منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 02 - 07 - 2014, 03:32 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,622

من العدالة إلى السياسة

الآن وقد تخطت عقارب الساعة العاشرة بعدة دقائق، وإذ لم تنجح خطة بيلاطس لإنقاذ يسوع، لأن الجلدات القاتلة لم تُحنّن قلب الشعب القاسي، لذلك فكر بيلاطس في وسيلة أخرى يُنقذ بها الفريسة من بين أنياب الضباع، وإذ وصل مع رؤساء الكهنة إلى طريق مسدود أراد أن يدفع بطرف ثالث إلى حلبة الصراع، فاتجه إلى الشعب اليهودي، يستفتيه في الحكم على يسوع.. انظروا إلى والي روماني وصل به الضعف إلى استجداء الشعب ليعينه على إجراء القضاء الحق، معتمدًا على مدى تعلُّق الشعب به، فكم هتفوا له منذ أيام قليلة حتى ارتجت المدينة، وكان معتاد أن يُطلق لهم كل عيد أسيرًا محكومًا عليه بالموت، وهذه العادة تسلمها الحكام الرومان من الحكام اليهود السابقين لهم تكريمًا لاحتفالات عيد الفصح، كذكرى للتحرر من عبودية فرعون، فقال لهم: هل أطلق لكم يسوع المدعو المسيح؟
وإذ لم يكن الشعب قد وصل بعد إلى مرحلة النضج التي يستطيع أن يتخذ قراره، ولم يكن سيد قراره، فهم كأوراق ميتة تجرفها الرياح، وكأسماك ميتة يحملها التيار، صمتوا برهة، وما أن سمعوا رؤساء الكهنة يقولون: لا.. بل بارباس، أخذوا يصرخون: بارباس. بارباس. أطلق لنا بارباس..
وكان بارباس هذا قاتلًا وسارقًا ومثير للفتنة، إنه ارتكب ثلاثة جرائم تستحق أشد القصاص، يداه ملوثتان بالدماء، صاحب قلب قاس ومشاعر متبلدة، مثال للفظاظة والفظاعة، يبدو أنه كان سجينًا سياسيًا، ويُعتَبر من أشد المبغضين لروما..
فمادام يسوع امتنع عن الثورة ضد روما فربما بارباس يفعل..
ومادام يسوع راح يُطهّر الهيكل من الأغنام وباعة الحمام، ولم يطهرها من الرومان الأنجاس فربما بارباس يفعل..
هذا هو الرجل الذي اختاروه بحسبما أملاه عليهم أبوهم إبليس، وهذا هو يسوع الرقيق العطوف الحنون القدوس الطاهر البار الذي رفضوه..
أيدان البار ويُطلق الأثيم؟!
أتموت الحياة ويحيا الموت؟!
وأعاد بيلاطس القول على الشعب: مَن من الاثنين تريدون أن أُطلق لكم يسوع المدعو المسيح أم بارباس؟.. أتريدون أن أُطلق لكم ملك اليهود؟!
لقد أراد بيلاطس أن يسخر من تهمة اليهود الباطلة، ولذلك دعى يسوع ملك اليهود، وفات على بيلاطس أن مثل هذا السؤال يدينه كوالٍ وكقاضٍ، لأنه ترك منصة الحكم للخصم، وتنازل عن إجراء الحق، ووضع البار والأثيم في كفتين متساويتين، وللأسف فإن الشعب الأعمى هتف مرجحًا كفة بارباس، وكأنه هو القديس البار، ورفضوا يسوع، وكأنه هو الخاطئ الأثيم الذي لا يستحق أن يعيش..
الأمر العجيب أن معنى اسم بارباس "ابن الآب" فاليهود يرفضون ابن الآب الحقيقي ويطالبون ببارباس الذي له الاسم فقط وهو محترف اللصوصية.


من العدالة إلى السياسة
St-Takla.org Image: Give us Barabbas. Charles Louis Muller. John 18:40 - from the Bible and Its Story book
صورة في موقع الأنبا تكلا: أطلق لنا باراباس (بارباس)، رسم الفنان تشارلز لويس مولر - إنجيل يوحنا 18: 40 - من كتاب الكتاب المقدس وقصته
وعاد بيلاطس يسأل الجمهور الثائر: وماذا أفعل بيسوع؟
وكان يتوقع أن يتركوا له حرية التصرف مادام سيطلق لهم بارباس، وكان بيلاطس على استعداد تام لإطلاق الاثنين، بارباس من أجل عيد الفصح، ويسوع من أجل براءته.
