تختلف ردود الفعل عند إثارة التساؤلات الدينية سواء بطريقة مباشرة أو بطريقة ضمنية. فهناك المسيحي الذي يسمع وبطبيعته الصامتة الساكتة لا يعطى اهتمامًا. وهناك الذي يسمع ويؤثر الصمت بإرادته تحاشيًا للمهاترات والمجادلات وما ينجم عنها وليس له جهد أن يتصدى لها. وهناك الذين يملكون القدرة على المواجهة الكلامية ولا يطيقون الصمت ولهم حمية الدفاع عن الإيمان. وهؤلاء عندما يتصدون للرد فعليهم أن يختاروا أحد موقفين حسب حالة السائل أو المناقش. والموقف الأول هو الرد على السائل بالاستعانة بالإجابات المعروضة في هذا الكتاب وأيضًا من قراءاتهم في كتب أخرى. والموقف الثاني هو حيث أنهم لا يطيقون السكوت وفي نفس الوقت ليس لديهم استعداد للدخول في مجادلات دينية فيمكنهم اختيار بعض الكلمات المهدئة للموقف والتي يتقبلها الطرف السائل.
نذكر من هذه الكلمات بعض عبارات وردت في القرآن أو الحديث أو الأمثلة العادية المتداولة، تدعو إلى عدم المجادلات المثيرة في الدين وترك أصحاب كل دين وشأنهم واعتبار موضوع الدين أمرًا يخص مساءلة الله وحده سبحانه وتعالى. وذلك مع الاعتذار عن أي خطأ في معرفة المصدر لبعض منها:
يقول القرآن للرسول "قل... لكم دينكم ولى دين" بما يعنى أن كل واحد له دينه الخاص به فلا داعي للدخول في مساجلات حول أمر شخصي يقوم على الاعتقاد والتصديق والإيمان. ولو التزم كل واحد منا بهذا المبدأ الفاضل لعاش الجميع في محبة كأسرة واحدة.
ويساند هذا المعنى قول القرآن "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" مما يعنى عدم إقحام المجادلات على العلاقات الإنسانية.
ويقول القرآن الكريم "لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة" مما يعنى أن مشيئة الله أن يكون الناس أممًا ولو أرادهم أمة واحدة لفعل ذلك. وكل أمة بالضرورة لها لسانها أي لغتها ولها دينها وعقائدها.
هذا المعنى الذي استوحاه أمير شعراء مصر أحمد شوقي في قصيدته التي قال فيها:
الدين للديان جل جلاله لو شاء ربك لوحَّد الأقوام
وهذا المعنى هو الذي أخذ منه حكماء القوم في مصر أيضًا شعارهم الوطني "الدين لله والوطن للجميع" وذلك درءًا لمحاولة المستعمر من اتخاذ الدين وسيلة للتفريق بين أبناء الوطن الواحد. انطلاقًا من القاعدة غير الأخلاقية "فَرِّق تَسُدْ" أي أَوْجد الخصام بين طرفين لكي تتسلط عليهما معًا. وليس المستعمر فقط ولكن بعض الحكومات أيضًا تلجأ لهذا الأسلوب لكي تُلهى الشعب عن أن ينشغل بانتقادها أو إظهار أخطائها.
وينبه القرآن أهله أن يرفعوا يدهم عن أصحاب الدين الآخر فيقول لهم "تلك أمة قد خلت. لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسألون عما كانوا يعملون" (البقرة 134) أي يا أمة الإسلام توجد أمة سابقة عليكم وقد كانت لها مكاسبها من الله. وأنتم لكم مكاسبكم منه تعالى. وسوف لا يسألكم الله عن أعمالهم وتصرفاتهم أي لستم أصحاب مسئولية عليهم.
