رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس مقدمة باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد. آمين. الحمد لله الشافي جروح القلوب. مصدر العزاء والسلوان في أزمة الكروب. وبعد فهذا كتاب يتضمن عدة مواضيع مخففة لآلام المتألمين والمتضايقين، معزية للمصابين والمحزونين، يمكن تلاوته في أيام المآتم بدل صرف الوقت في ما لا يعزي ولا يفيد. اسأل الروح القدس المعزي أن يعزي به الحزانى والمتوجعين ويهب به الصبر والسلوان للمكروبين والمجربين. آمين. |
17 - 07 - 2014, 02:42 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس
كلمة عزاء إن الله تعالى كثيراً ما يستخدم عصا تأديبية في الشدائد والبلايا والأحزان لنفعنا وخيرنا الروحي، وتكميلنا في النمو وفي النعمة وفي معرفته، كأغصان الأشجار التي كلما قطعت وقلمت ازدادت نمواً، وكالكرمة فإنها كلما شذبت حملت عناقيد أكثر، قال السيد كل غصن في لا يأتي بثمر ينزعه وكل ما يأتي بثمر ينقيه ليأتي بثمر أكثر (يو15: 2) وما أداة هذه التنقية إلا التجارب التي ترجع النفس وتلصقها بالله. وكما أن رياح الحريف الفادحة ضرورية لإنضاج النبات كحرارة الصيف، كذلك لابد من التمرين والتدريب في مدرسة المصاعب للبلوغ إلى أرقى درجة في الروحيات حتى تصرخ النفس وتقول "قبل أن أذلل أنا ضللت، أما الآن فحفظت قولك، خير لي أني تذللت لكي أتعلم فرائضك". إننا على الأرض عرضة لبلايا كثيرة، ومحن لا تعد ولا تحصى ولابد من حمل صليب ما، شئنا أو أبينا. وعبثاً التخلص من المصائب والأتعاب التي لابد منها لتعلم الطاعة والصبر والتدريب على الكمال. والمسيح رئيس خلاصنا ومكمله لم يعد لنا السعادة والمجد إلا بعد مروره في طريق الآلام، فقبل المجد الألم، وقبل الراحة التعب، وقبل النصرة الحرب، وقبل الإكليل الجهاد. قال الرسول عن المخلص مع كونه ابناً تعلم الطاعة مما تألم به. عب (5: 8) لأنه فيما هو قد تألم مجرباً يقدر أن يعين المجربين. عب (2: 18) وما أعظم مثال طاعته فقد كانت كل حياته لجة آلام وأحزان من المهد إلى اللحد وقد قال في أهوال الأوقات لآبيه لتكن لا إرادتي بل إرادتك لو (22: 42) فهل يليق بنا أن نتذمر متى شاء الرب اقتيادنا بالتجارب لتهذيب نفوسنا ورجوعها إليه! وهل في يدنا أن نختار نصيبنا، وهل في قدرتنا رفع ما يضعه الرب على أعناقنا. ومن نحن حتى نرفع صوتنا ضد من بيده أمرنا. فعلينا بالخضوع والطاعة وتسليم المشيئة حين دخولنا في إحدى التجارب، سواء بموت أحد أعزائنا، أو خيبة مساعينا أو ضياع أتعابنا عبثاً، أو انقطاع حبل آمالنا، أو إذا سلطت الأمراض على أجسامنا، أو كنا عرضة للتعب والبلاء ليلاً ونهارا. فكل هذه دروس ثمينة لتدريب نفوسنا على الطاعة والاتكال على الله، وماذا نعمل لو تذمرنا وماذا يجدينا الضجر والبكاء سوى زيادة الألم أما الطاعة فتملأ القلب تعزية وفي قدرتها رفع الألم عن نفوسنا. لأن الفاخوري (الفخاري) لا يضع آنيته في النار حتى تحترق، والبستاني إذا نزع بعض أغصان أشجاره فإنه يحافظ على جذوعها وأصلها. طوبى للنفس التي تقول "خيراً صنعت مع عبدك يا رب حسب كلامك" (مز119: 65). من أحسن ما يخفف قوة البلية ويربى روح الطاعة والشكر معرفتنا أن يد الله متداخلة في كل أمورنا. ألم يقل السيد: أليس عصفوران يباعان بفلس واحد وواحد منهما لا يسقط على الأرض بدون أبيكم وأما أنتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة مت (10: 29، 30) فلا يحدث لنا أمر إلا وقد سمحت به عناية الله. إننا لا نعرف مقاصده السرية والفائقة وطالما نؤمن بحكمته وصلاحه فما بالنا لا نتركه يتصرف فينا كيف شاءت مسرته،أما إذا تركنا الإيمان وابتعدنا عن كتاب الله وأسندنا مصائبنا إلى علل ثانوية، تعبنا جداً وخسرنا فوائد التجارب وعزاء الإيمان. إن هذه كلها تعللات باطلة لا أساس لها سوى الظن الباطل وحكمة الإنسان الواهية وليس وراءها سوى زيادة الندم والإفراط في الحزن والألم. طوبى لمن يسلم أمره لله ويقول في كل حال "كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله". إن إيماننا بأن أعمال الله غامضة وسرية، وأن عنايته صالحة. ومشيئته عادلة، يملأ قلوبنا اطمئنانا، وغموض أعمال الله عنا في غاية المناسبة لطبيعتنا. إذ لا يمكننا أن نفهم مقاصد الله لأنه كما علت السموات عن الأرض هكذا علت أفكاره عن أفكارنا، وطريقه عن طرقنا. وقد تعين لنا أن نسلك بالإيمان لا بالعيان فكلما أحاطت بنا غيوم الحيرة والارتباك في أمورنا ازددنا تعلما بدرس الثقة بالله والاتكال عليه، والخضوع لرسوم عنايته، واختبار الفرح بتسلطه علينا، وليس لنا الحق أن نعرف إيضاح كل تصرفات الله معنا كما لا يستطيع الولد الصغير أن يعرف تأديبات وتصرفات أبيه، غير أن لنا في مواعيده الأمينة أنه لا يتركنا عند الضيق والتجربة ولا يهملنا في أوان الحزن والشدة، بل في أشد الأهوال وأصعب الأحوال يلقي في قلوبنا ملء الإيمان ويهبنا العزاء الوافر، ويصدق علينا قوله لبطرس: ليس تعلم أنت الآن ما أنا أصنع ولكنك ستفهم فيما بعد. هكذا نحن لا نفهم عمله معنا في وقت الافتقاد والبلوى ولكن إذا صبرنا والتصقت قلوبنا بالرب حينئذ تتجلى لنا محبته. |
||||
17 - 07 - 2014, 02:43 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس
ملاحظات هامة من يتأمل في عوائدنا في الجنازات والمآتم ير أننا نئن من بعض العوائد المستهجنة التي يجب على كل عاقل أن يحاربها جهد استطاعته وأذكر منها: أولاً: النفقات الباهظة التي يتكبدها أهل الفقيد لاسيما في تشبع الجثة إلى القبر. ولقد أفاضت الجرائد في استهجان هذه العادة لاسيما إذا كان الفقيد من الفقراء أو المتوسطين. وأشارت على المشيعين بأن يخففوا شيئاً من أثقال المصابين بأن يشترك كل جماعة منهم في ركوب سيارة على حسابهم فحبذا لو راعينا هذه النصيحة الثمينة حتى يألف الناس هذه العادة الحسنة. ثانياً: جلوس المعزين في حالة لا تناسب المقام. واحد يقرأ في جريدة وغيره يتكلم مع رفيقه. وآل الفقيد يتلظون في نيران أحزانهم. وما معنى العزاء إذاً؟ فيجب تخصيص أغلب الوقت في تلاوة كلام الله حتى تكون هناك تعزية كبرى للمحزونين وعظة بالغة للحاضرين. ثالثاً: ما تأتيه النساء من شدة البكاء والصراخ والعويل واللطم والندب والإفراط في الحزن فضلاً عن استخدام النادبات والمعددات لإثارة أشجانهن. الأمر المخالف للعقل والدين والآداب، ولا يجلب سوى الأوجاع والأمراض. وكم من سيدات فقدن صحتهن وعشن حليفات المرضى من جزاء خضوعهن لتلك العادات الذميمة. فلو أمكن لإحدى السيدات أو الفتيات تلاوة بعض فصول من الكتاب المقدس ومن هذا الكتاب، لنشأ عن ذلك فائدة في تعليمهن ما يخفف ألمهن ويلطف حزنهن. وحبذا لو أفاضت مجلاتنا وجرائدنا في تنبيه الناس لإصلاح العادات المستهجنة التي نئن منها، وعاونها في ذلك رعاتنا الفضلاء ووعاظنا الأدباء. حبيب جرجس |