ولكن الشعب العنيد ظل يصرخ: اصلبه.. اصلبه..
أخذ بيلاطس يتماحك للشعب لعله يعود إلى عقله، فعاد يسألهم: وأي شر عمل؟
وإذ لم يجدوا جوابًا ازدادوا صراخًا: اصلبه.. اصلبه..
وعوضًا عن تقديم الأدلة والبراهين التي تثبت شر يسوع، قدموا صراخًا وصخبًا وضجيجًا.. أليست هذه هي الهمجية في أقوى صورها؟! ووقف داود النبي يعزف على الناي الحزين " أكثر من شعر رأسي الذين يبغضونني بلا سبب.. صرت أجنبيًا عند إخوتي وغريبًا عند بنو أمي" (مز 69: 4، 8).. ويخيَّل لمن سمعهم يهتفون له يوم الأحد الماضي إن العالم كله ذهب وراءه، ويُخيَّل لمن يسمعهم يهتفون ضده الآن إن العالم كله يقف ضده، وهكذا حال العالم كما قال سينيكا فيلسوف روما " إذا رأيت الذين يمدحونك فأعرف أنهم إما أن يكونوا كلهم أعداءك، أو أنهم سوف يكونون أعداءك" (18).
وتعجب بيلاطس من هذا الشعب الأحمق الذي يطيع رؤساء الكهنة طاعة عمياء، حتى لو زجوا به إلى الجحيم.. لو فكروا وتريثوا قليلًا لعلموا أنه من الأفضل لهم أن يعيش يسوع بعد تلك الجلدات، لأنه سيتخلى عن رسالته، ويتوارى عن الأنظار، ولاسيما لو كانت رسالته من ذاته، بدلًا من قتله الذي سيكون شهادة عليهم.
وإذ ضجر بيلاطس منهم قال لهم: خذوه أنتم واصلبوه لأني لست أجد فيه علَّة للموت.
صرخوا: لنا ناموس وبحسب ناموسنا يجب أن يموت لأنه جعل نفسه ابن الله.
واقترب أحد أفراد الحرس إلى الوالي يسلمه وريقة صغيرة ملفوفة، وإذ هي رسالة (تلغرافية) من زوجته العزيزة كلوديا تحمل تحذيرًا قويًا لبيلاطس من إيذاء يسوع " إياك وذاك البار لأنني تألمت اليوم كثيرًا في حلم من أجله "..
تُرى ماذا رأيتِ يا كلوديا في حلمك، وماذا أبصرتِ؟!
أرأيتيه معذبًا مهانًا محتقرًا ومخذولًا؟!
هل عاينتِ جروحه وجلداته يا كلوديا؟!
أم إنك رأيتيه ملكًا متوجًّا للسماء والنجوم والأفلاك تسجد له؟!
أرأيتِ الأبرع جمالًا من بني البشر مكلَّلًا بالأشواك؟!
ماذا رأيتِ وماذا أبصرتِ يا كلوديا..؟! لا أحد يعلم..
وإذ كانت للأحلام معناها ومغزاها لدى الرومان، ارتجف قلب بيلاطس فيه، وشُلَّ عقله عن التفكير، ولاسيما أن رؤساء الكهنة قالوا حالًا "لأنه جعل نفسه ابن الله" فازداد خوفًا، فالفكر الأممي يقبل تجسد الآلهة وتناسلهم وصراعاتهم، وخشى بيلاطس أن ينجح الشعب اليهودي في خلق صراع رهيب بينه وبين الآلهة، فازدادوا خوفًا وشؤمًا من هذه القضية.
ودخل بيلاطس إلى دار الولاية واختلى بيسوع قائلًا له: من أين أنت؟.. أما تكلمني؟!
أمن هذا العالم أنت أم من عالم الآلهة؟!
