهن عمليا علي محبته:
فعل ذلك,حينما أطاع دعوة الرب,
وخرج من أهله وعشيرته وبيت أبيه
وسار وراء الرب إلي الجبل الذي أرشده إليهتك
12:1خروج وهو لا يعلم إلي أين يذهب عب 11:8.
وبهذا أثبت أن محبته لله
هي أعظم من محبته للأهل والوطن.
وامتزجت محبته لله بالطاعة بل أنه برهن عمليا علي محبته لله بأسلوب أعمق
حينما قبل أن يقدم ابنه وحيده الذي يحبه إسحق,
الذي نال المواعيد بسببه...
قبل أن يقدمه محرقة
ورفع عليه السكين,ضاغطا علي كل مشاعره الأبوية,
لأجل محبته لله.وهنا امتزج الحب بالطاعة,وبالتضحية والبذل..
المحبة العملية هي المحبة الباذلة
التي فيها يعطي الإنسان:يبذل وقته وجهده وماله,
وكل شئ
ويقدمه لأجل الذي يحبه..
وعندما تنمو المحبة وتصل إلي كمالها
يبذل ذاته أيضا
كما قال السيد الرب: ليس لأحد حب أعظم من هذا
أن يضع أحد نفسه عن أحبائهيو15:13.
وبهذا كان حب الشهداء لله,هو أعظم ألوان الحب,
لأن فيه بذل الذات...
وفي مقدمة هذاالحب,بذل السيد المسيح ذاته عنا...
وهكذا بين محبته لنالأنه ونحن بعد خطأة,مات المسيح لأجلنا رو5:8..
مات البار لأجل الأثمة والفجار.
وكان علي الصليب ذبيحة حب لأنههكذا أحب الله العالم,حتي بذل ابنه الوحيد,لكي لا يهلك كل من يؤمن به
بل تكون له الحياة الأبدية يو3:16
ويقول الرب في هذا أيضا إن الراعي يبذل نفسه عن الخرافيو10:11
هذا هو مقياس المحبة: البذل والعطاء...
يبذل الإنسان كل شئ...ويعتبر كل شئ رخيصا في سبيل من يحبه..كشعور الأم من جهة رضيعها
هي تعطيه كل ما تستطيع
وفوق ما تستطيع.وتجد لذة في إعطائه,في بذل راحتها لأجل راحته,وصحتها لأجل صحته,
إنها مثال للحب الذي يعطي لذلك ضرب الله هذا المثل في محبته لنا:
حتي إن نسيت الأم رضيعها,هو لا ينسانا1ش49:15.
ويعطينا القديس بطرس الرسول مثالا آخر في محبة الرب, إذ قال له:
تركنا كل شئ وتبعناك
من أجل محبتهم له,تركوا البيت والأهل والعمل وساوا وراءه
وهم لا يعلمون إلي أين يذهبون.. متي الرسول,
لما دعاه الرب وهو في مكان الجباية, عبر عن محبته بأن ترك مكان الجباية وتبعه مت9:9,
تاركا الوظيفة والمال والمسئولية... وكذلك المرأة السامرية,
تركت جرتها وذهبت إلي المدينة لتبشر به
يو4:28
وكذلك تلاميذه الصيادون: يعقوب ويوحنا وبطرس وأندراوس تركوا الشباك,وتركوا السفينة وتبعوه مت4:18-22
والقديس بولس الرسول يقول في ذلك:
خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح,وأوجد فيهفي3:8, 9.
خسر كل شئ,ولم يندم عليه,بل حسبه نفاية..
ويقول أكثر من هذا:ما كان لي ربحا فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة.
بل أني أحسب كل شئ أيضا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي في3:7.
نفس الوضع بالنسبة إلي موسي النبيكان أميرا في القصرابن ابنة فرعون محاطا بكل مظاهر الرفاهية والعظمة,
ولكنه من أجل محبة الشعب,ومن أجل خدمة الله,
ترك كل شئ وهكذا لما كبر,أبي أن يدعي ابن ابنة فرعون
مفضلا بالأحري أن يذل مع شعب الله...
