لكن نجّنا من الشرير،آمين
التجارب الواردة في الطلبة السابقة مباشرة للصلاة الربانيّة، أثارها ويثيرها الشيطان الذي يسمى هنا الشرّيركما قال المسيح، وفي هذه الطلبة يريد منّا المسيح أن نطلب من الله الآب كي يخلصنا من الشرير.
الشيطان ليس قوة وهميّة، وليس حالة الشرّ كما تعلّم الفلسفة والأخلاق الإنسانيّة، لكنّه شخص خاص؛ فقد كان ملاكًا وفقد الشركة مع الله فأصبح روحًا مظلمة. جاء المسيح إلى العالم ليُبطل أعمال الشيطان لأجل هذا أُظهر ابن الله لكي ينقض أعمال ابليس(1يو8:3). ظهر الشيطان في الصحراء ليجرّب المسيح، وقد خلق عثراتٍ كثيرًة. وهذا ما رآه كثير من القدّيسين وحاربوه بقوّة المسيح.
في هذه الطلبة للصلاة الربانية، يُوصَفُ الشيطان بالشرير، وتدّل هذه الكلمة على معانٍ كثيرة. في معناها الأول، الشّرير هو ذاك الذي يتعذب بالجسد من الأتعاب لأن هذه الصفة تأتي من الفعل أتألم، ولاحقاً دلّت كلمة الشّرير وتدّل على التعاسة والشرّ والدناءة . مع هذه الطلبة دَعينا الشيطان شريرًا، وخاصّة بالمعنى كليّ المكر الذي يستخدم كلّ شيء ليجعل الإنسان دائمًا بعيدًا عن الله. وفي مكان آخر دعا المسيح الشيطان شريرًا كما في مثل الزارع يأتي الشّرير ويخطف ما قد زُرع في قلبه (مت 19:13).
وصف الرسل أيضًا الشيطان بالشرّير المولود من الله يحفظ نفسه والشرّير لا يمسّه (1يو18:5). ودعوة الشيطان بالشّرير يدّل أن الشرّ ليس حالة طبيعية لطبيعتنا، بل هو نتيجة اختيارنا. لم يجبل الله الإنسان لأن يكون سيئًا، بل هذا الشرّ قد دخل كنتيجة للخطيئة، وللعصيان لله الخيّر وإطاعًة للشيطان الشّرير. المَكر صفة معروفة للشيطان أيّ عنده شرّ بالغ، هو يحاربنا باستمرار دون أن نظلمه. الشيطان شّرير في طبيعته، لهذا لا يستطيع أن يتوب. بينما الإنسان يتوب ويقبل محبة الله. بعد ذلك وصف المسيح الشيطان بالشّرير ليعلّمنا أنّه لا يجب أن نتخاصم مع البشر لأيّ سبب سببوه لنا، لأنهم ليسوا هم من يهاجموننا بل الشيطان سبب الشرّ. فهو يحرّض البشر أن يؤذونا. ولهذا ينبغي علينا أن نحوّل عداءنا إلى الشيطان وليس إلى الناس.
شرّ الشيطان كبير. وهو ماكرٌ أيضًا، ومحتال، يعمل فينا لأن نخطئ ونبتعد عن الله. نعرف من العهد القديم أن الجبّلة الأولى سقطت في الخطيئة بفكر صالح أيّ بأمل التأله، تظاهر الشيطان أنه يهتم بتألههم وأرشدهم لطريق آخر مختلف عن ذاك الذي أرشدهم إليه الله. الشيطان هو لاهوتيٌ أيضًا، لكنّه يحرّف الأمور، فهو لاهوتيٌ سيء. أرشد الإنسان، قبل ارتكاب الخطيئة، بأن الله محبٌ للبشر وسيغفر له الخطيئة التي سيقترفها. لكن بعد ارتكاب الخطيئة أوحى إليه أن الله قاسٍ ولن يغفر له أبدًا. وبهذه الطريقة يحاول أن يرميه في اليأس والقنوط. وأيضًا يحارب الإنسان من خلال الأهواء والأفكار والتخيلات والرغبات وحوادث الحياة وبكلّ الحالات التي يعيشها الإنسان. وفي كلّ حالة يتناسب بطريقة ليرمي الإنسان إما في اللامبالاة أو في اليأس.
الحرب الكبيرة للشيطان ضدّ الإنسان التي تُظهر شرّه هي حرب الأفكار. شرّه هو حرب الأفكار. وبسبب هذا بالضبط يتعلّم الإنسان في الكنيسة مواجهة الأفكار، وبهذا الأمر يتمّ التدريب. وهذا منهج النسك. ففي كتب النسك الكنسيّة مثل الفيلوكاليا والييرونديكون وأعمال الآباء القديسين، يستطيع الإنسان أن يجد الطرق التي يحارب الشيطان بواسطتها.
وطبعًا يلعب الأب الروحي دورًا مهمًا في هذا. وبصورة عامة، تواجَه الأفكار إما بالاحتقار الذي يتمّ بالإيمان بالله، أو بطردها وخاصة بصلاة يسوع ياربّ، يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ، وبتنمية الأفكار الصالحة تجاه كلّ مطلب من الإنسان.
بهذه الطلبة للصلاة الربّانية، يعلّمنا المسيح أن نطلب من الله أن يخلّصنا من الشّرير، فالشيطان لديه قوة كبيرة وخبرة كثيرة، فهو مجّندٌ أبدي، أما الإنسان فضعيف وعديم القوة. الله وحده يستطيع أن يساعدنا في هذه الحرب طالما أنّ المسيح انتصر على الشيطان وأعطى الإمكانيّة لكلّ إنسان بقوته أن ينتصر عليه. شرّ الشّرير يواجَه بحكمة الله الكلي الحكمة.