من هو أبيك؟.. هل هو إله اليهود فقط أم إله العالم كله..؟! أم أنه ذاك الذين يقولون عنه إنه خالق الكل ومدبر الكل وضابط الكل؟!
أنت ترفض أن تتحدث عن نفسك.. أفلا تحدثني عن أبيك الإله العظيم؟!
وحاول بيلاطس أن يغوص في عيني يسوع المتورمتين لاكتشاف الأسرار الدفينة، ولكن يسوع لم يسمح له بهذا.. حفظ يسوع صمته، الصمت الذي يدين بيلاطس ويؤرقه ويقض مضجعه ويفضحه أمام نفسه.. كيف تحكم يا بيلاطس ببراءته وبجلده في آن واحد؟!
وبعد أن جلدته -ومن المفروض أن الجلد عقوبة كاملة- لماذا تُعرّضه لعقوبة أخرى؟!
وكأن يسوع يسأله: أين الحق الإلهي وأين العدل الروماني الذي تتشدق به يا بيلاطس؟!
أعلمت لماذا لم أخبرك عن الحق عندما سألتني..؟! لأنك تفضل مصلحتك فوق الحق، وتهادن اليهود العنفاء على حساب العدل.
وتضايق بيلاطس جدًا لأنه شعر في نفسه أنه يبذل كل وسيلة لإطلاق سراحه، ويسوع لا يهتم بتبرئة نفسه، فقال له: ألاَّ تدافع عن نفسك..؟! وهوذا رفض يسوع للإدلاء بأقواله شهادة على ظلم بيلاطس البيّن..
ووقف إشعياء النبي يشرح الموقف " ظُلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تُساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه" (أش 53: 7) ونطق داود بلسان يسوع "وأما أنا فكأصم. لا أسمع. وكأبكم لا يفتح فاه. وأكون مثل إنسان لا يسمع وليس في فمه حجة" (مز 38: 13، 14) وقال إشعياء " من الضغطة ومن الدينونة أُخذ" (أش 53: 8) والضغطة هي ضغطة اليهود، والدينونة هي دينونة بيلاطس، ومازال يسوع صامتًا رغم ارتفاع لجج بحر البشر الهائج وصراخهم " اصلبه.. اصلبه " بل أن لسان حال يسوع يقول "خذوني واطرحوني في البحر فيسكن البحر عنكم" (يو 1: 12).
وأراد بيلاطس أن يحفز الأسير، ويحمله على الكلام فقال له: ألستَ تعلم إن لي سلطانًا أن أطلقك وسلطانًا أن أقتلك؟.. ورغم إن يسوع وصل به الإنهاك إلى درجة قصوى، لكنه أجاب على سؤال بيلاطس، وبطريقة مهذبة لا تجرح المشاعر: لم يكن لك عليَّ سلطان البتة لو لم تكن قد أُعطيت من فوق. لذلك الذي أرسلني إليك له خطية أعظم..
ورغم إن بيلاطس لم يستوعب عمق هذا القول الذي يلفت فيه المُعلّم نظر بيلاطس لله الآب ضابط الكل ومانح السلطان، وأيضًا يلصق المسئولية برؤساء الكهنة الذين أسلموا دمًا بريئًا، ولكن رغبته في إطلاق ذاك الأسير ازدادت جدًا، فخرج للمرة الأخيرة يعلن براءة يسوع للجموع الهادرة، وحاول بيلاطس أن يداعب خيالهم بما يحلمون به، فرد على صراخ الجمهور: اصلبه.. اصلبه، قائلًا: أأصلب ملككم؟!
فتعالت الهتافات أكثر فأكثر واضعين إياه في مواجهة مع القيصر نفسه، إذ صرخوا قائلين: ليس لنا ملك إلاَّ قيصر.. إن أطلقت هذا فلستَ محبًا لقيصر.. كل من يجعل نفسه ملكًا يقاوم قيصر..
