لماذا لم يتجسد الله عقب سقوط آدم مباشرة؟
ج : عندما ولدت حواء قايين مولودها الأول ظنت انه هو المخلص وقالت "اقتنيت رجل من عند الرب" (تك 4: 1) ولكنه كان أبعد ما يكون عن الخلاص، وعندما ولدت شيث ظنت أيضًا انه هو المخلص ولم يكن هو، وطال الانتظار والترقب ولجأت البشرية للطبيعة الخلابة بأنهارها وجبالها وشمسها وقمرها تلتمس منها الشفاء، ولكن كيف يهب الجماد الإنسان الحي الشفاء؟.. إن الطبيعة التي سحرت الإنسان عجزت عن شفائه من مرض الخطية القاتل، وفشل الإنسان فشلًا زريعًا، فلا حكمة قدماء المصريين ولا فلسفات اليونان، ولا قوة الرومان استطاعت أن تخلص الإنسان من ورطة الخطية.
أما الله فقد تعهد الإنسان بالآباء والأنبياء والناموس حتى جاء ملء الزمان فأرسل ابنه مولودًا من العذراء مريم.. ملء الزمان الذي بدأت فيه الدولة اليهودية في الانهيار التام على أيدي النسور الرومانية.. ملء الزمان حيث ظهرت الإمبراطورية الرومانية القوية التي ربطت العالم كله بلغة واحدة رسمية هي اللغة اليونانية، وشبكة طرق امتدت من كل مكان إلى روما حتى قيل أن كل الطرق تؤدي إلى روما، وعلى هذه الطرق سار رسل الحمل ينشرون الكرازة في كل مكان.. ملء الزمان حيث بلغ احتياج الإنسان للمخلص إلى أقصاه، وعلى حد تعبير الأستاذ عباس العقاد "كما عجزت جميع الفلسفات عن أن تشبع الفكر أو تغذي الروح، وأفلست عن الوصول بالإنسان إلى المبادئ والقيم التي تنادي بها، وما استطاع فلاسفة الرواقية والابيقورية أن يقودوا إلى حياة الكمال والطهر والنقاء" (1).. ملء الزمان حيث تُرجِمت التوراة من اللغة العبرية إلى اللغة اليونانية بما تحويه من كنوز النبؤات والرموز للمسيا المنتظر، وانتشار هذه الأفكار الإلهية التي هيأت ذهن العالم لقبول المخلص.. ملء الزمان حيث جاءت للعالم مريم العذراء أطهر نساء العالمين، ويوسف البار، ويوحنا المعمدان.. إلخ.