رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القلـق: أسبابه وعلاجه بقلم قداسة البابا شنوده الثالث القلق شعور يقع فيه كثير من الناس. وقد يكون حالة مؤقتة، شيئاً عارضاً ويزول. أو قد يصبح طبعاً عند البعض، أو مرضاً نفسياً يحتاج إلى علاج. «« الإنسان الروحي، أو الإنسان السَّويّ، نراه باستمرار يعيش في سلام قلبي مهما كانت الظروف الخارجية ضاغطة. وتملك البشاشة على تصرفاته والفرح الداخلي والإطمئنان. أمَّا القلق فهو ضد السلام والفرح، وضد البشاشة والإطمئنان. وهو ضد الإيمان أيضاً، أقصد الإيمان بحفظ اللَّه ورعايته. هوذا دواد النبي يقول للَّه في المزمور: " إن سِرْت في وادي ظلّ الموت، لا أخاف شرَّاً، لأنَّك أنت معي ". ويقول أيضاً: " إن يحاربني جيش، فلن يخاف قلبي. وإن قام عليَّ قتال، ففي ذلك أنا مطمئن "... «« في القلق يتصوَّر الإنسان أو يتخيل أمور سيئة جداً يتوقَّع أن تحدث، ورُبَّما لا تحدث على الإطلاق! ولكنه بسبب تخيلاته وتوقعاته يصير قلقاً، ويستمر قلقه... «« وللقلق أسباب كثيرة. منها أن يكون الإنسان قد ارتكب غلطة كبيرة أو خطية مخجلة، ويخاف أن تنكشف. وانكشافها يسبب له عاراً أو فضيحة، أو إساءة إلى سمعته. فيظل قلقاً: هل سينكشف الأمر؟ هل ستُعرف الحقيقة؟ وإن عُرِفت، ماذا سيحدث؟ يا للهول! ويزداد القلق... من أجل هذا، نسمع أن بعض الذين ارتكبوا جريمة قتل يحومون في الأيام الأولى حول مكان الجريمة، ليتأكدوا من أنهم لم يتركوا أي أثر يدل عليهم، وأن أمرهم لم يُكتشف بعد... وكل ذلك من مشاعر القلق التي في داخلهم... «« هناك قلق عند البعض حسب طبيعتهم، كالأطفال إذ يخافون فيقلقون. وأيضاً بعض النساء: إذا غاب ابن أو ابنة لواحدة منهنَّ، تظل في قلقٍ عليه: ما سبب غيابه أو تأخره؟ هل حدث له سوء؟! وتظل قلقة حتى يرجع. ومن نفس النوع، بعض صغار النفوس الذين يضطربون بسرعة، ولا يعرفون كيف يتصرَّفون، فيقلقون. ولذلك فإن اللَّه يأمرنا أن نُشجِّع صغار النفوس، ونسند الضعفاء. «« القلق أيضاً يتعب الفتيات اللائي ينتظرنَ الارتباط الزوجي، بحيث مَن يأتي ليخطب واحدة منهنَّ، تظل في قلق: هل تعجبه أم لا تعجبه؟ هل يكمل أم يمضي ولا يعود؟! أتذكَّر أنني كنت أذهب للوعظ في إحدى مدن الوجه البحري منذ 45 عاماً، وأتتني فتاة تطلب الإرشاد. وقالت لي إنها خائفة جداً. سيأتي عريس لمقابلتها، وهى مرتبكة لئلا لا تعجبه فيمضي كما مضى غيره... وهكذا كان حالها مع كل مَن يأتي لخطبتها. فقلت لها: " يا ابنتي، مُجرَّد مقابلتك له بهذا الارتباك والانزعاج، رُبَّما يجعله يخاف من الارتباط بكِ! ". نصيحتي للبنات في مقابلة العرسان، أن تكون لهنَّ ثقة بالنَّفس ولا يقلقنَ. وإن ذهب الخطيب، سيرسل اللَّه مَن هو أفضل. «« هناك قلق آخر قد يصيب بعض المرضى وهم ذاهبون إلى الكشف الطبي: هل سيكشف الطبيب عن مرض يصعب شفاؤه؟ وهل هذا الكشف هو بدء قصة طويلة في التعامل مع المرض والأطباء؟ وهل هو بدء طريق الآلام؟ لهذا يقلق البعض في الذهاب إلى المستشفى، أو إلى طبيب أخصائي في مرض مُعيَّن. أو يقلق جداً في الدخول إلى حجرة العمليات، وفي قلقه تكثر صلواته ونذوره. ورُبَّما لا يكون الأمر خطيراً، وسيخرج معافى بالأكثر! «« نوع آخر من القلق يتعب التلاميذ في قُرب الامتحانات: رُبَّما أسئلة الامتحان ستكون صعبة ولا يستطيعون الإجابة! وأيضاً رُبَّما تكون النتيجة على غير ما يريدون. ويظل القلق يتعبهم فيرتبكون. وفي كل ذلك يحتاجون إلى مَن يطمئنهم ويريح نفوسهم، تماماً مثلما يحتاج المريض المضطرب إلى ابتسامة رقيقة من الطبيب المُعالج وعبارة طيبة تزيل قلقه. «« وكما يقلق التلميذ في انتظار النتيجة، كذلك بنفس السبب يقلق الكبار أيضاً. فالمُرشح في الانتخابات قد يقلق في انتظار النتيجة: هل يفوز أم لا يفوز؟ والذي يقدّم على وظيفة، قد يمر بمرحلة القلق أيضاً: هل سيتم تعيينه أم لا يقبلونه؟ وكذلك الذي في منصب كبير، رُبَّما يقلق إذا عرف أن هناك تغييرات مقبلة: فهل سيبقى في منصبه أم يتركه. وإن أصابه التغيير، فماذا سيكون مصيره بعد ذلك؟ «« كل هؤلاء يقلقهم التفكير في المستقبل كيف يكون؟ فلنعمل نحن كل ما نستطيعه على قدر طاقتنا. أمَّا المستقبل فلنتركه في يد اللَّه ولا نقلق. حتى إن كان هناك شيء رديء في المستقبل فمن الممكن أن يتغيَّر إلى الأفضل. على أن كبار السن قد يقلقون خوفاً من المستقبل، إذ يحسبون ما قد تأتي به الشيخوخة من أمراض أو من ضعف... وقد يتفرَّق أبناؤهم حسب أماكن وظائفهم وبيوتهم. ولكن لا داعي للقلق فبيوت المسنين منتشرة حالياً، وفيها كل أنواع الرعاية العادية والصحية والترفيهية أيضاً. «« على أن البعض قد يقلق من جهة تدابير الأعداء وما قد يصدر عنهم من خطط ومؤامرات وأذى واعتداء. وداود النبي حورب بهذا الأمر أيضاً. فقال في المزمور: " يارب، لماذا كثر الذين يحزنونني. كثيرون يقولون لنفسي: ليس له خلاص بإلهه!! " غير أنه بالإيمان يتدارك الأمر، ويبعد القلق عن نفسه، فيقول: " وأنت يارب هو ناصري، مجدي ورافع رأسي. بصوتي إلى الرب صرخت فاستجاب لي ... ". نعم، بالإيمان يثق الإنسان بحفظ اللَّه له، فلا يقلق. «« هناك أشخاص يقلقون بسبب الوهم، مثال ذلك الذين يتشائمون من الرقم 13 ومضاعفاته، أو الذين يقلقون من خوف الحسد ومن عيون الحاسدين، أو أولئك الذين يؤمنون بحساب النجوم، فيقلقون من جهة تعاملهم مع شخص مولود في نجم مُعيَّن لا يستريحون له!! «« والبعض يقلقون من جهة التجارب، والمشاكل التي يظنون أنها بلا حلّ، بينما عند اللَّه حلول كثيرة. وكل باب مُغلق، له عند اللَّه مفاتيح لا تُحصى. فالإتكال على اللَّه ومعونته يخلص الإنسان من القلق... وعلى كل مَن تصادفه ضيقة، ألاَّ يُبالغ في القلق والخوف. فيواجه الأمور بالحرص والرجاء في اللَّه، وليس بالقلق |
|