رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عصر الآباء لـمّا انتمى إلى المسيحيّة عدد من المثقفين الذين خرجوا من الأوساط الفلسفيّة جرى لقاء مثمر بين الإيمان المسيحيّ والفكر الفلسفي. ومن روّاد هذا اللقاء القديس يوستينوس (من نابلس استشهد عام 165) وكذلك اكليمنضوس الأسكندري الذي يشبّه الفلسفة اليونانيّة من باب القياس بالشريعة الموسويّة ويري فيها تعليماً ممّهداً للإيمان المسيحيّ ومدخلاً إلى الإنجيل. واعتمد المفكرون المسيحيّون الفكر الفلسفي لتوضيح العقيدة المسيحيّة بطريقة نقديّة. ومن أوائل الأمثلة على ذلك أوريجانوس فهو يردّ على هجمات شلسيوس الفيلسوف مستخدماً الفلسفة الأفلاطونيّة في تكوين أول نواة في تاريخ اللاهوت المسيحي. لفظة اللاهوت نفسها /ثاولوجيا/ ومفهومها كخطاب عقلاني حول الله كانا حتى ذاك مرتبطين بجذورهما اليونانيّة: في فلسفة أرسطو كانت هذه اللفظة تشير إلى الجزء الأشرف بل إلى ذروة الخطاب الفلسفي. واستعملها المفكرون المسيحيّون في توضيحهم العقيدة الحقيقيّة في شأن الله. وإذ استعان اللاهوتيون بالفكر الفلسفي لا سيما الأفلاطوني والأفلاطوني الجديد أخضعوه لتغييرات عميقة على ضوء الوحي وبخاصة في نطاق بعض المقولات كخلود النفس وتأليه الإنسان وأصل الشرّ. في هذا المسعى إلى مسحنة الفكر الأفلاطوني والأفلاطوني الجديد لابدّ من أن نذكر خصوصاً في الشرق الآباء الكبادوكيين باسيليوس الكبير وأخاه غريغوريوس النيصيّ وصديقه غريغوريوس النازيانزي وصاحب المؤلفات المنسوبة إلى ديونيسيوس الأريوباغي وفي الغرب القديس اغسطينوس. وهذا بعد أن اختبر كافة المذاهب والمدارس الفلسفيّة ركن إلى المسيحيّة وكان يوجه الملامة إلى الأفلاطونيين أنفسهم الذين كان يركن إليهم بطريقة مميزة لأنّهم عرفوا الغاية التي يجب النزوع إليها ولكنّهم جهلوا الطريق المؤديّة إليها، وأفلح اغسطينوس في وضع أولى كبريات الخلاصات في الفكر الفلسفي واللاهوتي. لقد رحّب الآباء ترحيباً كاملاً بالعقل المنفتح على المطلق ورفدوه بالثروة الصادرة عن الوحي. ومع ذلك لم يخشَ الآباء في مواجهة الفلاسفة من الإقرار بالعناصر المشتركة كما بالفوارق القائمة بينها وبين الوحي |
|