منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 22 - 07 - 2014, 08:10 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,102

مزمور 148 - تفسير سفر المزامير
خورس الخليقة العجيب!



مقدمة
الطبيعة تسبّح الرب
لا يدرك أحد كيف تسبّح الخلائق ربها
داود يتكلم عن تسبيح الطبائع

أقسام المزمور

مزمور 148 - تفسير سفر المزامير - خورس الخليقة العجيب!
للمزامير 148 و149 و150 مكانة خاصة لدى الكنيسة القبطية، تُدم بلحن جميل بكونها الهوس (وتعني التسبيح) الرابع في العشية اليومية وتسبحة نصف الليل.
ليس لهذا المزمور عنوان، ينسب المزمور للنبيين حجَّي وزكريا حسب الترجمات السبعينية والسريانية والأثيوبية. يرى البعض أنه أروع قطعة في سفر المزامير، حيث توجه الدعوة للسمائيين والبشر وكل الخلائق لتسبح الله.
تهتم البشرية بإقامة خوارس أو فرق للأغاني سواء في العالم أو في المجتمعات الدينية. لكننا لم نسمع عن خورس يُدعى للتسبيح كذاك الوارد في هذا المزمور. يضم هذا الخورس الخليقة العاقلة التي تتقي الله، وأيضًا غير العاقلة، بل والجامدة؛ يضم صفوفًا غير محصاة. الكل يشعرون بالدين للخالق المعتني بهم، والكل يعلنون عن إعجابهم وحبهم لهذا الخالق العجيب.
يكشف لنا هذا المزمور التزام الكل بتمجيد الله، كل كائن حسب إمكانياته وقدراته ومواهبه. فالسمائيون والطغمات المسائية يشهدون له بحياتهم السماوية المقدسة المتهللة. والشمس تشهد لله ببهاء أشعتها، كما بحرارتها لخدمة النباتات والحيوانات والإنسان الخ. والقمر بنوره البهي يخدمنا بالليل، والكواكب بجمال منظرها تشهد لعمل الله الفنان الأعظم. هذا من الظاهر، أما ما خفي فهو أعظم.
إذ يتذوق المرتل عذوبة التسبيح، يدعو كل الخليقة السماوية والأرضية للتسبيح:
1. السماوات [1-6] يبدأ بالملائكة، فالأجسام السماوية، ثم السحاب.
  • الأرض [7-10] سواء أعماق البحار والمحيطات أو أعالي الجبال أو الرياح والأشجار المثمرة.
  • البشرية: خُلق البشر على صورة الله -الرجال والنساء- لذا كان يلزمهم أن يسبحوا لله أكثر من الكل!
إذ نتمتع بالخلاص؛ ندرك بالأكثر محبة الله الفائقة لنا، فنسبحه بالأكثر.
*يلزم أن يكون موضوع تأملنا في هذه الحياة الحاضرة تسابيح الله، لأن السمو الدائم لحياتنا العتيدة هو تسبيح له، ولا يستطيع أحد أن يتهيأ للحياة المقبلة إن لم يمارسها بنفسه الآن.
يتسم تسبيحنا بالفرح، وصلواتنا بالتنهد...
بخصوص هذين الأمرين، أحدهما يمارس في التجارب والضيقات التي لهذه الحياة، والآخر خاص بالحياة المقبلة في الراحة الأبدية والسماء[1].
القديس أغسطينوس
مزمور 148 - تفسير سفر المزامير - خورس الخليقة العجيب!
الطبيعة تسبّح الرب

*لا تنكر الطبيعة أبدًا التسبيح للرب، لأن الخليقة كلها به تتحرك للتسبيح.
من السهل أن تسبّحه الحجارة والأخشاب، لأن رمزه الخفي يحرك الطبائع لتسبحه (دا 3: 51-90).
الخلائق بأشكالها ترتل التسبيح: الناطقة منها، والصامتة على اختلافها (دا 3: 51-90).
الشمس بنورها وبأشعة حرارتها في مسيرة دربها تسبّح كما هي مكونة (مز 148: 3).
والقمر بإشراقه وبتغييرات سرعته يسبّح رب الأزمان الذي لا يتغير (مز 148: 3).
والرقيع بسعته وبالنيرات المنظومة فيه يسبّح مكوَّنَه ليل نهار (مز 148: 3).
والأرض والبحار، بالجبال العالية وبالأمواج، تسبّح بأشكالها كما هي مخلوقة (مز 69: 34).
وكل الغابات والأشجار المثمرة والأرز تسبّح كل يوم بعجبٍ عظيمٍ (مز 148: 9).
والسماء والأرض مملوءتان من مجده كما هو مكتوب (إش 6: 3)، وكل ما هو مكوَّن يرتل التسبيح لمكوِّنه[2].
*هوذا الخلائق على اختلاف أشكالها ترتل تسبيحك، وأنا افتح فمي لتسبيح جبروتك.
هوذا الأيام والليالي في حدودها تفتح وتغلق لتنشر خبرك في الأرض كلها.
الأمسيات والصبحيات توقظ الناس بهجعاتها وأوقاتها لتسبيحك بتمييز.
الصيفيات والشتويات تعلّم الأرض بتغييراتها ومسيراتها بأنك تبدّل أوقاتها.
البرد والحر اللذان يذهبان ويجيئان للتدبير، يخبران كيف أنك ماهر في أعمالك.
ساعات النهار وهجعات الليل الأربع كلها تُصعد التسابيح المتميزة لقدرتك الخالقة.
البحر بسفنه وعواصفه وأمواجه يكرز بعجبٍ كيف أن قدرتك العاملة مخيفة.
الأمواج العاتية ومعها الرياح العزيزة ترتل خبرك (قائلة) كيف أن جبروتك عجيب.
اللجة الكبرى ولوياثان مع التنانين تستند عليك في عمق البحار في تخومها.
كل اليابس والأرض وجبالها مع آكامها تسبحك، وأنت تحملها لئلا تسقط.
هوذا السماوات تخبر بمجدك بطبائعها، ويبين الرقيع (الفضاء أو الغلاف الجوي) عمل يديك: كم أنت جبار!
هوذا الخيمة الكبرى التي نسجتها قدرتك الخالقة وبسطتها ممدودة وقائمة فوق كل الجهات، وهي مليئة بتسبيحك.
الشمس والقمر وأشعتهما واشراقاتهما توقظ العالم بالمسيرة الكبرى لمدحك[3].
القديس مار يعقوب السروجي
مزمور 148 - تفسير سفر المزامير - خورس الخليقة العجيب!
[FONT=""]لا يدرك أحد كيف تسبّح الخلائق ربها[/FONT]

*كل خلائقه ترتل التسبيح بألسنتها: كيف؟ وبأي مقدار؟ لا تستطيع أبدًا أن تفقه ذلك.
الحق يشهد بأن كل الطبائع تسبّحه: كيف؟ لا أحد يدرك أو يصف ذلك.
لا يعرف أحد بأي فمٍ، وبأي صوتٍ ترتل الأرض لربها عندما تُطالب بذلك[4].
القديس مار يعقوب السروجي
مزمور 148 - تفسير سفر المزامير - خورس الخليقة العجيب!
[FONT=""]داود يتكلم عن تسبيح الطبائع[/FONT]