كما يقول القرآن للرسول أيضًا "وما أنت عليهم بوكيل" (الأنام) مما يعنى صدور الأمر للرسول برفع وكالته عن النصارى. فإن كان هذا هو الوضع مع الرسول الكريم. أفلا يكفى هذا لأي مسلم أن يرفع وكالته عنهم ويتركهم لحال دينهم ولا يجعل من نفسه قوَّامًا عليهم مقتديا بما أُمِرَ به الرسول؟
هناك أيضًا مقولة "الدين عند الله المعاملة" أي أن الإنسان يتكلم عن دينه بمعاملته مع الناس، فليس الدين عقائد في الذهن وإيمانًا باللسان. ولكن المتدين الحقيقي يظهر تدينه في ترجمة دينه إلى سلوك طيب مع الناس. كما أنه من جهة أخرى لا شأن لك بديني لأن ما يهمك منى هو معاملتي لك. فالمعاملة الطيبة هي عنوان التدين السليم وكفى. وهذا هو الدين في نظر الله نفسه بمعنى أن الذي يعامل الناس معاملة طيبة فتدينه مقبول عند الله. ومن يعامل الناس معاملة سيئة فالله يرفض تدينه ولا يقبله.
وهناك مقولة أخرى "لا فضل لعربي على عجمي إلاَّ بالتقوى" أي أنه لا امتياز لك أمام الله يُفَضِّلك به على الأعاجم سوى تقواك. إذًا اجتهد أن تتقى الله في معاملتك للناس. وليس من التقوى أن تحاربني في ديني.
وهناك أمر مسلَّم به أن "الله يحب المتقين" ولا تقوى في قلبٍ يحمل العداوة للآخرين. إذًا نقِّ قلبك من كل كراهية لتنال محبة الله ورضاه.
وهناك القول الكريم "وإن جنحوا للسلم فاجنح لهم" (سورة الأنفال 61) أي ليكن اتجاهك إلى مسالمة الناس ولاشك أن المجادلة في الدين تثير النفوس مما يؤدى للتفريق بين الناس من بعضهم البعض. وليس هذا من السلم أو المسالمة.
ويقدم القرآن تصريحًا مباشرًا عن المحبة القائمة بين النصارى وبين الذين آمنوا حيث يقول "لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا. ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى وذلك بأن منهم قسيسين ورهبانًا وإنهم لا يستكبرون" فهل هناك أوضح من هذه الكلمات التي من كثرة وضوحها تصرخ في أذن كل مسلم بأن النصارى أقرب الناس إليه في المحبة والمودة. وأن أكثر العوامل جذبًا فيهم للمحبة هو وجود القساوسة والرهبان بينهم. وهم يتحلون بالوداعة والاتضاع وليسوا هم من المشركين.
وهل اختلف أو تغير نصارى اليوم عن نصارى بدء عصر الإسلام الذين ينادى الإسلام بمحبتهم؟ ومتى تم تغيرهم إن كانوا قد تغيروا وكيف تمَّ ذلك؟ إن إيماننا اليوم هو إيمان آبائنا. وكنائسنا وعباداتنا اليوم التي تقوم على عقائد إيماننا هي كنائسنا وعباداتنا بالأمس. إذًا كلام القرآن عن المودة والمحبة ينطبق على نصارى اليوم كما كان لنصارى الأمس. وإذا كنا أهل مودة ومحبة فلا داعي لزرع خلافات بيننا بسبب اختلافنا في الدين.
ويمدح القرآن الكريم النصارى كعابدين لله في قوله "من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله أناء الليل وهم يسجدون" أي من النصارى من يقرأون الكتاب ويسبحون الله الليل كله. فهل هذا لا يكفيك لإيمان النصارى؟
بل وأكثر من هذا اعتراف القرآن بديننا في قوله "وقولوا آمنا بالذي أُنزل إلينا وأُنزل إليكم" فكيف نكون كفارًا في نظرك وأنتم تؤمنون بكتابنا. وإن قال أحدكم إن كتابنا حُرِّف فليس له دليل واحد يقدمه على تحريفه.
بل ويمكن اللجوء إلينا في الاستفسار عما عسر فهمه عليكم حيث جاء كل شيء في كتابنا تفصيلًا كما يقول "ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسن، وتفصيلًا لكل شيء، وهدى ورحمة".
بل إن أكثر الأكثر هو أننا كلنا نعبد إلهًا واحدًا كما يقول القرآن أيضًا "وإلهنا وإلهكم واحد" فإن كان لنا إله واحد نحن الاثنان، فلماذا نتخاصم أو نتعادى؟. لاشك أن تقرير القرآن بأننا جميعًا لنا إله واحد، يدعونا لأن نسير جميعنا نحوه لعلنا نبلغ مرضاته من خلال الحب والخير والسلام.
لا شك أن هذه الردود جميعها لو تسلحنا بها كفيلة أمام العقلاء أن توقف أي مهاترات دينية.