حياة التسليم
++++++++++++
حياة التسليم هي أن تسلم الله حياتك تضعها في يديه، وتنساها هناك. وتثق من كل قلبك أنه يدبر حياتك حسنًا، حسب مشيئته الصالحة الطوباوية.
المسألة إذن تحتاج إلى ثقة بالله، وإيمان بمحبته وحكمته ورعايته.
ولكن للأسف الشديد، غالبية الناس يثقون بأنفسهم وبذكائهم وعقليتهم وتدبيرهم البشري أكثر مما يثقون بالله!! لذلك هم يحبون أن يدبروا كل أمورهم بأنفسهم، ولا يفكرون في اللجوء إلى الله، والاعتماد عليه كلية كما تقتضي حياة التسليم.
إن أخطر شيء يتعب الإنسان هو أن يستقيل عن الله ويعتمد على نفسه، تقوده الذات: تقوده رغباته وشهواته أو يقوده تفكيره، أو يقوده الآخرون.
وفي ذلك إن اعتمد على الله، إنما يكون اعتمادًا جزئيًا، في حدود معينة لا يتخاطاها..! أو يكون اعتمادًا في غير عمق، وفي غير ثقة.. اعتمادًا مترددًا، أو اعتمادًا يحاربه الشك والخوف وعدم الاطمئنان.
يذكرني هذا بالقديس بطرس الرسول حينما مشى مع السيد المسيح على الماء ولكنه ما لبث أن خاف وبدأ يسقط، واستحق أن يوبخه الرب قائلًا " يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟" (متى14: 31).
عكس هذا الذين مشوا في البحر الأحمر، والمياه تحيطهم من الجانبين هؤلاء لابد أنهم سلموا حياتهم لله، ووثقوا به كل الثقة.
وهناك تأمل يقول: إن أكثر الناس تسليمًا وقتذاك، كان أول شخص وضع قدمه في الماء، لما ضرب موسى البحر بعصاه، وهو واثق أن الماء لابد سينشق.
ويشابه هذا الإيمان، الذين مشوا تحت السحابة، وهم لا يعلمون إلى أين هم ذاهبون. ولكنهم يثقون بقيادة الرب لهم.
ومثلهم أيضًا أبونا نوح حينما دخل الفلك مع الوحوش. وترك قيادة هذا الفلك لله وحده، واثقًا أنه سيخرجه منه إلى أرض جافة انقشع عنها ماء الطوفان..
إن أبانا آدم لم يسلك في حياة التسليم حينما تبع رغبته، أو تبع امرأته، أو تبع الحية، مستقلًا عن الله ووصيته.. وترك شهوة المعرفة تقوده، فقادته إلى الجهل وإلى الموت!
ويونان النبي لم يسلك في حياة التسليم، حينما هرب من الله، واغتاظ من مشيئته الإلهية حتى الموت، طالبًا الموت لنفسه (يون4).
وشاول الملك كان سبب ضياعه، أنه استقل عن الله، تابعًا فكره ونزعاته، وملتجئًا أحيانًا إلى مشورة العرافة...
حياة التسليم هي كما قلنا أن تسلم حياتك لله. وهي أيضًا أن يستسلم الإنسان لعمل الله فيه. يستسلم لعمل النعمة فيه، ولعمل الروح القدس، ولمشيئة الله الصالحة.
تمامًا كالحملان مع الراعي... حينما يقودها تمشى، وهي مطمئنة واثقة برعايته وبقيادته، بدون تفكير، بدون رأي خاص. وكما تقول الترتيلة " حيث قادني أسير". إنها طاعة كاملة، مبنية على ثقة كاملة