سهولة توفر المادة
توافر المادة في المجتمع مع انخفاض سعرها (مثل البانجو) يساعد على انتشارها، واستخدامها ولو على سبيل التجربة، فهذه المواد لها تأثيرها السحري على بعض الأشخاص، وتمثل بالنسبة لهم المجهول الذي يتشوقون لكشف الحجاب عنه،بينما قلة المادة وارتفاع سعرها يدفع البعض للإقلاع عنها، فمثلًا عندما احتلت إسرائيل أرض سيناء التي كان يُهرَب من خلالها الحشيش ارتفع القرش منه من جنيه ونصف سنة 1967م إلى نحو عشرة جنيهات سنة 1969م مما دفع الكثيرين للإقلاع عنه.
وعن توافر بعض المواد المخدرة بكثرة مثل البانجو يقول بعض سكان أحد المناطق الشعبية في أطراف القاهرة: "الواحد هنا ممكن يروح يجيب البانجو أسهل من أنه يجيب عيش من الفرن، على الأقل البانجو مش واقف عليه طابور زي ما هو في طابور الفرن. ده فيه عيال واقفين على النواصي يبيعوا البانجو "(20)
" لو بصيت يمين وشمال تجيب بانجو.. لو جبت كيلو بانجو وقعدت بيه في الشارع هيتسحب هواء "(21)
" هنا العيل لو معاه عشرة جنيه، يتاجر، ويجيب ورقة بانجو ويقطعها ويبيعها، والعشرة جنيه يبقوا ألف جنيه في الشهر "(22)
" الشراء هنا بسهولة جدًا، حتى لو نزلت السبت من الشباك تلاقي فيه ورقة بانجو من غير ما تتعب أو تدور "(23)
وتقول فتاة جامعية " والناس بتبيعه (البانجو) في الشارع زي الخضار، وعلى القهوة مع الشاي، ومفيش حد يحاسب الناس دي "(24)
وما يزيد من صعوبة القضاء على المادة المخدرة أن المدمنين يبتكرون طرقًا عجيبة للإدمان، فبعضهم مثلًا يجمع الصراصير ويشعل فيها النيران ويستنشق الدخان المتصاعد منها لكيما يعمل دماغ، وبعض الفلاحين يلحسون الضفادع لأن هناك مادة مخدرة يفرزها جلد الضفدعة.
ويحاول تجار المخدرات عمل المستحيل لتوفير المادة في السوق، فأحد التجار يستغل ابن أخيه الذي لا يتعدى العشر سنوات في إحضار المخدرات له، ويقول هذا الصبي عمي قال لي " أذهب لعم أحمد البقال، وقول له هات الشكولاته اللي عمي بيأخذ منها، وخلي بالك أنها شكولاته مُرَّة، وأوعى تأكلها.. وعقلي وزني.. فأكلتها.. كنت حاموت، وقعدت شهرين في مستشفى الحميات "(25)
ويقول أحد سكان مدينة السلام عن تجار المخدرات " الأول يبتدوا بتعليم الأولاد الشرب، وبعدين يشغلوهم في البيع.. ويا عالم بعد كده هيحصل أيه "(26)
ويقول آخر " الموزعين عيال 15 أو 16 سنة، اتعودوا يكسبوا من الهواء.. لو اشتغل في ورشة هيكسب 30 جنيه في الأسبوع ويطلع عين أمه.. وهو بيكسب أدهم عشر مرات في توزيع البانجو"(27)
كما يستغل تجار المخدرات أولاد الشوارع، وعن هؤلاء الأولاد يقول د. سمير صبحي نيقولا "أولاد الشوارع كثيرين ولسنا على دراية بهم، بل نضطهدهم. إنهم طبقة مظلومة. هؤلاء الأطفال يقابلون أولاد المدارس ولهم دور في الاتجار بالمخدرات.. أولاد الشوارع خطر على أنفسهم وعلينا. إنهم جيل منتٍه قبل أن يبدأ"(28)
ويقف بعض الصبية على أبواب المدارس يبيعون الورد والياسمين بأسعار مجزية بعد أن يرشوا عليها إسبري مخدر به مادة الكوكايين، وأكثر من هذا فقد قبضت جهات الأمن على عاملة كانتين بمدرسة ابتدائية راقية بالإسكندرية، لكيما تزيد مبيعاتها من المصاصات كانت تضعها في ماء مذاب فيه مادة مخدرة ثم تعيد تغليفها، وعندما تناول أحد الأطفال أكثر من مصاصة في اليوم أصيب بإعياء ونُقِل إلى المستشفى وعن طريقه تم اكتشاف هذه الجريمة.