*يشهد داود بأنها تسبّح عندما كان يطالب أيضًا العناصر بالتسبيح بكنارتها (مز 148).
النار والبرد والجليد والثلج والتنانين واللجج كلها والأرض والجبال والآكام (مز 148: 7-8).
طالب داود هذه بالتسبيح كجزية، ليرتفع التسبيح للعامل من خلائقه.
حثّ الرياح والعواصف على التسبيح، لو كان يعرف بأنها لا تسبّح لما كان يحثها (مز 148: 8).
تحرك داود بالروح القدس، وبدوره حرك العلويين والسفليين على التسبيح.
الشمس والقمر والنيرات الموجودة في الرقيع والأرض والجبال والآكام والأشجار.
قال داود لهذه كلها: سبّحي الرب! وأيقظها، لأنه كان يعرف بأنها تسبّح (مز 148: 1).
كيف؟ أو بأي نوع تسبّح؟ لا تطلب مني، لأنه يصعب عليّ أن أفسر لك.
توجد أسرار خفية بين الله وخلائقه، ويسمعها عندما تسبّح بأشكالها.
عندما تُطالب الحجارة بأن تهتف بتسبيحه، هو وحده يعرف أن يسمع لغاتها.
عندما كان يُزف على الجحش، كانت مستعدة لتسبّح درب تواضعه الجديد.
وبما أن الصبيان أخذوا الأغصان للتسبيح، حينئذ لم يكن لازمًا أن ترتل الحجارة التسبيح.
ولو سكت هناك هؤلاء الذين حملوا الأغصان، لكانت الحجارة تسبّح بخوفٍ الملك الآتي (زك 9: 9؛ مت 21: 5).
وعندما سعى اليهود ليُسكِتوا تسبيح الابن، أجابهم: إن الحجارة ستصرخ له (لو 19: 40).
كانت ستصرخ بالحقيقة كما قال، لأنه لا توجد فرصة ليبطل تسبيحه من قبل الخلائق[5].
القديس مار يعقوب السروجي
1. دعوة السمائيين للتسبيح
1-2.
2. دعوة السماء للتسبيح
3-6.
3. دعوة الأرض وكل ما عليها للتسبيح
7-10.
4. دعوة القادة للتسبيح
11.
5. دعوة الشعب للتسبيح
12.
6. دوافع التسبيح لله
13-14.
أ. اسمه عظيم
13.
ب. مجده يملأ السماء والأرض
13.
ج. رعايته لشعبه
14.
من وحي المزمور 148
مزمور 148 - تفسير سفر المزامير - خورس الخليقة العجيب!
1. دعوة السمائيين للتسبيح

