المطران برفيريوس أوسبنسكي
وفي النصف الأول من القرن التاسع عشر أيضًا ظهرت شخصية روسية لها محبة وتقدير خاص في تاريخ الكنيستين، لما قدمت من مجهودات ملحوظة في محاولة إرجاع الوحدة بين طرفي الأرثوذكسية. هذه الشخصية كانت نيافة المطران برفيريوس أوسبنسكي الذي ولد سنة 1804م، وأتم علومه في أكاديمية سانبطرسبرج الروحية سنة 1829م، ثم درس علومه اللاهوتية في أوديسا، وفي الفترة من العام 1843م حتى 1846م قام برحلته الأولى للشرق التي شملت كلًا من: القسطنطينية، بيروت، دمشق، وطرابلس الشام ثم فلسطين. وفي النهاية قصد مصر حيث زار دير القديسة كاترين بصحراء سيناء، ووصل حتى الوادي. ثم قفل عائدًا، فقصد سوريا. كما كرر رحلته المشرقية الطويلة ما بين عامي (1858-1861م).
وفي سنة 1878م عُين عضوًا في دائرة من دوائر المجمع المقدس الروسي بموسكو الذي أتخذ قرارًا بشأن قضية الوحدة مع الأقباط. ومن أهم مؤلفاته التي كانت تتعلق معظمها بالشرق المسيحي، ذلك المؤلف الذي وضعه سنة 1856م بعنوان اعتقادات مسيحي مصر- الأقباط- وعبادتهم ورئاستهم الروحية وقوانين حياتهم الدينية، والذي صدر باللغة الروسية بمدينة سانبطرسبرج.
وقد كان المطران أوسنبسكي مقتنعًا بفكرة الوحدة اقتناع شخصي كامل، نابع من صخرة إيمانه القويم، وبضرورة وفائدة هذه الوحدة. وقد تحدث في هذا مع غبطة بطريرك الإسكندرية للروم الأرثوذكس كالينيكوس (1858-1861م) حينما كان بالقسطنطينية سنة 1859م، حيث أقنع المطران أوسنبسكي غبطة البطريرك الإسكندري بضرورة الوحدة المزعومة بين الطرفين، مما جعل البطريرك على وشك الاستعداد للتنازل عن العرش البطريركي الإسكندري لأخيه البطريرك القبطي المعاصر البابا كيرلس الرابع (1854-1861م)،والذي كانت تجمعهما صداقة حميمة. ولكن كان هناك شرط واحد في ذهن البطريرك كالينيكوس، وهو أن يقوم الأكليروس القبطي بعمل الطقوس حسب الطقس البيزنطي اليوناني وليس حسب الطقس الإسكندري القبطي. ولكن هذا الشرط لم ينل إعجاب المطران أوسنبسكي، الذي كان يريدها وحدة من الناحية العقائدية الخالصة وبدون أي شرط. وأضاف المطران أوسنبسكي أنه أقنع البطريرك كالينيكوس بهذا المبدأ المهم، كما أنه كان قد أقنع رئيس أساقفة سيناء (كيرلس) بنفس الكلام[1].
غير أن حرب القرم (1859م) التي جاءت بعد هذه الأحداث ومعاصرة لكل هؤلاء الرؤساء الروحيين، عطلت هذا المشروع الحيوي للوحدة، بل الأكثر من ذلك فقد عصفت بحياة البطريرك القبطي البابا كيرلس الرابع في 30/1/1861م بطريقة ماساوية، بسبب شكوك الخديوي من أهداف هذه الوحدة المزمع تحقيقها.
_____
[1] خريستسموس بابا ذوبولو رئيس أساقفة أثينا وسائر بلاد اليونان، تاريخ كنيسة الإسكندرية، (باللغة اليونانية الحديثة) أثينا 1934م، ص 830.