رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التجدد والعودة للآباء إنّ علم الباترولوجي Patrology هو الدراسة المنهجيّة لما ورد إلينا من نصوص قديمة لآباء الكنيسة والبحث في أصالتها وتاريخها، لإعادة فهمها في السياق اللاّهوتي. لذا فهو علمٌ معني بوضع الضوابط لتحديد “الأب” كنسيًّا، وأصالة النصّ الوارد عنه، والاستخدام الأمثل لكتاباته في فهم اللاّهوت. وهو هنا يختلف عن دراسة تاريخ الأدب المسيحي المُبكِّر الذي يتناول تلك الفترة التي تتّسع لتشمل كلّ الكتابات المسيحيّة على مختلف اتجاهاتها. يكتب مايكل كاسي Michael Casey فيقول: “لقد كتب الآباء ليساعدوا الآخرين ليقتربوا فيتلامسوا مع تعاليم المسيح. وعلى قدر معرفتي، لم يكن اللاّهوت وظيفة ولا عملاً في الألفيّة الأولى. ولكنه كان مُصاحبًا ومُلازمًا للعمل الرعوي.. انطلاقًا من تلك الرؤية، فإنّ النصوص التي دُوِّنت كانت نابعة من الواقع ولها سمة الاختبار والبُعد التطبيقي”. أمّا توماس أودِن Thomas Oden رئيس تحرير مجموعة “التفسير المسيحي القديم على النصّ الكتابي”Ancient Christian Commentary on Scripture فقد كتب عن رؤيته الأوليّة للاّهوت قبل أنّ ينضج في الوعي الروحي قائلاً: “كنت قد تعلَّمت أن اللاّهوتي هو مَنْ يجب أن يُصارِع ليُخلِّق ما هو جديد في اللاّهوت.. وأن أرى الأمور من منظور مُغاير لم يَرَ به الناس، الأمور من قبل، وبالتالي تقديم مهارتي الشخصيّة وخبراتي الذاتيّة كلاهوتي، للعالم”. وبعد أنّ اطلّع أودِن على نصوص الآباء لمدّة خمس سنوات اكتشف أن ما كان يظنّه إسهامًا جديدًا في اللاّهوت قد سبقه إليه الآباء بعدّة قرون!! وفي موضعٍ آخر قال: “لقد أعادت دراساتي لنصوص الآباء تشكيلي روحيًّا ولاهوتيًّا. حتّى بداية السبعينيات من القرن الماضي، كنت لاهوتيًّا ليبراليًّا، استخلص تعليمي المسيحي من الفرضيات الحديثة. ولكن إبّان ذلك الوقت وجدت أنّ تلك النظريات والفرضيات بدأت تتداعَى، وفي المقابل بدت لي النصوص الكلاسيكيّة والتقليديّة أكثر تماسكًا وحكمة. في تلك الفترة، كان انتمائي السياسي للمذهب الماركسي، وقناعتي السيكولوجيّة مؤسّسة على تعليم فرويد، وكانت مواقفي على الحياد من جهة الأحكام الأخلاقيّة. وبدأت في قراءة النصوص المسيحيّة القديمة، وبالأخص كتابات أثناسيوس وجيروم. وحتّى ذلك الوقت كنت قد نلت حظًا وافرًا من العِلم، ولكن لم يلفت أحد نظري إلى تلك الكتابات قط”. ويوافقه بوسيُه Boissuet في نفس الرأي، فهو يرى أنّ؛ “مَنْ يريد أن يصير لاهوتيًّا بارعًا، عليه أن يُطالِع آباء الكنيسة أولاً وثانيًا”. إنّ تلك الرؤية تخالف رؤية مارتن لوثر التي طرحها في كتابه “قيد الإرادة”، إذ رأى أنّ الآباء قد أغفلوا عمدًا كلمات القديس بولس الواضحة (من وجهة نظره)، لذا ليست هناك ضرورة لقراءة الآباء!! بل وذهب إلى أنّ الآباء ليسوا مصدر ثقة!! في الكلمة التي ألقاها روبرت لويس ولكن Robert Louis Wilken في عام 2009 بمناسبة افتتاح مركز ويتون للدراسات المسيحيّة الأولَىWheaton Center for Early Christian Studies والذي تزاحم فيه مئات الإنجيليين للتسجيل لتلك الدورة، قال ولكِن Wilken إنّ معظم الطلبة الذين درسوا على يديه الآبائيّات في جامعة فرجينيا كانوا من الإنجيليين، ويعزي هذا إلى نهمٍ في العودة إلى النهر الأصيل الخارج من نبع مياه الإنجيل. ويضيف أنّ نصوص الآباء تحتوي كمًّا هائلاً من النصوص الكتابيّة([1]) ممّا أدّى إلى إعادة نظر الإنجيليين في النصوص الآبائيّة. هل تكون تلك الحركة بداية لتحرير نصوص الآباء ممّا لحقها من تشوُّه وسمعة سيّئة في العقليّة البروتستانتيّة؟ نتمنَّى ذلك. فالذكاء يقتضينا أن نبني على مَنْ سبقنا في كلّ المجالات. لقد كتب العالِم الشهير إسحق نيوتن إن كلّ ما عمله كان مستندًا على أكتاف مَنْ سبقوه من العمالقة في العِلم. على نفس القياس، نجد أنّ الخبرة الروحيّة والفهم اللاّهوتي هو عمليّة تراكميّة ومن غير المفهوم أن نبدأ في مناقشة القضايا التي حسمها الآباء بعد سنوات من الحوار والاجتماعات المسكونيّة والصلاة والرجوع إلى السابقين ممّن تتلمذوا عليهم لتقديم اللاّهوت نقيًّا من شوائب الهرطقة. ومن غير المفهوم أن نبدأ في الحياة الروحيّة دون أن نستلم ممّن سبقونا أساسيات تلك الحركة نحو ملكوت الله، وما يعترضها من صعوبات وما يصاحبها من أفراح لازمنيّة. مَنْ يريد أن يبدأ من الصفر يُصعِّب على نفسه المُهمّة؛ لأن الآباء هم إرشادٌ إلهيٌّ حفظته لنا الكنيسة ليدفعنا إلى المدَى الروحي في انطلاقة يصعب مماثلتها للمدافعين عن الخبرة الفرديّة. وهذا ما يُفسِّر العُمْق الذي تتميَّز به كتابات الآباء والذي نفتقده في الكتابات الليبراليّة المعاصرة؛ فكتابات الآباء كانت نتاج خبرة تراكميّة، بينما كتابات العصر الحالي، في معظمها، هي نتاج خبرة فرديّة أحاديّة، لا تشبع ولا تغني. كما يجب أن نُدرِك أن ما نستلمه من الآباء ليس حجْرًا على تفاعلنا الشخصي مع روح الله، واستلام دعوتنا الشخصيّة في خضمِّ الصلاة. ويبقَى الآباء ضمانتنا لعدم الانحراف عن المسار الصحيح لئلا تأخذنا النوايا الطيّبة إلى غايات ونهايات مأساويّة لافتقادنا الخبرة اللاّزمة لهذا الطريق المرصود من قوات الظلمة. ولعلّ التاريخ المسيحي يذكر لنا أنّ معظم الهرطقات التي ظهرت في الكنيسة الأولى، إن لم تكن كلّها، كانت نابعة عن غيرة إيمانيّة ونوايا طيّبة، حتّى تجمَّد مُطلقيها في قناعاتهم وحدهم ورفضوا الإنصات للجمع الآبائي. لذا علينا أن نُدْرِك أنّ الآباء ليسوا بديلاً عن الروح وليسوا بديلاً عن المسيح، ولكنهم أداة من أدوات الروح وإرشادًا لنا من المسيح؛ رفيقنا على دروب الملكوت. [1] ومن الأمور الجديرة بالذكر أنّ الإنجيل كان موضوعًا في مركز القاعة التي كانت تضم الإمبراطور والأساقفة المجتمعين في نيقيه (325م) إذ يبقَى الإنجيل هو المقياس لكلّ قول أو فكر يُطرَح من المجتمعين. |
28 - 06 - 2014, 06:32 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| مشرفة |::..
|
رد: التجدد والعودة للآباء
ربنا يعوض تعب خدمتك |
||||
28 - 06 - 2014, 07:46 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: التجدد والعودة للآباء
شكرا على المرور
|
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
حزقيال والعودة والإصلاح |
يونان والعودة إلى الرسالة |
يونان والعودة إلى الرسالة |
يونان والعودة إلى الرسالة |
باتريك والعودة الى ارض العبودية |