ولعب قيافا رئيس الكهنة بالورقة الأخيرة إذ التجأ إلى السياسة متخليًا عن الناموس، محتقرًا يهوديته، ملقيًا بنفسه وشعبه تحت أقدام قيصر وصرخ وصرخ معه الشعب الجاهل " ليس لنا ملك إلاَّ قيصر " وهم يدرون أو لا يدرون أنهم بهذا يفصلون أنفسهم بأنفسهم عن ملكوت الله، ويزجون بأنفسهم في ملكوت قيصر، وبهذه الصرخة ركضوا في طريق أبائهم " فقال الرب لصموئيل اسمع لصوت الشعب في كل ما يقولون لك. لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا حتى لا أملك عليهم" (1صم 8: 7).
"ولكيما تصل المأساة إلى ذروتها قال لهم بيلاطس في سخرية وخبث أأصلب ملككم؟ أجاب رؤساء الكهنة: ليس لنا ملك إلاَّ قيصر!..!! هنا تمزق رداء الكهنة عن آخره ليظهر معدنهم الأثيم. لقد تنكر الكهنة لوطنهم وأمتهم ومسيحهم وباعوا نفوسهم رخيصة للأعداء. كانوا مستعدين أن يضحوا بكل شيء في سبيل التخلص من يسوع..!! كانت المبارزة عنيفة والمعركة صاخبة، استطاع فيها بيلاطس أن يذل الكهنة ويطعن كبرياءهم ويمرغ رؤوسهم في الوحل. لكن في وسط هذه المعركة وجد بيلاطس نفسه فجأة محاصرًا بين يسوع والكهنة" (19).
وتعبير "محبًا لقيصر" ليس نعتًا، إنما هو لقب لعظماء الضباط الذين يؤدون خدمات جليلة للإمبراطورية الرومانية، و"لست محبًا لقيصر" تعني أنك يا بيلاطس لو برأت يسوع فإنك بهذا تفصل نفسك عن هؤلاء الضباط العظماء. ثم نقل اليهود الاتهام إلى مرحلة سوداء، إذ اتهموه بأنه يقاوم قيصر، وهذا اتهام واضح وصريح لبيلاطس بالخيانة لو أطلق يسوع هذا..
حقًا إن اليهود الخبثاء عرفوا نقطة الضعف لدى بيلاطس فشدَّدوا العزف على ذات الوتر: إنك يا بيلاطس تمالئ هذا الشخص الذي يدعو نفسه ملكًا على حساب سلطان قيصر روما، فأنت إذًا لست أمينًا لواجبك.. وهذا ما يفعله اليهود من جيل إلى جيل، فيتحكمون في أقدار الملوك والرؤساء، ويرفعون من يشاؤون ويخفضون من يشاؤون {كما قتلوا فيما بعد جون كنيدي وقتلوا قاتله فتاهت القضية وضاعت}.
ونجحت الصرخات المدوية للشعب القاتل في أن تهز كرسي الوالي الذي يعلوه النسر الروماني هزات قوية كادت تطلق هذا النسر، فيصبح هذا الكرسي بلا سلطة مثله مثل أي كرسي آخر، وشعر بيلاطس أنهم نجحوا في إخراج القضية عن مسارها الرئيسي، فلم تعد قضية إنسان برئ يُحاكم، إنما صارت قضية تمس أمانة بيلاطس تجاه القيصر، وهو يعلم تمامًا أن اليهود باتوا على استعداد لبيع أنفسهم لقيصر مقابل خلاصهم من يسوع، ولذلك فإنهم لن يتورعوا أبدًا في إرسال وفودهم وشكواهم إلى طيباريوس قيصر الذي أدمن سماع الوشايات، وإذ رأى بيلاطس أنه قد بات من المستحيل إسكات هذه الأصوات المزعجة، وبات من المستحيل إقناع رؤسائهم ببراءة المتهم ولم يعد أمامه غير طريقين، أولهما إحقاق الحق وإعلاء القانون وتبرئة يسوع، وهذا ينطوي على مجازفة حيث يخاطر بيلاطس ليس بكرسيه فقط، بل وبحياته أيضًا. أما الطريق الثاني فينطوي على خضوع بيلاطس وإحناء هامته الرومانية أمام العاصفة اليهودية الهوجاء، وتسليم البريء للموت..
وإذ عجزت العدالة الرومانية تمامًا عن حماية يسوع البريء، وإذ تصرَّف بيلاطس كحاكم وليس كقاض، وتحوَّل من العدالة إلى السياسة، وفضل الاستقرار عن العدل، ورفض دفع ثمن الحق من حسابه الخاص.. إذًا فليمت يسوع وأعيش أنا..
