الوظيفة الملكية
ان المسيح بتجسيده كرّس الطبيعة البشرية وقدّسها ودخل في مجد ملكوته وهويتابع بروحه عمل التكريس والتقديس هذا في العالم بواسطة أعضاء جسده. هذا ما نسميه وظيفة العلمانيين الملكية. فهي تقوم على استكمال عمل المسيح على مر التاريخ وبوقة روه إلى ان يصبح المسيح كلاً في الكلّ ويكتشف ملك الله أي ملك الحقّ والحياة كملك العدل والمحبة والسلام. ويعود اتمام هذه الرسالة بدرحة اولى إلى العلمانيين نظراً لنشاطهم الدنيوي وخبرتهم واختصاصهم في مختلف الملجالات الاجتماعية والعلمية والثقافية والاقتصادية.
الكنيسة برمتها موهبانية: يقول المجمع الفاتيكاني: إن شعب الله المقدّس يشارك اينما في مهمة المسيح النبوية (12). وهذا يعني ان جميع المعمدين يتحلون بمواهب الروح القدس وهم بالتالي متساوون ومدعوون للاسهام بخدمتهم في بناء جسد المسيح. وفي هذا الصدد جاء في الدستور العقائدي في الكنيسة ما يلي: وان كان البعض قد اقيموا بإرادة المسيح معلمين وكلاء اسرار الله ورعاة لغيرهم، فالجميع متساوون في الكرامة وفي العمل المشترك لبنيان جسد المسيح. والتعبير الذي وضعه الربّ بين الخدّام المكرسين وبين سائر شعب الله، يتضمن علاقة تجعل الرعاة يرتبطون بسائر المؤمنين ارتباطاً لازماً. فرعاة الكنيسة على مثال الربّ يخدم بعضهم بعضاً ويخدمون سائر الذين يعاونون الرعاة والمعلمين بطيب خاطر. وهكذا على الرغم من تنوعهم ، يؤدي الجميع شهادة للوحدة العجيبة في جسد المسيح. وهذا التنوع عينه في النعم والخدم والأعمال يجمع أبناء الله في الوحدة لأن هذه المور جميعها يعملها الروح الواحد عينه (32).
نلاحظ ان المجمع يثبت المساواة الحقيقية بين جميع افراد شعب الله. فكلهم مدعوون للاسهام في بناء جسد المسيح، لان الروح يوزع مواهبه على كلّ واحد منهم:"كلّ واحد يتلقى من تجليات الروح للخير العام. فأحدهم يتلقى من الروح كلام الحكمة، والآخر يتلقى وفقاً للروح تفسير كلام المعرفة، وسواه الإيمان في الروح نفسه..(1 قورنتس 12). وعليه يحق لكلّ واحد بل يجب عليه ان يمارس هذه المواهب لصالح البشر وبناء الكنيسة. ولكن هناك علاقة تربط الاعضاء بعضها ببعض وهي علاقة خدمة متبادلة بحيث ان تنوع المواهب والوظائف لا يتعارض مع وحدة الجسد.
فالموهبة هي نداء ودعوة من الله إلى الفرد ليقوم بخدمة معينة في الجماعة وهذه الدعوة تجعل المدعو قادراً أيضاً على اتمام هذه الخدمة. فهي اذن ظاهرة تهم الكنيسة بكاملها أي تهم كلّ مؤمن بوصفه عضواً في جماعة الكنيسة الواحدة. فلا يمكننا والحالة هذه ان نحصر مالموهبة في اصحاب الخدمة من رجال الدين، ففي نص الأولى إلى أهل قورنتس، يعدد بولس المواهب الوظيفية (كلام الحكمة وكلام المعرفة) وغير الوظيفية في قائمة واحدة. ولذلك نقول ان الكنيسة بوصفها جماعة المؤمنين هي برمتها موهبانية، فتنوع المواهب يهدف إلى مصلحة الجميع في بناء جسد المسيح الواحد كما ان هذه المواهب تؤلف بعضها مع بعض وحدة متناسقة تحت عمل الوح الواحد مصدرها، وفي سبيل هذه هدف واحد إلاّ وهو بناء جسد المسيح.
غير انه إذا كان مبدا التنسيق بين هذه المواهب هو الروح القدس، فللسلطة الكنسية دور أيضاً في التنسيق بين هذه المواهب والخدمات في الكنيسة. ولكن السلطة الكنسية لا تستيطع القيام بمهمتها على الوجه السليم إلا بمقدار ما ترجع هي نفسها إلى المعيار الداخلي، أي إلى الروح، وبمقدار ما لا تستأثر بهذه المهمة.
فالكنيسة ككل هي اذن صاحبة الخدمة وعليها ان تشهد العالم بحضور المسيح الخادم لن الروح القدس قد أفيض في جميع المؤمين، وهذا يعني ان مهمة الرعاة ومهمة الجماعة تنحدران كلتاهما من قدرة رب الكنيسة ومن روحه. فالروح القدس هو مصدر كلّ موهبة والاساس الأوّل لكلّ بنية كنسية. هذا هو مفتاح تعليم بولس الرسول في الخدمات الكنسية.