هَلِّلُويَا.
سَبِّحُوا الرَّبَّ مِنَ السَّمَاوَاتِ.
سَبِّحُوهُ فِي الأَعَالِي [1].
في الترجمة الكلدانية: "سبحي الرب أيتها الخلائق المقدسة من السماء".
إذ يدعو المرتل الخليقة كلها لتتهلل مسبحة الرب، يبدأ المزمور بالصف الأول من الخورس. يقول: "هللويا. سبحوا الرب من السماوات، سبحوه في الأعالي؛ سبحوه يا جميع ملائكته، سبحوه يا كل جنوده" (مز 1:148-2). يبدأ موكب التسبيح بالساكنين في السماء، الذين في الأعالي. يتغنى الملائكة، أصواتهم عذبة وهادئة[6].
إذ يصير المؤمن سماء، يُقام في داخله ملكوت الله، وتنطلق نفسه بكل طاقاتها نحو الأعالي، تشارك السمائيين تسبيحهم للرب.
*الآن أعرض لكم ظروف الصلاة المختلفة: الطلبة والشكر والتسبيح.
في الطلبة يسأل الشخص الرحمة لأجل خطايانا، وفي الشكر تقدِّم الشكر لأبيك السماوي، وفي صلاة التسبيح تسبِّح الله لأجل أعماله.
عندما تكون في ضيقٍ، قدِّم طِلْبًة لله.
عندما يعطيك الله عطايا صالحة، فلتشكر العاطي.
عندما يتهلَّل ذهنك، قدِّم لله التسبيح.
لذلك قدِّم هذه الصلوات بتمييز إلى الله.
انظر إلى داود عندما كان يقول دائمًا: "في نصف الليل أقوم لأحمدك على أحكام برّك" (مز 119: 62).
وفي مزمور آخر يقول داود: "هلِّلويا، سبِّحوا الرب من السماوات، سبِّحوه في الأعالي" (مز 148: 1).
وفي مزمور آخر: "أبارك الرب في كل حين. دائمًا تسبحته في فمي" (مزمور 34: 1)، لذلك لا تستعمل نوعًا واحدًا من الصلاة، ولكن استخدم كل الأنواع في أوقات متفرِّقة[7].
القدِّيس أفراهاط
*يصير التسبيح لله على ثلاثة وجوه:
أ. الخلائق غير الناطقة وعديمة الحياة (الجامدة) تسبح بظهورها فقط وجمالها، فتحرك الناظرين إليها وتحرضهم على التسبيح لخالقها.
ب. الخلائق الناطقة، يسبحون الله بكلامهم وحُسن أعمالهم الصالحة، فيمجدوا أباهم الذي في السماوات...
ج. في تعديد المخلوقات كلها لم يُذكر الابن والروح القدس لكي يبكموا المجدفين على الابن والروح القدس بأنهما مخلوقان. إنهم يوضحون أن الابن الوحيد والروح القدس ليسا من المخلوقات المسبحة لله، بل هما إله واحد مع الآب.
جاءت كلمة "السماوات" في العبرية بالجمع، وتترجم أحيانًا "سماء السماوات" للتمييز بينها وبين السماء بمعنى الجلد الذي خلقه الله في اليوم الثاني. وأيضًا أحيانًا ندعو الهواء سماءً كالقول: "طيور السماء".
الأب أنسيمُس الأورشليمي
*سبحوا بكل كيانكم؛ بمعنى لا يكن لسانكم وصوتكم وحدهما يسبحان الله، وإنما ضميركم أيضًا وحياتكم وأعمالكم.
الآن إذ نحن مجتمعون معًا في الكنيسة نسبح. عندما نخرج كل واحدٍ إلى عمله، يبدو أننا نكف عن تسبيح الله.
ليت الإنسان لا يكف عن أن يعيش حسنًا، بهذا يسبح الله على الدوام...
يستحيل أن تكون أعمال إنسانٍ شريرة إن كانت أفكاره صالحة. لأن الأعمال تصدر عن الفكر. ولا يستطيع إنسان أن يفعل شيئًا أو يحرك أطرافه لعمل ما لم يسبقه أمر من فِكِرِه.
كما أن كل ما ترونه يتم في الأقاليم إنما يتم حسب ما يأمر به الإمبراطور من داخل قصره إلى كل الإمبراطورية الرومانية. كم من تحركات يسببها أمر واحد يصدر بواسطة الإمبراطور وهو جالس في قصره! مجرد يحرك شفتيه ويتكلم يتحرك كل الإقليم لتنفيذ ما ينطق به. هكذا في حالة الإنسان أيضًا، فإن الإمبراطور في الداخل، كرسيه في القلب [كان يُنظر للقلب كمركز للأفكار، والكلُى كمركز للعواطف]. إن كان القلب صالحًا ويصدر أمورًا صالحة، تُمارس أعمال صالحة.
حينما يجلس المسيح هناك، ماذا يمكن أن يصدر إلا ما هو صالح؟
وإذا كان الشيطان هو المُقيم فيه، ماذا يأمر إلا بالشر؟
ولكن الله يريد أن يكون الأمر حسب اختياركم من الذي يحتل الموضع: الله أم الشيطان.
عندما تعدون المكان سيحكم من هو مقيم فيه.
لهذا أيها الأحباء لا تنصتوا إلى الصوت فقط حين تسبحون الله، سبحوا بكل كيانكم. سبحوا بلسانكم وحياتكم وأعمالكم، كل هذه فلتسبح.
"سبحوا الرب من السماوات" إذ وجد (المرتل) في السماوات من ينعمون بالسلام بتسبيحهم الرب، لذا يحثهم أن يقوموا ويسبحوا...
أولًا يقول: "من السماوات"، وبعد ذلك "من الأرض"، لأن الله الذي نسبحه هو خالق السماوات والأرض. كل الذين في السماوات هم في هدوءٍ وسلامٍ. هناك فرحٍ دائمٍ، ليس موت ولا مرض ولا مصدر إغاظة، هناك الطوباويون يسبحون الله على الدوام. أما نحن فلا نزال أسفل، عندما نفكر كيف أن الله يُسبح هناك، يكون قلبنا هناك، وليس باطلًا نسمع القول: "ارفعوا قلوبكم".
لنرفع قلوبنا إلى فوق، فلا تفسد على الأرض. فإننا نُسر بما يفعله الملائكة هناك. نفعل هذا الآن هنا في رجاء، ونمارسه حقيقة عندما نذهب هناك. عندئذ: "سبحوه في الأعالي"[8].
القديس أغسطينوس
سَبِّحُوهُ يَا جَمِيعَ مَلاَئِكَتِهِ.
سَبِّحُوهُ يَا كُلَّ جُنُودِهِ [2].
لما كان أتباع ماني كغنوسيين يعتقدون بالثنائية، عالم روحي من صنع الكائن الأسمى، وعالم مادي شرير من عمل "الخالق" وهو أدنى من الكائن السامي، لهذا يتحدث القديس الذهبي الفم[9] معلقًا على هذا المزمور بأنه يليق بنا أن ندرك أنه توجد خليقة واحدة، قسم منها يُدرك بالحواس كالمادة، وقسم آخر يدرك بالعقل كالكائنات الروحية أو الطغمات السماوية، لكن الجميع يشتركون معًا كخورسٍ واحدٍ يسبحون الإله الواحد، خالق الكل.
يرى القديس جيروم أن المرتل إذ يبدأ بالطغمات السماوية لتسبح الرب، إنما يُحسب هذا دعوة موجهة إلينا لكي يصير كل إنسانٍ كواحدٍ منهم يسبح الرب، أما من يقاوم الله مثل الشيطان فلا يستطيع أن يسبح.
*من كان ملاكًا فليسبح، ومن كان شيطانًا فلا يقدر أن يسبح[10].
القديس جيروم
*"سبحوه يا جميع ملائكته، سبحوه يا جميع قواته..." [2-5].
وكأنه يُقال له: "لماذا يسبحونه؟ ماذا أنعم به عليهم حتى يسبحوه؟" لهذا أكمل قائلًا: "لأنه هو قال فكانت، وهو أمر فخُلقت".
ليس بالأمر المدهش أن الأعمال تسبح العامل، ليس من دهشة أن الأشياء المصنوعة تسبح صانعها، المخلوقات تسبح خالقها.
في هذا إشارة أيضًا إلى المسيح، وإن بدا أننا لا نسمع اسمه...
بمن خلقوا؟ بالكلمة (يو 1: 1-2). يُظهر في هذا المزمور أن كل شيء صنع بالكلمة. "لأنه هو قال فكانت؛ وهو أمر فخُلقت".
ليس أحد يتكلم، ليس من يأمر إلا بالكلمة[11].
القديس أغسطينوس
*إن أردت أن تعرف شيئًا عن الشاروبيم والسيرافيم اسمع التسبحة السرية التي تخص قداسته: "السماء والأرض مملوءتان من مجده" (إش 6: 3)، إذ يقول داود: "سبحوه يا كل جنوده" (مز 148: 2).
إن سألتم عن القوات العلوية تجدون عملهم الوحيد هو تسبيح الله...
كيف تقدر طبيعة مخلوقة أن تعاين الطبيعة غير المخلوقة؟
إن كنا لا نقدر مطلقًا أن نشاهد أية قوة روحية حتى المخلوقة مثل الملائكة، فكم بالأحرى لا نقدر أن نرى الجوهر الروحي غير المخلوق، لذلك يقول بولس: "الذي لم يره أحد من الناس، ولا يقدر أن يراه" (1 تي 6: 16). هل هذه الخاصية تخص الآب وحده دون الابن؟ حاشا لنا أن نفكر هكذا! إنما تخص الابن أيضًا. لكي تعرف هذا، اسمع بولس الذي يقول عنه ذات الأمر: "صورة الله غير المنظور" (كو 1: 15). فإن كان هو صورة غير المنظور يلزم أن يكون غير منظور، وإلا فلا يكون صورته[12].
*إنه يقدم جوقة واحدة، يقدمون له أغنية واحدة من الجميع، مُلحًّا بإصرار على الالتزام بتقديم التسبيح لله الواحد من الخليقة العلوية والخليقة السفلية، مظهرًا أنه يوجد خالق واحد لكليهما[13].
*في شعورهم العميق بالامتنان يمارس القديسون هذا، إنهم وهم يشكرون الله يدعون الكثيرين ليشتركوا في التسبيح، ويحثونهم على الاجتماع معهم في هذا الطقس الممتع.
هذا أيضًا ما فعله الثلاثة فتية حينما كانوا في الأتون، إذ دعوا كل الخليقة أن يشكروا من أجل الامتياز الذي قُدم لهم، وأن يسبحوا الله.
يفعل واضع هذا المزمور هذا هنا، فيدعو كل من العالم العلوي والعالم السفلي، العالم المادي والعالم العقلي، لفعل هذا.
فعل أيضًا إشعياء نفس الأمر، عندما قال: "ترنمي أيتها السماوات، وابتهجي أيتها الأرض... لأن الرب ترحّم على شعبه" (راجع إش 49: 13).
قال المرتل (واضع المزمور) أيضًا: "عند خروج إسرائيل من مصر، وبيت يعقوب من شعب فظ، الجبال قفزت مثل الكباش، والآكام مثل حملان الغنم" (مز 114: 1، 4). مرة أخرى يقول إشعياء في موضع آخر: "لتمطر السحب برٍّا" (راجع إش 45: 8).
ها أنتم ترون بقدر ما كانوا يشعرون بعجزهم عن التسبيح للرب بما فيه الكفاية، يحثون كل واحدٍ أن يساهم في التسبيح[14].
*"سبحوه يا كل جنوده"، يعني الشاروبيم والسيرافيم والسلاطين والرئاسات والقوات.
هذا علامة الروح الملتهب للغاية، هذا علامة الحب المتقد، الذي يحث كل أحدٍ للتسبيح المحبوب.
هذا علامة العقل الدائم الشبع بالتأمل في الله، المضروب بالدهشة أمام مجده، والمُكرس له[15].
القديس يوحنا الذهبي الفم
مزمور 148 - تفسير سفر المزامير - خورس الخليقة العجيب!
2. دعوة السماء للتسبيح

