كتاب القديسة مارينا الراهبة - المقدس يوسف حبيب
مقدمة
هذه سيرة فتاة قديسة تدعى"مريم" كانت تحيا حياة القداسة والعفاف منذ نعومة أظفارها. كان والداها على جانب كبير من الثراء، عاشا بتقوى الله وكانا ينشطان إلى البيعة المقدسة كل حين، فلا عجب إذا نشأت ابنتهما محبة للفضائل المقدسة- تيتمت من أمها "سارة" وهى صغيرة فرباها والدها (أوجانيوس) بالكمال المسيحي ولا سيما أنها الابنة الوحيدة وأشتاق أوجانيوس بعد وفاة زوجته إلى السلوك في طريق الرهبنة المقدس ولكن ماذا يعمل لرعاية ابنته؟ عرض عليها الفكرة، كما عرض عليها أن تقيم عند بعض ذويها أو تتزوج إذا كانت راغبة في ذلك. لكنها كاشفته أنها أيضا لن تريد عن الرهبنة بديلا واتفقا على ذلك وأبدل اسمها إلى مارينا وتزيت بزى الرجال، وانطلق كلاهما إلى أحد الديارات وأخبر والد القديسة رئيس الدير أنه حضر مع ابنه الشاب مارينا للرهبنة، وقبلهما الرئيس وخصص لهما قلاية واحدة يتعبدان فيهما ليلًا ونهارًا.
تنيح والد القديسة وبقيت وحدها فضاعفت صلواتها وازدادت في نسكها ولم يعلم أحد أنها أنثى، واتفق أن رئيس الدير أرسلها مع ثلاثة من الرهبان لقضاء مصالح الدير ونزلوا في فندق المبيت وكان أحد جنود الملك نازلا فيه في تلك الليلة فأبصر ابنة صاحب الفندق وارتكب الخطية معها، ولقنها أن تتهم الآب مارينا الشاب بذلك.
ولما ظهرت عليها أعراض الحمل وعرف أبوها أعلمته بأن مرتكب الجريمة هو الشاب مارينا الراهب، فانتقل والدها في فورة من الغضب والرغبة في الانتقام إلى الدير وبدأ يسب الرهبان والرهبنة، ولما ولدت طرح الطفل لمارينا وانصرف يصب نقمته على الرهبان في كل مكان بما أوتى من قوة.
وكان جزاء الشاب مارينا مختلف صنوف الإهانات والطرد ومعه الطفل، وبقى زمانا طويلا ملقى على أبواب الدير، وكان بعض رعاة الأغنام يتحننون عليه ويسقون الطفل القليل من اللبن وبعدئذ تشفع إخوته الرهبان لدى الرئيس لأن يأذن له بدخول الدير على أن يوقع عليه قوانين صارمة للتوبة، فقبل رجاءهم وأدخل الشاب وابنه - ولما كبر صار راهبًا- وكانت مارينا تنفذ قوانين التوبة القاسية بكل تدقيق وتقوم بأشق الخدمات وأقساها وهى صابرة، وظلت أيام حياتها كلها على هذا الحال، تتلوك الألسنة وتتحدث عن صيتها الرديء وماضيها الدنس حتى انتقلت إلى الرب الذي أحبها. وحينئذ فقط انكشف أمرها وعرف أنها أنثى.
ويل للبكاء والحزن الذي غشيت سحابته الآباء الرهبان وبالأخص رئيس الدير بسبب هذه الفتاة التي اتهمت ظلما. وكم أصاب صاحب الفندق من الدهشة والألم بسبب مكيدة ابنته الساقطة واتهام القديسة باطلا..
إن في تاريخ الكنيسة قصصا كثيرة عن اتهامات باطلة من هذا القبيل ولكنها كانت تتكشف بعد فترة من الزمن، طالت أو قصرت، في حياة القديسين. أما هذه القديسة العابدة الزاهدة الحكيمة فقد عاشت حياتها كلها في الدير وخارجه تتألم بالخزي والعار. لا ترى أن تدفع عنها التهمة الشنعاء التي لصقت بها، ولم تشأ أن تظهر أمرها وتبرر ذاتها وكانت تستطيع ذلك ولكنها فضلت احتمال صنوف الإهانات عن التمجيد والتكريم، ولا شك أنها بذلك تعطينا صورة رائعة وأعظم مثال في الصبر والاحتمال والتطلع إلى حسن المجازاة في الدهر الآتي، فنرى نقائصنا في مرآة فضائلها وبرارتها وحكمتها السماوية.
فى هذه القصة درس نافع لنحتمل كل ما يصادفنا من أجل الرب،نحن الذين نسر ونفرح بالتكريم والتبجيل وأن ينظر إلينا بعين الوقار والاعتبار، ونجزع وتضيق صدورنا إذا جاءتنا ولو كلمة لوم بسيطة، عندئذ نثور وقد نهجر الكنيسة وقد نكون مخطئين بالفعل.. لأننا أحببنا مجد الناس أكثر من مجد الله - أما هذه القديسة فعاشت لمجد الله، أمضت كل أيام حياتها في انسحاق كامل من أجل الرب لكن في إشراق دائم وكانت لها الطوبى حسب قول السيد: طوبى لكم إذا طردوكم وعيروكم وقالوا فيكم كل كلمة شر من أجلى كاذبين، افرحوا وتهللوا فإن أجركم عظيم في ملكوت السموات، وخلصت من ذلك الإنذار الرهيب المخيف أجركم عظيم في ملكوت السموات، وخلصت من ذلك أجركم عظيم في ملكوت السموات، وخلصت من ذلك الإنذار الرهيب المخيف - الويل لكم إن قال لكم إن - الويل لكم إن قال فيكم كل الناس حسنًا. الرب قادر أن يعطينا الفهم والحكمة لنحتمل كل ما يصادفنا من أجل اسمه في بصيرة نيرة وحكمة ومعرفة..
وجسد القديسة موجود بكنيسة الروم بالقاهرة بركة صلواتها تكون معنا آمين.
يوسف حبيب