وإذ أراد بيلاطس أيضًا أن يُسكت ضميره الثائر، ويحفظ ماء وجهه، أشار إلى أحد جنوده يطلب ماء لغسل يديه، وتقدم جنديان أحدهما بمغسل والآخر بالإبريقلا، فغسل يديه قدام الجموع قائلًا: إني برئ من دم هذا البار. أبصروا أنتم.
فالكهنة الذين سبقوا وقالوا ليهوذا " أنت أبصر " قال لهم بيلاطس الآن " أبصروا أنتم " لأنه " بالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم ويزاد" (مت 7: 2) والحقيقة أنه لا يهوذا، ولا الكهنة ورؤساءهم، ولا بيلاطس يقدرون أن يتبرأوا من دم البار، ولكن قول بيلاطس هنا " إني برئ من دم هذا البار " لهي شهادة صارخة على براءة المصلوب.. إذًا يسوع لم يُصلَب لأجل علَّة تخصه لكن لأجل علَّة تخصنا نحن.. هو ليس بخاطئ ولكنه حامل خطايا البشرية جمعاء، ومن جانب آخر مهما غسل بيلاطس يديه بالماء فلن يقدر أن يزيل منهما دم المصلوب البريء، وكلما نظر بيلاطس إلى يديه يجدها حمراويتين بحمرة الدم دم الحمل.. فالماء لا يغسل الخطية أبدًا..
ومازالت أيدي بيلاطس مع أيدي اليهود تقطر بدم الحمل، فبيلاطس لم يحكم بالحقكما أعلن اليهود تحملهم مسئولية سفك دم يسوع البار.. اسمعي أيتها الأرض وأصغي أيتها السموات.. ليكن هذا الشعب اليهودي شعبًا ملعونًا هو وبنيه من جيل إلى جيل لأنهم لبسوا اللعنة كثوب فغطتهم، ولن ينجوا منهم أحدًا إلاَّ من يعترف أن آباؤه صلبوا يسوع البار، ويؤمن بهذا البار، وهذا ما أكده الآباء الرسل فيما بعد،.. لقد واجههم بطرس الرسول " وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه" (أع 2: 23) " رئيس الحياة قتلتموه" (أع 3: 15).. " يسوع الذي أنتم قتلتموه معلقين إياه على خشبة" (أع 5: 3) وواجههم إسطفانوس " البار الذي أنتم الآن صرتم مسلّميه وقاتليه "(أع 7: 50) وقال عنهم بولس الرسول " اليهود الذين قتلوا الرب يسوع" (1تس 2: 14، 15).. لقد أسلموا البار إلى أيدي الرومان، فأسلمهم الله أيضًا إلى أيدي الرومان، فهجم عليهم تيطس القائد الروماني سنة 70م وأذاقهم العذابات وجرَّعهم الآلام التي لم ترها ولن تراها أمة أخرى وتحقق فيهم قول المعلم " لأنه يكون في تلك الأيام ضيق لم يكن مثله منذ أيام الخليقة التي خلقها الله إلى الآن ولن يكون" (مر 13: 19) وكم أخطأ المجمع الفاتيكاني الثاني (1962 - 1965م) عندما أصدر وثيقة تبرئة اليهود من دم يسوع البار، وبالتالي حكم بخلاصهم، بل بخلاص الهندوسيين والبوذيين، وعبَّاد الأصنام جميعًا مادامت نيتهم حسنة وأعمالهم صالحة.. يا خسارة عذاباتك ودمك المسفوك يا يسوع!!!
وهكذا يا صديقي جاءت محاكمة يسوع البار أغرب وأعجب محاكمة في التاريخ البشري، ولك أن تتصوَّر صيغة النطق بالحكم "حكم بيلاطس البنطي والي اليهودية على يسوع بالبراءة ثلاث مرات، وينفذ فيه حكم الإعدام صلبًا".. وأسلم يسوع لمشيئتهم.. أما يسوع فلم يكن الحكم بموته صلبًا مفاجأة له. إنما هو في علمه منذ الأزل، وقد أباح بها عبر مئات السنين من خلال النبوات، وصرح بهذا لتلاميذه مرارًا وتكرارًا، ولذلك عندما سمع النطق بالحكم لم يخور ولم يمتقع وجهه ولم يرتعب ولم ترتعش ركبتاه. إنما تحمل الخبر كقائد مغوار في حومة الوعي متحفزًا لدفع حياته ثمنًا لرسالته التي آمن بها..