سَبِّحِيهِ يَا أَيَّتُهَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ.
سَبِّحِيهِ يَا جَمِيعَ كَوَاكِبِ النُّورِ [3].
بعد أن دعا الصف الأول من الخورس للتسبيح، دعا الصف الثاني وهو السماء المنظورة أو شبه منظورة للإنسان من الشمس والقمر وجميع كواكب النور، والجلد الخ.
تسبح الشمس والقمر والكواكب الرب، بكونها عمل الله، تكشف عن حكمته وقدرته وصلاحه كخالقٍ لها.
*عندما يتحدث الكتاب المقدس عن لاهوت الرب، يقول إنه "ليس إنسانًا"، و"ليس لعظمته استقصاء" (مز 145: 3). وأنه "مهوب على كل الآلهة" (مز 96: 4). ويقول أيضًا: "سبحوه يا جميع ملائكته. سبحوه يا كل جنوده. سبحيه أيتها الشمس والقمر. سبحيه يا جميع كواكب النور" (مز 148: 2-3)[16].
العلامة أوريجينوس
*رأى يوسفُ حُلمًا آخر، أخُبَر به أباه وأَمه: أنَ الشمسَ والقمرَ وأحَدَ عشَر نجمًا كانوا ساجدين له!" (راجع تك 9:37). لهذا وبَّخه أبوه قائلًا: "ما هذا الحُلم الذي حلُمتَ؟ هل نأتي أنا وأمك وإخوتك لنسجد لك إلى الأرض؟" (تك 10:37)
من هو غير يسوع المسيح، الذي سجد أمامَه أبواه وإخوته إلى الأرض؟ فقد سجد يوسف والعذراء مريم أم يسوع مع التلاميذ قدامَّه، واعترفوا بالله الحقيقي في هذا الجسد، الذي كُتب عنه: "سبحَّيه يا أيتها الشمس والقمر، سبحَّيه يا جميع كواكب النور" (مز 3:148).
أيضًا ما معنى انتهار الأب، إلا قسوة شعب إسرائيل، الذي يأتي منهم المسيح بحسب الجسد، لكنهم اليوم لا يؤمنون أنه الله، وليسوا مستعدين أن يسجدوا له بصفته ربهم. لأنهم كانوا يعلمون أنه وِلدَ منهم، وقد سمعوا إجاباته لكنهم لم يفهِموها. وهم أنفسهم قرأوا أن الشمس والقمر يسبحانه، لكنهم رفضوا أن يؤمنوا أن هذا قيل إشارةً إلى المسيح.
لهذا كان يعقوب مخطِئًا بخصوصِ الرمز الذي يشير إلى آخر، لكنه لم يخطئ في الحب الذي ينبع منه. ففيه لم ينحرف الحب الأبوي، لكن كان الاستدلالُ على عاطفةِ شعٍب سيضِّل![17]
القديس أمبروسيوس
سَبِّحِيهِ يَا سَمَاءَ السَّمَاوَاتِ،
وَيَا أَيَّتُهَا الْمِيَاهُ الَّتِي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ [4].
لعل من أهم البركات التي كان يتطلع إليها الساكنون في كنعان المطر، الذي يروي الأرض فتأتي بالثمار المطلوبة.
في العصر الحالي نرى صرخات الكثير من البلاد بسبب الجفاف الذي يحلّ بالبلاد بسبب انعدام أو قلة المطر. فيتطلع البشر إلى سحب السماء التي تهب أمطارًا كبركة عظيمة، تدفعنا لتقديم الشكر والتسبيح لله.
*دائمًا تعطي السماوات المطر للأرض. لكن انظروا، الآن تروي الأرض السماوات، حيث تثب دموع البشر إلى فوق السماوات، وتصعد إلى الرب نفسه. بهذا يمكن التسبيح بما يقوله المرتل بخصوص مياه الدموع: "سبحيه يا أيتها المياه التي فوق السماوات"[18].
الأب بطرس خريسولوجوس
*ربما يقول أحد: كيف يمكن لهذه الأشياء أن تسبحه، وهي ليس لها صوت ولا لسان أو روح أو تفكير، أو مخ أو آلة صوتية أو عقل؟
توجد طريقتان للتمجيد، واحدة بالكلمة والأخرى بالنظر، وثالثة مع هاتين بالحياة والعمل.
ها أنتم ترون أن الكائنات البشرية تقدم المجد لله، ليس فقط عندما يتكلمون، بل وعندما يحتفظون بالصمت. وكما قال المسيح: "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس، لكي يروا أعمالكم الحسنة، ويمجدوا أباكم الذي في السماوات" (مت 5: 16). وأيضًا "أكرم الذين يكرمونني" (1 صم 2: 30).
ويمكن أيضًا تقديم التمجيد باللسان، كما سبح موسى مع مريم بالكلمات: "فلنسبح الرب، لأنه بالمجد قد تمجد".
هذا أيضًا يمكن أن يتم خلال الخليقة ذاتها، إذ يقول المرتل نفسه: "السماوات تحدث بمجد الله، والفلك يخبر بعمل يديه" (مز 119: 1).
تسبحه أيضًا الخليقة بجمالها وحالها وعظمتها وطبيعتها ونفعها وخدمتها ودوامها والمزايا الصادرة عنها. لذلك عندما يقول: "سبحوا الرب يا أيها الملائكة والقوات والسماوات والقمر والشمس والمياه التي فوق السماوات"، يعني هذا أن كل شيء من الخليقة يتأهل لحكمة الخالق ومملوء بالعجب المرهب. وذلك كما قال موسى في البدء في اختصار: "ورأى الله كل ما عمله، فإذا هو حسن جدًا" (تك 1: 31). إنه حسن إذ يمجد الخالق، ويقود الناظرين إليه إلى تسبيح الفنان.
لهذا يدعو جمال المخلوقات تسبحة، حيث تبعث على تسبيح الخالق. هذا أيضًا ما يشير إليه بولس: "لأن أموره غير المنظورة تُرى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته" (رو 1: 20)[19].
القديس يوحنا الذهبي الفم
لِتُسَبِّحِ اسْمَ الرَّبِّ،
لأَنَّهُ أَمَرَ فَخُلِقَتْ [5].
تسبح هذه المخلوقات خالقها، لأن مع كل ما فيها من إمكانيات وأنظمة، إلا أنها خُلقت بأمرٍ مجردٍ. لم يكن الله محتاجًا إلي زمن لدراسة خلقة هذه الكائنات، ووضع أنظمة لها، وتحديد أهدافها، والحفاظ عليها.
الله في حبه لخليقته يود أن يثبتها إلى الدهر، وفي نفس الوقت يضع لكل منها حدودًا. فالبحر يعرف حدوده، فلا يغطي الأرض ويفسدها إلا بسماح من الله. والشمس لها حدودها، وإلا أحرقت كل ما على الأرض. من محبة الله ورعايته لخليقته يضع حدودًا، لا ليحطم أو ليظهر سلطانه، وإنما لأجل بنيان الخليقة ونفعها.
في تعليق للقديس جيروم على ما ورد في إنجيل مرقس حين دعا السيد المسيح سمعان وأندراوس، فللحال تركا شباكهما وتبعاه، وأيضًا حين دعا يعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه "تركا أباهما زبدي في السفينة مع الأجرى وذهبا وراءه" (مر 1: 20). يرى القديس جيروم ما لكلمات السيد المسيح من سلطان وفاعلية، فهو الذي "أمر فخُلقت" (مز 148: 5)[20].
*صنع المسيح كل الأشياء... لا بمعنى أن الآب تنقصه قوة لخلق أعماله، إنما لأنه أراد أن يحكم الابن على أعماله، فأعطاه الله رسم الأمور المخلوقة، إذ يقول الابن مكرمًا أبيه: "لا يقدر الابن أن يعمل شيئًا إلا ما ينظر الآب يعمل. لأنه مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك" (يو 5: 19). وأيضًا: "أبي يعمل حتى الآن، وأنا أعمل" (يو 5: 17). فلا يوجد تعارض في العمل، إذ يقول الرب في الأناجيل: "كل ما هو لي فهو لك. وما هو لك فهو لي" (يو 17: 10).
هذا نعلمه بالتأكيد من العهدين القديم والجديد، لأن الذي قال: "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تك 1: 26)، بالتأكيد تكلم مع أقنوم معه.
وأوضح من هذا كلمات المرتل: "هو قال فكانت، وهو أمر فخُلقت" (مز 148: 5). فكما لو أن الآب أمر وتكلم والابن صنع كل شيء كأمر الآب[21].
القديس كيرلس الأورشليمي

