كيف نصوم؟
وإذا صمتم فلا تعبسوا كالمرائين، فإنهم يكلحون وجوههم، ليظهر للناس أنهم صائمون. الحق أقول لكم إنهم أخذوا أجرهم. أما أنت، فإذا صمت، فإدهن رأسك وأغسل وجهك، لكيلا يظهر للناس أنك صائم، بل لأبيك الذي في الخفية، وأبوك الذي يرى في الخفية يجازيك.
الصوم هو الامساك عن الطعام أو مدته. صام موسى أربعين نهاراً وأربعين ليلة على جبل سينا. كان خلالها يفاوض الله ويستعد لاقتبال الكلمات العشر (خروج 34 : 28 وتثنية 9 : 9). وبأمر الملاك الملاك سار إيليا إلى جبل حوريب لا يأكل ولا يشرب أربعين نهاراً وأربعين ليلة حتى تراءى الله له (1ملوك 19 : 8). ولما صعد ربنا إلى البرية من الروح القدس ليجرب من أبليس واجه تجربته بعد صوم أربعين نهاراً وأربعين ليلة وبعده بدء اعلان بشارة الانجيل (متي 4 :2 ومرقس 1 : 13 ولوقا 4 : 2). وقد اخذت بعض الكنائس من حياة السيد ورفيقيه في التجلي هذه الفترة الأربعينية وجعلت الصوم الأربعيني السابق لعيد الفصح قانوناً وذلك في المجمع الخامس ثم السادس المنعقد سنة 682 م.
لم يرد الصوم لفظاً في أسفاؤ موسى الخمسة ولكن كان يوم واحد معين للصوم وهو يوم الكفارة (لاويين 16 : 29 و 23 : 27 وعدد 29 :7 ) إذا كان المقصود بتذليل النفس في هذه الآية هو الصوم كما ذهب الكثيرون. وإلى جانب هذا الصوم المفروض كان الصوم التطوعي، فقد صام داود راجياً أن يعيش الولد الذي ولدته له امرأة أوريا (2صموئيل 12 : 22) . وقد وردت أمثلة كثيرة أخرى في العهد القديم عن الصوم التطوعي (عزرا 8 : 21 ونحميا 9 : 1 وأستير 4 : 3 ومزمور 35 : 13 و 69 : 10 و 109 : 14 ودانيال 6 : 18 و 9 : 4 ). وكان ينادى بالصوم أحياناً في أيام الشدة (ارميا 36 : 9 ويوئيل 1 : 12) وكان الغرض منه اذلال النفس والابتهال إلى الله (اشعيا 58 : 3 و 4) . وأما صوم الجماعة فكان يعني أن وزر الجطيئة ملقى على كاهل الشعب كله وأنه يجب أن يذلل نفسه أمام الله (1صموئيل 7 : 6). وأما الصوم الحقيقي فلم يكن صوماً خارجياً فحسب بل الاعراض عن الثم واللذات المحرمة والقبال على عمل الرحمة (اشعيا 58) وفي أيام وزكريا النبي كانت أصوام مفروضة في الشهر الرابع والخامس والسابع والعاشر (زكريا 8 : 19) تذكاراً لحصار أورشليم في الشهر العاشر (2ملوك 25 :1) وسقوطها في الشهر الرابع ( 2ملوك 25 : 3 و 4 وارميا 52 : 6 و 7). وخراب الهيكل في الشهر الخامس 02ملوك 25 : 8 و 9) ومقتل جداليا واليهود الذين كانوا معه في الشهر السابع (عدد 25).
وكان اليهود يحفظون أصوامهم بتقشف فكانوا ينقطعون عن الطعام غالباً من غروب الشمس إلى الغروب التالي وكانوا يلبسون المسوح على أجسادهم وينثرون الرماد على رؤوسهم ويتركون أيديهم غير مغسولة ورؤوسهم غير مدهونة. وكانوا يصرخون ويتضرعون ويبكون (اشعيا 22 : 12 ويوئيل 2 : 15 - 17). وكانت حنة النبية تخدم الله في الصوم (لوقا 2 : 37).
وكان الصوم في أيام ربنا مجاهدة روحية معتبرة وكان الفريسيون يصومون يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع (لوقا 18 : 12). وكان في صومهم كبرياء ورياء فوبخهم يسوع على ذلك (متي 6 : 16 - 18). وما كان اليهود يصومون السبت ولا الهلة ولا الاعياد الرئيسية. ولا شك أن ربنا حفظ الصوم بحسب الشريعة (لاويين 16 : 29) . ولم يأت الكتاب على ذكر تقيدة بالاصوام التي سار عليها اليهود بعد السبي وأخبر عنها زكريا كما سبق ولم يقل أنه أهملها. ولكن تلاميذه لم يصوموا ما دام العريس معهم (متي 9 : 14 و 15 ومرقس 2 : 18 - 20 ولوقا 5 : 33 ? 35) ولكنهم أخذوا يصومون فيما بعد في مناسبات خاصة (اعمال 13 : 1 و 14 : 23 ). وفي أعمال 13 : 1 نرى البارزين في كنيسة انطاكيا من انبياء ومعلمين يقررون لانفسهم صوماً مشتركاً ويضعون بذلك أساس للصوم الجماعي. وأما الصوم المذكور في اعمال 27 : 9 فكان صوم يوم الكفارة الذي أشرنا إليه من قبل (لاويين 16 : 29).