حاسبا عار المسيح غني أعظم من خزائن مصر...عب11:24-26.
كذلك أيضا كان آباء البرية الرهبان والنساك تركوا كل شئ .
وسكنوا في الجبال والقفار,في المغائر وشقوق الأرض من أجل عظم محبتهم للملك المسيح.
فقد كل شئ قيمته في نظرهم,العالم وكل ما فيه...
عندما تدخل محبة الله في قلب إنسان,
يحدث أن يكون في القلب شئ أو أشياء من أدران هذا العالم ولكن كلما تزداد محبة الله في القلب,
تتناقص بنفس القياس هذه الأدران
وتطرد محبة الله كل ما في القلب من أمور العالم
وحتي تنتهي جميعا ويبقي الله وحده,وتنطبق وصية تحب الله من كل قلبك مت22:37
إذن من علامات المحبة العملية,زوال محبة العالم من القلب.
وفي ذلك قال معلمنا يوحنا الرسول لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم إن أحب أحد العالم,
فليست فيه محبة الآب1يو2:15.
هل تظنها محبة حقيقية,أن يدعي أحد بأنه يحب الله,بينما يقبض يده عن دفع العشور والبكور؟!
أو يقف قلبه مترددا بين محبة الله ومحبة المال!!
إن المحبة العملية نحو الله والناس,
وهي أن يشرك المحتاجين في ماله
حتي لو تعب بعض الشئ في تدبير أموره المادية...
إن المحبة العملية تحتمل التعب لأجل من تحبه..
وهكذا نري السيد المسيح يقول لملاك كنيسة أفسس:
أنا عارف أعمالك وتعبك وصبرك...
وقد احتملت,ولك صبر,وتعبت من أجل اسمي ولم تكل رؤ2:2, 3.
حقا,إن كل الذين أحبوا الله,تعبوا من أجله ووجدوا لذة في هذا التعب.ويقول القديس بولس الرسول كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه1كو3:8.
ويقول أيضا في رسالته إلي العبرانيين إن الله ليس بظالم حتي ينسي عملكم
وتعب المحبة التي أظهرتموها نحو اسمه,إذ قد خدمتم القديسين وتخدمونهمعب6:10.
لذلك فإن الرسول يشجع علي بذل المزيد من التعب في العمل لأجل الرب قائلا:
إذن يا إخوتي الأحباء كونوا راسخين غير متزعزعين
مكثرين في عمل الرب كل حين,عالمين أن تعبكم ليس باطلا في الرب1كو15:58.
وأيضا نظهر محبتنا للناس,بتعبنا لأجلهم..يعقوب أبو الآباء
تعب كثيرا من أجل محبته لراحيل خدم لأجلها سنوات طويلة, قال عنها كنت في النهار يأكلني الحر,
وفي الليل الجليد,وطار النوم من عيني تك31:40.
ويقول الكتاب عن تلك السنوات فخدم يعقوب براحيل سبع سنين.
وكانت في عينيه كأيام قليلة بسبب محبته لها تك29:20.
مثال آخر في محبة أبينا إبراهيم لابن أخيه لوط.في حرب كدر لعومر سبي لوط هو وأهل سدوم..
وهنا يقول الكتاب فأتي من نجا وأخبر إبرآم العبراني...
فلما سمع إبرآم أن أخاه لوطا قد سبي,جر غلمانه المتمرنين,ولدان بيته ثلاثمائة وثمانية عشر....
واسترجع كل الأملاك,واسترجع لوطا أخاه أيضا وأملاكه,والنساء أيضا والشعب تك14:13-16
هنا المحبة العملية,فيها النخوة والشجاعة والإنقاذ.
وتظهر المحبة العملية في قصة أرونة اليبوسي:حدث لما أراد داود النبي أن يشتري بيدر أرونة اليبوسي,
لكي يقيم فيه مذبحا للرب,قال أرونة لدواد:فليأخذه سيدي الملك...انظر البقر للمحرقة.والدوارج وأدوات البقر حطبا.الكل دفعه أرونة المالك للملك2صم24:21-23
أراد أن يتبرع للكل من أجل حبه لله وللمذبح وللملك داود.ولكن داود النبي قال لأرونة في حكمةلا,
بل أشتري منك بثمن ولا أصعد للرب إلهي محرقات مجانية...2صم 24:24.