*بالحقيقة إنها (مخلوقات) جميلة، وتقدم منظرًا عجيبًا، يظهر الحقيقة أن لها خالق ولم توجد من ذاتها...
من لهم أية شكوك، فليتعلموا مني أن لهم خالق أو صانع يعتني بها ويرعاها[22].
القديس يوحنا الذهبي الفم
*ترنم أيضًا داود القديس: "هو قال فصارت، هو أمر فخُلقت" (مز 23: 9). أما أنه "قال" فليس كما يحدث في حالة البشر عندما يتكلم المرء يستمع خادم ما، وبمجرد علمه برغبة المتكلم يسارع إلى التنفيذ والعمل، لأن هذا يختص بالمخلوقات. أما بالنسبة للكلمة فلا يليق أن يفكر أحد عنه هكذا. لأن كلمة الله خالق وصانع، وهو نفسه مشيئة الآب. من أجل هذا لم يقل الكتاب المقدس بأن المستمع سمع وأجاب فيما يخص الكيفية التي يريد أن تكون عليها المخلوقات، بل قال "ليكن"، ثم أضاف "وكان هكذا" (تك 1: 3، 6، 11، 15)[23].
البابا أثناسيوس الرسولي
*حديث الرب نفسه فعّال، ما قاله حقق غرضه[24].
القديس جيروم
وَثَبَّتَهَا إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ،
وَضَعَ لَهَا حَدًّا، فَلَنْ تَتَعَدَّاهُ [6].
ما خلقه بأمرٍ مجردٍ يبقي آلاف السنوات أو الملايين.
*"ثبتها إلى الدهر والأبد". كل الأشياء في السماوات، كل شيء في الأعالي، توجد مدينة في الأعالي صالحة ومقدسة ومطوَّبة، نحن قد تحولنا عنها وصرنا بائسين. إذ نريد العودة إليها نصير مطوَّبين على رجاء، وعندما نعود إليها نصير مطوّبين واقعيًا.
"وضع لها حدًا لا تتعداه"... أي أمر تظنون يقبله الذين في السماء والملائكة القديسون؟
أي أمر أصدره الله لهم؟ ماذا سوى أن يسبحوه؟ طوبى للذين عملهم هو تسبيح الله!
إنهم لا يحرثون ولا يطبخون، فإن هذه الأعمال تتم عن ضرورة، لا لزوم لها هناك.
إنهم لا يسرقون ولا ينهبون ولا يرتكبون الزنا، فإن هذه من أعمال الإثم، وهناك لا يوجد إثم.
لا يكسرون خبزًا لجائعين، ولا يقدمون كسوة لعريانين، ولا يستضيفون غرباء، ولا يفتقدون مرضى، ولا يطاردون مشاكسين، ولا يدفنون موتى، فإن هذه أعمال رحمة، وهناك لا يوجد بؤس، وليس من حاجة لإظهار أعمال رحمة.
يا لهم من مطوبين! فكروا أننا نحن أيضًا سنصير هكذا! آه! لنئن، ولنتأوه على أنيننا. ماذا نحن عليه الآن، وماذا سيكون حالنا هناك؟ إننا معرضون للموت، متشردون، في مذلةٍ، تراب ورماد! أما الذي يعد فهو القدير[25].
القديس أغسطينوس
مزمور 148 - تفسير سفر المزامير - خورس الخليقة العجيب!
3. دعوة الأرض وكل ما عليها للتسبيح

