28 - 08 - 2014, 02:04 PM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
ما هو الفساد ؟ هناك دون شك مجموعة طرق لتحديد الفساد، أكثرها انتشاراً على المستوى العالمي التعريف التالي الذي "تعتمده منظمة الشفافية الدولية"(3): «الفساد هو عيب ينال من سلطة عامَّة أو خاصَّة يجعلها تسعى لتحقيق مصالحها الشخصيَّة». وهذا التعريف يعني خصوصاً الفساد السلبي أو الإيجابي الذي يقع فيه موظفون في مؤسسات عامَّة أو أصحاب المنشآت الخاصة.
هناك تعريف آخر تعتمده "إدارة التنمية والتعاون" (DDC): الفساد هو ما يقوم به أشخاص عهدت إليهم مهمَّات عامَّة أو خاصَّة عندما يتخلون عن واجباتهم بهدف الحصول على مكاسب لا تحقُّ لهم من أي نوعيَّة كانت. فيما يكتفي عالم الاقتصاد والأخلاقيات "بيتر أورليخ" بالتحديد المختصر التالي: الفساد هو استغلال الخير العام من أجل مصالح خاصَّة.
أمَّا المفكِّر العربي "عزمي بشارة"، فيحدده كما يلي:(4)
يصم المعنى الدارج على ألسن العرب بالفساد الاستفادة الشخصية من التعامل مع الشأن العام بحكم الوظيفة أو الموقع، وذلك بإدخال اعتبارات ليست ذات علاقة، ولا تمت للشأن العام بصلة بل قد تضر به. وبكلمات غير دارجة غياب الفصل بين الحيز العام والحيز الخاص، وبين المال العام والمال الخاص. وتقوم الإدارة الحديثة لشؤون الدول والمجتمعات على افتراض أن القرار العقلاني بالشأن العام يتخذ على أساس الصالح العام، وان الفرد، مهما عظم شأنه وعلا مركزه وكثرت صلاحياته، لا يمثل ولا يجسد بشخصه أو بمزاجه أو بجيبه المصلحة العامة، وانه إذا كان على رأس عمل عام، فإنه يحمل صفتين صفة خاصة وصفة عامة. ومهما كانت هذه الصفات متنافرة أو ومتداخلة إلى أن يصبح شأن الخاص شأناً عاماً، إذ قد يشعر المجتمع بأن من حقه معرفة تفاصيل صحة الشخصية العامة وميولها وما إلى ذلك، إلا انه يبقى هنالك فصل بين الصالح العام وصالحه الخاص، أو صالح أسرته، أو أصدقائه، أو أقربائه.
ويتابع توصيف حالة الفساد، خصوصاً عندما تنتشر وتستشري في مجتمع ما:
ينتشر.. قانون الفساد من القمة إلى القاعدة، مثل الخيط الناظم لحبات متناثرة من المصالح المتناثرة التي لا تؤسس لصالح عام أو لبناء أمَّة، حتى يكاد الفساد يصبح نمط إنتاج قائم بذاته. الراتب هو دخل البؤساء وحدهم. وهو في حالة الفساد مجرد بقشيش يضاف إلى الدخل الحقيقي الناجم عن استغلال الصلاحية أو الوظيفة أو السطوة أو القوة أو علاقات القرابة والنسب. والفساد هو عملياً عملية إعادة توزيع "أكثر عدالة" للدخل. ولكن إعادة التوزيع هذه تتم بدَوس المواطن وسحقه، أي بتحويل حقوق يستحقها المواطن إلى رهائن تحرر مقابل فدية. وتدفع الفدية مقابل الحقوق ذاتها، أو مقابل النجاعة وعدم التأجيل، أو مقابل التخلي عن "تطليع الروح" وهو اختصاص قائم بذاته. أو يتم التأثير على قرارات هيئات مقابل المال، أو يتم استغلال النفوذ السياسي لتسهيل التراخيص والمعاملات مقابل نسبة مئوية، أو لإعاقتها وعرقلتها بدون مقابل، ولو كانت عرقلتها ضد الصالح العام.
لا شكَّ في أنَّ الفساد هو أحد أكبر العوائق التي تقف في وجه التنمية، فهو يجعل وسائلها تفقد الجزء الأكبر من فعاليتها. الفساد ينخر روح العدالة في المجتمع، يُنهك الفعاليات الديموقراطيَّة ويعزِّز الطغيان، يجعل الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقراً.
تنتشر ظاهرة الفساد في العالم بأسره، بدرجات متفاوتة دون شك، لكن باتساع يكاد لا يحتمل استثناء. بالطبع يمكن ملاحظة ظاهرة الفساد بشكل أكثر وضوحاً في البلدان النامية أو التي تمرُّ بمرحلة انتقاليَّة، إلاَّ أنَّ كبريات الشركات والمؤسسات العالميَّة كثيراً ما تكون متورطة في جانب من ظاهرة الفساد ومشاركة فيها بشكل فعَّال أو متواط.
ولا يمكن الحديث عن محاربة الفساد، يؤكد عزمي بشارة، «وبالتالي عن نمو اقتصادي اجتماعي ولا يجوز التشدق بالديموقراطية والحريات من دون تطبيق سيادة القانون والمساواة أمام القانون والفصل بين الحيز العام والخاص. ويطرح بحق السؤال: هل في الإمكان تطبيق ذلك كله من دون رقابة سلطة لسلطة، ومن دون حرية إعلام واستقلال القضاء؟..»(5)
لهذا السبب تتكوَّن أكثر فأكثر القناعة بأنَّ مشاركة المجتمع الأهلي ومؤسساته المدنيَّة والدينيَّة على السواء، في التوعية والجهود المبذولة، لهو أمر لا غنى عنه من أجل الوصول إلى تعامل مع الظاهرة يتَّسم بالجديَّة. وهذا ما سنحاول المساهمة به مهتمين بشكل خاص بدراسة الجانب الأخلاقي والموقف الديني والروحي المنسجم معه.(6)
|