في اختلاف الحركات بين الطبيعة والنعمة
1 – المسيح: يا بني، لاحظ بتيقظ حركات الطبيعة والنعمة، فإنها، على تناقضها دقيقةٌ جدًا، وبالجهد يمكن الإنسان تمييزها، إن لم يكن رجلًا روحانيًا مستنيرًا في الداخل.
لا شك أن الجميع يبتغون الخير، ويدعون بعض الخير في أقوالهم وأفعالهم، ولذلك كثيرون يغترون بظاهر الخير.
2 – الطبيعة ذات دهاء: تجذب كثيرين فتورطهم في حبائلها وتخدعهم، ولا غاية لها أبدًا سوى نفسها؛
أما النعمة فتسلك في البساطة، “متجنبة كل شبه شر″ (تسالونكيين 5: 22): لا تنصب الأشراك، بل تصنع كل شيء محضًا لأجل الله، الذي فيه تستريح كما في غايتها.
3 – الطبيعة تأبى أن تُمات وأن تضغط، وأن تقهر وتذلل، وأن تخضع بطيبة نفس.
أما النعمة، فتعكف على إماتة الذات ومقاومة الحواس، تطلب الخضوع، وترغب في أن تقهر، ولا تريد أن تستعمل حريتها الخاصة، تحب البقاء تحت القانون، ولا تشتهي أن تتسلط على أحد، بل أن تكون وتعيش وتبقى في طاعة الله، لا بل هي مستعدةٌ لأن “تخضع، بتواضع، لكل خليقةٍ بشرية″ (1بطرس 2: 13)، من أجل الله.
4 – الطبيعة تشتغل لأجل منفعتها الخاصة، وتلاحظ الربح الذي يعود لها من الآخرين.
أما النعمة، فلا تنظر إلى ما فيه نفعٌ وربحٌ لها، بل بالحري إلى ما يعود بالنفع على الكثيرين.
5 – الطبيعة ترتاح إلى قبول الإكرام والإجلال.
أما النعمة، فترد بأمانةٍ إلى الله، كل مجدٍ وكرامة.
6 – الطبيعة تخشى الخزي والاحتقار.
أما النعمة، “فتفرح باحتمال الإهانة لأجل اسم يسوع″ (أعمال 5: 41).
7 – الطبيعة تحب البطالة والراحة الجسدية.
أما النعمة، فلا تستطيع البطالة، بل تعتنق العمل بارتياح.
8 – الطبيعة تطلب الحصول على ما كان طريفًا ظريفًا، وتكره الحقير الغليظ.
أما النعمة، فتلتذ بالبسيط الوضيع، ولا تزدري الخشن، ولا تأنف من لبس الأطمار الرثة.
9 – الطبيعة تنظر إلى الزمنيات: فتفرح بالأرباح الأرضية، وتحزن للخسائر، وتغضب لأقل كلمةٍ مهينة.
أما النعمة، فتنظر إلى الأبديات، ولا تتعلق بالزمنيات، لا تقلق لفقدان خيرٍ ما. ولا تستحر للكلام القاسي، لأنها في السماء قد جعلت كنزها وفرحها، هناك حيث لا شيء يبيد.
10 – الطبيعة جشعة، تؤثر الأخذ على العطاء، وتحب الأثرة والتفرد بالأُمور.
أما النعمة، فرحيمةٌ تشرك الآخرين، تجتنب الأثرة، وتقنع بالقليل، وترى أن “العطاء أعظم غبطة من الأخذ″ (أعمال 20: 35).
11 – الطبيعة تميل إلى الخلائق وإلى الجسد وإلى الأباطيل، وإلى التجول.
أما النعمة، فإنها تجذب إلى الله، وتستحث على الفضائل،
وتزهد في الخلائق، وتهرب من العالم، وتبغض شهوات الجسد، وتقل من الجولان، وتستحي من الظهور بين الناس.