أما الصف الثالث فهو صف الخليقة التي تبدو لنا مرعبة بل ومؤذية الإنسان، بعضها يبدو بلا نفع كالتنانين والبَرَدْ والضباب والعواصف. فإن كنا لا ندرك أهميتها أو دورها في حياتنا، لكنها تنضم إلى صفوف المسبحين.
سَبِّحِي الرَّبَّ مِنَ الأَرْضِ،
يَا أَيَّتُهَا التَّنَانِينُ وَكُلَّ اللُّجَجِ [7].
إن كانت السماوات تشهد لمجد الله، فإن الأرض والبحر وكل ما فيهما أو عليهما يشهد لحكمة الله. كل شيءٍ جميل في موقعه وبالطبيعة التي تناسبه.
هنا إذ يطالب الكائنات المخيفة مثل التنانين الضخمة أن تسبح الرب، إنما يدعو الإنسان الذي يسلك كالتنين أن يقدم توبة عما هو عليه، ويرتبط بالله ويسبحه.
يرى القديس يوحنا الذهبي الفم[26] أن المرتل قد بدأ بالخليقة التي في الأعالي، التي فوق السماء (الجلد)، ثم نزل إلى السماء، وأخيرًا ينزل إلى الأشياء التي على الأرض.
لم يذكر المرتل الحيوانات، حيث لا يحدث جدل عنها بكونها جميلة ونافعة، لكنه يتحدث عن الخليقة التي يرى البعض أنها ضارة ولا تمجد الله مثل التنانين والرياح العاصفة والنار والبَرَدْ ووحوش البرية والجبال الشامخة، والزواحف. هذه المخلوقات التي قد يرهبها الإنسان، متسائلًا: لماذا خلقها الله محب البشر؟ هي أيضًا تشهد لعناية الله وعظمته. الآن يشهد العلم أن بعض الزواحف والحشرات مثل العقرب نافعة، فسُم العقرب يستخدم في بعض الأدوية للعلاج من بعض الأمراض، والنباتات والأعشاب التي توجد على الجبال وفي البراري لها منافع صحية.
مع كل جيل جديد، بل ومع كل يوم نكتشف بركات ومنافع من مخلوقات كنا نود الخلاص منها.
هذا والنار التي أُلقي فيها الثلاثة فتية القديسين أحرقت العسكر الشامتين، بينما تحولت إلى ندى للقديسين!
*أنتم ترون أي نوع كل هذه (الأشياء الأرضية)، فهي متغيرة، تسبب اضطرابًا، ومخيفة، وقابلة للفساد، ومع ذلك فلها موضعها ودورها الخاص بها، وهي حسب درجاتها تكمل جمال المسكونة، وبهذا تسبح الله.
إنه يتحول إلى هذه الأشياء كمن يحثها هي أيضًا، ويحثنا نحن أن نسبح الرب...
ماذا؟ هل نظن أن التنانين تشَّكل خوارس وتسبح الله؟ حاشا! ولكن عندما نتأمل التنانين تتطلع إلى خالق التنين؛ عندئذ إذ نُعجب من التنين، نقول: "عظيم هو الرب الذي صنع هذه، بهذا تسبح التنانين الله بأصواتنا[27].
القديس أغسطينوس
النَّارُ وَالْبَرَدُ الثَّلْجُ وَالضَّبَابُ،
الرِّيحُ الْعَاصِفَةُ الصَّانِعَةُ كَلِمَتَهُ [8].
كل ما يدور حولنا حتى النيران المشتعلة، والأهوية والعواصف والسحب الخ. وما تقدمه من خدمات ووضع حدود لها تشهد لإبداع الخالق.
العجيب أن المتناقضات أيضًا تشهد لقدرة الله، النار والبرد، الثلج والضباب والعواصف تتحرك كل هذه الظواهر بكلمة الله.
الخليقة الجامدة كالجبال والتلال مع الأشجار سواء المثمرة أو العقيمة بحكمة أوجدها الخالق. وأيضا الحيوانات المتوحشة كما المستأنسة، والطيور، تشهد له مع الإنسان وتسبحه.
أما عن الإنسان، فمع اختلاف العمر والقدرة والسلطة، الكل يقدر أن يسبح الله.
في اختصار يليق بكل كائنٍ أينما وُجد، وأيا كانت مواهبه أن يسبح الله.
يرى القديس جيروم أن وُجد نوع من التضاد بين النار والبَرَدْ، ونوع من المتاعب بسبب الضباب والرياح العاصفة، لكن الله يستخدم هذه جميعها لخدمة الإنسان كأمر الرب، فهي تسبحه إذ تتمم أمره.
يرى القديس يوحنا الذهبي الفم[28] الله الخالق كطبيبٍ حكيمٍ، نشكره ونسبحه في كل تصرفاته. فخلال عنايته الإلهية أوجد آدم في جنة عدن، وبذات العناية سمح له بطرده منها عندما أخطأ، حتى يتحقق خلاصنا، وننعم بالفردوس السماوي.
الله في عنايته سمح بوجود الفردوس السماوي، وبذات عنايته سمح بوجود الجحيم حتى نهرب من الشر، ونسترد بنعمة الله صورته فينا.
*"الصانعة كلمته". كثير من الأغبياء يعجزون عن التأمل وتبَّين الخليقة في أماكنها المتعددة ودرجاتها، تحقق بتحركاتها وإيماءاتها أمرًا من الله. هؤلاء يظنون أن الله بالحقيقة يحكم الأمور العلوية، أما السفلية فيستخف بها، ويتركها جنبًا ويهجرها، فلا يهتم بها ولا يقودها ولا يريدها، إنما تسير مصادفة، يحدث لها ما يحدث حسب قدرتها،... كل منها يحدث لها ما يؤثر عليها من الأشياء الأخرى...
"النار والبَرَدْ والثلج والضباب والريح العاصفة الصانعة كلمته"، تبدو كل هذه الأشياء في الطبيعة للأغبياء أنها وليدة المصادفة، لكنها هي "صانعة كلمته"، لأنها لا تتم إلا بأمره[29].
القديس أغسطينوس
*تقول العروس لريح الجنوب: "هبي على جنتي"، لأن عريسها جعلها أمًا للحدائق. ويشمل النص حدائق وينبوع. من أجل هذا يرغب العريس لحديقته، الكنيسة، التي تمتلئ بالأشجار الحيّة، أن تهب عليها هذه الريح، لكي تحمل منها روائح عطورها. ويقول النبي: "الريح العاصفة، الصانعة كلمته" (مز 8:148).
تزينت العروس بزينة الملكة البهية، وغيّرت النهيرات التي تفيض عطرًا إلى شيء أكثر جمالًا، فجعلتها تفيض من أشجار الحدائق بواسطة قوة الروح القدس.
ويمكننا بهذه الصورة أن نتعلم الفرق بين العهدين القديم والجديد: يمتلئ نهر النبوة بالمياه، بينما تمتلئ أنهار الإنجيل بالعطر. كان نهر القديس بولس يحمل رائحة المسيح العطرة، ويفيض من حديقة الكنيسة بواسطة الروح القدس. والأمثلة الأخرى كيوحنا ولوقا ومتى ومرقس وجميع الرسل الآخرين كلهم يرمزون إلى نباتات نبيلة في حديقة العروس، وعندما تهب عليها في منتصف الظهيرة تصيرها ريح الجنوب جميعا ينابيع عطور لرائحة الأناجيل الذكية[30].
القديس غريغوريوس النيسي
الْجِبَالُ وَكُلُّ الآكَامِ،
الشَّجَرُ الْمُثْمِرُ، وَكُلُّ الأَرْز [9].
ما يبدو لنا نافعًا أو غير نافعٍ، الكل يشهد لحكمة الخالق. فالجبال والتلال التي تبدو أحيانا كعوائق للإنسان، أو أشجار البرية غير المثمرة، تبدو بلا نفع. الكل يقدم بركات للإنسان، حيث يستخرج الإنسان المعادن والحجارة الكريمة من الجبال والتلال، ويستخدم أخشاب أشجار البرية العقيمة.
نسبح الله على الجبال الشامخة والآكام التي تبدو بلا نفع لنا، كما نسبحه على الوديان والحقول. نسبحه على الأشجار المثمرة، والأرز الذي بلا ثمر. فإن كانت الأشجار المثمرة تقدم لنا ما نقتات به، فإن الأشجار غير المثمرة تقدم لنا الأخشاب لبناء البيوت وعمل الأثاث وغير ذلك.
*إن كان الله قد أظهر عناية فائقة جدًا بأشياء وضيعة عديمة النفع والقيمة، فكيف لا يهتم بكم أنتم أكثر من كل المخلوقات الأخرى؟
لماذا يخلقها بهذا الجمال؟ أليس ليُظهر مدى حكمته وامتياز قدرته، لنتعلم ونعرف مجده في كل شيءٍ. أو ليست السماوات "تحدث بمجد الله" (مز 19: 1) والأرض أيضًا، وهذا ما أعلنه داود المرتل حين قال: "سبحي الرب... أيها الشجر المثمر وكل الأرز" (مز 148: 9). لأنها ترسل التسبيح إلى الذي صنعها، البعض بثمارها، والبعض الآخر بعظمتها، والبعض بجمالها.
وتلك أيضًا علامة على الامتياز الفائق للحكمة، إنه حتى مع الأشياء التافهة جدًا (وهل هناك ما هو أتفه من شيء يوجد اليوم ويزول غدًا؟) فإن الله يسكب جمالًا باهرًا كهذا. فإن كان قد أعطى العشب ما لا يحتاجه (لأنه ما فائدة الجمال في إشعال النيران؟) كيف لا يعطيكم أنتم ما تحتاجونه؟
إن كان أكثر الأشياء تفاهة قد أضفى الله عليها هذا الرونق الرائع، ولم يفعل ذلك لاحتياج تلك الأشياء لهذا الرونق، بل لسخائه، فكيف بالحري يكرمكم وأنتم أكرم المخلوقات في أموركم الضرورية؟[31]
*البعض بثمارها ترسل تسبيحًا لخالقها، وأخرى بعظمتها، وأخرى بجمالها. هذه علامة على عظمة سمو الحكمة، التي تظهر حتى (في الخليقة) التافهة جدًا، لأنه أية تفاهة أكثر من الكائن الذي يوجد اليوم، ولا يكون له وجود غدًا؟[32]
القديس يوحنا الذهبي الفم
*تحمل الأشجار ثمارًا لكم، لكنكم لا تحملون أنتم ثمارًا لله.
"وكل الأرز"، لتقتدوا بالأرز كمثالٍ، فالأرز تبلغ الأعالي كأنها تسرع نحو السماء. إنها هكذا لكي تقتدوا بالأشجار غير العاقلة[33].
القديس جيروم
الْوُحُوشُ وَكُلُّ الْبَهَائِمِ،
الدَّبَّابَاتُ وَالطُّيُورُ ذَوَاتُ الأَجْنِحَة [10].
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم[34] إننا ننتفع بالحيوانات المستأنسة لمنفعة أجسادنا، كما بالوحوش المفترسة لمنفعة أرواحنا حيث نخشاها، ونتذكر خطايانا وخطايا أبوينا في جنة عدن، وتكشف لنا عن ثمار العصيان.
لقد أعطى آدم هذه الحيوانات أسماءها؛ وعندما تحدثت الحية مع حواء لم ترتعب الأخيرة منها، إنما اختلف الأمر بعد العصيان.
*"الوحوش وكل البهائم". إنها لا تغير طبيعتها، كل المخلوقات تحتفظ بنظامها، ماعدا الإنسان الذي وحده تخضع كل الخليقة (الأرضية) له.
"الدَّبابات والطيور ذوات الأجنحة". المخلوقات الأرضية لا تترك الأرض لتبلغ السماء، ولا الكائنات السماوية تترك السماء لأجل الأرض، والكل في خدمتكم...
خلق الله (المخلوقات الأرضية المتنوعة) لتخدمكم. خلقكم أنتم لكي تخدموه.
إنها تطيعكم. افتدوا بها واخدموا الله كما هي تخدمكم. إنها خلال الله تخدمكم وتطيعكم[35].
القديس جيروم
*عندما ترون أسدًا، وعندما تنظرون حية، تذكروا هذه القصص، فإنها تفيدكم ليس بقليلٍ للتفكير السليم.
اذكروا دانيال أيضًا كيف أنه عندما عاد إلى الصورة القديمة، صارت الوحوش المرهبة لا حسبان لها (دانيال 6). بالحقيقة هكذا كان الأمر بالنسبة للأفعى في عيني بولس (أع 28). بهذا تقتنون غيرة ليست بقليلة، واهتمامًا بنفوسكم.
من هذه الأمثلة وغيرها تجد علة للعجب من خطة الله وتدبيره لهذه المخلوقات... لقد عين لها أماكن بعيدة عن المدن، مناطق صحراوية. بينما تحمل رعبًا لا تميل إلى الحياة في المدن، ولا أن تلتقي مع الذين يعيشون فيها، بل على العكس تفضل المناطق الصحراوية وتُغرم بها، فقد خصص الله لها منذ البداية أن تجد المواضع المناسبة والمواقع اللائقة لتعيش فيها[36].
القديس يوحنا الذهبي الفم
مزمور 148 - تفسير سفر المزامير - خورس الخليقة العجيب!
4. دعوة القادة للتسبيح