كذلك المحبة الروحية تظهر عمليا في مجالات الخدمة..
تظهر في تعب الرعاية والافتقاد والتعليم
في الأسفار والسهر وحل مشاكل الناس
والتعب في الإقناع,وفي الصبر.
أما الذي لا يحتمل كل هذا,فلا تكون محبته عملية.أنظر إلي بولس الرسول ومحبته لملكوت الله
كيف يقول:بل في كل شئ تظهر أنفسنا كخدام لله,في صبر كثير,في شدائد في ضرورات في ضيقات,في ضربات في سجون في اضطرابات,في أتعاب في أسهار في أصوام...في محبة بلا رياء...بمجد وهوان
بصيت ردئ وصيت حسن2كو6:4-8..
.وهكذا كانت محبته لله وملكوته محبة عملية...ولم يكتف بأن يصلي ويقولليأت ملكوتك...
إننا -كتعليم الكتاب- ننادي بالإيمان والأعمال معا..فالإيمان بدون أعمال ميتيع2:17, 20
أما الإيمان المقبول عند الله,فهو الإيمان العامل بالمحبةغل5:6.والمحبة شجرة ضخمة,
لها ثمارها الكثيرة الشهية,ومن ثمارها تعرفونهامت
7:20
فما هو ثمر المحبة الذي يظهر في حياتنا العملية,من نحو علاقتنا بالله والناس؟
ما هي محبتنا العملية نحو الخطاة,ونحو المحتاجين؟
هل نحتقر هؤلاء الخطاة ونبعد عنهم
أم نوبخهم وننتهرهم؟
أم نقودهم بوداعة إلي التوبة,حسبما قال الرسولإن انسيق إنسان فأخذ في زلة,فأصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذه بروح الوداعة ناظرا إلي نفسك لئلا تجرب أنت أيضا.
احملوا بعضكم أثقال بعض غل6:1, 2.
وهكذا في محبة شفع إبراهيم في سادوم تك 18
وشفع موسي في الشعب خر22.
لابد من جهاد لأجل الساقطين لكي يعودوا إلي الله.
كما قال داود النبي في المزمورلا أدخل إلي مسكن بيتي,ولا أصعد علي سرير فراشي,ولا أعطي لعيني نوما,
ولا لأجفاني نعاسا,ولا راحة لصدغي,إلي أن أجد موضعا للرب ومسكنا لإله يعقوبمز132.
لتكن محبتنا أيضا للفقراء محبة عملية..فلا نكتفي بمجرد مشاعر الإشفاق
أو بإلقاء العظات وكتابة المقالات عن ذلك,وأنما نعطي حتي من أعوازنالو21:4.
ولعل من أبرز الأمثلة القديس سرابيون الذي باع إنجيله وأعطي ثمنه لفقير.ورأي فقيرا آخر عريانا فأعطاه ثوبه.
وعاد إلي قلايته بلا إنجيل ولا ثوب.
فلما سأله تلميذه أين إنجيله؟أجاب القديس قائلا:لقد كان الإنجيل يقول ليبع كل مالك وأعطه للفقراءمت19:21
ولما لم يكن عندي شئ أملكه سوي الإنجيل,فقد بعته وأعطيت ثمنه للفقير...وتظهر المحبة العملية في الحياة الاجتماعية..
مثال ذلك راعوث التي رفضت أن تذهب إلي حماتها وحدها بعد موت ابنها.
بل قالت لها:لا أتركك حيثا ذهبت أذهب,وحيثما مت أموت.شعبك شعبي,
وإلهك إلهي إنما الموت هو الذي يفصل بيني وبينك را 1:16
17.
وهكذا فعلت ,ولم تترك حماتها وحدها..أخيرا لعل القديس بولس الرسول قد وضع لنا برنامجا عن المحبة العملية في1كو 13
ليت الله يعطينا مجالا للتأمل في ذلك البرنامج,إن أحبت نعمته وعشنا.