||||
17 - 07 - 2014, 02:43 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس
الباب الأول: تأملات للمجربين وتعزيات للمتضايقين
|
||||
17 - 07 - 2014, 02:45 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس
التجارب نصيب كل البشر والغرض منها حياتنا جهاد على الأرض. والتجارب والبلايا والأرزاء تلازم الإنسان في جميع أدواره من المهد إلى اللحد. ولا يخلو إنسان من تجربة أو بليَّة تُعكِّر صفاءه. من الملك الجالس على عرشه إلى الفقير الساكن في كوخه، وإذا أردت أنْ تحصى مقدار التجارب لزمك أنْ تحصى عدد البشر. ذلك لأنَّ لكل إنسان تجربة خاصة وشوكة يصرخ متوجعاً منها. اختلفت التجارب وتعدَّدت الآلام وتنوَّعت الرَّزايا، ولكنَّها كلها تجارب وآلام مهما تنوَّعت أسبابها واختلفت أشكالها. إنَّ التجارب نصيب كل البشر ولا يستطيع أحد أنْ ينجو منها. لأنَّ طريق الحياة كله آلام، والإنسان مولود للمشقة وشبعان تعباً وأكثر أيامه تعب وبليَّة. مز (10:90) متى عرفنا ذلك هانت علينا المصائب واستعدَّت قلوبنا لاحتمال الآلام التي نصادفها أثناء سياحتنا في دار غربتنا. لماذا حفلت الحياة بالأتعاب والتجارب؟ ولماذا اكتنف الإنسان بهذه البلايا؟ ذلك لكي لا تلتصق النفس بالعالم وتتعلَّق به وتجعله غايتها، وحتى تعرف أنَّ لها ملجأً عظيماً تلتجئ إليه عند الملمَّات والضيقات، وهو الله الذي يعتني بنا في أزمنة الكروب. وبذلك نعرف أنَّنا غرباء في العالم وأنَّ هذه الدنيا ليست وطننا، بل ننتظر وطناً آخر باقياً وأبدياً ونتوقع بصبر حياة خالية من الأكدار، لا يدخلها هم ولا حزن ولا يكون فيها دموع. كان بنو إسرائيل شعباً خاصاً لله اختاره من بين الأمم ومع ذلك سمح بأنْ يُذلّوا ويضيق عليهم ويُستعبدوا في أرض مصر واكتنفتهم البلايا من كل جانب. ولولا ذلك لالتصقت نفوسهم بحب البقاء في مصر ولم يرضوا الخروج منها لأنَّهم كانوا مُستعبدين ومُذلِّين فتنبَّهت نفوسهم وكانوا ينتظرون ساعة خروجهم من الذلّ والضيق،ولمَّا دعاهم موسى أذعنوا وأطاعوا للحال دعوته. هكذا نحن نصادف الآلام والمشقات في أرض غربتنا في هذا الوادي حتى ننظر بشوق إلى الوطن السماوي، ولا نأسف على حياة ملآنة بالتعب، بينما نعرف أنَّ حياة سعيدة أبدية تنتظرنا في السماء. جميع الآلام التي نُصادفها في طريق حياتنا هي كرسائل محبة من الله لتنبيه الغافلين للتقويم والتأديب فهي إذاً تستحق كل إكرام واعتبار. وإنْ لم نُبالِ بها كان ذلك استهانة بمُرسلها. لا شيء يُريح الفكر في زمن الضيق أكثر من النظر إلى ما فوق وإلى ما وراء. فأمَّا النظر إلى ما فوق فلكيّ نتأمل بأنَّ يد الله الرؤوفة هي التي سمحت بوقوع تلك التجربة ستؤول إلى خيرنا ونفعنا وتُعيد نفوسنا إلى الرب. وما أسعد أنْ يُلقى الإنسان بنفسه بين يدىّ الله وتحت عنايته وحمايته ويرضخ لأحكامه. عندما نتأمل في أنَّ هذه التجارب علامة محبة الله وملاحظته لنا تأمن النفس وتستريح في هذا الحِمَى، حتى في وسط أشد الأخطار وأكبر المصائب. إنَّ يد الله قدوسة وطاهرة. فتلك النفس التي تقترب منها في أزمنة الضيق تتطهر بالتوبة والندامة وحينئذٍ تسكن آمنة في ملجأ الرب. فيا أيَّتُها النفس الواقعة تحت التجربة طهِّري ذاتك واقتربي من الله بثقة واحذري عدم الإيمان. وأنت يا مَنْ تُريد أنْ تحفظك اليد العلى في الضيق وتعيش بسلام وأمن. احذر الخطأ لئلاَّ ترتاع وينزعج ضميرك فيهرب منك السلام. إنْ وجَّهت قلبك إلى الله وسلَّمت ذاتك لمشيئته شعرت حالاً بتعزيّاته التي يفيضها في نفسك. ألقِ بنفسك عند قدميّ الرب وقل له: يا رب أنت راحة النفوس التعبانة وقد وعدت بالراحة للذين يُقبلون إليك. نفسي خالية من كل استحقاق ولكنِّى أتكل على استحقاقك. لا برّ لي ولكنْ برَّك يكفيني ويكفى العالم كله، وفي قبولك لي تظهر رحمتك وغنَى نعمتك. إنْ فعلت ذلك ارتاحت نفسك من التجربة ووجدت السلام التام في قلبك. |
||||
17 - 07 - 2014, 02:47 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس
نعمة التجارب وفائدتها إنَّ الله تعالى يستعمل التجارب بمنزلة علاجٍ شافٍ، بها يجعلنا آنية طاهرة نقية. فلا يجب أنْ ننظر إليها كنقمة بل كنعمة من الله. بها يُصلِح نفوسنا. ويُرقِّى أخلاقنا ويُهذِّبها، ويُزكِّى أرواحنا، ويزيل كبرياءنا وفسادنا، يجعل ذاته سندنا الوحيد، ويرفع أرواحنا من الأرض إلى السماء. فإنَّنا لا نجد وقتاً ترتفع فيه أنفسنا عن العالم وتلتصق بالله أكثر من زمن التجارب. في تلك الأوقات تنحلّ القيود والسلاسل التي تُقيّدنا بالدنيا وتصعد عقولنا إلى فوق إلى السماء، وفي ذلك راحة كبرى للنفس، وتعزية تامة تَحِفّ وطأة المصائب. طوبى لمَنْ ينظر إلى التجارب هذه النظرة حيث يرى أنَّ يد الله الحنون هي التي أصابته فيقبل التجربة حباً به تعالى وإكراماً له، وتنتبه نفسه وترجع لاجئة بمصدر راحتها. لنعلم أنَّ كل تجربة أو ألم أو حزن أو كل ما يُصيبنا في العالم إنَّما هو موجة من أمواج بحر هذا العالم المتلاطم المضطرب الهائج بالعواصف والأنواء الكثيرة، ترفع بنا من البحر إلى شاطئ السلام وتُقرِّبنا إلى السماء. وترفعنا عن دنيا العالم وتُعلن لنا خداعه وغروره ولكن عدم مبالاتنا بهذه التجارب مما يُزيد آلامنا ويُضاعف ضيقاتنا. كما أنَّ المريض لا يستفيد من دواء الطبيب إذا لم يُراعِ إرشاده، كذلك أولئك الذين يستهينون بالتجارب فإنَّهم لا ينتفعون ممَّا يُصيبهم. وربما لا يجدون وقتاً ولا فرصة أخرى لتقويم نفوسهم. إنَّ التأمل في الآلام أمر محزن ولكن أشد حزناً منه التأمل في حالة أولئك الذين لم ينتفعوا بتلك الآلام، لأنَّهم استخفُّوا بتأديب القدير واستهانوا بيد العلى. من أحسن علاجات النفس لاحتمال التجارب قول الرسول "لأنَّ خِفَّة ضِيقَتنا تُنشئ لنا فَأكثَر مَجْدٍ أبديّاً" 2كو (17:4) فهذا وحده يكفينا لنتعلَّم احتمال الآلام بصبرٍ جميل. لأنَّه إنْ كان المجد يكثُر للنفس باحتمالها التجارب، وإنْ كانت الضيقات واسطة لزيادة المجد، فما بالك أيَّتها النفس تتذمَّرين ممَّا يُزيد من مجدك ويُضاعف من راحتك الأبدية. تعزية كبرى أنْ تتأمل النفس بأنَّ الراحة الأبدية والسعادة الكاملة تُكال لنا بكؤوس أكبر وأوسع من كؤوس الأحزان التي نشربها في العالم. وأنَّ آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أنْ يُستعلن فينا. فلماذا يغيظك أيَّتها النفس وقوعك تحت رَحَىَ تجارب العالم مادامت هي تطحنك وتُصيرك دقيقاً نقياً. وبدخولك في نيران الألم تصيرين صالحة لأنْ تكونِ خبزاً طاهراً أمام الله وأنَّ دخولك الآتون لا يُقصد منه إلاَّ خروجك منه أيضاً صافية كالذهب الخالص. وإذا كانت يد الرب هي التي شاءت تأديبنا فمَنْ يرفض تأديبه! إنَّ تأديب