أما عن مافيا تجار المخدرات والتنسيق بينهم حتى تصل المادة إلى السوق فهو مثار للعجب، وقد حكى الأستاذ وجيه أبو ذكرى(29) قصة الشاب الوسيم الجامعي الذي يعمل في مجال السياحة، وبدأ يتعاطى الخمور وانتهى إلى الهيروين، وبعد أن كان يكسب كثيرًا أصبح لا يملك شيئًا، وعندما احتاج إلى المادة استغله تاجر المخدرات في التهريب بطريقة خيالية.. فقد أوصاه وهو أثناء عمله في مجال السياحة أن يغازل إحدى عواجيز السياح ويقدم لها الإغراءات باسم الحب، حتى توافق على السفر معه في رحلة إلى الهند.. وبدأ هذا الشاب في هذه الفترة يأخذ الهيروين مجانًا وزاد من الكمية عملًا بِالمَثَل "أبو بلاش كّتَّر منه" حتى لو كان سمًا! فكان يتناول خمس جرعات يوميًا، وبعد شهر سقطت في وسامته سائحة أمريكية عمرها 55 سنة جاءت في زيارة لمصر لتنسى زوجها الذي توفى منذ شهر، وذهب معها إلى الهند وهي سعيدة وكانت تناديه بفرعوني الصغير، وفي بومباي ذهب إلى محل هدايا معين وقال له أنه من مصر ويريد لخطيبته أكبر فيل خشبي بالهند كلها، فسأله صاحب المحل: كم تدفع؟ فقال له: عشر دولارات فقط، وأعطاه نفس العشرة دولارات التي تسلمها من تاجر المخدرات المصري، فأعطاه الفيل الخشبي الذي فرحت به الأمريكية. ثم سافر إلى ابيدجان على ساحل المحيط ونزل في قرية سياحية، وفي القرية نزل إلى حمام السباحة مع المرأة الأمريكية فجاء رجل أفريقي وهمس في أذنه " هل هناك رجل عاقل.. يترك ثلاثة ملايين دولار وينزل إلى حمام السباحة مع عجوز شمطاء " وتركه وأنصرف، ثم سافر الشاب الوسيم معها إلى باريس ومن باريس حجز مكانين على الطائرة المصرية للعودة إلى القاهرة، وقبل إقلاع الطائرة إدعى أنه نسى جواز سفره في الفندق، فتركها تركب الطائرة ووعدها بالحضور على الطائرة الثانية.. وصلت المرأة الأجنبية إلى القاهرة وعبرت من الجمارك بالفيل ولم يشك فيها أحد.. وفي اليوم التالي عاد الشاب للقاهرة واتجه إلى الفندق فعلم أن الفيل سُرق من حجرتها، فسقط مغشيًا عليه عالمًا أن نهايته قد جاءت على يد حكومة المخدرات العالمية القوية.
وعندما ذهب إلى تاجر المخدرات باكيًا وقص عليه ما كان، فوجئ بتاجر المخدرات يلقي أمامه بعشرة آلاف دولار قائلًا: هذا هو حقك.. قال له الشاب: إذًا.. أنت الذي سرق الفيل. قال: لست أنا بالتحديد، ولكن منذ أن أخذتَ الفيل من بومباي، وهو في حراستي إلى أن أستقر في القاهرة.
فسأله الشاب: أين هو؟
فقال: في عروق شباب مصر الآن، أو هو في الطريق إلى عروقهم.
واستطاع هذا الشاب الوسيم مع هذه الأمريكية بهذه الطريقة وبغيرها أن يشترك في أكثر من عملية تهريب، وصار من الأثرياء، يركب السيارة المرسيدس، وله شقة في المهندسين.. وأخيرًا نجحت الشرطة الدولية في القبض على السائحة الأمريكية وهي قادمة من أثينا ومعها "وشاح باكستاني" جميل مطرز بأحجار شبه كريمة، وما هي إلاَّ مخابئ للهيروين، وروت حكايتها بالكامل وهي تؤكد أنها لا تعرف شيئًا عن المخدرات. ولم يكتف هذا الشاب بهذا بل أراد أن يلعب نفس اللعبة لحسابه، وأراد أن يشرك زوجته معه، فجعلها تدمن الهيروين بدون إرادتها، إذ كان يعطيها منوم قبل نومها، وبعد نومها يحقنها بالهيروين حتى صارت مدمنة، وسقطت معه في القيد الهيرويني فأصبحت تابعة له، وسافر معها إلى الهند وفي بومباي حصل في هذه المرة على 60 كبسولة بها 2 كم. هيروين أبتلع كل منهما ثلاثين، وسافرا الاثنان إلى لندن، وفيها أنزلا الكرات وأمضيا أسبوعًا، وفي يوم السفر إلى القاهرة فتح الزوج الشاب كبسولة وتناول منها هو وزوجته جرعة من الهيروين وأغلقها بدون إحكام وأبتلعها ثانية مع بقية الكمية هو وزوجته، وقبل وصوله للمطار بنصف ساعة فُتِحت الكبسولة في أمعائه، فأصابته بهبوط حاد، ومات في المطار، وتم القبض على الزوجة التي سقطت ضحية لهذا الإنسان.
_____