ورغم إن مجلس الشيوخ الروماني كان قد أصدر أمرًا بأن لا ينفذ حكم الإعدام في المتهم إلاَّ بعد النطق بالحكم بعشرة أيام لئلا يكون هناك اندفاع أو طياشة في صدور الحكم، ورغم إن قضية يسوع هذه لم تخلُ من الاندفاع والطياشة، فإن الوالي أمر بتنفيذ الحكم على الفور، فأمر قائد المئة بمباشرة مهمة الصلب، مع صلب ديماس وأماخوس اللصان اللذان ينتظران تنفيذ العقوبة، قائلًا في نفسه عندما يُصلب ثلاثة أشخاص بينهما واحد برئ، فإن العدالة تكون قد تحقَّقت بنسبة 67 % أما لو صُلب يسوع بمفرده فإن الظلم سيتحقق بنسبة 100 %..
واحسرتاه على العدالة المذبوحة.. هوذا دم الحمل شاهد.. لقد ذَبح بيلاطس ضميره أولًا، وبضميره المذبوح حكم بذبح يسوع البار، ووقف النبي الباكي يعزف على الناي الحزين " وأنا كخروف داجن يُساق إلى الذبح ولم أعلم أنهم فكروا عليَّ أفكار قائلين لنهلك الشجرة بثمرها ونقطعه من أرض الأحياء فلا يُذكر بعد اسمه" (أر 11: 19).
وبمجرد أن أصدر بيلاطس حكمه الجائر انطفأت ثورة الجماهير، فقد انتصروا ونالوا مبتغاهم، وفي الوقت الذي أُقتيد فيه يسوع إلى الصلب أُطلق سراح بارباس، فصار حرًا طليقًا ينعم بالحرية والحياة بفضل الذبيح الأعظم الذي صُلب نيابة عنه وعن كل خاطئ أثيم، فقد انفتحت أبواب السجن، وخلع الحراس عن يدي بارباس الأكبال الحديدية، فخرج حرًّا طليقًا لا يصدق ما يجري.. منذ لحظات تناهى إلى مسامعه صوت الجماهير تهتف باسمه "بارباس.. بارباس" والآن ينطلق من سجن الموت، وقد أخبره أحدهم أن ثمن حياته هو موت يسوع، فقصد أن يرى يسوع فرآه هادئًا رقيقًا يشع من عينيه الطهر والنقاء والصفاء تعلوه سمات الوقار والاتزان بعيد تمامًا عن الخشونة والغضب والهياج والعصبية، وتلاقت عينا يسوع مع عيني بارباس، وشعر بارباس كأن يسوع يبتسم له من عمق عذاباته مهنئًا إياه بالحياة الجديدة والحرية السعيدة، حتى إن بارباس عندما أسرع إلى كهفه ولصوصه لم يجد راحة في نفسه، فعاد إلى يسوع يتابع الأحداث بدقة ومشاعر فياضة.
وبعد إصدار الحكم جلس بيلاطس يكتب رسالة مطولة إلى معلمه سينيكا جاء فيها "في الليلة الفائتة تم القبض على يسوع بمعرفة مندوبين عن السنهدريم تُعزّزهم فرقة من جنودنا، واليوم انتشرت الأخبار بأنه قد تم الاتفاق بين الحاكم وبين مجلس السنهدريم -على حد قولهم- على أنه من الأفضل التخلص من يسوع.. ومرت حادثة القبض عليه بغير مضايقات، ويسوع نفسه لم يبد أقل مقاومة، أما أتباعه فقد هربوا، وأعتقد أن معظمهم قد فروا عائدين إلى منازلهم.