الرب لنا بالأوجاع والضربات خير من أنْ يبتسم لنا العالم ويعزُّنا ويُسلِّمنا أخيراً إلى الهلاك. طوبى لرجل يُؤدِّبه الرب فلا ترفض تأديب القدير،"لأنَّ الذي يُحِبُّه الرَّب يُؤدِّبُه ويَجلِد كل ابنٍ يَقبَلُه. إنْ كُنتُم تَحتَمِلُون التَّأدِيب يُعامِلكُم الله كالبَنِين. فأيّ ابنٍ لا يُؤدِّبُه أَبُوه... ولَكِنَّ كل تَأدِيب في الحَاضِر لا يُرَى أنَّهُ للفَرحِ بَل للحَزَن. وأمَّا أَخِيراً فيُعطِى الذين يَتَدرَّبُون بِهِ ثَمَرَ بِرٍّ لِلسَّلاَم" عب (11، 7، 6:12) "كُلَّ الأَشْيَاء تَعْمَل معاً لِلخَيرِ للذين يُحِبُّونَ الله" رو (28:8). أيُّها المحزون والمُجَرَّب والمُتوَجِّع: لا تحزن ولا تبكِ بل اعلم أنَّ عين الله تُراقبك، وأنَّ عنده العزاء الكثير إذا اتَّكلت عليه من كل قلبك وسلَّمت إليه أمرك. إنَّ الفاخوري لا يترك آنيته في النار حتى تحترق. والصائغ لا يدع فضته وذهبه في البوتقة أكثر ممَّا ينبغي. فإنَّ الله لا يترك أصفياءه في آتون التجارب للأحزان، بل للتمحيص والتزكية. قال الرسول "لَمْ تُصِبكُم تَجْرِبَةٌ إلاَّ بَشَرِيَّةٌ ولكنَّ الله أَمينٌ الذي لا يَدَعكُم تُجَرَّبُون فَوقَ ما تَستَطِيعُون بَل سَيَجعَل مع التَّجرِبَة أَيضاً المَنفَذ لِتَستَطِيعُوا أنْ تَحتَمِلُوا" 1كو (13:10). إنَّنا نجد كثيرين من أقدس الناس وأكثرهم تقوى واقعين في تجارب يَندُر أنْ يُصاب بها غيرهم. ألا ترى كثيرين من الأتقياء لا تفارقهم الدموع فلا تتركهم البلايا بل هم حليفو الأوجاع. لا يخرجون من تجربة حتى تلقاهم أخرى، ولكن الله لا يترك الأحزان تفترسنا بل هو قال "لا أُهمِلُك ولا أَتْرُكُك" "كَثِيرَةٌ هي بَلايَا الصِّدِّيق ومِنْ جَمِيعِهَا يُنَجِّيه الرَّب" مز (19:34) "إذَا اجْتَزْتَ في المِيَاه فَأَنَا مَعَكَ وفي الأَنْهَار فَلا تَغمُرُك. إذَا مَشَيْتَ في النَّار فَلا تُلْذَع والَّلهِيبُ لا يُحرِقُك" أش (2:43) "أمَّا خَلاصُ الصِّدِّيقين فَمِنْ قِبَل الرَّبِّ حِصنهُم في زَمَان الضِّيق. ويُعِينُهُم الرَّبُّ ويُنَجِّيهِم.. " مز (40، 39:37). مَنْ كان يظن أنَّ ذلك الغلام يوسف الذي أبغضه أخوته وطرحوه في الجب ثم بِيعَ عبداً ثم أُلقىَ في السجن في أرض مصر، كأنَّ العناية تركته. فإنَّه لمَّا جاء زمن افتقاده وانتهت مدة تجربته، خرج من السجن ليكون مُتسلِّطاً على كل أرض مصر. ومَنْ كان يتصور أنَّ ذلك الطفل موسى الذي ألقته أمه بجانب النهر يغلب فرعون وكل جنوده ويقود إسرائيل؟ هل خطر في بال أحد أنَّ إنساناً مثل يونان يُطرح في البحر ويدخل في جوف الحوت ثم يخرج سالماً؟ مَنْ كان ينتظر أنَّ دانيال الذي أُلقى في جب الأسود يخرج منه إلاَّ عظاماً؟ مَنْ كان يتصور أنَّ الفتية الثلاثة الذين أُلقوا في أتون النار يخرجون أحياء ولم تكن للنار قوة على أجسامهم وشعرة من رؤوسهم لم تحترق وسراويلهم لم تتغير ورائحة النار لم تأتِ عليهم. هذه عناية الله وحفظه للذين يتوكلون عليه في أزمنة الضيق، فإنَّه يُخرجهم من ضيقهم ظافرين منتصرين كاملين. إنَّ البحر الهادئ لا يُصَيِّر الملاَّح حاذقاً. والجندي الذي لا يشهد المعارك لا يكون جندياً مُدرباً. والجسم الذي لا يحتمل المشاق لا يكون قوياً. ولا تظهر النجوم وينجلي بهاؤها إلاَّ في الليالي الحوالِك. والحبوب العطرية لا تفوح رائحتها إلاَّ إذا سُحِقَت وفُرِكَت والذهب الحقيقي لابد أنْ يُمحَص في البوتقة. والماس لابد أنْ يُقطع والحنطة لابد أنْ تُدق قبل أنْ تدخل إلى الإهراء. والقمح لابد أنْ يُطحن ويدخل النار قبل أنْ يصير صالحاً للطعام. والأوتار لا تُعطى صوتاً عذباً ما لم تُشد جيداً وتُضرب بالأصابع. ولا تتمكن الأشجار الصغيرة في الأرض إلاَّ إذا هزَّتها الرياح وكذلك الكرمة لا تنمو وتحمل العناقيد الكثيرة ما لم تُشذَّب وتُقلَّم بالمناجل. على هذا المثال يعظم انتصار شعب الله كلما ازدادت تجاربهم. يكثر مجدهم بازدياد آلامهم. ويعلون قدراً عند الله كلَّما أُخفضوا في أعين الناس وأعين أنفسهم. هؤلاء إذا حاربوا انتصروا، وإذا أُصيبوا بالشدائد غلبوا وخرجوا منها ظافرين. ويظهر أنَّ بلاياهم أوفق لحياتهم الروحية، وأنَّ أحزانهم الشديدة نافعة لعواطفهم السماوية حتى تظهر النعمة المستترة في قلوبهم عند المصائب، كما يخرج ماء الورد من الزهر عند وضعه في النار. قال أشعياء النبي عن المسيح أنَّه رجل أوجاع ومُختبر الحزن مع أنَّه لم يوجد في فمه غش فأخذ أسقامنا وحمل أمراضنا. قال عنه الرسول بولس "كَانَ يَنْبَغِى أنْ يُشْبِه إخوَتَه في كُلِّ شَيء، لِكَىْ يَكُونَ رَحِيماً، ورَئِيسَ كَهَنَةٍ أمِيناً في ما لله حتَّى يُكَفِّر خَطَايَا الشَّعْب. لأنَّه في ما هو قَد تَأَلَّم مُجَرَّباً يَقدِرُ أنْ يُعِين المُجَرَّبِين" عب (18، 17:2) "لأنْ لَيسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيرُ قَادِرٍ أنْ يَرْثَىِ لِضَعَفَاتِنَا، بَل مُجَرَّبٌ في كُلِّ شَيء مِثلُنَا، بِلا خَطيَّةٍ" عب (15:4) و"مَعَ كَونِهِ ابْناً تَعَلَّمَ الطَّاعَة مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ" عب (8:5) وقال "لأنَّهُ لاقَ بِذَاكَ الذي مِنْ أَجلِهِ الكُلَّ وبِهِ الكُلَّ، وهو آتٍ بِأَبنَاءٍ كَثِيرِينَ إلَى المَجدِ أنْ يُكَمِّلَ رَئيسَ خَلاصِهِمْ بِالآلامِ" عب (10:2) ومن هنا يظهر أنَّ لابد من الآلام للحصول على الكمال. لأنَّ الكمال لا ينحصر فقط في الصفات والأعمال الفاضلة كالرحمة والقداسة والمحبة ولكنَّه يستلزم الاتضاع والطاعة والصبر والاحتمال. وهذه الفضائل لا تتعلمها إلاَّ من طريق التجارب، ولا نبلغ إلى سرّ الكمال إلاَّ من هذا الباب. وإذا كان الله تعالى استحسن أنْ يجعل الأحزان والأوجاع مُكمِّلة للمؤمنين فلماذا نرفض نحن البشر هذه الآلام وفيها كمالنا!! إنَّ مخلصنا تألم وهو رأس الجسد فلابد أنَّ كل عضو في جسده يتألم مثله ويشرب الكأس التي شرب منها سيده ومُعلِّمه. لذلك نرى أنَّ كل رجال الله القديسين تألموا وأصيبوا بضيقات شديدة وتمرَّسوا بنوائب عديدة ولم يتكلموا إلاَّ بعد دخولهم نيران التجارب, ولا يوجد شيء أخطر على النفس من نجاحها وعدم مُصادفتها شيئاً من التجارب, فإنَّ ذلك يُعرِّضها للسقوط في الكبرياء ونسيان الله. قال بعضهم: دخلت معملاً للزجاج فرأيت كميات عظيمة من الزجاج الذائب الملتهب على هيئات مختلفة. ورأيت الصانع ينشل قطعة الزجاج من آتون ثم يضعها في آتون آخر وهكذا. فقلت له لماذا تضعها في هذه النيران الشديدة؟ فأجاب: أنَّ النار الأولى لم تكن حامية كفاية وكذلك الثانية أيضاً فإذا وضعناها في الثالثة جعلتها زجاجاً مكرراً. فأخذت أفكر في نفسي وأقول إنَّ هذا الإنسان يضع الزجاج في آتون بعد آخر حتى يتكرر ويكمل، فيا إلهي ضعني في آتون بعد آخر وفي بوتقة بعد أخرى حتى تُصفَّى نفسي وأتطهَّر لأرى الله كما هو. فلا نعجب إذاً حين نرى آلام الناس الأتقياء، فقد عرفنا سرّ آلامهم. ولنقف بخوف وورع أمام هذه التأملات عالمين أنَّنا نشاهد ظل أحزان المسيح. وأنَّ أمثال هؤلاء إنَّما مدعوون إلى غاية فائقة ومفتقدون من الله بمحبة خاصة. وقد أُعِدَت لهم كنوز أفراح لا يُنطق بها، وتنتظرهم أكاليل مجد لا تزول ولا توصف. ينتج ممَّا تقدم أنَّ التجارب والآلام ليست هي القداسة ولكنَّها هي الواسطة إليها، وأنَّها قد تكون للخير أو للشر. فإنْ نظرنا إليها نظرة سماوية وخضعنا لها وقبلناها بالشكر والصبر والطاعة والمحبة واستفدنا منها كانت لنا أخيراً سبب فرح ورائحة حياة، وإلاَّ فهي رائحة موت. فلا ترفض أيها الحبيب تأديب القدير "لأنَّهُ هُو يَجرَحُ ويَعْصِبُ. يَسْحَقُ ويَدَاهُ تَشْفِيانِ" أي (18:5) "لا تَحْتَقِرْ تَأديبَ الرَّبِّ ولا تَكْرَه تَوْبيخَهُ. لأنَّ الذي يُحِبُّه الرَّبُّ يُؤَدِّبُه وكَأَبٍ بِابنٍ يُسَرُّ بِهِ" أم (12، 11:3) "إنْ كُنتُم تَحتَمِلُونَ التَأدِيبَ يُعامِلُكُم الله كَالبَنينَ. فَأىُّ ابْنٍ لا يُؤَدِّبُهُ أَبُوهُ؟" عب (7:12) فمَنْ يقبل التأديب بطاعة ووداعة ويذرف دموعه بالشكر والحمد فهو ابن مطيع. وأمَّا الذي يكره الامتحان ولا يتحمل التأديب فهو عاصٍ مُتمرد. إنَّ الذين يتذمرون في الشدائد والضيقات يذوبون في أحزانهم إذ ليس أمامهم صخر الدهور الأبدي يستندون عليه، وهم لا يريدون أنْ يلتجئوا إلى ملجأهم الأمين. أمَّا أنت فاعرف أنَّ لك أباً في السماء كثير الرحمة، عظيم التحنن، وافر الشفقة، يزن المقادير المناسبة لأحزانك، وينظر إلى دموعك وتنهداتك، ويلتفت إلى شكوى آنيتك. اطرح ذاتك عند قدميه بالصبر والوداعة. خاضعاً لإرادته المقدسة. باركه في شدائدك. فتستحيل أحزانك أخيراً إلى سيول تعزيّات لا تخطر لك على بال، لأنَّ الله سيمسح كل دمعة من عينيك ويُلبسك أخيراً أكليل المجد والبهاء. |
||||
17 - 07 - 2014, 02:49 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس
عشرة دروس من مدرسة التجارب "ولكن كل تأديب في الحاضر لا يري أنه للفرح بل للحزن وأما أخيراً فيعطي الذين يتدربون به ثمر بر السلام" عب (12: 11). التجارب نصيب كل البر ولا يخلو أحد منها. وإذا فتشت جميع مراتب النوع الإنساني تجد الجميع يئنون تحت أثقال بلايا متعددة وتجارب متنوعة. والتجارب وأن كانت مرة إلا أن من يقبلها ويتحملها بصبر ويتدرب بها يجد فيها أخيراً دروساً سامية نافعة في الطاعة والصبر والتهذيب، تكون له ثمر بر للسلام. وأما الذين يدعون التجارب تمر دون أن ينتفعوا منها فتظل نفوسهم متوجعة تحت عجلاتها القاسية. فطوبي لمن يؤدبه الرب ويقبل تأديبه. واليك عشرة فوائد تنتج من التجارب: أولا - أنها نافعة أحياناً لمجد الله نظير المولود أعمي الذي لما سأل التلاميذ السيد عنه قائلين هل أخطأ هذا أم أبواه حتى ولد أعمي؟ أجاب السيد لا هذه ولا أبواه لكن لكي يظهر مجد الله يو (9: 1-2) ونظير موت لعازر الذي قال عنه السيد أن هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله ليتمجد أبن الله به يو (11: 4) وكما قال السيد لبطرس الرسول مشيراً إلي آية ميتة كان مزمعاً أن يمجد الله بها يو (21: 19). فهذه التجارب وأن كانت في حد ذاتها مرة إلا أن الله تعالي قصد أن يتمجد بها. وما أمجد تلك الوسائط التي يتخذها الله لمجده. ومن ذا الذي يكون مستحقاً لنيل شرف وسيم كهذا حتى يتمجد الله به. ثانياً - تظهر لنا أمانة الله وبطلان التعزيات الأرضية وتنبهنا وتوقظنا من الغفلة: كثيراً ما تعترينا الغفلة والسبات من الراحة الزائدة والأفراح المتكاثرة والانهماك في أمور الحياة والانشغال بالمتاجر أو العلوم أو الصناعة. فنتشاغل بالدنيا ونتغافل بها عن خير نفوسنا، فيسمح الله بوقوعنا في التجارب كطبيب ماهر، يعطينا الدواء. للانتباه من غفلتنا حتى نهب من سباتنا ضارعين إليه، شاكرين مراحمه، طالبين عفوه. وحينئذ نعرف ونثق أن خلاصنا في يد الرب، فتنتبه نفوسنا وتلتصق به ويظهر لها عبث الدنيا وبطلان كل تعزية بشرية. ومن ثم تردد ألسنتنا قول الجامعة (باطل الأباطيل الكل باطل وقبض الريح) وتعرف أن تلك القصبة التي كنا نتوكأ هي قصبة مرضوضة، وأن تلك اليقطينة التي كنا نستظل تحتها أصبحت يابسة. كل ذلك لكي نجد ملء الراحة وتمام التعزية في الرب. ونثق بأنه هو صخر الدهور الأبدي الذي كل من يتكل عليه لا يخيب. أن العصفور الواقف علي غصن شجرة إذا شعر بخطر ينتقل حالاً إلي غصن آخر وإذا رأي الخطر لم يزل قريباً منه يفرش جناحيه ويطير في الفضاء ليجد له مكاناً آميناً. أفلا يجدر بالمسيحيين حينما يقعون في تجارب متنوعة ويرون المخاطر محدقة بهم أن يطيروا من مساكنهم ليختبئوا تحت جناحي الرحمة الإلهية ويستظلوا بحمي الله الأمين. ومتى رأوا أن العالم كله فخاخ وتجارب ويئسوا من هذه الحياة فأنهم يوجهون أنظارهم من هذا العالم إلي عالم آخر لا تستطيع الأحزان ولا التجارب أن تدخله. لذلك تري المسيحيين الأولين قبلوا سلب أموالهم بفرح عالمين في أنفسهم أن لهم مالا أفضل في السموات وباقياً، وكانوا يبتغون وطناً أفضل أي سماوياً منتظرين المدينة التي لها الأساسات التي صانعها وبارئها الرب. عب (10: 34، 11: 16). قال المرتل كثيرة هي بلايا الصديق ومن جميعها ينجيه الرب. يحفظ جميع عظامه. واحد منها لا ينكسر مز (34: 19، 20) وقال الرسول "لنا هذا الكنز في آوان خزفية ليكون فضل القوة لله لا منا. مكتئبين في كل شي لكن غير متضايقين. متحيرين لكن غير يائسين مضطهدين لكن غير متروكين، مطروحين لكن غير هالكين، حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضاً في جسدنا المائت" 2 كو (4: 7 - 11). ثالثا - نافعة لإذلالنا وإقناعنا بخطايانا: قال أليهو أحد أصدقاء أيوب "أن أوثقوا بالقيود، أن أخذوا في حبالة الذل فيظهر لهم أفعالهم ومعاصيهم لأنهم تجبروا ويفتح آذانهم للإنذار ويأمر بأن يرجعوا عن الإثم. أن سمعوا. أطاعوا قضوا أيامهم بالخير وسنيهم بالنعم وأن لم يسمعوا فبحربة الموت يزولون ويموتون بعدم المعرفة.... ينجي البائس في ذله ويفتح أذانهم في الضيق" أي (36: 8- 15) قال المرتل: خير لي أني تذللت لكي أتعلم فرائضك، قبل أن أذلل أنا ضللت. أما الآن فحفظت قولك مز (19: 67، 17) والابن الشاطر بعد أن تذلل وشعر بحالته رجع نفسه وقال كم من أجير لأبي يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعاً ثم رجع إلي أبيه لو (15: 17)، وجاء في سفر العدد أن الرب أرسل علي الشعب الحيات المحرقة فلدغت الشعب فمات قوم كثيرون من إسرائيل فأتي الشعب إلي موسي وقالوا قد أخطأنا إذا تكلمنا علي الرب وعليك فصل إلي الرب ليرفع عنا الحيات عد (21: 6، 7). قال المرتل لهذا يصلي لك كل نقي في وقت يجدك فيه. عند غمارة المياه