تجربة الفريسيين والهيرودسيين للمسيح
هل تريدون أن تذهبوا إلى فوهة ينبوع الحكمة المملوء بما قرأناه الآن. لكى تنهلوا منه تعليمًا روحيًا، وذلك على قدر استطاعتنا أن نعاير بكأس صغير يناسب حقارتنا حسب ما قاله بولس الرسول:
«لأنى أصغر الرسل أنا الذي لست أهلًا لأن أدعى رسولًا لأنى اضطهدت كنيسة الله» (1كو: 15).
«لى أنا أصغر جميع القديسين أعطيت هذه النعمة أن أبشر بين الأمم بغنى المسيح الذي لا يستقصى» (أف 3: 8).
فى الواقع أن ما صنع وما قيل وقت تأنس مخلصنا كان يحدث حينئذ، وكتب لأجل تعليمنا، ويعطينا نماذج ودروسًا في الحياة الكاملة، مرشدًا إيانا إلى ما يجب أن نفعله أو نقوله.
فلننظر إذن لنعرف ماذا كان وراء اجتماع الفريسين والهيرودسيين، وماذا كانت التجربة التي نسجوها ليسوع. أن مجمع اليهود الذي يتعدى الناموس ويتصرف بدون تفكير، بعد أن سمن وغلظ في روحه كما هو مكتوب:
«فَسَمِنَ يَشُورُونَ وَرَفَسَ. سَمِنْتَ وَغَلُظْتَ وَاكْتَسَيْتَ شَحْمًا! فَرَفَضَ الإِلهَ الَّذِي عَمِلَهُ، وَغَبِيَ عَنْ صَخْرَةِ خَلاَصِهِ» (سفر التثنية 32: 15)، كان يسد أذنيه نحو وصايا الله.
لكن بسبب الكلمات والألقاب التي كانوا يضفونها عليهم كان تكريم الفضيلة تفضيلًا لها على القساوة، وإذ كان اليهود في حالة جنون، كانوا يقاومون بالمحاربة والمخاصمة ما يكون كاملًا وطغوا جدًا بتسميتهم وبألقابهم، وهم يسمعون الله يقول لآبائهم:
«فالآن أن سمعتم لصوتى وحفظتم عهدى تكونون لى خاصة من بين جميع الشعوب. فإن لى كل الأرض» (خر 19: 5).
أى أن الشعب ينتصر ويمتاز على العدد الكبير لأنه خليفته وهو الذي جبل كل الناس، ولهم الخيرات أن هم فعلوا ما يليق بربوبيته، دون أن يستعبدوا لسيد آخر، سواء أكان هوى الخطية، أو إله كاذب، ولا يسمعون ذلك فحسب بل ينطبق عليهم ما قيل:
«وأنتم تكونون لى مملكة كهنة وأمة مقدسة» (خر 19: 6)، شعبًا مفرزًا ومقدسًا ومكرسًا لله.
لكنه فات هؤلاء البؤساء عديمو الفهم أن الاسم يلزم أن يكون على مسمى.وهذه الأسماء إنما هي جديرة بشعب الله الكبير، المدعو خاصة الله، أولئك الذين حسب قول بولس الرسول قد قدموا أعضاءهم على أهية الاستعداد كعبيد للبر للقداسة:
«لأنه كما قدمتم أعضاءكم عبيدًا للنجاسة والإثم للإثم هكذا الآن قدموا أعضاءكم عبيدًا للبر للقداسة» (رو 6: 19).
وبنفس الطريقة فإن الشعب المقدس والكهنوت الملكى هم حسب قول بولس الرسول، قربان حى مقدس ذو رائحة زكية:
«فأطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية» (رو12: 1)
لذلك فإن الله لم يكن يستخدم هذه الأسماء المشرفة بتلك البساطة، إنما كان ذلك بعد أن قال أولًا:
«فالآن إن سمعتم لصوتى وحفظتم عهدى تكونون لى خاصة من بين جميع الشعوب. فإن لى الأرض. وأنتم تكونون لى مملكة كهنة وأمة مقدسة» (خر19: 5-6).