12 – الطبيعة ترتاح إلى بعض التعزيات الخارجية، مما فيه لذةٌ للحواس.
أما النعمة، فتطلب التعزية في الله وحده، واللذة في الخير الأسمى، فوق جميع المنظورات.
13 – الطبيعة تعمل كل شيءٍ لأجل الربح والمصلحة الشخصية، ولا تستطيع أن تعمل شيئًا ما مجانًا، بل تأمل من إحسانها ما يعادله أو يفوقه -مديحًا كان أم حظوة- وهي تبتغي أن تقدر فعالها وهباتها أعظم تقدير.
أما النعمة، فلا تطلب شيئًا زمنيًا، ولا تقتضي، كمكافأةٍ لها، ثوابًا آخر إلا الله وحده، ولا تشتهي من لوازم الحياة الزمنية، إلا بمقدار ما كان نافعًا لها، لتحصيل الخيرات الأبدية.
14 – الطبيعة تفر بكثرة الأصدقاء والأقارب، وتفتخر بسمو المنزلة وشرف الأصل، تبسم للمقتدرين وتتملق الأغنياء، وتصفق لأمثالها.
أما النعمة، فتحب حتى أعداءها، ولا تترفع لكثرة الأصدقاء، ولا تحسب حسابًا لعلو المنزلة أو شرف المولد، إلا إذا كان ثمة فضيلةٌ أعظم.
تؤثر الفقير على الغني، وتشفق على البريء أكثر مما على المقتدر، تفرح بذي الصدق لا بالكذوب، وتحث دومًا أهل الصلاح على “التنافس في المواهب الفضلى″ (1كورنثيين 12: 31)، وعلى التشبه بابن الله في الفضائل.
15 – الطبيعة تتذمر سريعًا من العوز والضيق.
أما النعمة، فتصبر على الفاقة بجلد.
16 – الطبيعة تعكس كل شيءٍ إلى ذاتها، ومن أجل ذاتها تقاتل وتجادل.
أما النعمة، فإنها تعيد كل الأشياء إلى الله، مصدرها الأصلي، ولا تنسب لنفسها شيئًا من الصلاح، لا تدعي شيئًا بعجرفة، ولا تخاصم، ولا تفضل رأيها على رأي الآخرين، بل تخضع، في جميع أحكامها وأفكارها، للحكمة الأزلية، والقضاء الإلهي.
17 – الطبيعة ترغب في معرفة الأسرار وسماع الأخبار، تريد أن تظهر في الخارج، وأن تختبر بحواسها أُمورًا كثيرة، وهي تبتغي الشهرة، وعمل ما ينتج منه المديح والإعجاب.
أما النعمة، فلا تكترث للاطلاع على الأخبار والأُمور المستطرفة، لأن ذلك كله وليد الفساد القديم، إذ لا شيء جديدٌ أو دائم على الأرض.
فهي تعلم الإنسان أن يقمع حواسه، وأن يتحاشى عن العجب الباطل وعن حب الظهور، وأن يخفي، عن تواضع، ما كان جديرًا بالمديح والإعجاب، وأن يتوخى، من كل شيءٍ وفي كل علم، ثمرة الإفادة، مع حمد الله وإكرامه.
ولا تريد أن يتحدث عنها ولا عما يخصها، بل تبتغي أن تبارك الله في مواهبه، لأنه يمنح كل شيءٍ عن محبةٍ خالصة.
18 – إن هذه النعمة هي نورٌ فائق الطبيعة، وموهبةٌ خصوصيةٌ من الله، هي حقًا ختم المختارين، وعربون الخلاص الأبدي، ترفع الإنسان من الأرضيات إلى حب السماويات، وتحوله من جسديٍ إلى روحاني.
فبمقدار ما تذل الطبيعة وتقهر، يتزايد فيضان النعمة، ويتجدد الإنسان الداخلي كل يومٍ على صورة الله، بفضل افتقاداتٍ جديدة.