الكثيرة إياه لا تصيب مز (32: 6)، وقال أيضاً إليك وحدك أخطأت والشر قدام عينيك صنعت لكي تتبرر في أقوالك وتزكو في قضائك مز (51: 4) قال الرب أن أغلقت السماء ولم يكن مطر وأن أمرت الجراد أن يأكل الأرض وأن أرسلت وباء علي شعبي، فإذا تواضع شعبي الذين دعوا أسمي عليهم وصلوا وطلبوا وجهي ورجعوا عن طرقهم الردية فأني أسمع من السماء وأغفر خطيتهم وأبرئ أرضهم 2 أي (7: 13، 14) وقال ارمياء: ذكر مذلتي وتيهاني افسنتين وعلقم، ذكرا تذكر نفسي وتنحني في مرا (3: 19، 20) وقال بولس الرسول "ولئلا أرتفع فوق الإعلانات أعطيت شوكة في الجسد ملاك الشيطان ليلطمني لئلا ارتفع، من جهة هذا تضرعت إلي الرب ثلاث مرات أن يفارقني فقال لي تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل" 2 كو (12: 7 - 9). رابعاً - تمتحن إيماننا وطاعتنا: فكم من خائن مستتر كشفت التجارب عن خيانته،وكم من مرائي مزقت ثوب رياءه فبان رياؤه وعرف مكره. وكم من صادق أظهرت للغير صدقه وأمانته. وكم من تقي كامل نشرت أعلام تقواه وكماله. فجزي الله التجارب كل خير فقد عرفت الإنسان حاله وبينت له أصدقاءه من أعدائه فهي كالنار تمتحن الفضة والذهب وتعلن ما فيهما. وكأنها لسان البشر ونبا الأخبار. بها يعرف المستقيم والمعوج. الصالح والفاسد " بالإيمان قدم إبراهيمإسحق وهو مجرب. قدم الذي قبل المواعيد وحيده، الذي قيل له أنه بإسحق يدعي لك نسل. إذا حسب أن الله قادر علي الإقامة من الأموات أيضاً الذين منهم أخذه أيضاً في مثال" (عب 11: 17 - 19) " وتتذكر كل الطريق التي فيها سار بك الرب هذه الأربعين سنة في القفر لكي يذلك ويجربك ويعرف ما في قلبك أتحفظ وصاياه أم لا. فأذلك وأجاعك وأطعمك المن الذي لم تكن تعرفه ولا عرفه آباؤك... فأعلم في قلبك أنه كما يؤدب الإنسان ابنه قد أدبك الرب إلهك.... لكي يذلك ويجربك لكي يحسن إليك في آخرتك " تث (8: 2- 5، 16) وقال بطرس الرسول "الذي به تبتهجون مع أنكم الآن أن كان يجب تحزنون يسيراً بتجارب متنوعة لكي تكون تزكية إيمانكم وهي أثمن من الذهب الفاني مع أنه يمتحن بالنار توجد للمدح والكرامة عند استعلان يسوع المسيح" (1 بط 1: 6، 7). وقال الرب لملاك كنيسة سميرنا "لا تخف البتة مما أنت عتيد أن تتألم به هوذا إبليس مزمع أن يلقي بعضاً منكم في السجن لكي تجربوا ويون لكم ضيق عشرة أيام. كن أميناً إلي الموت فسأعطيك إكليل الحياة " رؤ (2: 10). خامساً - نمتحن براءتنا وتصير نافعة لطهارتنا وتأديبنا: قال الحكيم: البوطة للفضة والكور للذهب وممتحن القلوب أم (17: 3) وقال أيوب لأنه يعرف طريقي إذا جربني أخرج كالذهب أي (23: 10) وقال المرنم لأنك جربتنا يا الله. محصتنا كمحص الفضة أدخلتنا إلي الشبكة. جعلت ضغطاً علي متوننا. ركبت أناساً علي رؤوسنا. دخلنا في النار والماء ثم أخرجتنا إلي الخصب مز (66: 10 - 12) وقال الحكيم الحزن خير من الضحك لأنه بكآبة الوجه يصلح القلب جا (7: 3) وقال إشعياء: وأرد يدي عليك وأنقي زغلك كأنه بالبورق وأنزع كل قصديرك وأعيد قضاتك كما في الأول ومشيريك في البداءة. بعد ذلك تدعين مدينة العدل القرية الأمينة اش (1: 25، 26) هأنذا قد نقيتك وليس بفضة. اخترتك في كور المشقة اش (48: 10). وقال ارميا لذلك هكذا قال رب الجنود هأنذا أنقيهم وأمتحنهم ار (9: 7) وقال زكريا ويكون في كل الأرض يقول الرب أن ثلثين منهما يقطعان ويموتان والثلث يبقي في النار وأمحصهم كمحص الفضة وأمتحنهم امتحان الذهب. هو يدعو باسمي وأنا أجيبه. أقول هو شعبي وهو يقول الرب الهي زك (13: 8، 9) وقال ملاخي لأنه نار الممحص ومثل آشنان القصار فيجلس ممحصاً ومنقياً للفضة فينقي بني لاوي ويصفيهم كالذهب والفضة ليكونوا مقربين للرب تقدمة بالبر فتكون تقدمة يهوذا وأورشليم مرضية للرب كما في أيام القدم في السنين القديمة. ملا (3: 2 -4). أن بطرس الرسول قد استفاد من تجربته عندما أنكر السيد، وصار أكثر حذراً من قبل واقل اعتدادًا بنفسه إذ لما سأله السيد أتحبني يا بطرس أكثر من هؤلاء (أي من التلاميذ) قال للسيد أنت تعلم كل شيء وتعلم أني أحبك، ولم يقل أني أحبك أكثر من غيري لأن تجربته الأولي علمته عدم الاتكال علي نفسه وعدم الثقة بقوته، قال يعقوب الرسول "أحسبوه كل فرح يا أخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة. عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبراً وأما الصبر فليكن له عمل تام لكي تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شيء " يع (1: 2 - 4)، قال موسى النبي فاعلم في قلبك أنه كما يؤدب الإنسان أبنه قد أدبك الرب إلهك تث (8: 5) وقال بولس الرسول "يا أبني لا تحتقر تأديب الرب ولا تخر إذا وبخك. لأن الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل أبن يقبله " عب (12: 5، 6) فالرب يؤدبنا بالتجارب أحياناً بحسب احتياجنا تارة بالقصاص وأخرى بالتهديد أو باللطف أو بالتعليم " أدبني يا رب ولكن بالحق لا بغضبك لئلا تفنيني " ار (10: 24). سادساً - تعلمنا إرادة الله وترجعنا إليه وترشدنا إلي طلبه: من دأب الإنسان أن يطلب ملجأ في أزمنة الضيق ومساعداً في الحاجة ومعزياً في الحزن وطبيباً في المرض. فالتجارب تسحق القلب وتبين للإنسان عجزه وضعفه وبعد ذلك تريه عظمة الله ليلتجئ إليه ويعرف انه تعال سنده ومرشده وملجأه وطبيبه وعزاؤه ومنقذه ومساعده، وحينئذ تسلم النفس ذاتها لمشيئة الرب وتخضع لإرادته فتتحول أتعابها إلي راحة وأحزانها إلي أفراح. فيجد الحزين تعزيته والمتضايق ملجأه والمريض دواءه والمضطرب الخائف سلامه واطمئنانه. قال المرنم: خير لي أني تذللت لكي أتعلم فرائضك مز (119: 17) وقال إشعياء حينما تكون أحكامك في الأرض يتعلم سكان المسكونة العدل أش (26: 9) وقال ميخا النبي صوت الرب ينادي للمدينة والحكمة تري أسمك. أسمعوا للقضيب ومن رسمه مي (6: 9) وقال موسى النبي عندما ضيق عليك وأصابتك كل هذه الأمور في آخلا الأيام ترجع إلي الرب إلهك وتسمع لقوله تث (4: 30) وقال نحميا لقد أفسدنا أمامك ولم نحفظ الوصايا والفرائض والأحكام التي أمرت بها موسي عبدك. أذكر الكلام الذي أمرت به موسي عبدك قائلاً أن خنتم فإني أفرقكم في الشعوب وأن رجعتم إليً وحفظتم وصاياي وعملتموها أن كان المنفيون منكم في أقصاء السموات فمن هناك أجمعهم وآتي بهم إلي المكان الذي اخترت لإسكان أسمي فيه نح (1: 7 - 9) وقال المرنم إذ قتلهم طلبوه ورجعوا وبكروا إلي الله وذكروا أن الله صخرتهم والله العلي وليهم مز (78: 34، 35) وقال هوشع النبي "«لأَنَّ أُمَّهُمْ قَدْ زَنَتِ. الَّتِي حَبِلَتْ بِهِمْ صَنَعَتْ خِزْيًا. لأَنَّهَا قَالَتْ: أَذْهَبُ وَرَاءَ مُحِبِّيَّ الَّذِينَ يُعْطُونَ خُبْزِي وَمَائِي، صُوفِي وَكَتَّانِي، زَيْتِي وَأَشْرِبَتِي. لِذلِكَ هأَنَذَا