ترك صفوف البشرية في النهاية، إذ يبدأ بالسمائيين الخليقة العاقلة السماوية، وختم بالخليقة العاقلة الأرضية، وقد دعاها بطبقاتها جميعًا من قادة وأحداث وعذارى وشيوخ وفتيان. تُرك الإنسان في النهاية كتاج الخليقة الأرضية.
مُلُوكُ الأَرْضِ وَكُلُّ الشُّعُوبِ،
الرُّؤَسَاءُ وَكُلُّ قُضَاةِ الأَرْضِ [11].
يليق بالمؤمن أن يسبح الله ويشكره حتى على وجود أنظمة تبدو كأنها من صنع المجتمع، كإقامة ملوك ورؤساء وقضاة الخ.، فإن يد الله تعمل في كل شيءٍ.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم[37] إن كنت حاكمًا أو قائدًا، فلتسبح الله المحب، وتشكره من أجل هذه العطية. وإن كنت من العامة، فلتشكر الله الذي يسمح بوجود قيادات. إن كان القادة ظالمين، فلتطلب من الله المعتني بخليقته، فإن قلب الملك في يد الله.
مزمور 148 - تفسير سفر المزامير - خورس الخليقة العجيب!
5. دعوة الشعب للتسبيح

الأَحْدَاثُ وَالْعَذَارَى،
أَيْضًا الشُّيُوخُ مَعَ الْفِتْيَانِ [12].
*لنسرع جميعًا بنعمة الله إلى سباق الطهارة، شبابًا وعذارى، شيوخًا وأطفالًا (مز 148: 12). لنسبح اسم المسيح، بعيدين عن الشراهة، ولا ننكر مجد العفة. إنها إكليل ملائكي، وفضيلة تسمو بالإنسان[38].
القديس كيرلس الأورشليمي

الإنسان، صورة الله، يسبح بحريته، بينما الطبائع الصماء تسبح بدون تمييز.
*يليق بصورتك أن ترتل تسبيحك بتمييزٍ أكثر من هذه (الطبائع) غير الحرة الخائفة منك.
لي وحدي توجد الحرية بين الخلائق التي تسبّحك بمسيرة طبائعها السريعة.
بدون إرادتها الشمس نيرّة، والقمر بهي، وقوة العساكر (الكواكب) تسير بسرعة.
قوتك العظمى تغصبها جميعًا للتسبيح، وليست حريتها التي تميز حتى تسبّح مخافتك.
يجمل بي أنا الحر التسبيح إن كنت أميز، لأن إرادتي صاحبة سلطان لأتوقف أو أتحرك للتسبيح.
لو توقفت أُدان من قبل العدالة، لأنها تطالب الأحرار بأن يسبّحوا بتمييز.
لهذا أسبحك يا ربي وأنا خائف، ولو أني غير مستحق وغير كفؤ هأنذا أتجاسر.
كل الأفواه ملزمة بتسبيحك، من يستحق ومن لا يستحق يرتل التسبيح.
ربي، يليق بكل الخلائق بأشكالها أن تسبحك: ذات الكلمة وذات الصوت والتي هي بلا صوت[39].
القديس مار يعقوب السروجي
مزمور 148 - تفسير سفر المزامير - خورس الخليقة العجيب!
6. دوافع التسبيح لله

أ. اسمه عظيم

لِيُسَبِّحُوا اسْمَ الرَّبِّ،
لأَنَّهُ قَدْ تَعَالَى اسْمُهُ وَحْدَهُ.
دُعي الخورس خلفه بكل صفوفه أن يسبح بروح التناغم والانسجام، يسبح اسم الرب، الاسم الذي فوق كل الأسماء، هذا الذي مجده لا يُعلى عليه.
ب. مجده يملأ السماء والأرض

مَجْدُهُ فَوْقَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ [13].
*ليته لا يطلب أحد تمجيد اسمه. أتريد أن تتمجد؟ اخضع لذاك الذي لا يمكن أن يُذل؟ "اعترافه على الأرض وفي السماء" [14 LXX][40].
*تصرخ السماء إلى الله: "أنت خلقتني؛ أنا لم أخلق نفسي".
والأرض تصرخ: "أنت خلقتني، أنا لم أخلق نفسي".
كيف تصرخان؟ عندما تتطلع إليهما، وتجدهما تصرخان بصوتك، إنهما تصرخان برؤيتك لهما.
تطلع إلى السماء؛ تجدها جميلة! لاحظ الأرض؛ إنها جميلة!
هما معًا جميلتان. إنه صانعهما، يديرهما، وبإيماءة منه تنحنيان. هو يأمر بفصولهما، وهو يجدد تحركاتهما، هو بنفسه يجددهما.
كل هذه الأمور تسبحه، سواء في السكون أو التحرك، سواء من الأرض في الأسفل، أومن السماء في الأعالي، سواء في حالتهما القديمة أو تجديدهما.
عندما ترى كل هذه الأشياء وتفرح، وترتفع نحو الخالق، وتتفرس في المصنوعات المنظورة، فتدرك أموره غير المنظورة (رو 1: 29).
"اعترافه على الأرض وفي السماء" [13]؛ أي أنك تعترف له من الأشياء التي على الأرض، وتعترف له من الأشياء التي في السماء...
إن كانت الأشياء التي صنعها جميلة، كم بالأكثر يكون جمال صانعها[41].
القديس أغسطينوس
ج. رعايته لشعبه