بعد هذا مضوا بالسجين إلى بيت رئيس الكهنة حيث قام قيافا مع بعض كبار الكهنة بفحصه حتى الصباح.. تجدهم (رؤساء الكهنة) يمضون في إتهامه بالعمل ضد الناموس بقصد ضمان تأييد الجماهير لهم..أمرتُ بإرساله إلى أنتيباس باعتباره واحدًا من رعايا الجليل ليتصرف معه كمخلٍ بالأمن بدأ نشاطه في ولايته، لكنه أعاده إليَّ برد مهذَّب يطلب مني أن أتصرف في الأمر بمعرفتي لأن الرجل قد قُبض عليه في أورشليم..
لم تستغرق المحاكمة وقتًا يُذكَر، وكان الاتهام الموجه إلى يسوع هو إخلاله بالأمن وإعلانه نفسه ملكًا لليهود، وكان هناك شهود ضده بعضهم من رجالنا وآخرون من اليهود من كل من الجليل وأورشليم، كما شهد ضده كل من حنان وقيافا وقادة الصدوقيين وقلة من الفريسيين، لأن معظم هؤلاء لا تهمهم في شيء مقاومة القيصر مع أنهم يشاطرون الآخرين رغبتهم في موت يسوع.
وعندما قال أحد الكهنة أنه يتهجم على ديانتهم بادرت بإسكاته لأنه، كما أنهم لا يسمحون لنا بالتدخل في أمور ديانتهم، هكذا يجب ألا نسمح لهم بإقحام ديانتهم في إجراءات اتخذتها الدولة، فيسوع متهم سياسي لأنه يُعلن نفسه ملكًا وهو بهذا يقاوم قيصر، ويستوي إن كانت هذه المقاومة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وهذا أمر يخصنا نحن ولا شأن لهم به. فليتخاصموا معًا على يهوه كما يشاؤون، وليفعلوا في هيكلهم ما يفعله المصريون في معبد إيزيس، فكل هذا لا شأن لنا به، ولكن إن حدث في الهيكل أي شغب فعندئذ يصبح الأمر من اختصاصنا وعلينا أن نتحرك..
وعندما سألته عما إذا كان يعتبر نفسه ملك اليهود قال لي " أنت تقول " وهذه اتهامات خطيرة وأخطر من الاتهام الذي اتخذه أنتيباس ذريعة لإعدام يوحنا المعمدان، لأن كونه المسيا يعني زوال سلطاننا - نحن الرومان - وزوال سلطان الكهنة أيضًا..
وكانت إجابات يسوع المقتضبة تفيد أنه يعلم أننا راغبون في إلصاق التهمة به، وكان يتكلم في جرأة بالغة ودون أدنى خوف أو اضطراب.. ورغم أنه كان يرى نفسه مُحاطًا بأعداء قد أعدوا العدة لقتله، رغم هذا كان يقف صامدًا جامدًا كالصخر لا يلين..
في النهاية حكمت عليه بالموت، ولم يكن في استطاعتي أن أفعل غير هذا، فكل الطرق التي كانت أمامي كانت تؤدي إلى هذه النهاية. برغم إن ألكساندر كان قد أخبرني أن يسوع منع الشعب من تنصيبه ملكًا عليهم مُستخدمًا في هذا كل قوته، كما أخبرني بأنهم اتهموه كذبًا لأنه لم ينادي بأنه هو المسيا أو المخلص الذي ينتظرونه"
رد مع اقتباس
قديم 13 - 07 - 2014, 07:00 AM   رقم المشاركة : ( 2 )
emy gogo Female
..::| مشرفة |::..

الصورة الرمزية emy gogo

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 122121
تـاريخ التسجيـل : Feb 2014
العــــــــمـــــــــر : 38
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 8,823

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

emy gogo غير متواجد حالياً

افتراضي رد: من العدالة إلى السياسة

من العدالة إلى السياسة
  رد مع اقتباس
قديم 13 - 07 - 2014, 10:16 AM   رقم المشاركة : ( 3 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,622

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: من العدالة إلى السياسة

شكرا على المرور
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
العدالة الإلهيّة أم العدالة البشريّة؟
السياسة ف مصر
السياسة
فصل تادين عن السياسة
فصح العدالة


الساعة الآن 11:38 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024