أُسَيِّجُ طَرِيقَكِ بِالشَّوْكِ، وَأَبْنِي حَائِطَهَا حَتَّى لاَ تَجِدَ مَسَالِكَهَا. فَتَتْبَعُ مُحِبِّيهَا وَلاَ تُدْرِكُهُمْ، وَتُفَتِّشُ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَجِدُهُمْ. فَتَقُولُ: أَذْهَبُ وَأَرْجعُ إِلَى رَجُلِي الأَوَّلِ، لأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَانَ خَيْرٌ لِي مِنَ الآنَ." (سفر هوشع 2: 5-7). سابعاً - تحفظنا من الابتعاد عن الله وتدعونا لطلبه بالصلاة: قال حزقيال: ويحملون أثمهم، كإثم السائل يكون إثم النبي، لكي لا يعود يضل علي بيت إسرائيل ولكي لا يعودا يتنجسون بكل معاصيهم بل ليكونوا لي شعباً وأنا أكون لهم ألها يقول السيد الرب حز (14: 10) فصرخ بنو إسرائيل إلي الرب قض (4: 3) ولما ضيق الرب علي بني إسرائيل في أرض مصر صرخوا إلي فأرسل إليهم المنقذ. قال ارميا "أمنعي صوتك عن البكاء وعينيك عن الدموع لأنه يوجد جزاء لعملك يقول الرب فيرجعون من أرض العدو ويوجد رجاء لآخرتك يقول الرب.... سمعا سمعت أفرايم ينتحب، أدبتني فتأدبت كعجل غير مروض، توبني فأتوب لأنك أنت الرب إلهي، لأني بعد رجوعي وبعد تعلمي صفقت علي فخذي، خزيت وخجلت لأني قد حملت عار صباي" أر (31: 16 - 19). قال هوشع أذهب ارجع إلى مكاني حتى يجازوا وجهي، في ضيقهم يبكرون إليً هو (5: 15) وقد صلي يونان في جوف الحوت وقال دعوت من ضيقي الرب فاستجابني، صرخت من جوف الهاوية فسمعت صوتي لأنك طرحتني في العمق في قلب البحار، فأحاط بي نهر.... ثم أصعدت من الوهدة حياتي أيها الرب إلهي" يونان (2: 1- 6). ثامناً - تمريننا علي الصبر والشجاعة في ميدان الحياة: أن آلام هذه الحياة واحتمال مشقاتها تلجئ الإنسان إلي الصبر وتعلمه الاختبار وتزيده حنكة. والاختبار من أهم فوائد التجارب فأنها تحمل المجرب علي أخذ العلاجات النافعة، كما أن الملسوع يحمل سم الأفعى لأخذ العلاجات الشافية وحينئذ يعرف المجرب أن "من الآكل خرج أكل ومن الجافي خرجت حلاوة". تعطي التجارب حكمة لمجرب حتى تربي فوق تربية الأب. والتدريب في الصبر يعلم الشجاعة في ميدان الكفاح فإن الإنسان في العالم في ساحة حرب يعاركه فيها ألوف من المقاتلين الأشداء فالعالم والشيطان والخطية والجسد كلها أعداء تحارب الإنسان في جميع أدوار حياته وفي كل يوم يصادف مصارعات ومنازعات كثيرة فإن لم يتدرب في المقاومة والاحتمال والصبر ومكافحة الأعداء ويتعلم ضروب الكفاح لا يقدر أن يغلب، لأن الجندي يتمرن أولا علي الحرب، وبالمزاولة يزيد شجاعة وإقداماً، ومن ثم فلا تزعجه الحروب ولا تخيفه الاضطرابات، هكذا المؤمن كلما زادت تجاره أزداد دراية واختبار وتقوي وامتلأ شجاعة وقوة ونشاطاً لمقاومة هذه التجارب. قال المرتل انتظاراً انتظرت الرب فمال إلي وسمع صراخي وأصعدني من جب الهلاك من طين الحمأة وأقام علي صخرة رجلي. ثبت خطواتي مز (40: 1، 2) وقال الرسول بولس "نفتخر أيضاً في الضيقات عالمين أن الضيق ينشئ صبراً والصبر تزكية والتزكية رجاء لا يخزي" رو (5: 4، 5) وقال يعقوب الرسول "أحسبوه كل فرح يا أخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبراً وأما الصبر فليكن له عمل تام لكي تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شيء" يع (1: 2-4). وقال بطرس الرسول "لأن هذا فضل أن كان أحد من آجل ضمير نحو الله يحتمل أحزاناً متألما بالظلم لأنه أي مجد هو أن كنتم تلطمون مخطئين فتصبرون، بل إن كنتم تتألمون عاملين الخير فتصبرون فهذا فضل عند الله لأنكم لهذا دعيتم فإن المسيح أيضاً تألم لجلنا تاركاً لنا مثالاً لكي تتبعوا خطواته، الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر الذي إذا شتم لم يكن يشتم عوضاً وإذ تألم لم يكن يهدد بل كان يسلم لمن قضي بعدل" 1بط (2: 19 - 23). تاسعاً - تجعلنا مثمرين في الأعمال الصالحة: إنها ترقي المجرب وتؤهله أكثر من قبل، فإن الإنسان لا يرتقي إلي سلم النجاح والتقدم إلا بعد الاختبار والامتحان ومعاناة الأتعاب الشاقة، ولا يختار لعمل ما لم يدرسه ويتقنه أولا ويحصل علي ما يؤهله له. فالتاجر لا يرضي باستخدام أحد عنده غير مختبر ومجرب ولا يركن إليه ما لم يختبره جيداً. ولا يبلغ رجل السياسة المراتب السامية إلا بعد امتحان الأمور والتغلب علي الصعوبات. كذلك الملاح لا يسهر في الملاحة إلا بعد مصادفة الأنواء والزوابع الكثيرة ومعرفة كيفية أتقانها. ولو لم يؤهل موسى النبي أربعين سنة في البرية ومثلها في مدرسة مصر لما كان أهلا لقيادة بني إسرائيل، ولذلك قيل عن مخلصنا أنه قادر أن يرثي لضعفاتنا بل مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية... لأنه في ما هو قد تألم مجرباً يقدر أن يعين المجربين" عب (4: 15، 2: 18) قال السيد "كل غصن فيً لا يأتي بثمر ينزعه وكل ما يأتي بثمر ينقيه ليأتي بثمر أكثر" يوحنا (15: 2) والكرمة لا تحمل العناقيد وتمتلئ بالثمار ألا بعد أن تشذب. قال الرسول بولس "لأن الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله. أن كنتم تحملون التأديب يعاملكم الله كالبنين. فأي أبن لا يؤدبه أبوه ولكن أن كنتم بلا تأديب فأنتم نغول لا بنون. ثم قد كان لنا آباء أجسادنا مؤدبين وكنا نهابهم. أفلا تخضع بالأولي جدا لأبي الأرواح فنحيا. لأن أولئك أدبونا أياماً قليلة حسب استحسانهم. وأما هذا فلأجل المنفعة لكي نشترك في قداسته. ولكن كل تأديب في الحاضر لا يري أنه للفرح بل للحزن. وأما أخيراً فيعطي الذين يتدربون به ثمر بر للسلام" عب (12: 6 - 11). عاشراً - تؤهل الإنسان لمجد أعظم وتهيئ له أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً: أن آلام الزمن الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا. فأي خادم يتحمل المشقات والأتعاب لأجل سيده ولا يكافئه سيده؟ وأي ملك من ملوك الأرض خدمه جنوده ببسالة وظفروا بأعدائه ولم يكافئهم ويمنحهم ألقاب الشرف والرتب السامية؟ فبالأولي جنود السيد المسيح الذي زخر لمحبيه المحتملين التجارب كل مجد في السماء. |
||||
17 - 07 - 2014, 02:49 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس
الباب الثاني: ما بين غربة العالم والموت والقيامة
|
||||
17 - 07 - 2014, 02:51 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس
غربتنا على الأرض قال الرسول بولس "ليس لنا هنا مدينة باقية لكننا نطلب العتيدة" عب (13: 14) فهذه الأرض ليست وطننا، وما نحن فيها سوى غرباء ونزلاء، وحياتنا هنا سفر الأبدية، وطريق غربة لابد من عبورها للوصول إلى الوطن الباقي. نحن سائحون في هذه الديار وسيأتي يوم فيه تنتهي غربتنا، ومهما طالت سياحتنا في هذه البرية فلابد من الذهاب إلى البيت الأبدي، جا (12: 5). أين الدهور الماضية والأقوام الذين سبقونا؟ ألم ينته زمان غربتهم فذهبوا إلى أبديتهم وتركونا؟! ردد في ذهنك واعلم أننا غرباء وَنُزَلاء مثل آبائنا. أيامنا كالظل على الأرض أي (29: 15). قال بطرس الرسول "فسيروا زمان غربتكم بخوف" 1بط (1: 17) وينبغي أن يقول كل منا لذاته ما قاله داود لاتاي: ارجع وأقم مع الملك لأنك غريب ومنفي أيضاً من وطنك (2صم 15: 19). إن هذا العالم ليس هو وطنك بل هو فندق بعد قليل تفارقه متوجهاً نحو دار أبديتك، فأنت هنا غريب وضيف وسائح وعابر طريق وهل يرتاح الغريب في غير وطنه. ألا يئن ويحِن انعطافاً وشوقاً إلى مقر وطنه الحقيقي. فنحن ما دمنا في الدنيا فإننا لا نبرح غرباء في أرض مصر ومتضايقين في دار العبودية ولا نزال موثقين بالأغلال والقيود التي تجبرنا على الإقامة منفيين وجالسين على أنهار بابل نبكي كلما تذكرنا صهيون. مز (137: 1) ولا تزال أنات الأشواق وزفرات الحب لوطننا تخترق حبات القلوب. فان المنفي لا يكف عن الأنين في دار منفاه المكتنف بغواشي الظلام والشقاء، بل يئن شوقاً للرجوع إلى وطنه. كما أن العضو المكسور لا يسكن ولا يرتاح إلا بوضعه في مكانه, والحجر المرشوق إلى الفضاء لا يزال مضطرباً إلى أن يعود إلى مركزه. فلنفكر في ذلك حتى لا نضع قلوبنا في أمور باطلة ولا ندعها تتعلق بمحبة ما هو فان مع الزمان "غير ناظرين إلى ألأشياء التي ترى بل إلى التي لا ترى لأن التي ترى وقتية وأما التي لا ترى فأبدية" 2كو (4: 18) "لأننا نعلم أنه إن نقض بيت خيمتنا الأرضي فلنا في السموات بناء من الله غير مصنوع بيد أبدي. فإننا في هذه نئن مشتاقين إلى أن نلبس فوقها مسكننا الذي من السماء. وإن كنا لابسين لا نوجد عراه فإننا نحن الذين في الخيمة نئن مشتاقين إذ لسنا نريد أن نخلعها بل أن نلبس فوقها لكي يبتلع المائت من الحياة... فإذا نحن واثقون كل حين وعالمون أننا ونحن مستوطنون في الجسد فنحن متغربون عن الرب... فنثق ونسر بالأولى أن نتغرب عن الجسد ونستوطن عند الرب" 2كو (5: 1-8). إن الجسد لا يزال أسيراً للتجارب، وبِذار الخطية لا تبرح تجاربنا في ميدان الكفاح. ولا نفتأ معرضين للمصائب، وحتى الآن لم ننل الحرية حرية مجد أولاد الله ولم نفز بإكليل النصرة. ونفوسنا لا تزال تتردد على شقاوات وتعاسات لا حد لها. حتى الآن لا نزال تحت سطوة الموت نجاهد ونصارع ضد الأهواء. فإذا نحن نتوقع راحة وننتظر ساعة فيها يكف الشغب ويبطل التعب والنصب. نرجو حياة ليس فيها بكاء ولا عناء. لنخلع الفساد والهوان والضعف ونلبس الخلود وعدم الفساد وننال المجد المزمع أن يتجلى فينا أننا ورثة ولنا ميراث في السماء لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل فقلوبنا ملتهبة فينا شوقاً لأخذ الميراث الأبدي والتحرر من كل عبودية. إننا سماويون غرباء على هذه الأرض فكيف نرتاح ما لم نصعد إلى وطننا ونلتقي بالآب السماوي، لننال فيض التعزيات الكاملة؟ نحن هنا أشقياء بؤساء مع أننا أبناء الملك السماوي، وكيف يرضى الأمراء بحال الذل والهوان. إنهم يشتاقون لأن يجلسوا على عروشهم وينالوا مجدهم ويتمتعوا بما خول الله لهم من حق السلطان والعظمة والمجد. إننا نعلم أن كل الخليقة تئن وتتمخض معاً إلى الآن وليس هكذا فقط بل نحن الذين لنا باكورة الروح نحن أنفسنا أيضاً نئن في أنفسنا متوقعين التبني فداء أجسادنا" رو (8: 21- 23) فنشتاق إلى ظهور ذلك اليوم السعيد الذي فيه تعتق نفوسنا ويزول كل أنين وتعب وتبتلع أحزاننا في تلك التعزيات التي لا تخطر على بال حين لا نعود نذكر الشدائد التي قاسيناها في هذه الحياة،وما أشبهنا بالحمامة التي أطلقها نوح التي كانت تروح وتغدوا ولم تجد راحتها إلا بالرجوع إلى الفلك. ومثل بني إسرائيل قد كلت أقدامنا من تعب الطريق وباطلاً نجد راحتنا في البرية حيث أننا لا نجدها إلا عند الدخول إلى أرض كنعان. وكيعقوب وهو ناظر إلى العجلات وكان كلما طال أمد انتظاره اشتدت أشواقه لرؤية وجه ابنه يوسف. ليست هذه الحياة سوى أوقات قليلة وكلها تعب وعناء. وقد قال عنها أيوب: أليس جهاد للإنسان على الأرض وكأيام الأجير أيامه أي (7: 1) الإنسان مولود المرأة قليل الأيام وشبعان تعباً يخرج كالزهر ثم ينحسم ويبرح كالظل ولا يقف... إن كانت أيامه محدودة وعدد أشهره عندك وقد عينت أجله فلا يتجاوزه... أما الرجل فيموت ويبلى. الإنسان يسلم فأين هو أي (14: 1- 10) وقال داود عرفني يا رب نهايتي ومقدار أيامي كم هي فاعلم كيف أنا زائل. هوذا جعلت أيامي أشباراً وعمري كلا شيء قدامك. إنما نفخة كل إنسان قد جُعل. إنما كخيال يتمشى الإنسان إنما باطلاً يضجون. يذخر ذخائر ولا يدري من يضمها مز (39: 4) "كل جسد كعشب وكل مجد إنسان كزهر عشب. العشب يبس وزهره سقط" 1بط (1: 24) ترجع الإنسان إلى الغبار وتقول ارجعوا يا بني آدم.. بالغداة كشعب يزول. بالغداة يزهر فيزول. عند المساء يجز فييبس... أيام سنينا هي سبعون سنة وإن كانت مع القوة فثمانون وأفخرها تعب وبلية لأنها تفرض سريعاً فنطير مز (90: 3- 10) إن الإنسان أشبه بنفخة, أيامه مثل ظل عابر مز (144: 4) تحجب وجهك فترتاح. تنزع أرواحها فتموت وإلى ترابها تعود مز (104: 29) "لأنه ما هي حياتكم. إنها بخار يظهر قليلا ثم يضمحل" يع (4: 14). فما هذا العالم إلا مغاير وكهوف في براري قَفْراء موحشة بالنسبة لبهاء ذلك الوطن السعيد أورشليم السماوية. وهناك الحياة الحقيقية المملوءة بالسعادة الأبدية. هناك التعزيات الدائمة غير المتناهية "يسلك المفديون فيها ومفديو الرب يرجعون ويأتون إلى صهيون بترنم وفرح أبدي على رؤوسهم. ابتهاج وفرح يدركانهم ويهرب الحزن والتنهد" اش (35: 9، 10) وليس أمامنا حاجز يمنعنا عن الوصول إلى دار أبديتنا سوى هذا الجسد، فإننا ما دمنا في الجسد فنحن متغربون عن الرب، ولكن متى نُقض هذا الحائط زال الحاجز وارتفع الحجاب حينئذ نبلغ مقر الراحة الأبدية قائلين "أين شوكتك يا موت، أين غلبتك يا هاوية" 1كو (15: 55) "استمع صلاتي يا رب وأصغ إلى صراخي. لا تسكت عن دموعي لأني أنا غريب عندك, نزيل مثل جميع آبائي مز (39: 12) غريب أنا في الأرض لا تخف عني وصاياك مز (119: 19). |
||||
17 - 07 - 2014, 02:52 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس
الموت نهاية كل حي يولد الطفل ولا يمكن لأحد أن يعرف مستقبله. أيكون عظيماً أم حقيراً: غنياً أم فقيراً. صالحاً أم شريرا صحيحاً أم سقيماً! طويل العمر أم قصيرة! لأن ذلك كله مجهول لدى الإنسان. ولكن لا يجهل أحد أنه لابد لهذا الطفل من أن يموت، لأن الموت طريق الأرض كلها 1مل (2: 2) وهو ناموس عام يشمل جميع الكائنات، الإنسان والحيوان والنبات حتى الممالك والدول يصيبها الفناء. وهو قضية محكوم بها على الجميع. الملوك والأمراء, الأغنياء والفقراء" الحكماء والجهلاء، الكل على حد سواء. ومهما طالت حياة الإنسان فلابد له من شرب كأس حِمامه حين يترك كل شيء ولا ينال من الدنيا سوى قطعة أرض تجمع عظامه اليابسة. أنه الموت لا يخشى سطوة الملوك ولا بأس الجبابرة، يهجم على القوى كما يأتي إلى الضعيف. ولا يقوى البطش أن يمنعه ولا المال أو الجاه أن يؤخر ساعته أن أشعلت النار يمكن إطفاؤها وإذا ثارت الحرب يمكن الغلبة عليها يمكن المقاومة ضد النيران الملتهبة وضد الأمواج المزيدة وضد الأسلحة المرهفة وضد الملوك المقتدرين. ولكن حين يأتي الموت من يستطيع أن يقاومه من يقدر أن يدفعه؟ فهو جبار قوي ظافر، غلب كل البشر، لا تمنعه أسوار ولا جدران، ولا تصده معاقل ولا تدفعه حصون. لا يجبن أمام السطوة والعظمة ولا يكرم البرفير والأرجوان. لا يشق على الشباب ولا يرق للأجسام النضرة. لا ينظر إلى دموع الأمهات، ولا يراعى شعور الأولاد، ولا ينعطف إلى وداد الأصدقاء والخلان. قصد الحكماء القدماء أن يصوروا الموت بصورة شنيعة فصوروه رجلاً شجاعاً على عمود عال متشحاً بملابس حالكة السواد مهيجة للبكاء والاكتئاب. وحجبوا عينيه بستر غليظ من قماش ثخين ووضعوا على رأسه إكليلاً مضفوراً من حشيش الأفسنتين. وفي يده الواحدة قوساً وفي الأخرى منجلاً، وسدوا أذنيه بالرصاص وتحت قدميه أجنحة كأجنحة الطير، وصورة البطن دقيقة للغاية بلا قلب ولا أحشاء. هذه الصورة تؤكد فظاعة الموت وشناعة أعماله المخيفة، فقد صوروه رجلاً في عنفوان القوة إظهاراً لبأسه وقوته وأنه لا يكل ولا يمل بل هو متسلط على الجميع بلا عجز ولا توان. وملابسه السوداء إشارة إلى ما يأتي به من الأحزان لكل بيت يدخله. وعيناه المغمضتان المحتجبتان بستار غليظ دلالة على أنه لا ينظر إلى إكليل الملوك ولا تيجان القياصرة، ولا يلتفت إلى غنى ولا إلى فقير، ولا يميز بين كبير وصغير. وأذناه المسدودتان بالرصاص إشارة إلى أنه لا يسمع بكاء الباكين ولا يرق لدموع الحزانى ولا يقبل شفاعة. والإكليل الموضوع على رأسه من حشيش الإفسنتين علامة على أنه مر المذاق. والقوس والمنجل اللذان في يديه يدلان على أنه يصيب الجميع بلا استثناء فالذين لا يزالون في عنفوان الشباب يرشقهم بسهام من بعيد وأما الذين قضوا حياة طويلة فيحصدهم بالمنجل. والأجنحة التي تحت قدميه تعلن بأنه يهاجم في وقت لا نؤمله ولا نعرفه، وأنه يثب من مشارق الأرض إلى مغاربها في لحظة واحدة. وأما كون تلك الصورة دقيقة البطن بلا قلب ولا أحشاء فذلك دليل على أنه قاس لا رحمة عنده ولا شفقة. ولا تحرك جوانحه زهرة الصبا، ولا يراعي عنفوان الشباب، لا يرحم شيخاً ولا يرق لفتى. هذا هو الموت الذي يحصد السنبل الضعيف اليابس كما يقطع زهر الربيع الأخضر. لم يرحم إبراهيم لقداسته وبره. ولا موسى لوداعته. ولا يوسف لعفته. ولا لسليمان لحكمته ولا شمشون لقوته. ولا داود لطهارة قلبه. ولا راحيل لجمالها. ولا أستير لغيرتها. فحياة مهددة بالموت لا يمكن أن تكون حياة حقيقية. ما أشد بطلانها وزوالها، قبل أن تذيق القلب طعم الفرح تداهمه بالمصائب والأرزاء وعندما نظن أننا متمتعون بالنعم يعاجلنا البلاء. ساعة فرح وأيام شقاء. أحزاننا مستمرة وآلامنا متواصلة. لا نداوي جرحا حتى تسيل جروح يضحك فمنا منفطر غماً. نظهر الابتسام. والفؤاد شبعان من الكآبة والأشجان. إن أنالنا الدهر ساعة من الجزل، يلقي في قلوبنا بدلاً عنها ألوفاً من العناء، ويجرعنا كؤوس المرائر والشقاء وهكذا نحن في حياة نتأوه ونئن متضجرين من أحزانها ومتاعبها وآلامها التي لا نعرف لها حداً ولا عدداً ولا نحصي لها صنوفاً. حياة هذه صفتها ما أصعبها. حياة مشحونة بالآلام والشقاء والخداع يجب أن تسمى موتاً لا حياة. نموت فيها في كل دقيقة بميتات مختلفة. حياة تفسدها الرطوبة وتجففها الحمى وتسمنها الأغذية ويذيبها المرض ويفنيها الحزن ويقصرها الهم الأمراض تفسدها والشيخوخة تثقلها، وبعد ذلك يفاجئها الموت كلص وتنتهي كأنها لم تكن. حياة لا تزال تخدع وتغر وتعد مواعيد كاذبة وأماني فارغة وأخيراً ينتهي كل شيء كأن لم يكن شيء. إن حياة قصيرة متغيرة زائلة يختمها الموت في ساعة لا نعلمها،فالبعض يموتون أطفالاً وآخرون شباناً وغيرهم شيوخاً. أناس يصبحون ولا يمسون وغيرهم ينامون ولا يستيقظون. وآخرون يخرجون من بيوتهم ولا يعودون بعضهم يموتون على أسرتهم. وغيرهم غرباء عن بلادهم، وآخرون في ساحات القتال. تعددت الأنواع والموت واحداً. لا يمكن لأحد أن ينجو منه. لم يكن أبشالوم يتصور أن جمال شعره وطوله قد يكون سبباً لموته. ولم يفتكر هامان أنه سيصلب على الخشبة التي أعدها لمردخاي عدوه. ولا خطر على بال جليات أن يموت بحجر من مقلاع داود الفتى الصغير، وتقطع رأسه بذات سيفه. ولم يفتكر بلشاصر أن يموت وهو بين اللذات على مائدته. والرجل الغني الذي كان يعد الخيرات لسنين عديدة ويقول لنفسه يا نفس لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة. استريحي وكلي واشربي وافرحي. لم يدر في خلده أن يسمع الصوت القائل: يا غبي في هذه الليلة تطلب نفسك منك فهذه التي أعددتها لمن تكون؟ (لوقا 12: 20). كل جمال سيذبل، وكل بناء سيتقوض، وكل قوة ستزول، والجسد سيضحى مأكلا للدود والحشرات. والذين يحبوننا هم الذين سيقدموننا سريعاً هدية للقبر. وأصحابنا وأعزاؤنا سيفرون ويشمئزون من النظر إلينا وهكذا تكون نهاية كل إنسان أعد الرب ليونان النبي يقطينة ارتفعت فوق رأسه لتكون ظلاً له ففرح بها يونان فرحاً عظيماً. فأعد الرب دودة عند الفجر ضربت اليقطينة فيبست وضربت الشمس رأس يونان. فهذه اليقطينة كانت بنت ليلة إذ في ليلة تكونت وفي ليلة أيضاً هلكت وبادت. هكذا الحياة ما أقصرها، ومهما طالت فلابد من نهايتها. وكل ماله نهاية فهو قصير. وتحت شجرة الحياة يوجد دور التعاسة والمرض والموت الذي يقرض الحياة بسرعة. يولد الطفل في دار الهموم باكياً ناعياً يوم دخوله إلى العالم ويعيش طفلاً، فصبياً، ففتى، فشاباً، فكهلاً، فشيخاً، إلى أن توهن الحياة قواه وتكسر المصائب ظهره وأخير تختطف نفسه بذات المنية وتنقض على روحه نسور الموت فتسلبه الحياة فيهبط هبوط البنيان ويروح في قبر النسيان، لأن تلك العناصر لابد أن تسترد جزئياتها وتلك الكليات لابد أن تسترجع مفرداتها. إن طريق الموت هو الطريق الذي سلكه آباؤنا وأجدادنا من قبلنا. وسنسلكه نحن ويسلكه أيضاً الذين يأتون من بعدنا. أين الملوك ومن أسسوا الممالك؟ أين الفلاسفة والعلماء؟ أين الأبطال والجبابرة الذين دوخوا العباد والبلاد؟ أين الممالك العظيمة الأدهار الماضية؟ لقد غرقت كلها في سيول الموت. فلننصب أمامنا تمثال الموت ولا ننسه ولنذكر أنه آخرتنا. وحكمة عظيمة التأمل فيه. ولنعرف يقيناً أن حياتنا بخار يظهر قليلاً ثم يضمحل وطوبى لمن يسمع ويعمل بقول السيد "اسهروا إذاً لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم" مت (24: 42). |
||||
|