وَيَنْصِبُ قَرْنًا لِشَعْبِهِ،
فَخْرًا لِجَمِيعِ أَتْقِيَائِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ،
الشَّعْبِ الْقَرِيبِ إِلَيْهِ. هَلِّلُويَا [14].
يُختم المزمور بالتسبيح لله من أجل معاملاته مع شعبه، يهبهم قوة ومجدًا ويجعلهم ملتصقين به.
إنه يسند شعبه ويعدَّهم لكي يتمتعوا بالوطن السماوي، حيث السلام الأبدي.
*لذلك، كما ترون فإن لأورشليم السماوية أسوارًا مصنوعة من السلام[42].
الأب قيصريوس من آرل
*"ويرفع قرن شعبه". انظروا ما تنبأ عنه حجيَّ وزكريا. الآن قرن شعبه في مذلة الأحزان والمتاعب والتجارب وقرع الصدر؛ متى يرفع قرن شعبه؟ عندما يأتي الرب، وتشرق شمسنا، ليست الشمس المنظورة بالعين، والتي تشرق على الصالحين والأشرار (مت 5: 45)، بل الشمس التي قيل عنها لكم يا من تسمعون الله: "تشرق شمس البرّ، والشفاء في أجنحتها" (مل 4: 2). والتي يقول عنها المتكبرون والخطاة: "نور البرَّ لا تشرق علينا، وشمس البرّ لا تبزغ علينا...".
"سبحًا لجميع قديسيه" ليتقبل قديسوه تسبحة. لينطق قديسوه بتسبحة، فإن هذا هو ما سينالونه في النهاية: تسبحة أبدية![43]
القديس أغسطينوس
*تحركوا أيها المتميزون للتسبيح بدل الخلائق الجامدة، لأن بكم يليق التسبيح.
من يوفي ابن الله حقه الذي جاء إلى عالمنا لأجلنا، دون أن يتوقف عن تسبيحه؟
صعد ابن الله على الصليب بدل الخطاة، ليعيدهم إلى التوبة، وها هم بطالون.
صوته العالي الذي سحق الصخور، وشق القبور، لم يخفنا، فلنفتش لنتمتع بوجهه بالتوبة[44].
القديس مار يعقوب السروجي
مزمور 148 - تفسير سفر المزامير - خورس الخليقة العجيب!
من وحي المزمور 148

هب لي أن أنضم إلى خورس المسبحين!


*لك المجد يا مصدر سعادة كل خليقتك!
بكلمة أوجدتنا من العدم لا لكي نخدمك،
وإنما لكي نُسر بك، وتتهلل نفوسنا بحبك!
لست محتاجًا إلى تسابيحنا،
بل نحن محتاجون أن ننعم بالتهليل بك.
أنت سرّ شبعنا وفرحنا ومجدنا!
*من يتأهل للتسبيح لك سوى السمائيين!
يدركون حبك، ويتعرفون عل حنوك، ويُسرون بإرادتك.
لتقم في قلوبنا، وتجدد نفوسنا،
فنصير متمثلين بملائكتك.
ننضم بفرحٍ إلى صفوفهم،
ويتحرك كل كياننا للتسبيح لك.
وتفيض نفوسنا بالشكر لك.
وتُسحب قلوبنا وعقولنا نحو التأمل فيك.
ندهش لحكمتك وقدرتك وصلاحك!
*الشمس والقمر والكواكب التي خلقتها من أجلنا،
تسبحك بعملها البديع، وخضوعها للناموس الذي وضعته لها.
ليس لها فم ولا لسان لتنطق وتسبح،
لكنها بخضوعها لك لا تكف عن التسبيح لك.
هب لنا أن ننضم حتى مع هذه الخليقة غير العاقلة،
وبروح الطاعة نسبح اسمك القدوس.
هي تسبحك بالعمل في صمتٍ!
هب لنا أن نسبحك عندما تضيء بنورك فينا قدام الناس،
يرون أعمالك فينا فيمجدونك!
لنسبحك بألسنتنا وشفاهنا، ولنسبحك بقلوبنا وعواطفنا،
ونسبحك بصمتنا مع نقاوة قلوبنا!
أنت واهب النقاوة والطهارة والقداسة!
تسبحك الخليقة بجمالها البديع،
فليسبحك إنساننا الداخلي، بملكوتك الذي تقيمه في داخلنا!
إنه عمل روحك القدوس.
*تسبحك السماء بسحبها التي تمطر علينا.
تحول أرضنا الجافة إلى جنة مملوءة ثمارًا.
ولتسبحك أيضًا مياه دموعنا،
إنها لا تسقط من السماء إلى أرضنا، إنما تصعد من قلوبنا إلى سماواتك.
تخترق السحب وترتفع إليك.
تقبلها بفرحٍ وتعتز بها.
تستجيب لها وتغفر لنا ذنوبنا.
تحوَّل قفر قلوبنا إلى جنتك المثمرة.
إنها عطية نعمتك العاملة فينا!
*بكلمة أمرت فخُلقت، وبعنايتك لا تزال وتبقى ترعاها.
خلقتها لأجلنا نحن عبيدك.
وتتعهدها برعايتك لأنك راعينا الصالح.
نسبحك لأجل قدرتك وحكمتك ورعايتك.
فأنت الأب القدير محب البشر!
*يا لصوتك العذب!
تدعونا جميعًا للتسبيح،
ليس لأنك في حاجةٍ إلى تسبيح أو خدمة،
إنما مسرتك أن تحملنا إلى سماواتك،
ننضم إلى صفوف الطغمات السماوية.
نشاركهم تسابيحهم وتهليلهم.
نتمتع معهم بالحياة المطوّبة!
*يا لعظمة حكمة إلهنا.
حتى المخلوقات التي نظنها بلا نفع.
مع كل يوم نكتشف منافع لها،
فنمجد الله الكلي الحب والحكمة.
كل ما يدور حولنا حتى النيران المشتعلة،
بل والتنانين المرعبة والحيوانات المتوحشة،
يمكن أن تخدمنا وتعمل لحسابنا.
لك المجد يا أيها الخالق العجيب!
*إلهي كل الطبيعة تُسبحك،
حتى الأشجار غير المثمرة تقدم لك تسبحة رائعة.
في خجلٍ وعارٍ تقدم لك الأشجار غير المثمرة ثمرة تسبيح،
وأنا في ضعفي لا أمجدك.
لتروني نعمتك، فأحمل ثمرة الروح.
أحمل فرحًا وتهليلًا وينطق كل كياني بتسبحة صادقة!
*بحبك خلقت الأرضيات لخدمتي،
هب لي أنا أيضًا أن أخدمك وأسبحك.
*كل الخليقة غير العاقلة تسبحك.
ألا يليق بي وقد وهبتني عقلًا وحرية أن ُأسبحك؟
أسبح اسمك العظيم يا خالقي!
رعايتك لشعبك عبر الأجيال،
واهتمامك بي كل أيام حياتي،
وانشغالك بخلاصي حتى الآن،
هذا كله يحركني لكي أسبح اسمك القدوس.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
مزمور 148 - خورس الخليقة العجيب
مزمور 139 - تفسير سفر المزامير - الله العجيب للغاية في علاقته معى
مزمور 135 - تفسير سفر المزامير - شخصك العجيب وأعمالك تدفعنا للتسبيح!
مزمور 38 - تفسير سفر المزامير - مزمور التوبة الثالث
مزمور 23 (22 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير - مزمور الراعي


الساعة الآن 10:51 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024